صدر للباحث الصديق بن محمد بن قاسم بوعلام كتاب جديد بعنوان «جماليات الإحسان، مدخل إلى الرؤية الجمالية الإسلامية» عن دار الكتب العلمية في بيروت لبنان، وقدم له الدكتور محمد حمزة بن علي الكتاني بكلمة جاء فيها: «فهذا الكتاب «جماليات الإحسان» مع ما تضمنه من تصوير رائع لعناية الوحي الرباني والهدي النبوي بمظاهر الجمال، على مستوى العقيدة، والشريعة، والآداب، والأخلاق، والعادات. وحتى تراكمات الحضارة الإسلامية وما أنتجته من فنون معمارية وتشكيلية، واجتماعية... إلخ، مع ذلك، وسأكتفي عن تصويره بمطالعة القارئ له، يُعدُّ تصويراً لجمال وبهاء سيّد الأكوان، وعروس المملكة الربانية مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، فهو آثار هديه، ورونق تباشيره وتوجيهاته عليه الصلاة والسلام. وهو كتاب فريد، في بابه، جميل في أسلوبه وترتيبه، حريٌّ بأن يُدرس ويعتنى به في مختلف المعاهد الشرعية والفكرية والفنّية، وأنْ يُعدَّ مرجعا من مراجع التدريس الابتدائي والثانوي في مجاله، بل والجامعي بالأحرى، وأن يستفيد بمضامينه الخاصة من جهة، والعامة من جهات. وصاحب الكتاب؛ الأستاذ الكريم السيد الصديق بن محمد بن قاسم بوعلام، هو كاتب باحث فذ، معروف بمقالاته ودراساته المتميزة، وبروحه الصّوفية الرّاقية، التي هي نتاج تربيته الصّوفية، تربية الذكر والمذاكرة، والتخلية والتحلية والتجلية». وجاء في مقدّمة المؤلف: «إذا لم يكن علمُ الجمال قد عُرف بهذا الإسم في الثقافة الإسلامية، فإنَّ هذا لايعني انصراف كثير من أعلامها عن النّظر فيه، والتنظير له والقول فيه، والقول عنه. وهذا يستدعي جمع نصوص هؤلاء العلماء المسلمين الذين اهتموا بهذا الميدان - وهذا ما لا ندّعي القيام به في هذا البحث - ويؤكد قيمة دراسة موضوع الجمال بالنسبة لحاضر ومستقبل هذه الثقافة. ذلك أنَّه يُرسِّخ أساساً من أسُسِها، ويُؤَصِّلُ أصلاً من أصولها، وهو الرّؤية الجمالية الإسلامية للعالم والإنسان والوجود. وهي رؤية تنبع من الإيمان بالله الواحد الأحد، الفرد الصّمد، الذي لم يلد ولم يُولد، ولم يكن له كفؤاً أحد. الله الجميل الذي يحبّ الجمال. كما تنبع من الإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم جوهرة الجمال ودرّة الكمال أجمل خلق الله الكبير المتعال. وينبع كذلك من خُلُق الرّحمة ورابطة التراحم وهُما أصْلان من أصولِ المنظومة الأخلاقية الإسلامية، ومن مقام الإحسان الذي يستحثُّ دينُ الإسلام هِمَمَ العالمين لترقّي درجاته حتى تصدر الأقوال والأفعال - ومنها المُبدَعَات - على أفضل نسَقٍ،وفي أبْهى كمال، وبأحسن جمال. وقيمة دراسة مفهوم الجمال بالنسبة للتراث الإسلامي لاتخفى على المهتمّ باستنباط قواعده النّاظمة، وقيمتُها بالنسبة للثقافة المعاصرة مؤكَّدة حيث تمنحها دعائم وروحاً وآفاقا جديدة. ولا أقوى من دعائم الجمالية الإسلامية، ولا أعظم من روحها، ولا أرحب من آفاقها. وذلك ما يلبي حاجة الثقافة المعاصرة التي أصبحت سواء في أصلها الغربي أونسختها التابعة تنوء بكلكل تصورات هي إلى القبح أقرب منها إلى الجمال، وإلى التشوه أقرب منها إلى التمام، وإلى الاضطراب أقرب منها إلى التوازن، وإلى الفوضى أقرب منها إلى النظام، وإلى التشظي والتلاشي والخبط والارتباك أقرب منها إلى الالتئام والبقاء والرشد والانتظام. إن روح مفهوم الجمال في الإسلام كما سنرى في محاور هذا الكتاب روح أخلاقية، شكلا ومضمونا، أسلوبا وغاية، أولا وآخرا. ولما كان الأمر كذلك وجب تأسيس الثقافة المعاصرة على هذه الروح الأخلاقية بنشر جماليتها في مختلف المبدعات الإنسانية، لتخليص ثقافة العصر من التشوهات والاختلالات، وتحرير