ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجزاء الإلهي الذي خصه الله للمترفين 2/2- بقلم عبد الرحمان معزيز
نشر في التجديد يوم 12 - 02 - 2009


ما اعدل الجزاء الإلهي الذي خصه الله للمترفين الذين كانوا يتنعمون في حياتهم الدنيا بألوان الشراب والطعام ، والدور الفاخرة ، والقصور الشامخة والحدائق الشاسعة ، والناس من حولهم يتضرعون جوعا وعطشا يقضون ساعات ا لحر اللهب في الظلال الباردة، والمعدمون يسحون عرقا. هاهم ينزلون المكان الذي اعد لهم سلفا والذي توحي كل كلمة من كلماته البارعة المصورة بجو الحر والاختناق في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم . يأكلون كالأنعام لأنهم في حياتهم الدنيا ما كانوا ليغايروا الأنعام في تهافتهم على الطعام والشراب يلتهمون أطيب ما تنتجه الأرض لكنهم صاروا يملؤون بطونهم باسوأ ماتطلعه الجحيم شجر الزقوم أو شراب الجحيم ، وتختم الآية الكريمة حديثها المروع عن مصير هؤلاء هذا نزلهم يوم الدين . (الواقعة 56 ) ويخطو القران خطوة أخرى لتفسير مسالة الترف لكي يبن لنا على مستوى حركة التاريخ وقيام الدول والحضارات واضمحلالها المسؤولية الكاملة التي يمارسها طرفا المسالة - المترفون والمعدمون، في السير بالجماعة أو الأمة أو الدولة كوحدة اجتماعية نحو الهلاك والدمار ، المترفون الذين يقف بعضهم ساكنا إزاء الجريمة ،بينما يسعى بعضهم الآخر إلى الإسهام بالجرم وتعزيزه بتملقهم وتذللهم ومعاونتهم على الشر في شتى مساحته النفسية والاجتماعية والأخلاقية ، ولن يكون بعد ذلك إلا أن تتحد الإرادة الإلهية خوفق سننها الثابتة التي لا تتغير ولا تتبدل خطبيعة المترفين أنفسهم وهم في قمة السلطة ، وسيلة لإحلال الدمار بأمة أو جماعة فقدت كل مبررات وجودها واستمرارها وإذا أردنا أن نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا، وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا.( الإسراء 16 - 17 ). والسؤال الذي يثير النقاش هنا هو كيف يقول القرآن الكريم (أمرنا مترفيها ) ويرد في آية أخرى:( قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون ) الاعراف .27 والجواب ( أمرنا) بمعنى ا كثرنا مترفيها و(كثرنا مترفيها) ، يقال أمرته وآمرته سواء بالمد او الكسر يعني التكثير والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم خير المال سكة مابورة او مهرة مأمورة أي مكثرة ، وقرا أبو العالية :أمرنا مترفيها بتشديد الميم جعلته أميرا ومعنى الآية سلطنا رؤساءها ففسقوا ، والمراد بقول الله إهلاك قرية خرجت عن شرع الله بسبب فسقهم عند حصول أسبابه وهي المشار إليها في قوله تعالى أمرنا مترفيها.... إلى آخره أي بعثنا إليهم الرسول وأمرناهم بما نأمرهم على لسان رسولهم فعصوا الرسول وفسقوا في قريتهم فاستحقوا العذاب. ثم ما يلبث القرآن أن يبين أن عطاء الله مفتوح للجميع وانه ليس مقصورا على فئة دون فئة ، وليست الملكية أو عدمها حتمية مقفلة ليتنعم بها البعض ويحرم آخرون. ثم إن المسألة المادية أو الإثراء ليس هو المقياس الموضوعي الصارم لتقسيم الناس إلى درجات ، إنما هو الإيمان الذي يناط به التفضيل الحقيقي بواسطة الدرجات الحقيقية الكبيرة عند الله وتبقى الأرزاق والأموال ، وعطاء الله نتاج الناس جميعا