ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيق الحماية الاجتماعية في العالم العربي رهين بالديمقراطية الحقيقية
في لقاء مع خبراء دوليين:
نشر في العلم يوم 16 - 06 - 2011

ترى ما الذي جعل الحديث عن مواضيع من قبيل الحماية الاجتماعية في الأوطان العربية يطفو على سطح الموائد المستديرة بالمؤتمرات الدولية، ويصبح من بين أولويات الأجندات السياسية والاستراتيجيات الاقتصادية لجل الدول العربية؟ أم أن حصاد الربيع العربي سيوزع باقات فل وياسمين على كل الفئات المهمشة والفقيرة بالدول العربية؟ أم أنه سيؤمن خبزا طريا وغدا مشرقا لكل المسنين والمعاقين والأطفال الشوارع والعاطلين من أصحاب الشهادات؟ و سيخرج المأجورين بكواليس القطاع الخاص، و غير المعلن عنهم ضمن صناديق الضمان الاجتماعي، إلى عهد عربي جديد يضمن لهم العيش الكريم والديمقراطية الحقة؟ و ماهي العلاقة بين الغضب الشعبي في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفشل سياسات الحماية الاجتماعية المعتمدة بهذه البلدان؟
تساؤلات عديدة وجهتها جريدة «العلم» لخبراء وفاعلين اجتماعيين شاركوا من المغرب، تونس، الجزائر، الأردن، السعودية، مصر و لبنان، في الملتقى الجهوي الأول حول موضوع: «الحماية الاجتماعية في الوطن العربي، سياسات مقارنة»، الذي نظمته أخيرا شبكة المغرب للمجلس العالمي للعمل الاجتماعي، مؤخرا في الدار البيضاء، بشراكة مع وكالة التنمية الاجتماعية ورئاسة المجلس الدولي للعمل الاجتماعي والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، وفتحت «العلم» نقاشا مطولا مع هؤلاء الخبراء الدوليين والممثلين لبلدانهم من أجل تسليط الضوء على تجربة الحماية الاجتماعية في الشرق الأوسط ودول شمال إفريقيا، باعتبارها تشكل موضوع الساعة في خضم حراك التغيير والإصلاح التي تعرفه هذه المناطق.
الظرفية الدولية تفرض تأسيس شبكة عربية للحماية الاجتماعية
يعتبر العديد من المتتبعين لموجة التغيير والإصلاح التي يعيشها العالم العربي أو ما يرغب الغرب في تسميته بالربيع العربي، أن الظرفية تخدم كثيرا المنظمات الدولية والهيئات الوطنية العربية والقوى العربية الحية المهتمة بالتنمية السوسيو-اقتصادية، أو بالشأن الاجتماعي سواء تعلق الأمر بالحماية الاجتماعية أو النهوض بأوضاع المرأة والطفل و المعاق والفئات المهمشة، من أجل تحقيق العديد من المكتسبات ضمن السياسات الجديدة لهذه البلدان، و كانت تصريحات كل من إلتقيناهم من خبراء عرب وأجانب، تسير في نفس السياق، و تحمل بين ثناياها دعوة واضحة من اجل التكتل وتوحيد المطالب والأهداف الرامية لتحقيق العدالة الاجتماعية، و في هذا الصدد ظل الخبراء متشبثون سواء خلال تدخلاتهم في المؤتمر من خلال دردشاتهم أو خلال حديثهم مع جريدتنا، أنه لا يمكن مناقشة واقع ومستقبل أنظمة الحماية الاجتماعية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا خارج التحولات السياسية التي تشهدها المنطقة، وأصروا على أن التحول الديمقراطي بهذه البلدان مرتبط ارتباطا وطيدا بجميع السياسات والإستراتيجيات الموضوعة خاصة الحماية الاجتماعية. ووحدوا الرؤية حول أن العالم العربي لا بد أن يجعل مجانية التطبيب والتعويض عن المرض والتأمين الصحي من أولوياته حتى يمتص غضب الشوارع.
معدل الفقر سيرتفع ومفهوم الحماية الاجتماعية سيتغير
كانت تحليلات مارتن هيرش، خبير دولي و وزير فرنسي سابق وعضو فعال في هيئية عليا منبثقة عن المجموعة 20 وناشط دولي في التنمية الاجتماعية، لجريدة» العلم»، تعكس بوضوح نظرة أصحاب القرار بدول الشمال لواقع حال الرعاية الاجتماعية بالدول النامية أو ما يعرف بدول الجنوب، موضحا أنها في حاجة إلى كثير من الاهتمام ضمن سياسيات هذه الدول للتصدي للفقر والهشاشة، وأفاد أن الحماية الاجتماعية تحتاج إلى ثروات وموارد وفعالية في تدبير البرامج الإنمائية والمنظومة الجبائية، كل ذلك في إطار ديمقراطية حقيقية، وقال» إن الحماية الاجتماعية مرتبطة ارتباطا وطيدا بالديمقراطية وليس فقط بالتطور الاقتصادي، رغم ما يردده المختصون اليوم في فرنسا هو أن كل تطور نسبي يضاف إلى معدل النمو فهو ينعكس إيجابيا على تحسن مستوى عيش الساكنة...».
