مظهر حياة الإنسان يغري بالفضول ، يحث على التمعن والتقصي في كل خطوة يخطوها ، ذلك أنه يتأرجح بين الحيطة والحذر والتهور والشطط ، بين التعقل والتحكم والسذاجة واللامبالاة ، بين الممكن والمستحيل ، تتعدد عنده التفسيرات ، إن لم نقل تتلون بتغير الساعات ، ويزيدها غموضا وتشويشا وشراسة اتساع فضاءات ، وركب أهواء ، وتصميم على قهر ما لا يقهر . يسأل كثير من الناس عن غياب أشياء جميلة في دروب الحياة ، أمن واطمئنان ، عدل وحق ، أمانة وود ، ونخوة وكرامة . ويتحسر آخرون لحالة مجتمعات تتآكل وتتلاشى ، وتنخرها آفات ظاهرة ومستترة ، في حين كلنا نحن البشر نسيج واحد ، معركة واحدة ، ومصير واحد . فهل كثرتنا أضاعت حس الإنسان تجاه أخيه الإنسان ، فنسي كل منا أصله وفصله ، مبتدأه وخبره ؟ أم أن طرق حياتنا غدت لا تساير زمانها ومكانها ؟ أو أن رغباتنا واحتياجاتنا تجاوزت حدودها فأضحت جامحة شرسة ، فجارحة فمدمرة ؟ الكل يتعجب من الكل ، كل واحد يُظهر نفسه للآخر متزنا لا عيب فيه ، وقد يقدم نفسه وكأنه مصلح اجتماعي ، أو واعظ محنك ، والآخرون طينة أخرى . إذا فأين العيب وأين الخلل ؟ في كثير من اللحظات أحاول استحضار شخصيات هزت بأعمالها أركان المعمور ، أو غدت في زمانها وما بعده ، بثقافتها أو سياستها أو تدينها أنموذجا يحتذى ، ثم أحاول تصورها فيما بيننا الآن وأتساءل ؟ ترى هل ستكون في نفس المستوى ، وهل ستتغلب على صعاب هذا الزمن بكل تحدياته للبسطاء والأقوياء ؟ أميين ومثقفين ؟ لأصحاب النفوذ وللخاضعين الركع ؟ ترى هل سيستطيعون ، كما صنعوا من قبل ، قيادة هذا العالم بكل تناقضاته المرئية والخفية ؟ ترى هل سيكون لهم نفس الأثر البطولي والحس النبيل الذي خلفوه في مجتمعاتهم في حينه ؟ وهل سيكون لهم نفس الباع الطويل في شحذ همم الناس ، وملامسة أوتار أحاسيسهم ،والأخذ بهم نحو الأهداف المرسومة ، من عز وطمأنينة ونماء ؟ إذا كان الأمر كذلك فسيتأكد للإنسانية اليوم أنها بأناسها ترتع في التيه وتقبض على الريح في كل مشاريعها وبرامجها ! أما إذا كان الظرف قد تجاوزهم هم أيضا ، فما الحل ؟ وأين النجاة ؟ نعيش عوالم شتى متداخلة المصالح ، مفتحة العيون أمام الصالح والطالح ، صاغية لكل شاذة وفاذة ، متقبلة لكل الأفكار ، وكأن كل شخص أصبح عالما بذاته يسعى للوصول لما يمليه عليه فكره إن في مستواه بكل أبعاده ، أم متخطيا كل حدوده ؟ وطغى الكلام ، وأضحى كل حديث في واقع الأمر مجرد كلام . فهل أدرك الناس ما الذي أوقعنا في مجرد كلام ، أم يرون الحياة بحلوها ومرها ليست سوى مجرد كلام ؟ أم هو الإنسان برمته حكم على نفسه أنه غدا مجرد كلام !!