استهلال: انفتح السؤال التربوي على العديد من النظريات المعرفية والثقافية والفكرية، الداعمة لمشروع المؤسسة التربوية، بحيث إن علاقة المدرسة بالمحيط لم تكن في يوم من الأيام ذات صبغة تكوينية فقط، بل كانت أيضا وظيفية ترعاها الدولة ومؤسساتها، لكن عندما آلت المدرسة إلى فضاء ملتبس، خاصة أنها لم تعد توفر أدنى شروط للمجتمع في التنمية وأشياء أخرى، إذ تم تحويلها إلى ملاجئ في ظل حماية من تشرد دائم وبطالة مقنعة، وهكذا بتنا نعيد جملة من النظريات التكوينية، ومن الأفكار الغربية التي انغرست في تربتها وأثمرت، نتيجة ظروف خاصة. والسؤال التربوي اليوم لا يقتصر على محاولة المتح من اجتهادات الآخر، بل لا بد له أن يربط بين المؤسسة والمحيط، وبين الأسرة والفضاء التعليمي، وبينهما وسوق الشغل. بحيث لا يمكن ترك المدرسة لوحدها تبحث عن حلول لها في غياب نظرة دولتية إلى العملية التعليمية-التعلمية، مع إشراك الفاعلين طبعا. وإذا كان أحد علماء التربية (كزافيي روجرس) قد أسس مع جان ماري كيتل، المكتب الدولي للتربية والتكوين BIEF، مستفيدا من تحاقل الأفكار والثقافات، خاصة من فكر ادغار موران Edgar Morin صاحب نظرية الفكر المركب la pensée complexe فإن أقصى ما وصلت إليه اجتهادات البحث التربوي، هي أنها استساغت الاشتغال على ما يسمى بيداغويا الإدماج، ضمن حقول فشلت في ترسيخ مواكبة حقيقية لبيداغويا الكفايات وصنافاتها، إضافة إلى بيداغوجيا الأهداف ومقاصدها، فكل هذه العناصر، ربما تقودنا إلى حقل يحيلنا على النظرية السلوكية والنظرية المعرفية، لأن السؤال المطروح حاليا، هو: لماذا الإدماج بالضبط؟ وما علاقته بالبيدغوجيا؟ I- تحديد المفهوم: الإدماج كفعل تربوي: إن تحديد الإدماج في فضاء البيداغوجيا، كما يعتبر بعض المختصين، هو نشاط ديداكتيكي، يتغيا دفع التلميذ ليحرك ما اكتسبه، الذي كان، كتعلمات مستقلة، وذلك قصد خلق صورة أو دلالة ما للمكتسب، وهذا يبرز عند الانتهاء من التعلمات المترسخة قبلا، التي تشكل في كليتها دلالة ما، بحيث إن علاقتها هنا ترتبط بترسيخ كفاية أو إنجاز غاية/هدف نهائي لفعل الإدماج. ويرى بعض التربويين أنه من مميزات الإدماج الربط بين العملية التعليمية _التعلمية والتلميذ، ثم الوعي بالعلاقة من خلال: * فاعلية التلميذ * تحريكه وتعبئته وتوظيفه للموارد * تنمية كفايته * اعتبار إدماجه نشاطا ذو معنى وهو أصلا مرتبط بوضعية جديدة، وتتغيا تحقق الإدماج لأهداف هي: - تنمية الكفاية لحل المعضلات ضمن فئة مستهدفة خلال نشاط ما. - الوعي بوضعية الإدماج لحالة تنشيط جماعية. - اعتبار نشاط الإدماج نشاط تعلميا بامتياز. ولضبط الإدماج الفاعل، لا بد من ضبط تحققه في الزمن، إذ نلجأ إلى هذا في وضعيات مختلفة، هي: في أي لحظة من لحظات التعلم (أنشطة قصيرة)، أو في نهاية بعض التعلمات المشكلة كلا دالا (تمتد الأنشطة من ساعة إلى عدة أيام) أو عندما نريد ترسيخ كفاية، أو تحقيق هدف نهائي للإدماج OTI ، وهذا لا يمكن إنجازه إلا من خلال وضعيات محددة، مثلا: وضعية حل المعضلات، أو التواصل، أو في مهمة معقدة، أو إنتاج موضوع معين، أو زيارة ميدانية، أو وضعية أعمال تطبيقية مختبرية، او ابتكار عمل فني، أو تدريب عملي، أو وضعية تأطير المشروع البيداغوجي لمشروع القسم. إن الإدماج نشاط تعلمي، يتم وفق تخطيط أنشطة تعلمية عادية، وضمن غلاف زمني مخصص لإنجاز الحصص وأيضا للدعم والتثبيت، ولكي يخضع إلى تنظيم، لا بد أن يكون عند نهاية التعلمات أو بالتدريج، لذلك فالاهتمام به يرتبط بمحاولة الاشتغال على الكفايات، لأن وفرة المعلومات ضمن تجربة ما، تتطلب