وحول من يمول أنظمة الحماية الاجتماعية بفرنسا كنموذج عن دول الشمال، أي الدول الغربية المتقدمة، أفاد أن مصاريف الحماية في فرنسا تصل إلى 30 في المائة من ثروات البلد، وأنها تضمن تعويضات مهمة للعائلات، وقال « نحن البلد لأوربي الوحيد الذي تتجدد في الأجيال، ومعها تتجدد سياساته للرعاية الاجتماعية كل مرة»، و اعتبر أن التأمين الصحي والتعويض عن المرض يعانيان العديد من التحديات سواء بدول الجنوب أو الشمال، وأصبحا من القضايا الأولى في العديد من الدول، مؤكدا أن توفر الثروات يساهم بشكل كبير في نجاح أنظمة الحماية الاجتماعية، وأضاف أن تأمين ديمومة منظومة الحماية الاجتماعية لأي بلد وتفادي الأزمات والنكسات الاجتماعية، تستوجب من الدول التي تحترم مفاهيم الديمقراطية تجديد سياساتها، تماشيا مع الظرفيات الاقتصادية العامة ومع التحولات التي تعرفها مجتمعاتها.
وقال إن الحديث عن الحماية الاجتماعية يفرض نفسه في ظل الظرفية الدولية الحالية أكثر من ذي قبل، سواء بالنسبة لدول الشمال أو الجنوب، ملمحا بخصوص الدول الغربية، إلى تداعيات الأزمة الاقتصادية التي عرفها العالم في السنوات الأخيرة، والقرارات السياسية التي اضطرت بعض الدول الغربية على اتخاذها لامتصاص تصدعات الأزمة، والتي أثرت سلبا على منظومة الحماية الاجتماعية بشكل مباشر أو غير مباشر، وساهمت في تراجعها، موضحا أن الاحتجاجات التي عرفتها إسبانيا قبل أيام خير دليل على الثغرات التي خلفتها بعض قرارات السياسيين والاقتصاديين لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار على حساب منظومة الرعاية الاجتماعية.
أما بخصوص دول العالم العربي، فأشار إلى أحداث التغيير والإصلاح التي تعيشها بعض الدول العربية اليوم، وقال «إن البحث عن سياسات جديدة لبلورة أنظمة ملائمة للحماية الاجتماعية واقع لا مفر منه داخل العالم العربي، و بلوغ هذا الهدف لن يتم في معزل عن تحقيق ديمقراطية حقيقية بهذه البلدان...»، مضيفا أن هناك دعوة مماثلة لمراجعة هذه السياسيات بكل من فرنسا وألمانيا و بريطانيا، لكن حكومات هذه البلدان وجدت نفسها أمام رهان أكبر، وهو تحقيق الموازنة بين توفير الحماية الاجتماعية دون التأثير على تراجع التنمية الاقتصادية، وأكد الخبير الفرنسي أن الربيع العربي والظرفية الاقتصادية الدولية تفرض علي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ربط جسور التعاون والتضامن فيما بينها، أكثر من ذي قبل، لأن إقتصاداتها متكاملة.
وحول ما إذا كانت مجموعة العشرين الخاصة بقاعدة الحماية الاجتماعية الدولية، ستعطي خريطة الطريق لبلدان الجنوب و ستضع أجندات تعزز وتخدم الحماية الاجتماعية بالدول التي عرفت ثورات شعبية مثل تونس ومصر، وقال هيرش أن المجموعة تتدارس الأمر في أن تخصص مصاريف للدعم والإعانة في هذا المجال خلال الشهور المقبلة، لكن دون السقوط في الأخطاء السابقة، حيث كانت بعض المنظمات الدولية تقدم أموالا طائلة لبعض الدول، لكن دون أن تكون هناك نتائج فعالة وملموسة للمنظومة الحماية الاجتماعية على أرض الواقع، لتفادي ذلك يجب أن يكون هناك نظام للمراقبة من اجل فرض عقوبات على الدول التي لا تلتزم بمحتوى الاتفاقيات ولا تسخر الدعم لأغراضه.
وركز هيرش في مجمل تحليله على أهمية الحماية الاجتماعية خاصة في مجال الصحة والتعويض عن المرض، كاشفا في دردشته مع « العلم» عن أهم مفاجئة ينتظرها العالم: هي أن مفهوم الحماية الاجتماعية سيتغير والفقر سيزداد عن المألوف في السنوات المقبلة، كما أنه على الدول مراجعة سياساتها واستراتيجياتها حول أنظمة الحماية كل بضعة سنين حتى تقلص أضرار الأزمات الاقتصادية المنتظرة.