مؤمنين وغير مؤمنين ( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ، كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة اكبر درجات واكبر تفضيلا) (الاسراء 18-21 ). أما الغنى الفاحش الذي يقترب من الترف بدرجة أو بأخرى ، يتعرض هو الآخر لحملات القرآن الصارمة في أكثر من موضع ويتلقى ضربات في أكثر من زاوية ،فالقرآن الكريم في نصه المبين يحدثنا عن العلاقة المتبادلة بين الغنى والطغيان وعن المصير السيئ الذي يؤول إليه أصحاب الملايين، يحدثنا بلهجة الزجر والتصنيف كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى (العلق الآية 76). وفي آية أخرى يندد أصحاب الغنى والجاه ، وكيف أن الله سيسوقهم بممارستهم الخاطئة الظالمة الأنانية الطاغية التي تنبثق بالضرورة عن الغنى الفاحش إلى الطريق المسدود حيث السقوط الذي لن تجدي أموال صاحبه وأكداسه في أنقاده منه وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى، وما يغني عنه ماله إذا تردى (اليل الآية 8 - 11) وفي آية ثالثة ينقلنا نقلته السريعة المعهودة إلى يوم الحساب لتصطدم مع أصحاب الملايين وذوي الجاه الذين كان الناس- يومها يتقطعون جوعا وهم متخمون ، فلم يتحركوا لإشباع جوعتهم نلتقي بهم لكن ما الذي حل بهم ، وما هو الطعام الذي سيملئون به بطونهم يوم التلاق - (ما أغنى عني ماليه ، هلك عني سلطانيه ، خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ، ثم في سلسلة ذراعها سبعون ذراعا فاسلكوه، انه كان لايؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين ، فليس له اليوم هاهنا حميم ، ولا طعام إلا من غسلين ، لاياكله إلا الخاطئون) الحاقة 26 - .36 وفي مواضع أخرى عديدة من كتاب الله تتدفق الآيات فتحدته هذه المرة عن أرباب المال مترفين وأغنياء ، فاضحة إياهم منددة بهم ، ملقية قوارعها على مواقفهم الرجعية والمنفعية إزاء الدعوات الجديدة ، صافعة صقلهم وغرورهم ، ممزقة الأستار عن حماية المال والبنين التي يختمون بها دائما ويتوهمون أنها تخلصهم من عقاب الله واضعة إياهم خهذه الآيات خوجها لوجه أمام بصائرهم مبينة لهم أن إغداق المال عليهم ليس من مصلحتهم في معظم الأحيان يحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات ، بل لا يشعرون (المؤمنون 55). الاختلاف بين الإبقاء والإلغاء- بقلم عبدالعزيز بوبكري يشكل هذا البحث حلقة ضمن حلقات أخرى، قد ترى النور لاحقا إن شاء الله، تهدف أساسا إلى حصر الاختلاف فيما هو ضروري أو محاصرة الضار منه إذا تعذر رفعه، ولا أقول وضع حد له كلية، لأن هذا ليس في مقدور أحد. فالاختلاف سيبقى قائما ومستمرا بالجزء، ولا أقول بالكل، في الحياة الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. بمعنى آخر: إن الاختلاف بين البشر، بل وداخل الأمة الواحدة، لن يرفع بالجملة في الحياة الدنيا باعتباره ابتلاء، بدليل قوله تعالى: +ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم؛ (هود/811) وكذلك لقوله سبحانه: +ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون؛ (يونس/91). ولما كان الاختلاف نوعا من الابتلاء، فإن رفعه لن يكون إلا في الدار الآخرة، حيث سيقضي الله سبحانه وتعالى بين عباده في كل ما كانوا فيه مختلفين، كما يدل على ذلك