ما يقع في بلادنا من أحداث متسارعة فيها الإيجابي،وفيها السلبي،وفيها أيضا جزء كبير من الالتباس حول مفاهيم الحرية،والديمقراطية،و الحقوق،و دولة المؤسسات. وطرح سؤال:من نحن؟وماذا نريد؟ وهو السؤال الذي جعله حزب الاستقلال جوهريا في إحدى مراحل المغرب الصعبة، وهو يخوض إحدى الاستحقاقات في الثمانينات،تلك الحقبة التي تميزت بكل ألوان التزييف، والتزوير، والتكالب، و الاستهداف لحزب الاستقلال و القوى الحقيقية بالبلاد،هذا السؤال الذي حمل معه آنذاك إجابات دقيقة وواضحة سواء للشعب المغربي،أو لمن يهمهم الأمر من الممسكين بالتفاصيل المتحكمة في القرار السياسي خلال تلك الحقبة،قلنا إن طرح هذا السؤال اليوم يستمد قوته وشرعيته مما أصبح يحدث في بلادنا،و الذي تؤكد مؤشراته أنه تجاوز أحيانا حدود المسؤولية و الرزانة،و احترام القانون الذي يطالب الجميع بإعماله بالمساواة الضرورية بين كافة المواطنين،تلك المؤشرات التي أصبحت تؤسس لنوع من السيبة بشكل تدريجي في ظل صمت غير مفهوم للموكول إليهم حماية حقوق المواطنات و المواطنين المتضررين من نتائج هذا الوضع غير الصحي،و الذي لا يمكن أن نركن إزاءه إلى الصمت باسم حرية الاحتجاج،أو الحق في التعبير عن المطالب. فإذا كان من البديهي أن يكون الجميع مع حق التعبير المتزن،فإن لا أحد يمكنه أن يكون مع انتهاك حقوق الآخرين و الإضرار بمصالحهم،ويمكننا تقديم نماذج على سبيل المثال لا الحصر ومن ضمنها ما يحدث بمقر التعاضدية العامة كمثال حي للإضرار بمصالح مواطنين لا ذنب لهم في صراع حول مواقع أكثر مما هو دفاع عن مصالح عليا،وحقوق واضحة لهذه الفئة أو تلك،كما يمكننا أن نتوقف بكل مسؤولية عند مايقع مثلا بالعاصمة سواء في شارع محمد الخامس أو بعض الشوارع التي تعد شريانا أساسيا لحركة السير بفعل سلوكات تفقد الاحتجاجات عمقها وجوهرها،ومنها احتلال الشوارع، و شل حركة السير في أوقات الذروة وفي ذلك مس خطير بحقوق المواطنات و المواطنين، خاصة أولئك الذين يحملون مرضى،أو رضعا صغارا،أو حوامل في مراحل المخاض،أو الملزمين بدواء معين في أوقات معينة الخ... إن الجميع متفق على ضرورة المساهمة في المجهود الوطني لضمان الحقوق التي تضمن كرامة المواطنين جميعا وعلى قدم المساواة،و الجميع متفق على حق كل فرد أو جماعة في التعبير عن مطالبها بشكل مسؤول وحضاري،و الجميع أيضا متفق على ضرورة تطهير المجتمع من كل الشوائب ،و ألوان الفساد، الزبونية و المحسوبية و الرشوة،و نهب المال العام،لكننا حتما سنكون مختلفين في وسائل وطرق تصريف التعبير عن كل ذلك حينما يصبح الأمر اقرب إلى فوضى منه إلى سلوك مسؤول لانتزاع الحقوق في إطار الشرعية القانونية و المؤسساتية،و التي تحققت فيها مكاسب لا يمكن أن ينكرها إلا جاحد أو أعمى. إن بناء دولة الحق و القانون كمبدأ عام، لا يمكن أن يتحقق برؤيا عدمية في بعض الحالات،أو بمحاولات ابتزاز مكشوفة في حالات أخرى،أو بأهداف سياسية تلبس قناع المطالب الاجتماعية في حالة ثالثة،فإذا كنا كشعب ناضلنا من مواقع مختلفة،ومن خلال القوى السياسية الحقيقية بالبلاد لتحقيق الديمقراطية المبنية على النقاش المسؤول، و المحتكمة إلى القرار الشعبي عبر صناديق الاقتراع،فإننا اليوم مسؤولون عن مواجهة شكل من الديمقراطية غير مفهوم،يقوم على ديكتاتورية الرأي الواحد، وعلى منطق من ليس معي فهو ضدي،هذا اللون الغريب الذي تؤكد مؤشراته على أن أقلية تريد الحكم الفعلي لفرض توجهاتها على أغلبية ساحقة من هذا الشعب العظيم،فطي صفحة الماضي يجب أن تكون شاملة لأن الوطن برمته تضرر من آثارها في ظل صراع مفتوح بين اتجاهين:الأول كان يعتبر النضال المؤسساتي طريقا ضروريا لكل إصلاح أو تغيير،و الثاني كان يعتمد منطق القوة و المؤامرة و خلق القلاقل لزعزعة استقرار المجتمع كخيار لتحقيق توجهاته،وبين هذا الطرف و ذاك كان ضحايا كثر في الجانبين مع فرق جوهري وهو أن هناك من قبض الثمن نقدا أو منصبا من الاتجاه الثاني،بينما أصبح الكثيرون من الاتجاه الأول ضحايا لمرة ثانية في ظل منطق حاد كثيرا عن الإنصاف و المصالحة الحقيقيتين،ومن نماذج ذلك عائلات و أسر الكثير من الشهداء الذين ضحوا من أجل استقلال الوطن،ومن النماذج المرتبطة بالأمس القريب أسر ضحايا انقلاب الصخيرات،و الأسرى المحتجزين بالجزائر اللذين تم إطلاق سراحهم،وضحايا أعمال العنف و الشغب بالعيون الذين فقدوا ممتلكاتهم وغيرها من النماذج. إن منطق التلون وعدم وضوح الرؤيا في مستويات متعددة داخل بلادنا يجعل من سؤال: من نحن؟وماذا نريد؟سؤالا جوهريا يتطلب إجابات دقيقة في ظرف دقيق أصبح فيه من كان يساند مهرجانات البوليفار و عبدة الشيطان بقدر قادر ضد المهرجانات،ومن كان يشن حربا ضد الشواذ و»وكالين رمضان» حليفا لهم،ووجوه ظلت تنادي بتغيير النخب وهي نفسها تحتاج إلى إعمال هذا المطلب على دواتها و الإطارات التي تحكمها بقبضة من حديد. فإذا كنا نريد الديمقراطية الحقيقية،ومجتمع الحرية الفعلية،و العدالة ذات المصداقية،و المساواة الحقة فلا مناص من أن نعطي النموذج من ذواتنا حتى نكسب المصداقية لدى الآخرين،فقد حان الوقت للقطع مع الثقافة الغيرية التي تجعل الآخر دائما هو سبب مصائبنا،و لا ننتبه لعيوب ذواتنا التي تصبح أداة من أدوات تكريس واقع نحن جميعا نطالب بتغيره فنسقط من حيث ندري أو لا ندري في تناقض مكشوف. [email protected]