الكرة في ملعب العرب لترشيد سياساتهم الاجتماعية بعيدا عن استجداء الغرب
أنتقد الخبير العربي، والمستشار الإقليمي للسياسات الاجتماعية بمنظمة الأسكوا، أديب نعمة أنظمة الحماية الاجتماعية العربية، قائلا أن نتائجها تراجعت كثيرا خلال الأربعون سنة الماضية، و بناءا على هذا التراجع توقع أديب استحالة تحقيق أهداف الألفية لمحاربة الفقر والهشاشة في غضون 2015، رغم توفر النوايا الحسنة، وأكد أن منظومات الحماية التي تعتمدها الدول العربية اليوم لا تخلو من النقص والعثرات، ويستحيل معها تحقيق تنمية اجتماعية شاملة ومستديمة، وتفعيلها الجيد مرتبط ارتباطا مباشرا بالديمقراطية، و نجاحها مرتبط بتوفر الثروات، مع إيجاد المعادلة التي يجب من خلالها أن لا تشكل سياسات الحماية الاجتماعية عائقا أمام التنمية الاقتصادية.
وحول إمكانية تحسين نتائج أنظمة الحماية الاجتماعية في العالم العربي، قال نعمة أديب إن ذلك لا يمكن الحديث عنه خارج التحولات السياسية التي يعيشها العالم العربي، لأن التحول الديمقراطي مرتبط أساسا بجميع السياسات الموضوعة خاصة تلك المتعلقة بالحماية الاجتماعية و الحوار الاجتماعي المطروح، والثورات اشتعلت في العالم العربي اتخذت مطالبها في البداية صبغة إجتماعية قبل أن تتحول إلى مطالب سياسية تطالب بتغيير الأنظمة، وأضاف أنه لا يجب التفاؤل بكون الهيئات الدولية على قياس البنك الدولي، والمخططين والأكاديميين الاقتصاديين الغربيين سيغيرون من سياساتهم واستراتيجياتهم الدولية التي كرسوها طيلة ثلاثون سنة مضت، و سيتعاملون مع الوضع العربي الحالي نقيض ذلك، فهم ضلوا طيلة هذه السنين يعتقدون أن الحماية الاجتماعية تأتي في آخر الأولويات كي لا تقف عقبة في طريق التنمية الاقتصادية، وأنها لا تتحقق ولا تنجح في غياب نمو اقتصادي متقدم مكرسين كل اهتمامهم للسياسات الاقتصادية، وحتي استثمارهم بدول الجنوب لم يكن الدافع الرئيسي له هو حل مشاكل البطالة بهذه البلدان أو رفع معدل نموها السنوي، بقدر ما هو اختيار يخدم مصالحهم الاقتصادية والبيئية بدرجة أولى، أهم هذه المصالح تقليص الكلفة الإنتاجية لمصنوعاتهم لتدني أجور العمال و الإعفاءات الضريبة والوعاء العقاري المجاني... وباقي الامتيازات التي تمنحها دول الجنوب للدول المتقدمة قصد تشجيع استثماراتها الخارجية.
إن دول الشمال اليوم منذ الأزمة الاقتصادية العالمية التي عاشها العالم قبل ثلاث سنوات تحاول تقليص مصاريفها المخصصة للرعاية الاجتماعية لانقاد ما تبقى من اقتصادها، على عكس ما أصبح العالم العربي مطالبا به، وهو رفع مداخيل أنظمتها الاجتماعية وتوسيع اختصاصاتها وبرامجها. وقال مستشهدا على حكمه» عند زيارة الوفد الأوربي لتونس بعد الإطاحة بالنظام لم يناقش احتياجات المجتمع التونسي بعد الثورة، بل ناقش الأجندات القديمة المتعلقة بالتصدي للهجرة و سبل التعاون التجاري التي تجعل من تونس سوقا للمنتجات الأوربية..».
وختم أديب نعمة الخبير العربي حديثه مع «العلم»، بأن الكرة اليوم في ملعب العرب، لأن ضمان الحماية الاجتماعية بالمجتمعات العربية هو مشروع وطني عربي صرف لن يجلب أنظار الغرب خاصة بعد الأزمة الاقتصادية، و عليهم تكتيل الجهود لوضع استراتجيات وسياسات جديدة تضمن هذه الحماية وتضمن في ذات الوقت تفعيلها بحكامة ونزاهة، دون أن تخدم هذه السياسات النخب وأصحاب القرار بعيدا عن الأهداف المسخرة لها.