قوله تعالى: +إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون؛ (يونس/39, والجاثية/71). أما من جهة أخرى، فإن هناك نوعا ثالثا من الاختلاف لا يمكن رفعه بتاتا، باعتباره ضرورة حياتية يتطلبها واقع الناس، الذي يختلف بحسب ظروفهم الزمنية والمكانية وطبائعهم وغيرها، وهو ما يمكن تسميته باختلاف الضرورة والتنوع. فهذه حقيقة أولى ينبغي التسليم بها حتى لا يزايد علينا أحد من خلالها، فيتهمنا بالجهل أو السذاجة ونحن نحاول رفع الضار من الاختلاف! ولئن سلمنا بالاختلاف، فهذا لا يعني استسلامنا له. لأن هناك حقيقتين ينبغي تبنيهما أيضا بالإضافة إلى الحقيقة السابقة، حتى يستقيم التعامل مع الاختلاف، فتستقيم أحوالنا تبعا له: * الأولى مفادها أن كل اختلاف، حتى ولو كان في الأمور الفقهية الفرعية ونحوها مما ليس فيه نص قطعي الدلالة والثبوت، يعتبر ضارا بالأمة إلا أن تثبت براءته، وذلك من خلال إظهار منفعته. وبمعنى آخر: إنه ينبغي اتخاذ الحيطة والحذر ما أمكن، من كل اختلاف كيفما كان نوعه، في أثناء تنزيله على الواقع، وعدم استسهاله والاستخفاف بتأثيره، لمجرد أنه لم يطل المجال الاعتقادي أو مرجعية من مرجعيات الإسلام، ومن ثَمَّ قبوله تحت ذريعة الاختلاف ضرورة، أو الاختلاف واقع لا يرتفع، أو غيرها من الذرائع التي تستعمل أحيانا في غير محلها، فيكون إثمها أكبر من نفعها. ما يؤكد هذه القناعة لديَّ، هو عدم وجود حديث نبوي صريح، أي قطعي الدلالة والثبوت، علاوة على نص قرآني يفهم منه جواز الاختلاف ولو ضمنيا، اللهم إلا إذا استثنينا بعض الأحاديث الضعيفة التي لا ترقى إلى مستوى الاستدلال، خاصة في هذا المجال الشائك، كحديث +اختلاف أمتي رحمة؛ أو +اختلاف أصحابي رحمة لأمتي؛ أو +أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم؛ ونحوها.. وهي أحاديث تطرق إليها الضعف من قِبَل الإسناد، حتى إن بعض المحدثين اعتبروها من الأحاديث الموضوعة. ومهما كان من أمر صحة أو ضعف هذه الأحاديث، فإن الاختلاف في الفروع لا ينبغي حمله على الإباحة المطلقة، باعتباره رحمة وضرورة لا ينبغي رفعه. ودليلنا على هذا هو رفع اختلاف كان جائزا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك عندما أقدم عثمان رضي الله عنه في خلافته، بعد اتفاق الصحابة معه، على حرق المصاحف ونسخها على حرف قريش. وهو أحد الأحرف السبعة أو العشرة التي نزل بها القرآن الكريم. وبهذا العمل يكون عثمان قد جمع المسلمين في جميع الأقطار على مصحف واحد وعلى قراءة واحدة، وذلك حينما خيف على الاختلاف في قراءة كتاب الله مع اتساع رقعة الإسلام. فإذا كان هذا قد حدث مع تعدد القراءات في كتاب الله الثابتة عن رسول الله، فماذا عسانا أن نقول في حق الاختلافات المتباينة في الأمور الفرعية، والتي عادة ما تجلب الفرقة بين المسلمين؟! أليس من الأحوط رفعها أو تفاديها قبل تنزيلها، حتى نحافظ على وحدة الأمة، خاصة أنها اختلافات في أمور فرعية، أي ثانوية، ناجمة عن اجتهادات علماء معرَّضين للخطأ والصواب؟! فالاختلافات في الأمور الفرعية، إذا كانت من جنس الاختلافات المتباعدة أو المتباينة، كالاختلاف في أمر هل هو مستحب أم مكروه؟ (مثل الصلاة على النبي في التشهد الأول)، أو هل هو واجب أم محرم؟ (مثل قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة واجبة عند الشافعية والحنابلة وحرام عند الأحناف)، فإنه ينبغي عدم الإقرار بها وتنزيلها، خاصة على واقع معين. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه في مثل هذه الأحوال هو: أين هي الرحمة التي نشدها العلماء في مثل هذه الاختلافات؟ أو أين هي المشقة التي عمدوا إلى تركها في هذه الاختلافات؟ فأنا لا أرى هناك رحمة ولا مشقة على الإطلاق في كلتا الحالتين! بل أرى على العكس، قد حدث فوات فضل الاتفاق بين المسلمين. والأمر نفسه ينطبق على الكثير من الاختلافات الفرعية: كقراءة أو عدم قراءة البسملة، والجهر أو الإسرار بها، وكذلك رفع اليدين أو عدمه عند الركوع والرفع منه، وقِسْ على هذا. وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن القرآن جاء ذاما للاختلاف وناهيا عنه. أما السنة النبوية، فجاءت موضحة لكيفية التعامل معه حينما يقع اضطرارا، ولم تكن ساعية إليه، إلا أن يكون اختلاف ظروف وتنوع. فالرسول بحكمته المعهودة استطاع أن يتصدى لتلك الاختلافات التي وقعت على عهده في مهدها، ولم يتركها تستفحل حتى تؤثر على وحدة المجتمع الإسلامي الذي كان بصدد إنشائه، ولهذا نجده يعالجها: - تارة بنهي الصحابة عن الاختلاف في قراءة القرآن، كما حصل لابن مسعود عندما تنازع مع رجل سمعه يقرأ آية خلاف ما سمعها منه، فقال لهما صلى الله عليه وسلم: +كلاكما محسن ولا تختلفا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا؛. - وتارة بالسكوت عن الاختلاف، كما حصل بين الفريقين المختلفين في فهم مراده صلى الله عليه وسلم من أمره لهم بصلاة العصر ببني قريظة، عقب غزوة الأحزاب، وذلك حينما قال لهم: +لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة؛. - وتارة بالتنبيه والتحذير المسبق من الاختلاف قبل أن يقع، حتى يسد بابه. ولهذا نجده صلى الله عليه وسلم يوصي معاذ بن جبل وأبا موسى حينما أرسلهما إلى اليمن قائلا: +يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا؛. * أما الحقيقة الثانية، فمفادها أنه إذا كان رفع الضار من الاختلاف كلية، سواء في الأصول أو الفروع أمرا مستحيلا، فإن رفعه بالجزء يبقى أمرا ممكنا وليس متعذرا. وإلا لما شرع الاجتهاد والشورى في الإسلام، كما جاء ذلك في قوله تعالى: +فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا؛ (النساء/95). +والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم؛ (الشورى/83). فإن لم يكن الهدف من الاجتهاد والشورى هو رفع الاختلاف أو الخلاف والتنازع، فماذا عساه أن يكون يا ترى؟! وبهذه المناسبة، أستحضر قولا لأبي إسحاق الشاطبي من كتابه +الاعتصام؛ جاء فيه: +ولأن الاختلاف منفي عن الشريعة بإطلاق لأنها الحاكمة بين المختلفين لقوله تعالى: +فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول؛ إذ رد التنازع إلى الشريعة، فلو كانت الشريعة تقتضي الخلاف لم يكن في الرد إليها فائدة وقوله: +في شيء؛ نكرة في سياق الشرط فهي صيغة من صيغ العموم فتنتظم كل تنازع على العموم فالرد فيها لا يكون إلا لأمر واحد فلا يسع أن يكون أهل الحق فرقا؛. وفي هذا يقول أيضا ابن كثير في تفسيره: وهذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة، كما قال تعالى: +وما اختلفتم فِيهِ مِن شيء فَحُكْمُهُ إِلَى ؟