يمثل التنشيط التربوي جزء هاما في المقاربة التعليمية التعلمية للمتمدرس، بل يمكن اعتباره من حيث الجانب البيداغوجي، عملية تسهيل و تقريب المواد الدراسية عبر تقنيات وأساليب بسيطة تكرس المعلومة، وتوضح المهارة للوصول إلى الكفاية المطلوبة. يعرف المتخصصون التربويون التنشيط التربوي بأنه مجموعة من العمليات التي يقوم بها فرد أو جماعة، الهدف منها إدخال تعديل أو تغيير على سلوك إنساني في إطار ثقافي أو تربوي، وفق أهداف مضبوطة و محددة. و هو يعتمد أساسا على المنشط و المنشط و المكان و الزمان، و الوسائل البيداغوجية و المادية. فيما يعرفه آخرون على أنه عملية دينامية لإثارة الحيوية والفعالية داخل جماعة فصل معينة، من خلال القيام بأدوار وممارسات لفظية أو حركية تستجيب للأهداف المسطرة. وعلى ضوء هذين التعريفين يظهر جليا أن علاقة التعلم بالتنشيط التربوي علاقة تكاملية، خاصة إذا ما استحضرنا ما يلعبه التنشيط من أدوار هامة في تكسير الرتابة التي يعاني منها الفصل الدراسي، وإضفاء روح الحيوية والنشاط في الفعل التعلمي التعليمي، بل إن التساؤل أصبح يطرح نفسه بإلحاح عن ضعف المستوى التعليمي الذي أصبحت تعانيه مدارسنا التعليمية لتتعدد الأسباب منها ما هو مرتبط بالمتعلم نفسه، كذات غير مهتمة بما تتلقاه من معارف داخل الفصل، لينعكس ذلك على أداء واجباته اليومية، ومنها ما هو مرتبط بالمواد والبرامج التي لا تتفاعل مع محيط المتعلم «كعوامل سوسيوثقافية تكمن أساسا في طبيعة المعرفة الملقنة للمتعلمين، والتي لم تعد تنسجم وطموحاتهم الفكرية وحاجياتهم النفسية» حسب تعبير أحد المتخصصين، فيما يرى آخرون أن هذا الضعف يعود إلى غياب وسائل التنشيط والتحفيز كوسائط ديداكتيكية، وإلى الفعل التربوي الذي مازال يعتمد الطريقة العمودية في توصيل المعرفة والتواصل داخل الفصل. تتفق أغلب الدراسات العلمية المهتمة بميدان التعليم على أهمية التنشيط في الفعل التربوي، لأنه يساهم في خلق الجو الحقيقي للمشاركة داخل الجماعة في الفصل، لأن طابع التنافسية يبدد الإحساس بالتفرد المفضي إلى الخجل والانطواء رغم توفر إمكانات التعبير. وبالتالي يتجاوز التلقين الموجه بشكل «ميكانيكي» روتيني، حيث يطبع لحظة التنافس تذويب الصعوبات النفسية واستحضار لحظة الإبداع والتحاور بين المتعلمين، والتحفيز و الرغبة و العزم على الفعل التعلمي. يبقى التنشيط التربوي دون الفعالية المرجوة في غياب منشط غير قادر على التفاعلات داخل جماعة الفصل، لأنه بكل بساطة هو من يحول لحظة السكون إلى الحركة، ولحظة اللافعل إلى الفعل، بغاية التوصيل المعرفي وتحقيق الكفاية المرجوة، من هنا يبدو أن للمنشط الدور الفعال في تحريك جماعة الفصل وتوعيتها تربويا و بيداغوجيا. ولعل ما يؤكد هذا الفعل هو مجموع التقنيات التي يتطلبها التنشيط التربوي، والتي يسميها المتخصصون بتقنيات التنشيط والتي تتمثل في تقنية « فليبس» والتي تعتمد على ستة أطفال يشتغلون لمدة ست دقائق على موضوع محدد، وتسمح هذه التقنية بسرعة الفعالية والتدرب على الحسم واستثمار الوقت، وما يتطلبه ذلك من إتقان فن السماع إلى الآخر( يمكن استغلال هذه التقنية على الخصوص في مواد النشاط العلمي والاجتماعيات والإنشاء)، وتقنية العصف الذهني وتهدف الوصول بالجماعة إلى إبراز أفكار إبداعية أو حلول بصدد مشكلة أو قضية تطرح عليهم، وذلك بحرية مطلقة بدون انتقاد أو تعقيب..