في وقت متقارب تم الاحتفاء بثلاثة أعمال فنية تمس جوانب من الذاكرة المشتركة للمغاربة والإسبان مما يدل على كثافة التعايش بيننا ومما يؤكد بجلاء كيف أن القرن العشرين بالنسبة للإسبان كان قرنا مغربيا. وها هو لا يزال يجر ذيوله حتى الآن، كما نرى بين الفينة والأخرى. فبمناسبة الاحتفال باليوم الوطني للإعلام منحت الجائزة الوطنية للبرامج التلفزيونية لشريط كانت قد قدمته القناة الثانية حول الغازات السامة التي استعملت في حرب الريف الثالثة بالمغرب من قبل القوات الإسبانية. وكانت الجائزة من نصيب الزميل محمد خاتم الذي أنجز شريطا وثائقيا سلط فيه الضوء على تلك الجريمة التي تم فيها استعمال أسلحة محرمة دوليا، لأنها تعبير عن الجبن والهمجية إذ لم تتورع قوات الاحتلال عن استعمال تلك الأسلحة بدون تمييز ضد المدنيين وغير الحاملين للسلاح، وكوفئت أوربيا بأن تعززت بنصيرتها الفرنسية في تعبئة " للمتحضرين " للقضاء على حركة التحرير التي قادها بن عبد الكريم الخطابي. وفي المهرجان الثالث للفيلم الوثائقي بأكادير قدم شريط بعنوان " الخاسرون " أخرجه في سنة 2008 إدريس ديباك وهو عن الجنود المغاربة الذين أقحموا في الانقلاب الذي قام به الخنرال فرانكو فشاركوا في الحرب الأهلية التي أدت إلى إقامة نظام ديكتاتوري في إسبانيا اكتوى بناره المغاربة بدورهم، لأنه عطل فرص إقامة حوار سوي بين الشعبين المغربي والإسباني. كما قدم فيلم ثان، هو عمل مشترك لكل من طارق الإدريسي وخايمي رادا، وعنوانه لفظة مغربية معبرة هي " الرهاج " وتعني السم كناية على السموم التي استعملتها قوات الاحتلال الإسبانية في حرب الريف على إثر الهزائم المتوالية التي منيت بها قوات الاحتلال في كل من الريف وغمارة وجبالة بالمنطقة الشمالية التي وحدها الأمير الخطابي في جبهة واحدة ضد الاحتلال. وما زالت آثار تلك الغازات التي استعملت في الريف ملموسة في القدر الكبير من الإصابات بالسرطان في المنطقة التي استعملت فيها تلك الأسلحة. وهكذا تدخل السينما على الخط لتنشر على نطاق واسع المعطيات المتعلقة بملفات ترجع إلى فترة مأساوية من التاريخ الحديث ما زالت جروحها لم تندمل. ويضاف إلى ذلك أن الجهة المسؤولة عن الجبر المعنوي للضرر ما زالت تتملص من الاعتراف بمسؤوليتها فيها أخلاقيا وسياسيا. لقد طالبت عناصر ديموقراطية في إسبانيا بالإقدام على الاعتذار. وذلك على غرار ما تمت المطالبة به شأن الاعتذار الرسمي عن طرد الموريسكيين منذ أكثر من خمسمائة سنة. وهناك ملتمس قدم في البرلمان الإسباني بصدد الموريسكيين ونداءات من جانب أوساط أكاديمية وحتى من جانب بعض الفئات السياسية، تدعو إلى الاعتراف باستعمال الغازات السامة ضد الريفيين. ولكن هذه الأمور الرمزية لا تجد صدى حينما يتعلق الأمر بالمغرب، مما يدل على شدة التعقيد الذي يكتنف العلاقات المغربية الإسبانية. 21 نوفمبر 2010