نظمت مؤخرا مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد يوما دراسيا لتقديم التقرير البرلماني حول إصلاح القانون التنظيمي للمالية المنظم تحت شعار من أجل برلمان فاعل في إصلاح الميزانية الذي ساهم في إعداده الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس المستشارين إلى جانب فرق برلمانية من المجلسين ، وقد قدم الأخ محمد الأنصاري رئيس الفريق الاستقلالي مداخلة مهمة شكر في بدايتها المؤسسة على هذه المبادرة ، ونهجها لسياسة الانفتاح والتواصل مع البرلمان بخصوص هذا الموضوع الهام ، كما نوه بقيمة التقرير الذي تم إعداده من طرف المؤسسة في موضوع يستأثر باهتمام جميع الفعاليات الاقتصادية والسياسية وهو موضوع إصلاح القانون التنظيمي للمالية ، في خضم النقاش السياسي ببلادنا خاصة بعد الخطاب الملكي ليوم 9 مارس المتعلق بالإصلاحات السياسية ، وقد أشار الأخ الأنصاري في مداخلته إلى أن الحكومات المتعاقبة انطلاقا من بداية التناوب التوافقي قد عملت على إدخال إصلاحا استباقية في مجال تقديم الميزانية أمام البرلمان ومن ضمنها: إعداد وزارة المالية لتقرير شمولي حول العامة للدولة . أعداد تقارير حول المؤسسات العمومية. فتح تشاور نصف سنوي مع الفرق البرلمانية في اللجنة المختصة . وبعد ذلك قدم الأخ الأنصاري عرضا هاما انطلق من تشخيص الوضع حيث اعتبر أن هناك إجماعا اليوم على أن القانون التنظيمي للمالية بمثابة الدستور المالي للدولة حيث يحدد شروط وشكلية التدبير المالي العمومي ، وينظم القواعد العامة المتحكمة في المالية العمومية ، كما يحدد مجالات تدخل واختصاصات الهيئات والمؤسسات الدستورية سواء على مستوى الإعداد أو المناقشة أو المصادقة ، كما أكد أن الإجماع حاصل على كون القانون التنظيمي للمالية أصبح متجاوزا ، بل أصبح عائقا أمام البرلمان والحكومي على حد سواء بخصوص تحسين آليات وقواعد إعداد ودراسة وتنفيد قوانين المالية، وفي معرض تشخيصه للمحطات التارخية أكد الأخ الأنصاري أن القانون التنظيمي للمالية لسنة 1998 ، لم يتناول المحاور الأساسية التي يتعين إصلاحها من أجل تحديث طرق تدبير المالية العمومية، واكتفى فقط ببعض الإجراءات من أجل ملاءمة القانون التنظيمي مع المعطيات التي نتجت عن التعديل الدستوري لسنة 1996، خاصة في ما يتعلق بنظام الغرفتين، إذ حدد البرنامج والمدة الزمنية المتاحة لكل غرفة لمناقشته والتصويت عليه؛ الفصل 51 من الدستور أعطى صلاحيات واسعة للجهاز التنفيذي من أجل إلغاء أي تعديل من طرف البرلمانيين يهدف إلى رفع من التكاليف أو تقليص المداخيل، مما يحول المؤسسة إلى مجرد مكتب ضبط لتسجيل مشاريع القوانين التي تحال عليه ويزيد من تقليص سلطات المؤسسة التشريعية في مجال المالية العمومية، القانون التنظيمي للمالية، سجل تراجعا بالمقارنة مع نص 1972 في ما يتعلق باللجوء إلى المراسيم لفتح اعتمادات دون اللجوء إلى المؤسسة التشريعية، إذ كان الفصل 20 من هذا الأخير يلزم الحكومة بتقديم مشروع قانون مالي تعديلي يتضمن الاعتمادات التي تم فتحها وذلك خلال أقرب دورة للبرلمان، في حين اكتفى القانون التنظيمي الجديد باللجوء إلى فتح اعتمادات بمراسيم دون اللجوء إلى المؤسسة التشريعية. القانون الحالي أصبح يفتقر لقواعد الحكامة المالية ولأسس ومتطلبات الفعالية والنجاعة في تدبير المالية العمومية. II- أفاق الإصلاح اصلاح القانون التنظيمي للمالية يتطلب اجراء تعديل دستوري على بنود الدستور خاصة الفصلين 50 و51 اللذان يثيران إشكالات في التطبيق. 1- الإصلاح الدستوري والمالية العمومية من خلال مذكرة حزب الاستقلال إعطاء الأولوية لمجلس النواب في دراسة القانون المالي؛ التنصيص دستوريا على المناقشة والمصادقة على الاعتمادات المالية التي ترصد من الصناديق الخاصة لتمويل مشاريع التجهيز والاستثمار؛ التنصيص دستوريا على تنظيم مالية الجهة بواسطة قانون مالي جهوي. 2- اقتراحات عامة لاصلاح القانون التنظيمي للمالية إشراك البرلمان واستشارته في مرحلة الإعداد القبلي للميزانية وذلك لتمكينه من إبداء رأيه وتقديم المشورة حول صياغة الميزانيات القطاعية بدءا من الرسالة التأطيرية للسيد الوزير الأول ؛ التفصيل في الميزانية وتبرير اكبر عدد ممكن من النفقات؛ مراجعة بنية الميزانية العامة عبر تقسيم الميزانية وفق المهام والوظائف وتجزيئها إلى برامج متعددة السنوات ثم إلى مشاريع سنوية ؛ التقليص من الغموض والتعقيد الذي يطبع مضامين القانون المالي، وذلك من خلال إرفاقه بملاحق تفسيرية مبسطة؛ تعزيز دور البرلمان في متابعة تنفيذ الميزانية؛ تقوية المراقبة الميزانية البعدية من خلال تقليص السقف الزمني لنشر قوانين التصفية، و تفعيل أجهزة المراقبة العليا و بعثات التفتيش والمراقبة الداخلية في القيام بالمهام المنوطة بها في مجال تقييم وتقويم السياسات العمومية ؛ ربط إعداد الميزانية بمخطط التنمية وفق خطط إستراتيجية تشاركية واضحة ؛ إصلاح منظومة المحاسبة العمومية( مرسوم 21 ابريل1967) التي أصبحت متجاوزة في تقويم المال العام ؛ الاهتمام بتدريس المالية العامة في الجامعات والمدارس العليا من خلال إصلاح برامجها اعتبارا لدورها الرائد في إثراء ثقافة المساءلة المالية والشفافية والحكامة في أوساط الطلبة والباحثين . 3 - الخلاصة إن تحقيق الإصلاح المالي هو في آخر المطاف رهين بمراجعة دستورية وتعديل جذري للقانون التنظيمي للمالية بما يسهم في إصلاح وتدعيم رقابة المؤسسة البرلمانية في مختلف مراحل إعداد وتنفيذ وتقييم المالية العمومية، وبالتالي منح الفرصة للسادة النواب والمستشارين للمساهمة القبيلة في النقاش الذي يبتدئ منذ شهر مايو من كل سنة؛ ضرورة الانتقال من ثقافة الحكومة كفاعل وحيد في الحقل المالي العمومي (مقاربة تقليدية في التدبير العمومي) إلى ثقافة ومقاربة الحكامة الشاملة التي تشرك كل الفاعلين المؤسساتيين وهي الوضعية المثلى في التدبير العصري.