للهِ؛ (الشورى/01). قد يعترض البعض على هذه القناعة بقوله: إن الخلاف بين الناس واقع لا يرتفع وكل أمل في القضاء عليه ومحوه هو مجرد وهم وسراب.. وليس أمامنا سوى أن نسلم به ونحسن التعامل معه والاستفادة منه، هذا هو الممكن، فلنتحرك في حيز الإمكان. وهو اعتراض قد لا يخلو من وجاهة، لكنه يبقى مشوبا ببعض الغموض، بل ومثيرا حتى، في عبارته الأخيرة التي يشتم منها رائحة الاستسلام للاختلاف. فلو أمعنَّا النظر قليلا في مسألة الشر، لوجدناه هو الآخر واقعا لا ولن يرتفع إلى الأبد. وإذا كان الأمر كذلك، فلِمَ نعمل جاهدين على رفع الشر؟! قد نضطر أحيانا للتسليم بالاختلاف، وليس للاستسلام له، إذا ما كان سيفضي إلى ضرر أقوى منه، لكن مؤقتا ريثما يحين الوقت لرفعه، عملا بالقاعدة الأصولية ارتكاب أخف الضررين. ولهذا فإن رد الأمور المتنازع فيها إلى الله والرسول يهدف أساسا إلى رفع التنازع، وليس إلى تحويله إلى نوع آخر من الاختلاف المقبول. وكأن الأمر يقتضي منا تحلة الاختلاف، أو استساغته من خلال عرضه على العلماء لإبداء رأيهم فيه، كي ينقلوه من منطقة الحظر إلى منطقة الإباحة، حتى نحافظ على إيماننا من جهة، ونضفي من جهة أخرى على هذا الاختلاف طابع المشروعية. وهكذا نكون قد استسلمنا للاختلاف، ولم يعد لدينا مجال للمزيد من الاجتهاد لرفعه كليا، علما بأن إصابة الحق عند التنازع عادة ما تكون نسبية، وبالتالي، تبقى اجتهادات العلماء ناقصة تحتاج دوما إلى المراجعة، حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أي: حتى يصيب المجتهدون الحق. وخير دليل على هذه النسبية، ما حصل بين نبيي الله داوود وسليمان عليهما السلام حينما حكما في الغنم التي نفشت في حرث القوم. فقد كان كل منهما مصيبا في حكمه، لكن سليمان كان أكثر إصابة من أبيه للحق. ولهذا نزل في حقه قرآن يؤيد حكمه، وفي هذا يقول تعالى: +وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما؛ (الأنبياء/87, 97). وعلى الإجمال أقول: * إن التنازع في كل شيء، سواء مس الأصول أو الفروع، ينبغي رده إلى الكتاب والسنة، على سبيل الوجوب لا على سبيل الندب. لأن الأمر بالرد جاء مقرونا بالإيمان، ومن لم يأتمر بأمر الله، فقد أخرج نفسه من دائرة الإيمان. * إن مسألة رفع الاختلاف في كل شيء، أمر مشروع وممكن وليس مستحيلا، إذا ما التزم مجتهدو هذه الأمة بما يلي: - بمبدأي التغليب والتقريب بين آرائهم في اجتهاداتهم، قصد التسهيل والتيسير على الناس، وذلك تأسيا برب العالمين الذي يقول: +يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر؛ (البقرة/581). - وكذلك بمبدأ التطاوع الذي ما فتئ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي به أصحابه، كما جاء ذلك في وصيته لكل من معاذ وأبي موسى. فإذا كان هذا شأن الله مع عباده، وحال رسوله صلى الله عليه وسلم مع أمته، فكيف ينبغي أن تكون حال العلماء ورثة الأنبياء مع أمتهم؟! فيا معشر العلماء يا ملح البلد من يصلح الملح إذا الملح فسد؟! وفي الختام أقول: إذا كان الاختلاف بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو العلماء في الفروع رحمة، فإن الاتفاق بينهم أرحم للأمة.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.