بعد صدور الكتاب المشترك للأستاذين عبد السلام محمد البكاري والصديق محمد بوعلام بعنوان »الشبه الاستشراقية في كتاب »مدخل إلى القرآن الكريم« للدكتور محمد عابد الجابري رؤية نقدية« ضمن سلسلة معرفية نقدية اختارا لها اسم »أحاديث في قضايا«، هاهي ذي حلقة ثانية في نفس السلسلة تصدر عن نفس دور النشر الثلاث التي أصدرت الكتاب الأوّل، وهي دار الأمان في الرباط، والدار العربية للعلوم ناشرون في لبنان، ومنشورات الاختلاف في الجزائر، وعنوان الحلقة الجديدة أو الكتاب الجديد لنفس الكاتبين هو »رؤية نقدية لكتاب »السنة والإصلاح للدكتور عبدالله العروي«، وهو يتألف من 430 صفحة من القطع الكبير، وفي حلة جميلة أنيقة، وطباعة جيّدة. وقد ضمّن المؤلفان مقدمة إصدارهما الجديد الغنيّ بالقضايا والموضوعات التي سلطا عليها أضواء النّقد، ووضعا آراء الدكتور عبد الله العروي بصددها في ميزان التقويم والسبر، الأهداف العامة لهذا الكتاب الذي يشكل الحلقة الثانية ضمن هذه السلسلة النقدية التي نرجو لها الامتداد والتّجديد والازدياد، حيث نقرأ في مستهل هذه المقدمة »إنّ كتاب »السنة والإصلاح« للدكتور عبد الله العروي، يستدعي نقداً عميقاً، للافتراءات والشبه التي تضمّنها، والتي حاول من خلالها، تقديم السنّة المحمدية في صورة مخالفة لصورتها الحقيقية، قصْد التشكيك فيها، وتوهين مكانتها في العقول والنّفوس، وقد توخينا، بميزان العقل والنقل معاً، أن نعرض الموضوعات التي تناولها على المصدريْن الرئيسيْن للإسلام: الكتاب والسنة. كما رجعنا إلى التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية مقتبسيْن من صفحاتيْها دلائل واقعية خالدة تفنّد ما ذهب إليه. والموضوعات الرئيسية التي اشتمل عليها كتاب عبد الله العروي والتي توخينا إبانة الحق بخصوصها، وإبطال ما أحاطها به من افتراءات وشبُهات، تتمحور حول السنة وأهلها، وكيفية تعامُل العلماء معها، وفهمهم وتقديمهم لها، وجمعها وتدوينها ودراستها«. ويمكن تلخيص أهمّ ما احتواه هذا الإصدار الجديد من نقد، بالقول إنّ ذ. عبد السلام البكاري وذ. الصديق بوعلام قد سعيا في الفصل الأوّل من الباب الأوّل إلى بيان مصادر افتراءات عبد الله العروي ومنطلقاتها وغاياتها، ثم ناقشا في الفصل الثاني تصوّره لعلاقة الوحي بالعقل، ومعرفة الله، والصّفات الإلهية، وقضية الإيمان والعلم الحديث، والعلوم الإنسانية الإسلامية، والترابط العضوي بين الكون والمجتمع والأخلاق، مبينيْن خطر التفلسف في غير محله ومؤكديْن حاجة الإنسانية إلى الرّسالات السماوية. ودحض المؤلفان، في الفصل الأول من الباب الثاني، جانبا من توهّمات العروي حول قصّة سيّدنا إبراهيم عليه السلام، وبيّنا قوّة يقين هذا النبي الكريم، وحقيقة نبوته ورسالته، وميزة القصص الحق، وغلبة الخيال على تصوّرات العروي، وأنّ قصّة إبراهيم ليست امتداداً للثقافة الهليستنية كما زعم، مبرزيْن قيمة الطموح العلمي والعملي في الإسلام. وأكدا، في الفصل الثاني، بطلان القول بالحلول والتجسّد، وبيّنا حقائق التّوحيد أباطيل التجسيد، ووحدة الرّسالات والنبوات، وأنّ الله تعالى ليس كلمة، وأن تجربة مدّعي التثليث والبنوّة للّه ليست هي تجربة الموحّدين، وأنّ عقيدة التوحيد لاتنشأ عنها الشّبهات، والفرق بين الإسلام واليهودية والنّصرانية المحرّفتين، والمفاصلة التامة بين الإسلام وأديان الشرك. وذكّرا في الفصل الأول من الباب الثالث بمنهج الذين هدى الله