طاقاتها من أوهاق الأوهام القبيحة، والنزعات الحيوانية المشينة، والنعرات الجنونية المطبقة، وإكسابها معان خالدة: معنى العبودية لله، والتجرد من أباطيل الهوى والشهوة المحرمة ونزعات الإفساد والإضلال، حتى يكون الإنسان المثقف متحررا من أوهام وتلبيسات الانحراف عن طريق الاستقامة، خالصا، مخلصا، لله قولا وعملا، إبداعا وجمالا. ولما كانت الثقافة نتاج فكر الإنسان، وتعبيرا ساميا عن نظرته للحياة، وتطلعاته إلى المستقبل، وتصويرا لمقومات وجوده في الحاضر، وذخيرة لمختلف أشكال عطائه الذهني والفني، واليدوي، مما اشتملت عليه ميادين الفنون ومجالات الإبداع المعنوي والمادي كان من اللازم ترشيد مفاهيم هذه الثقافة ليستقيم نتاجها وتعبيرها وتصويرها، وتسمو تطلعاتها وتغتني ذخيرتها بكل نافع جميل، بان حكيم. ومن المفاهيم الأساسية لكل ثقافة مفهوم الجمال. وتحليل هذا المفهوم، وترشيده وتقييمه، وتقويمه، بالنسبة للثقافة هو من أسباب تصحيح مسارها، وترسيخ مقوماتها، وتأصيل صحتها ونفعها. ومن تم فتوضيح خصائص مفهوم الجمال في الثقافة الإسلامية لا يفيد المسلم وحده بتوجيهه الوجهة الصحيحة في التصور والممارسة الجمالية، بل يفيد غير المسلم أيضا بنفس التوجيه. وفي كلتا الحالتين، يتطلّب الأمر نقد المفاهيم الجمالية التي فسدت منطلقاتها نظرا وتصوّرا، وانحرفت منتجاتُها قوْلاً وعملاً. وبالنّسبة للمثقف المسلم، لا يعقل أن يكوّن تصوّراً متكاملاً عن ثقافته الإسلامية، وعن الوجود والحياة ومقاصد الإسلام الإنسانية دون أن يكون ملمّاً بأسس التصوّر الجمالي الإسلامي الصحيحة، وغاياته العلمية والعملية، وثمراته في الممارسة الجمالية الفريدة. فإذا ألمّ بهذه المعرفة الجمالية الإسلامية كان أقدر على نقد المفاهيم الجمالية الغربية، وأمكن في مضاهاتها بمفاهيم إسلامية مجدّدة، وأقوم في ممارسة روحها في مبدعاته الثقافية. كما أنّ المثقف الغربي عند ما يطّلع على جدوى مفهوم الجمال في الثقافة الإسلامية، ويقف على صلاحه وإمكانياته التقويمية، ووجاهته وقدراته التوجيهية، وبركته وثمراته الإنسانية، سيسائل المفاهيم الجمالية في ثقافته عن جدواها وصلاحها ووجاهتها، ولماذا صارت الممارسات «الفنّية» إلى ما صارت إليه من أشكال وصيحات هي إلى العفن أقرب منها إلى الفنّ. لكل هذا عقدنا العزم إن شاء الله على تأليف كتابٍ في بيان مفهوم الجمال من المنظور الإسلامي. ومن المفيد التذكير بأنّ المدخل إلى دراسة «علم الجمال الإسلامي» بصفة عامة لابدّ أن يتتبّع مبادئ هذا العلم في القرآن والسنّة، وأن يجمع آراء ونظريات علماء الإسلام في هذا الموضوع، ويستخلص مناهجهم في البحث، ونتائج دراساتهم، ولابدّ أن يحلّل ذلك في ضوءِ التصوّر الإسلامي للجمال: منطلقاته، وطرائقه، وأهدافه. ثم من المستحسن مقارنة هذه المبادئ والمناهج والنّتائج بتصوّرات النظريات الجمالية الغربية. وقد تناولنا في هذا الكتاب بعض هذه الجوانب لاكلها، بالتركيز على دلالات المفهوم. إنّ الإنسان اليوم في حاجةٍ إلى تصوّر جمالي متوازن صحيح، تنبع منه ممارسة جمالية نظيفة هادفة. وهذا يستتبع نقد واقع كثير من الممارسات «الفنّية» المشينة بل الضّارّة. وأخيرا لابدّ من البحث عن تجليّات مبادئ علم الجمال الإسلامي في حياة المسلمين وإنتاجاتهم العلمية والفنيّة والحضارية، إذ بذلك يمكننا الاستدلال على القدرة الإنتاجية لهذه المبادئ». لعل هذا الكتاب الذي صدر مع مطلع هذه السنة الهجرية الجديدة يكون طالع يُمنٍ بحياةٍ جميلة للأمّة الإسلامية، وبوعي جميل برسالتها العظيمة في الوجود. ونتمنّى للمؤلف مزيد عطاءٍ وتوفيق. يتألف الكتاب من 128 صفحة من القطع الكبير.