الجزائر: اهتمت بالحماية الاجتماعية مناشدة للسلم الاجتماعي وتصديا للإرهاب
كان حديث المحللة النفسية والمتخصصة في الشؤون الاجتماعية الجزائرية صليحة القباس عن واقع حال الحماية الاجتماعية في الجزائر ل «العلم» نوعا ما متحفظا، نظرا لحساسية الموضوع للظروف الإقليمية الراهنة، وذكرت أن أجندة الحماية الاجتماعية في الجزائر خلقت في سنة 1996 ، أي خلال أصعب مرحلة عرفتها الجزائر حيث ساد فيها العنف و الإرهاب، ذلك مناشدة للسلم الشعبي والتصدي للإرهاب، وأسست الجزائر حينها وكالة للحماية الاجتماعية قدمت ستة برامج وطنية لخلق مناصب عمل و امتصاص البطالة وغضب الشارع، وكانت هذه المناصب تشغل لفترات وجيزة عن طريق عقود عمل محددة، وقالت أن الجزائر حاولت تدارك التراجع الذي عرفته الحماية الاجتماعية بعد الخروج الفرنسي، بتأسيس خلية القرب التي عوضت الدور المساعدات الاجتماعيات التي كانت معروفة في عهد فرنسا، والتي تتفقد اليوم حاجيات الأسر المعوزة ، وصرحت أنه كباقي الدول العربية يعاني قطاع الصحة في الجزائر من العديد من المشاكل، مفيدة أن التطبيب يكلف ثلاث أرباع من مدخول الفرد، أما بالنسبة للمجتمع، أشارت صليحة أن الدولة فتحت الفرص للجمعيات التي تمولها ب90 في المائة، وشجعت التعاونيات ببعض المناطق القروية، كما تقدم الدولة مساعدات مالية للأشخاص المعوزين.
وكان أحد الخبراء اللبنانيين قد انتقد، خلال مداخلته في الملتقى، الدول العربية التي تتوفر على ثروات ولا تسخرها لخدمة و توفير الحماية الاجتماعية لشعوبها وتتبع حلولا فضفاضة لمشاكلها الاجتماعية وكأنها تغطي الشمس بغربال، و اختار التجربة الجزائرية كمثال لهذا النموذج العربي، وقال إن الجزائر قدمت حلولا ترقيعية طالما كانت توظف الشباب سنة 1996عقود شغل غير دائمة وبأجور جد زهيدة مقارنة مع مستوى المعيشة في الجزائر، وقال « أن المواطن البسيط إذا أكل لا يعالج وإذا عولج لا يأكل»، وهناك لوبيات كبيرة تسيطر على قطاع العام للصحة لصالح القطاع الخاص، وأقترح أن تمول الدولة مشاريع مدرة للدخل للعائلات المعوزة عوض أن تمد المال لصالح الجمعيات المدنية، و أن تفك العزلة عن بعض الدواوير بإنشاء الطرقات والمدارس والمستوصفات، خاصة بالنسبة للدواوير المنتمية لمنطقة لقبايل التي همشتها الجزائر والبالغ عددهم مليون وخمس مائة شخص، والتي لم تهتم بهم الجزائر إلا بعد ثورة الياسمين بتونس.
تفاؤل أمين عام المجلس الاقتصادي والاجتماعي المغربي
أوضح إدريس الكراوي أمين عام المجلس الاقتصادي والاجتماعي المغربي و رئيس شبكة المغرب للمجلس العالمي للعمل الاجتماعي ل»العلم» أن هناك إرادة قوية للسمو بنظام الحماية الاجتماعية في المغرب إلى أقصى درجاته، وقال:» بكل موضوعة لقد قطعنا أشواطا كبيرة في هذا المجال لتحقيق اللبنات الأساسية للحماية الاقتصادية سواء فيما يتعلق بالتغطية الصحية، أو محاربة الفقر أو الإدماج الاجتماعي و تحسين الحد الأدنى للتقاعد وللأجور»، وأضاف أن الديناميكية الاجتماعية والسياسية الحالية جعلت المسألة الاجتماعية من الأولويات، مما رسخ القناعة كون وتيرة الإصلاحات الاجتماعية ستعرف تسارعا ومستويات متقدمة صونا لكرامة الإنسان المغربي، وضمانا لحقوقه المتعلقة بالصحة والشغل والسكن والتقاعد، وتوفير دخل أدنى يصون هذه الكرامة.
وعن مستقبل الحماية الاجتماعية في العالم العربي بصفة عامة، قال الكراوي إن ذلك هو بين أيدي صانعي القرار .
المغرب: التأمين الصحي على العلاجات العادية انطلق خلال 2005
حاول الأستاذ أحمد احميدوش، الممثل لصندوق الضمان الاجتماعي المغربي، أن يعطي صورة إيجابية عن نظام الحماية الاجتماعية في المغرب رغم قلة ثروات الدولة التي تعرقل تخصيص حصة وافرة لتمويل ميزانية الصندوق، إذ تركت الدولة عبء التمويل يتحمله القطاع الخاص والعام والمنخرطون، ولم ينف احميدوش أن المنظومة المغربية تعاني من العديد من الثغرات، و من غياب صرامة الدولة لمتابعة ومعاقبة بعض «باطرونات» القطاع الخاص والمتحايلين على قانون الشغل، كونهم يتهربون من تسجيل مستخدميهم ضمن صندوق الضمان الاجتماعي وبالتالي حرمانهم من حقوقهم المشروعة وتكريس عجز الصندوق.