وأمر نبيه بالاقتداء بهم، وأكدا أنّ القرآن الكريم كتاب مبين لا إلغاز فيه ولا غموض؛ وأوضحا في الفصل الثاني أن القرآن ليس نسخة جاءت من الثقافة الهلستينية؛ كما أبرزا مقاصد الإسلام، وعقيدة أمّة التّوحيد، وخلوّ القرآن الكريم من أيّ شبهة، وأنّ أهل السنّة والجماعة أبعد الفرق عن الهوى، وأنّ المسيحية المحرَّفة غير مقبولة عقلا ونقلا وذوقا؛ كما أكّدا في الفصل الثالث تكريم الإسلام للمرأة، وأنّ القرآن الكريم محفوظ ومعجزته خالدة، وأنه مبين مصدراً ورسالة ومقاصد ونظما، وإن هو إلا وحيٌ يُوحى، وأن الإسلام ليس قراءة لشعب دُوِّنت في نصٍّ مضبوط. وكشف المؤلفان، في الفصل الأوّل من الباب الرّابع، استخدام حيل التضليل والافتراء، وفنّدا نسبة القرآن الكريم إلى الأساطير، وبيّنا أنّ التوحيد ليس انصهاراً للوثنية كما توهّم المؤلف، وأنّ الإسلام هو الذي نقل العرب من الجاهلية إلى الإيمان والتوحيد، وأنّ الختان سنة مؤكدة من سنن الفطرة وشعار الإسلام، وأوضحا أن الاستبداد لم يكن مقابلا للتوحيد، وأنّ ترتيب السّور توقيفي حكيم بليغ معجز؛ كما أكّدا انسجام الأسلوب القرآني، والوحدة العضوية للقرآن الكريم، وأنّ الذين يعلمون والذين لا يعلمون لا يستوون؛ وأنّ فاتحة القرآن الكريم هي سورة الحمد. وفنّدا، في الفصل الثالث، دعوة العروي إلى قراءة القرآن الكريم حسب تسلسل غامض، وبيّنا مجازفته وبعده عن الدقة العلمية، وذكّرا بحقيقة أنّ لله الأسماء الحسنى، وأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يأت بهذه الأسماء من عنده، وأنّ سرّ مفتاح الدّعوة المحمدية هو الوحي الإلهي؛وأن المسؤولية فردية وجماعية في التصوّر الإسلامي، داحضيْن ما افتراه العروي على الرّسول الكريم صلى الله عليه وسلم وبيّنا ، في الفصل الرابع أنّ نسبة القرآن الكريم إلى النبي صلى الله عليه وسلم من تضليل المستشرقين وأذنابهم، كما قدّما صورة عن حال العرب في الجاهلية، وتحدّثا عن الإعجاز الكوني والإعجاز القرآني، كاشفيْن عن السؤال الخفي في خطاب عبد الله العروي، مبرزين الفرق بين الحياد والنفاق، وأنّ الهجرة كانت بأمر الله ولتحقيق مراده، مذكِّرين بأسباب عودة النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة؛ كما أوضحا أن لا أثر للزمن في القرآن الكريم بل هو المحيط بالزمن والتاريخ، وأن الخطاب القرآني مصدر الهداية، مفنديْن التفسير التاريخي المادّي، مبيّنيْن أن لا أحد يعلم الساعة إلاّ الله سبحانه، كما ردا على اتهامات العروي للصحابة رضي الله عنهم، وناقشا النظرة التطوّرية التاريخانية ونتائجها الخاطئة؛ وأبرزا تماسك الدّولة الإسلامية وأسسها وواقعية أحكام الشّريعة الإسلامية وصلاحيتها، وختما هذا الفصل بمسك الختام حيث تحدثا عن بعض مكارم سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم البشير النذير وأسعد الخلق بفضل الله العظيم. وأكّدا، في الفصل الأوّل من الباب الخامس، أنّ حكم الله تعالى أحسن حكم لقوم يوقنون، ونبّها إلى أنّ للتأويل قواعد، وأنَّ القرآن يعلو على كل نقد، وأنّ السنة الصحيحة تسمو فوق كل نقد كذلك، وهي تستقل بالتشريع أحيانا. كما تبين القرآن الكريم، ولذلك ساقا الأدلة على حُجيتها، ودحضا ما روّجه العروي من بضاعة المستشرقين المغشوشة. وبيّنا، في الفصل الثاني، أن مصادر الدين الإسلامي (القرآن الكريم والسنة النبوية والسيرة العطرة) بالإضافة إلى الفقه الإسلامي مصادر موثوقة