هل يحقُّ لنا الحديثُ عن السعادةِ في زمننا العالميِّ الراهن؟ قد يعترِضُ مُعترِضٌ بالقولِ إنّ عصرَنا الراهن عصرٌ غيرُ سعيدٍ بأشيائه وساكناتِه، وقد يزيدُ إلى قوله حُجّةً بإشارته إلى ظهور جدارِ اللاَّفَهْمِ المُتَبادَلِ بين الثقافات "حسب تعبير فرانسوا زابال" وتنامي العُنفِ داخل ذات الإنسانِ وفقرِ دَمِ المجتمعاتِ من التراحم والقَبولِ بالآخرِ وانقطاعِها عن التَّجَاري إلى زرعِ قِيَمِ الخيرِ في الأنفس البشريّة والميلِ إلى الفرديّة في بناء الحقائق العامّة واستغلالِ مفهوم التميّز الحضاري سبيلاً إلى الغطرسة. وقد يُضيف آخرُ أنّ أبرزَ مُنتَجٍ بشريٍّ، وهو العلمُ، يعيش الآن أزمةً في مصداقيتِه من جهة أنّه مكّن الأقوياءَ من كشفِ نوايا الضعفاءِ أفرادًا وشعوبًا والتحكّم فيهم بل وابتزازهم في أمانيهم عبر بيعهم أوهامًا وطنيّةً أو إيديولوجيّةً لا تُفارقُ حيِّزَ التخييلِ أبدًا. *** ومع هذا، نسألُ: هل يحقُّ لنا، نحنُ العربَ، الحديثُ عن السعادةِ في زمننا الراهن؟ نقول: نعم، يحقُّ لنا أن نُعْرِبَ عن سعاداتِنا، وأن نوصِّفَها بالشعر وبالغناء، بل وإنّنا لمُطالبون بعقدِ قِمَمٍ عربيّةٍ حول السعادةِ يخطبُ فيها عمرو موسى عن سعادتِه بحضورِ أصحابِ السعادةِ. وُلِدْنا سُعداءَ، ووجدنا في انتظارنا أرصدةً من السعادةِ في خَزِينِنا التاريخيِّ من حروب الحِمْيَريّين وتَفَرُّقِِ أيدي سبأ إلى دموعِ أبي عبد الله الصغيرِ وهو يُطرَدُ من جنّةِ الأندلس فإلى غزوِ العراقِ وما انكشفَ أثناءَه من ضَعفٍ في القرارِ السياسيِّ العربيِّ وخياناتٍ قوميّةٍ قاتلةٍ. وهل السعادةُ العربيّةُ إلاَّ أن يقفَ المواطنُ على الحقيقةِ؟ *** هم سعداءُ: يَنامون بلا أحلامٍ "ما فائدة الأحلام والواقع مُمكنٌ؟"، ليسَ لهم ارتباط أخلاقي مع أحدٍ، بل ليست لهم أخلاقُنا، كلّ أبوابِ الدّنيا تؤدّي إلى مصالِحهم حتى بابُ الخيانةِ، لهم فائضُُ من النِّفاقِ والمجاملةِ يُسوِّقونَه لنا عبرَ أصْفَرِ ابتساماتهم من محيط الأرضِ إلى خليجِها، يتخفّون وراءَ نظّارات سوداء حتى لا نعرِفَ حقائِقَهم، يبيعونَنا بأبخسِ الأثمانِ ليَسْعدوا بفَنائنا، ولهم أمنيةٌ واحدةٌ يسألون الله تحقيقَها لهم: أن ينهضوا في الصباحِ فيجدونَنا عاجزين عن صناعةِ سعادتِنا اليوميّة. نحن سعداءُ أيضًا لأنّهم لا يستطيعون منعَنا من الشعورِ بها.