وأفاد احميدوش أن من بين 30 مليون نسمة هناك 11 مليون من الساكنة تعتبر ناشطة، والتي من أصلها يوجد حوالي 1 مليون نسمة في عداد البطالة، و10 مليون المتبقية منخرطة في النشاط الاقتصادي، مضيفا أن 4.5 ملايين فقط من هؤلاء لهم صفة الأجراء، في حين يشتغل 6 مليون لحسابهم الخاص، وقال إن لهذا الأمر العديد من العواقب على مداخيل الصندوق وتوفير الحماية الشاملة، فمن السهل جدا توفير الحماية الاجتماعية بالنسبة للأجراء، لكن من الصعب تعقب الطبقة النشيطة في القطاع الخاص، وأشار أن 3.5 مليون شخص في المغرب يشتغلون في القطاع الخاص، منهم 2.4 مليون فقط منخرطين في صندوق الضمان الاجتماعي، أي أن المتبقين منهم غير مستفيدين من التغطية الاجتماعية بسبب تلاعب وتهرب المشغلين، وهذه الأمور من أكبر التحديات التي يواجهها صندوق الضمان الاجتماعي، ومليون واحد يشتغلون في القطاع العام وهؤلاء هم من يستفيدون من المنظومة الاجتماعية الشاملة للتقاعد والتأمين الصحي، أما بخصوص التامين الصحي فقال احميدوش أن المغرب لم يعرف تأمينا صحيا شاملا للأمراض المزمنة و العلاجات العادية إلا انطلاقا من سنة 2005، حيث اعتمد المغرب نظام التدرج في توسيع مجال التأمين الصحي، ولم يكن يعترف سوى بالأمراض المزمنة، كما كان التأمين اختياريا وليس إجباريا، كما هو الحال اليوم.
وأكد احميدوش أيضا أن عامل النمو الديمغرافي يؤثر بدوره في تحقيق معادلة الحماية الاجتماعية، وقال إن المغرب خلال ثلاثين سنة حقق وثيرة جد مستقرة لنموه الديمغرافي، وهو الأمر الذي وصلت إليه الدول الأوربية بعد 150 سنة، مفيدا في ذات السياق أن مؤشر الخصوبة الذي كان يبلغ 7.2 خلال سنة 1960 نزل في غضون سنة 2010 إلى حدود 2.2.
وبخصوص نظام التقاعد في المغرب قال عنه احميدوش انه جد معقد ويتخبط في العديد من المشاكل، مؤكدا على ضرورة وضع خطة عمل وطنية تأخذ موضوع التقاعد بجدية وتبحث عن مداخيل لإنعاش الصندوق من أجل إنقاذ وضمان ديمومة نظام الحماية الاجتماعية في المغرب.
موريتانيا: نظام الحماية الاجتماعية متأثر بقيم المجتمع الدينية والثقافية
حول تعريفه للتجربة الموريتانية قال الخبير ولد خطري الموريتاني، إن نظام الحماية الاجتماعية في موريتانيا كأي نظام اجتماعي يسعى إلى تمكين الأفراد والأسر في المجتمع من مواجهة الأخطار الاجتماعية والتخفيف من آثارها، وهو يتأثر بقيم المجتمع الدينية والثقافية الموريتانية، والتي تدعو إلى التضامن والتكافل الاجتماعي.
وعلى مستوى المؤسساتي أو الدولة أفاد خطري في حديث مع «العلم» أن نظام الحماية الاجتماعية مر بأربع مراحل مهمة: حيث تميزت المرحلة الأولى الممتدة بين 1960 ? 1970، بإنشاء وزارة مكلفة بالشؤون الاجتماعية وكلفت كذلك بالتنظيم والتضامن، وبمحدودية خدمات الحماية الاجتماعية التي تقدمها الدولة لصالح المجموعات المستهدفة، والتي اقتصرت على تكفل مصالح بالمسؤوليات التقليدية للمجتمع.
أما الفترة الثانية فقال خطري أنها امتدت ما بين 1970 -1978، و تميزت بالجفاف وتدهور البنية الاقتصادية والاجتماعية والهجرة الريفية إلى المدن، مما نجم عنه التصدع الذي عرفه التضامن الاجتماعي، وبروز بعض الظواهر التي تحتاج إلى تدخل الحماية الاجتماعية كخدمات النجدة والوقاية الاجتماعية.
وحدد الخبير الموريتاني المرحلة الثالثة بين 1978 ? 1986: والتي عرفت ظهور قطاعات جديدة تهتم بالحماية الاجتماعية، كمفوضية الأمن الغذائي وبعض البرامج الأخرى، حيث تمحورت خدمات الحماية الاجتماعية في هذه الفترة على تعزيز قدرات المجموعات المستهدفة بالتوجيه والإرشاد الاجتماعي والإغاثة الغذائية والتضامن الاجتماعي.
وكانت أخر مرحلة تميز تطور مفهوم ونتائج الحماية الاجتماعية في هذا البلد الإفريقي المحدود الثروات هي الفترة الممتدة بين 1987 ? 2007، حيث عرف نظام الحماية الاجتماعية خلالها تطورات هامة على الصعيد المؤسساتي تميز بإنشاء مفوضية محاربة الفقر إضافة إلى المؤسسات التي كانت موجودة، و كذا إنشاء برامج ذات أبعاد اجتماعية.. وتعمل هذه المؤسسات والبرامج على تقديم المساعدة الاجتماعية، المساعدة الغذائية للمحتاجين، التكفل بالخدمات والعلاجات الصحية، تقديم الخدمات الاجتماعية المباشرة.