محفوظة؛ وكشفا في الفصل الثالث عن فشل محاولات توهين مكانة السنة، كما أبرزا قيمة المصالح المرسلة في الإسلام، وقمة التحري والنزاهة والأمانة عند علماء الحديث وأن أصل عقيدة أهل السنة والجماعة هو الحل المناسب لمآزق العصر، وأن الإسلام ليس من إنشاء جماعة معينة، مبرزين، في الختام إمكانية الإجماع في نفسه. وفندا، في الفصل الأول من الباب السادس، دعوى رجوع القرآن الكريم إلى الوضع الهلستيني، وأكدا أن قوة السنة النبوية ذاتية، وأوضحا في الفصل الثاني أن الوسطية والاعتدال من جواهر الإسلام، ولم يُملهما أسياد مكة، ودحضا اتهام العروي علماء الحديث باستمالة الحكام، كاشفين مرة أخرى عن الأصول الاستشراقية لمزاعمه، مؤكدين علاقة الفكر الإسلامي بالواقع، مبيّنيْن الفرق بين موقفي المعتزلة والحنابلة، وكيف جمع الإمامان مالك وأبو حنيفة بين الرأي والحديث، وبعد ذلك نبها إلى أن الأحاديث النبوية لم تتكاثر نتيجة لحوادث الحياة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، كما زعم العروي، وتحدّثا عن الإمام أحمد بن حنبل، نافييْن أي تناقض بين السنة والتطور، مع الإشارة إلى جذور التحامل على السنة، وتكلما، في الفصل الثالث، على حرية الفكر وفضيلة الحوار والاجتهاد في الإسلام، وحرية القاضي وصلاحياته، وأن تحكيم النص الشرعي لا يؤدي إلى تراجع العقل، كما أبرزا موقف ابن حزم، ونظرية المعرفة الإسلامية وتكامل العلوم النافعة، وأن العلم يزيد وينقص وكذلك الإيمان، وأن العلم في الإسلام رواية ودراية. وذكّرا، في الفصل الأول من الباب السابع، بأن الافتراء على أهل السنة لن يجدي الحداثيين وسجلا اعتراف العروي بصحة منهج السنة رغما عنه، وفنّدا ما ادّعاه الأخباريون من أكاذيب حول النبي إدريس عليه السلام، وأبرزا قيمة علم المناظرة في الإسلام، وأن الصوفية الأبرار أحرص الناس على اتّباع السنة، وأن أصل الهزائم الإعراض عنها، وأن فهم الإنسان للقرآن الكريم يزداد دقة وسعة، وأن التأصيل الشرعي خصبٌ للغاية، وأن التاريخ لا يمكن أن يتجاوز المدرسة السنّية، كما أوضحا موقف أهل السنة من الفرق الضالة، وبيّنا، في الفصل الثاني، ألا علاقة بين عقيدة التوحيد واستبدال الحاكم، داحضيْن أوهام التفسير التاريخاني، مؤكديْن أن المساواة في الإسلام واقع لا مجرد شعار، مبرزيْن موقف السنة من الأمية، وأن ليس كل جديد بدعة، مفنديْن افتراءات أخرى على الصوفية؛ كما أكدا أن عقل السنة يقظ مجتهد مستبصر، وأنها خطاب وسلوك، وتحدثا ختاما عن علم النفس الإسلامي وأبرزا في الفصل الثالث حقوق المرأة في الإسلام، وأن حديث السنة الصحيحة عن الماضي والمستقبل حق، وأنها ليست تكوُّنا مستمرا كما ادّعى العروي، وأنها تشجع على البحث العلمي وتدعو إلى التفكر، كما تحدّثا عن الإعجاز العلمي للسنة، داحضيْن تصور عبد الله العروي للوحي والرسول، مبرزيْن الحجة البالغة للإسلام والسنة، والعلاقة بين الاستعماريْن القديم والجديد، ودحضا، في الختام، محاولة العروي البئيسة لتسويغ العلمانية، مؤكديْن أن السنة النبوية من أجل إسعاد البشرية. لقد كان غرض المؤلفيْن من كل ما سبق ذكره التنبيه إلى الأخطاء التي وقع فيها العروي لعله يصححها في المستقبل، وليكون القارئ على بينة مما جاء في كتاب »السنة والإصلاح«. وقد التزما في نقدهما الموضوعية، وتجنّبا التحامل، لأن الأمر يتعلق في مشروعهما الذي صدر منه حتى الآن كتابان، بنقد الأفكار، ومناقشة الأطاريح، لا غير.