يجمع جل المتتبعين لتطورات المشهد السياسي الاسباني على أن حكومة مدريد قد تفطنت آخيرا الى جدوى التعامل الواقعي والشرعي مع ملف النزاع بالصحراء المغربية بعيدا عن الضغوطات و النعرات اليمينية الجوفاء التي لم تزد علاقات مدريد مع جيرانها الا تأزما . ويسجل المهتمون انعطافة واضحة لمدريد نحو الاتجاه السائد في أوساط الدول الكبرى في شأن نزاع الصحراء، وتخلصها لما يمكن أن يطلق عليه "الحياد الحرج" الذي جر عليها الكثير من المتاعب . وضمن هذا التوجه العقلاني أكدت وزيرة الشؤون الخارجية الإسبانية ترينيداد خيمينيث، يوم الخميس، أن هناك بدائل أخرى لحل النزاع في الصحراء من غير الاستفتاء. وأبرزت خيمينيث، في حديث للمحطة الاذاعية "كوبي" الإسبانية أن "ممارسة حق تقرير مصير الصحراويين توفر أكثر من حل واحد"، مؤكدة على ضرورة الوعي ب "صعوبة إجراء استفتاء" كوسيلة لحل هذا النزاع كما هو الحال بالنسبة لنزاعات أخرى في شتى أنحاء العالم. وأوضحت رئيسة الدبلوماسية الإسبانية أن البوليساريو نفسه يعترف بالطبيعة المعقدة لإجراء هذه الاستشارة، لأنه غير قادر على تقديم إحصاء للأشخاص الذين يمكن لهم المشاركة فيها. وأكدت ترينيداد خيمينيث أن بلادها تعمل بشكل "بناء" في محاولة التقريب بين مواقف المغرب و"البوليساريو"على الرغم من صعوبة تحقيق ذلك، مبرزة أن الحكومة الإسبانية ستواصل تطبيق "مبدإ الحياد الفعال" من أجل إيجاد حل لهذا النزاع. و تأتي تصريحات المسؤولة الأولى عن الخارجية الاسبانية يوما فقط بعد تصريح مماثل لوزير إسباني لدى رئاسة الحكومة الاسبانية دعا فيه البوليساريو إلى عدم رفض خيار الحكم الذاتي في الصحراء الذي اقترحه المغرب كحل للنزاع. وقال رامون خاوريغي في حديث لمجلة (فانيتي فاير) في طبعتها الاسبانية لشهر فبراير2011 "لو كنت رئيسا لجبهة البوليساريو فإنني لن أرفض خيار الحكم الذاتي بدلا من العيش ثلاثين سنة في الخيام". في تعقيبه على تصريح وزيرة خارجية اسبانيا أكد الدكتور طارق أثلاتي أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق المحمدية ورئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية أن هذا التوجه يعتبر تحولا جوهريا في موقف اسبانيا ، التي كانت في البداية مساندة للطرح الانفصالي ، ثم اتخذت في مرحلة ثانية موقفا إيجابيا من خلال تعبيرها عن إيجابيات الموقف المغربي الداعي الى تطبيق مقترح الحكم الذاتي لحل نزاع الصحراء . وقال الدكتور طارق «للعلم » أن الجديد في تصريح وزيرة الخارجية الاسبانية هو أنه إشارة واضحة على تخلي اسبانيا على كل الطروحات السابقة والتي جمدت من خلال طرح المغرب لمبادرة الحكم الذاتي ، وأضاف أن هذا التصريح يندرج في سياق مواكبة اسبانيا لمواقف الدول المؤثرة عالميا وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية من خلال ارتباط المنطقة بتداعيات الارهاب المستجدة ، وانضاف الى هذا العامل أن اسبانيا منذ مدة ليست بالبعيدة وهي مستهدفة في المنطقة بشكل مباشر تجلى في اختطاف رعاياها وتهديد مصالحها ، بل وتأكدت بأن استمرار النزاع حول الصحراء فيه خطر مباشر على اسبانيا من خلال معطيات كان من بينها وقوف اسبانيا على تورط جبهة البوليساريو في بعض العمليات الارهابية . ولم يتأخر رد فعل جبهة البوليساريو على تصريحات المسؤولين الاسبان في الوقت الذي توهمت فيه قيادة الانفصاليين أن مدريد تحولت الى مؤيد للطرح الانفصالي خاصة بعد تصويت البرلمان الإسباني على مشروع القرار الذي تقدمت به أحزاب صغيرة من اليسار المتطرف والخضر بشأن الكيفية التي تعاملت بها السلطات المغربية مع أحداث مدينة العيون. فقد تهجم وزير خارجية جمهورية الوهم ولد السالك على خيمينيث ووصف تصريحاتها في شأن الاستفتاء المزعوم ب"المغلوطة و العارية من الصحة" كونها متطابقة مع مساعي المغرب في القفز على مبدإ (تقرير المصير).