وقال خطري إن أهم المحاور في نظام الحماية الاجتماعية، يتجلى في مجال التضامن الاجتماعي من خلال إقرار أول قانون منظم لنظام الضمان الاجتماعي عام 1967 الذي أنتج مؤسسة عمومية تسمى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ثم مجال التأمين الصحي، الذي يعتمد على مبدأ المساهمة التعاضدية عن الخطر ويتجلى ذلك في الصندوق الوطني للتأمين الصحي، ثم محاربة الفقر، الذي اعتمدته الدولة كإطار استراتيجي سنة 2001 والذي تميز بإشراك الفاعلين غير الحكوميين في وضع الخطة وتنفيذ بعض محاورها.
لم ينفي ولد خطري أن نظام الحماية في موريتانيا يبقى هشا مقارنة مع المغرب أو الدول العربية الأخرى، لكن طبيعة العلاقات الاجتماعية في الثقافة الموريتانية الصحراوية والتي تعتمد التكتل العائلي والتضامن القبلي والبساطة في نمط العيش، جعلت المجتمع الموريتاني يصمد أمام جل المخاطر الاجتماعية.
تونس لم تهتم بالتعويض عن المرض والأمومة إلا خلال سنة 2008
بفخر كبير تحدث إلينا الخبير التونسي لسعد لعبيدي عن ثورة الياسمين و الأمل في الغد المشرق، و اعتبر المرحلة الجديدة التي تدخلها تونس رسمت حدود القطيعة مع عهد الفساد الإداري وسياسات النظام السابق, و قال إن الهيئات المدنية في تونس ستجعل من أولوياتها الدفاع عن تحقيق العدالة الاجتماعية وفتح الحوار الاجتماعي ضمن التغيرات الحاصلة.
وقال أن نظام الحماية الاجتماعية في تونس ينقسم إلى جزئيين رئيسيين: الرعاية الاجتماعية المنضوية تحت لواء صندوق الضمان الاجتماعي، والذي قال إنه يشبه جميع أنظمة الصناديق، من حيث جراية التقاعد والأيتام والأرامل والمنحات العائلية، مفيدا أن هذا الصندوق لم يهتم بالتأمين على المرض بأنواعه والأمومة إلا خلال سنة 2008.
أما الجزء الثاني من المنظومة الاجتماعية، فقال لسعد أنها تتمثل في البرامج الوطنية للرعاية الاجتماعية المخصصة للفئات ذات الحاجيات الخاصة وخص بالذكر المعاقين والعائلات الفقير والأطفال فاقدي السند، وكذا تخصيص مساعدات قارة جد متواضعة للمسنين غير المنخرطين في صندوق الضمان الاجتماعي و إدماجهم في الرعاية الصحية المجانية.
وعن مشاكل هذا النظام الاجتماعي التونسي، أكد لسعد أن غياب التقييم والمتابعة لهذه البرامج وضعف الموارد المادية والبشرية في بعض المؤسسات والمراكز الاجتماعية، وغياب الكفاءة والتخصص عند بعض الأطر المسيرة والمتصرفة في هذه المراكز و غياب الشفافية والنزاهة حال دون نجاح برامج الرعاية، وأضاف في ذات السياق أن ارتفاع عدد المتقاعدين مقابل تراجع المنخرطين صندوق الضمان الاجتماعي، وكذا تعدد أنظمة التقاعد في القطاع العام التونسي، بحيث يتميز البعض منها بالسخاء غير المبرر أثر على التمويل و لا زال يكرس الأزمة.
الخبير المصري: الدول العربية في حاجة للارتقاء بروح المواطنة
قد لا يعكس واقع حال الحماية الاجتماعية في مصر وضعية الرعاية الاجتماعية ببعض دول الشرق الأوسط، والتي تختلف نوعا ما عن دول شمال إفريقيا الحديثة الاستقلال من الاحتلال الفرنسي، لكن صلاح أحمد هاشم، رئيس المركز المصري لخدمات التنمية والدعم المؤسسي، استخلص من خلال تجربة بلده والتجارب التي عرضت أن الدول العربية محتاجة أكثر إلى الارتقاء أولا بروح المواطنة حتى ترقى بما هو اجتماعي، و صرح لجريدة «العلم» بفخر واعتزاز أن الشعب المصري تحرر أخيرا من كافة السياسات البائدة، وقال أن فشل النظام السابق جعل البلد يعرف ارتفاعا في نسبة الأمية التي فاقت 60 بالمائة، وجعل 15 بالمائة من المصريين يعيشون بأقل من دولار واحد، مما زاد من ارتفاع عمالة الأطفال التي أصبحت تمثل 44 بالمائة، مع انتشار البطالة بين المجازين وأصحاب الشهادات، وظهور بعض الظواهر الغريبة عن قيم وتقاليد بلد عريق مثل مصر: كالمتاجرة في الأطفال و النساء وتزويج القاصرات، لتحل مصر الصدارة في تصدير الزوجات القاصرات، وارتفاع نسبة أطفال الشوارع الذين فاق عددهم 150 ألف طفل، وانتشار المخدرات، كل ذلك في ظل تعامل النظام مع قضايا المجتمع بقمع بالغ وتجاهل تام.