أي عدم إصدار أي حكم قيمة على الموضوع المقترح للنقاش أو الحل. وتقنية تنشيط فصل متعدد المستويات، باعتباره أفضل فصل لتطبيق تقنيات التنشيط التربوي التي تعتبر أحد الحلول لتفادي ازدواجية خطاب المدرس، وإجهاد ذاته في التوفيق بين مستويين أو أكثر، ذلك أن استخدام تقنيات التنشيط التربوي تحول القسم المشترك إلى قسم فعال، حسب رأي أحد الباحثين التربويين. فيما تبقى تقنية المسرح المدرسي، التي يصفها العارفون بالمجال، أنها ركيزة هامة من ركائز الأنشطة التربوية التي تسهم في نمو شخصية المتعلم فكريا وبدنيا وروحيا، وتؤدي إلى خلق الشخصية الواعية المتكاملة القادرة على ربط النظري بالواقع العملي الملموس، ومواجهة المواقف الحياتية بشجاعة وثبات، و خلق جو تثقيفي وترفيهي لفائدة الأطفال و تنمية روح الجماعة والعمل في إطار فريق واحد، و تعويد المتعلم على مواجهة المواقف الحياتية بشجاعة وثبات، و اكتشاف المواهب الحقيقية وخلق عالم من الإبداع والابتكار، و إعطاء الفرصة للتلميذ لإظهار مواهبه وقدراته و تدريب التلاميذ على الأداء المسرحي الجيد، ناهيك عن ترسيخ مفاهيم مسرحية لدى التلاميذ. كما يتفق هؤلاء المتخصصون على أن المسرح المدرسي نموذج أدبي فني يحدث تأثيرا تربويا في المتلقي، معتمدا على عدة عناصر أدبية أساسية كالحبكة الدرامية، والشخصيات، والحوار، وتقنيات مساعدة من ملابس،إضاءة، مؤثرات وديكور. وإذا كان المسرح المدرسي بهذه الأهمية القصوى يبقى السؤال مطروحا لماذا لم يتم إدراجه ضمن البرامج التعليمية لسنوات التعليم الابتدائي لما بعد السنة الأولى والثانية، حيث يبقى مقتصرا على هاتين السنتين ليس غير، علما بأن خبراء التربية يؤكدون أن الطفل في سن ما بعد الثامنة، يبدأ في إدراكه للمحيط وتمييزه للأشكال الظاهرة أو الخارجية للأشياء، وبعدها تأتي مرحلة نشأة العقلانية عند الطفل ومرحلة إدراك المنظور في حدود بعض خصائصه، التي تميزه عن غيره مع الميل إلى ممارسة تقليد الصور الموجودة بمحيطه، وهي مرحلة سن العاشرة وإحدى عشرة سنة، لتليها المرحلة التي تنمو فيها القدرة لدى الطفل لإدراك المعنويات والمفاهيم كالفضاء والزمن بالإضافة إلى التفريق بين ما هو واقعي و خيالي .. وهنا الضرورة التي تضع المسرح المدرسي في مرتبة لا تقل أهمية عن مختلف البرامج والمحاور التعليمية المسطرة في مرحلة التعلم لدى المتمدرس، والتي من شأنها الدفع بمهاراته لاكتساب كفايات جديدة ذات علاقة مباشرة ومتينة مع الإدماج بيدغوجيا. والحديث عن التنشيط التربوي يستلزم بالضرورة الحديث عن المنشط، الذي ينبغي أن يقوم بمهام تمكنه من تنشيط متميز من خلال شروط موضوعة، كالتخطيط عبر الوسائل والتقنيات والتنظيم من حيث الزمن، واقتصاره على التوجيه والإرشاد والتسيير ليكون قادرا على التقويم والدعم، بعد تحقيق مجموعة من الأسس والمبادئ من دمقرطة للعلاقات وتشجيع للكفاءات واستثمار للتقنيات تطوير لفن الإنصات، مع اعتماد تقنيات مناسبة للجماعة، كصيانة فضاء الجماعة من جميع الشوائب الصحية والخلقية والاجتماعية، وغيرها من الأسس والمبادئ التي يرتكز عليها التنشيط التربوي، الذي يعتمد عدة أساليب يلخصها علماء السيكولوجيا، في الأسلوب السلطوي التوجيهي حيث يكون المنشط هو القائد والموجه، وفي الأسلوب الديمقراطي حيث يندمج في الجماعة ويقترح مع أفرادها، وفي الأسلوب الفوضوي حيث يقدم المنشط العمل ويترك للمشاركين حرية التصرف، من هنا يظهر أن للتنشيط دور فعال في خلق تعليم يساهم فيه كل من المعلم والمتعلم بديمقراطية تجعل المتمدرس فاعلا ومتفاعلا، بعيدا عن ذلك الأسلوب النمطي الذي يجعل المدرس هو محور المعرفة، والمتعلم وعاء يستقبل تلك المعرفة التي يخزنها في انتظار تفريغها لحظة الامتحان، ومن ثمة تضيع فور تسليمه ورقة الامتحان وخروجه من القاعة، بعيدا عن بناء كفايات متعددة تروم تحريك مكتسبات التلميذ، وإعطائها دلالات على مستوى الواقع. بحيث تصبح تلك المعارف التي تلقاها المتعلم كفاية دالة، تكون مكملة لتلك الممارسات العادية داخل الفصل الدراسي.