و أفاد أن أول وزارة للشؤون الاجتماعية في المجتمع العربي عرفتها مصر في سنة 1939، لتتناسل بعد ذلك الكثير من الهيئات والمؤسسات الحكومية تحمل صفة الاهتمام بالشؤون الاجتماعية، لكن دون أن يكون تواجدها فعال بقدر ما كان لها تواجد صوري فقط، وقال للجريدة أن شبكة التضامن الاجتماعي في مصر ظلت لسنين عديدة تهتم بالطبقات الميسورة والقادرة واستبعدت الفئات المهمشة والتي قال أنها من كثرة التهميش والضغط تحولت إلى « قوة فاعلة فجرت الثورة في ساحة التحرير و أنهت هذا النظام الفاسد..».
وحول مدى إمكانية الجمعيات الأهلية في أن تصبح بديلا للدولة في تحقيق الحماية الاجتماعية، قال الكاتب والخبير المصري في الشؤون الاجتماعية في هذا الصدد، إنه يصعب مناقشة موضوع الحماية الاجتماعية، دون الاحتكام على معايير العدل الاجتماعي، والأدوار الفعلية والمتوقعة للجمعيات الأهلية، معتبرا في تحليله أن مناقشة موضوع الحماية الاجتماعية يتم من خلال خمسة محاور أساسية: أولها مناقشة أوضاع الحماية الاجتماعية في مصر، وتباحث أسس تحقيق الحماية الاجتماعية، وكذا الحماية الاجتماعية والمجتمع المدني في مصر، و كيفية توفير الأطر العامة لتحقيق الحماية الاجتماعية، وأخيرا وضع مقترحات لتفعيل الجمعيات الأهلية في تحقيق الحماية الاجتماعية.
واقترح في إطار المحور الخامس والأخير، أن يتم العمل بمجموعة من الآليات في تحقيق الحماية الاجتماعية، ولا سيما في ظل سياسات الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي تستهدفها كافة أطياف الشعب المصري خاصة بعد أحداث 25 يناير 2011 .
وتتمثل هذه الآليات في أن يكون لمديريات التضامن الاجتماعي دورا فعالا في عمليات التوزيع الجغرافي للجمعيات الأهلية، ثم ضرورة العودة إلى الأخذ بفكرة وجود جهاز لتنسيق الخدمات الاجتماعية الأهلية على مستوى المدينة حتى تتكرر وتتركز الجمعيات الأهلية في أحياء دون غيرها، وأن يكون المعيار الأول في التوزيع هو الحاجة، والتي يقصد بها درجة احتياج الحي لخدمات الجمعية المزمع إنشاؤها.
كما اقترح في نفس السياق، أن يكون هناك اتصال بين وزارة التضامن الاجتماعي والجهات العلمية المتخصصة بإجراء الدراسات والبحوث وأن يكون هناك بنود مالية مستقلة لتمويل دراسات تقدير الاحتياجات وتقييم البرامج والمشروعات والتي تجري بصفة دورية وذلك من خلال إنشاء قسم بمديريات التضامن الاجتماعي يختص بالدراسة والتقييم، إضافة إلى تحقيق و تفعيل عمليات التكافل المجتمعي بين الأحياء الحضرية والقرى الريفية، وأن لا تقتصر خدمات هذه الجمعيات على القرى والأحياء التي توجد فيها وإنما تمتد إلى كل المناطق التي تحتاج إليها.
لبنان: النظام الحمائي عاجز و لا يحمل مواصفات الأنظمة الحديثة
استحسن الخبير اللبناني موسى الأسمر أن يكون القطاع الخاص في المغرب شريكا في تمويل صندوق الضمان الاجتماعي، و أشار أن الحرب الدامية التي عرفتها لبنان لسنوات ساهمت في خلق نوع من الحماية الاجتماعية ذا طابع خيري، كانت تقوم به هيئات غير حكومية، مدنية منها الدينية وغير الدينية، وأخرى كنائيسية لبنانية وأجنبية ومؤسسات لخدمة الطوائف، في الوقت الذي كان فيه دور الدولة غائب بشكل تام.
وأضاف أن الاهتمام بالرعاية الاجتماعية يتقاسم الأدوار فيه كل من وزارة الشؤون الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني، مؤكدا أن النظام الرسمي للحماية الاجتماعية في لبنان تعاني من قصور بالغ، وهو بعيد كل البعد عن مواصفات الأنظمة الحديثة، لتبقى آليات الحماية الاجتماعية غير النظامية الأقرب لتوفير للرعاية الاجتماعية للأفراد، مشيرا أن أداء وزارة الشؤون الاجتماعية يطغى على مهامها الطابع الرعائي لفئة معينة من السكان تشكل النخبة المنتقاة، مضيفا أن القطاع الخاص يهيمن على 70 بالمائة من القطاع الصحي، وبالتالي فإن مجالي الرعاية الصحية و التعليم لا مجانية فيهما، وقال «إن كنت فقيرا في لبنان فتفادى أن تسقط طريح الفراش». ومشيرا أن القطاع الذي يصرف على لبنان هو مداخيل المهاجرين. مضيفا أن الفئة الأكثر تهميشا داخل لبنان خاصة و المجتمعات العربية عامة هي فئة الأشخاص المعاقين، والذين أسماهم بالأشخاص ذوي الحقوق المهضومة عوض الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاص. وقال أن الاغتناء من عرق وألام الناس ومعناتهم بات طابعا يميز الدول العربية.
السعودية: نظام الحماية الاجتماعية من الشريعة الإسلامية
وعن التجربة السعودية قال محمد عبد الله بن مقحم الرويس أن المملكة جعلت الحماية الاجتماعية من أولوياتها عملا بالشريعة الإسلامية، التي تحث على إرساء التضامن والتكافل بين الأفراد، كما أن الحكومة وضعت مجموعة من السياسات العامة لحماية الأفراد اقتصاديا واجتماعيا وصحيا، وذلك من أجل تحقيق التنمية الشاملة واستقرار الأمن، وأوضح أن منظومة الرعاية الاجتماعية في السعودية تعتمد على فرعين هامين أولهما تحقيق الأمن الاجتماعي والذي يركز على التصدي لغزو الخارجي والداخلي وتوفير امن وسلامة المواطنين، والفرع الثاني المتعلق بتحقيق الرعاية الاجتماعية التي تمول من أموال الزكاة والمساعدات الخيرية والدعم المباشر للأسر المعوزة وحوالات الضمان الاجتماعي.
وسلط الخبير السعودي الضوء على بعض أسباب فشل أنظمة الحماية الاجتماعية في العالم العربي، قائلا أن سياسات الرعاية الاجتماعية بالعالم العربي تواجه تحديات كبرى أهمها غياب رؤية استراتيجيه تجمع بين توفير الحماية الأمنية والرعاية الاجتماعية، وقلة الموارد المخصصة لدعم برامج الحماية الاجتماعية، والاعتماد الكلي على ميزانية الدولة لتمويل هذه البرامج، وكذا ضعف التنسيق بين هيئات المجتمع المدني والهيئات الرسمية لمحاربة الفقر والهشاشة.
الأردن: صندوق الضمان الاجتماعي تنقصه الحكامة الرشيدة
لم يكن الخبير الأردني سميح سنقراط راضيا عن أداء منظومات الحماية الاجتماعية بالعالم العربي، وكان تصريحه لنا مقتضبا جدا، وقال أن المؤسسات المكلفة بهذه المنظومات تنقصها الشفافية والنزاهة وتتحكم فيها لوبيات تخدم مصالح ذوات القرار على حساب الفئات المهمشة، وقال أن صندوق الضمان الاجتماعي في الأردن يعاني دائما من العجز في الميزانية وترافقه الخسارة المهولة لكون جميع مشاريعه فاشلة، لغياب الحكامة الرشيدة في تدبيره، ودعا الهيئات المدنية إلى ضرورة توعية المجتمعات العربية بأن الحماية الاجتماعية هي حق لكل المواطنين وليست مكرمة من الحكومات.
الإصلاح في المغرب يخلق استثناء داخل العالم العربي
وكان البيان الختامي للملتقى الجهوي الأول حول موضوع: «الحماية الاجتماعية في الوطن العربي، سياسات مقارنة»، قد أشاد بقرار الإصلاحات الدستورية التي دشنها العاهل المغربي محمد السادس والتي قال أنها ستضع المملكة المغربية ضمن حظيرة الدول الديمقراطية في العالم، وحيى البيان الدينامكية الحالية التي تعرفها منطقة الشرق الوسط وشمال إفريقيا التي تقودها مختلف القوى الحية لمجتمعاتها من أجل تحقيق تنمية اجتماعية وبناء مجتمع ديمقراطي وتضامني.
واعتبر البيان أن المجلس العالمي للعمل الاجتماعي إطار سيقوي التواجد العربي داخل المنظمات الدولية والجهوية العاملة في مجال التنمية الاجتماعية والعمل التضامني، وضمن هذا الأفق أكد البيان أنه سيتم إحداث شبكة وطنية في كل قطر عربي كخطوة أولى لتأسيس شبكة عربية للمجلس العالمي للعمل الاجتماعي، وبناء عليه ستقوم شبكة المغرب للمجلس العالمي للعمل الاجتماعي بدعوة هذه الشبكات الوطنية، التي سيتم إحداثها، إلى عقد اجتماع تأسيس لشبكة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للمجلس العالمي للعمل الاجتماعي خلال سنة 2012.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.