من الفاعل أن يميز بين الكفايات المستعرضة والكفايات النوعية، إذ أن الاختيار في عملية الإدماج يقع على الثانية، باعتبارها مقرونة بيداغوجيا مخصوصة تنقل الأهداف إلى كفايات ثم إلى إدماج، فالكفاية لدى روجرز هي إمكانية تعبئة، بطريقة مضمرة لمجموعة مدمجة من الموارد، قصد حل الوضعيات _المعضلة، وهذا يمكنه أن يدخل في مجال الكفايات المهنية. ومن خصوصيات الكفاية: تعبئة مجموعة موارد، الوظيفة، العلاقة بفئة من الوضعيات، الارتباط بمضمون دراسي، وأخيرا القابلية للتقويم: فالطابع الإدماجي يساهم في صياغة الكفاية، وتمييزها عن غاية تعلمية كالمهارة، لأن الهدف من هذا هو تحقيق حل الوضعية _المعضلة، وتملك القدرة، وإنجاز الهدف التعلمي. II - البيداغوجيا والإدماج أية علاقة؟ أما علاقة الإدماج بالبيداغوجيا، فنلاحظ أنه ينفتح على مقاربات عدة، منها: المقاربة السلوكية، والسبيرنيتيكية والإدراكية، لأن البيداغوجيا في الأصل نظرية تطبيقية للتربية، تستقي مفاهيمها من علمي النفس والاجتماع حسب إميل دوركايم، بل هي عند روني أوبير ليست تقنية ولا علما ولا فنا ولا فلسفة، بل هي كل هذا، منظم تنظيما عقلانيا. فالبيداغوجيا في السابق، هي لغة: العبد الذي كان يرافق الأطفال في المدرسة، لكنها اصطلاحا ما أشرنا إليه، لذلك نميل إلى بيداغوجيا الإدماج من خلال المقاربة الحالية، باعتبارها نسقا يستدعي الاشتغال في وسط سياق ما، بكفاءة وقدرة على إنجاز الأنشطة ضمن حدود ما، ولإنجاح حل المعضلة لا بد من تجاوز التعارضات الظاهرية، وهكذا يمكن الوعي بآليات كالمهارة والأداء والقدرة والإنجاز، إضافة إلى السلوك. فالبيداغوجيا إذ كانت علم أصول التدريس، أو مجموعة طرق التدريس، فإنها في علاقتها بالإدماج تتفتح على بيداغوجيات عديدة تهم المجموعات، والخطأ، والفارقية، والمشروع، والدعم والتعليم والكفايات، واللعب، والأهداف. إن بيداغوجيا الإدماج في نهاية المطاف، هي فعل لإكساب الثقة في العلاقة الانفصامية بين المدرسة والمجتمع، فالتلميذ إذا أراد أن يكون مواطنا صالحا لا بد أن تتحقق له مجموعة من الشروط الذاتية والموضوعية، وهذه البيداغوجيا يمكنها أن تساهم في تثبيت قيم المواطنة والتربية على حقوق الإنسان، لذلك فالهدف هو مصداقية المدرسة في المجتمع، وإرجاع الهبة إلى الفضاء التعليمي. III - بيداغوجيا الإدماج ومقاربة الكيف: من الضروري إذن، وفي ظل الإخفاق الذي عرفته المدرسة المغربية التي لم ترس على خط فاصل وواضح منذ بداياتها إلى اليوم، أن تبحث لنفسها عن مسوغ يعبر بها إلى مساحات أكثر نجاعة. وهكذا تم الاستناد إلى الإدماج الذي بدأ يعرف تلاشيا داخل المنظومة التربوية، نتيجة الخلط بين وظيفة المؤسسة التربوية ومخططات الرفع من مستوى التعبئة أمام تحديات العصر وأسئلته الحارقة، وهكذا فبالرغم من كون التخطيط التربوي في المغرب غالبا ما كان يدرج، على مستوى صياغة مخططات التنمية، كجزء فرعي ضمن التخطيط الاقتصادي والاجتماعي الشامل، فإن ذلك لم يؤد إلى تحقيق تلاؤم أفضل بين مضامين ومكونات النظام التربوي والتكويني، وبين مقتضيات وحاجات وتحولات النظام السوسيواقتصادي العام، وإذا كانت بيداغوجيا الأهداف كتصور يحاول أن ينتسب إلى الحقل الإصلاحي التربوي، فمن الأكيد إذن، أن نجعلها ترتبط بالكيف، وليس بشيء آخر، مادام أن استراتيجية البحث هنا تتوخى الحذر في ما يخص المصطلحات المتعامل معها، كالإصلاح والتربوي، والتغيير التربوي، والتجديد أو التطوير التربويين، والتحديث التربوي، ومع ذلك، فإن بعد الرؤى في السياسات المعاصرة أصبح يخضع إلى التخطيط الاستراتيجي، بذلك نلاحظ أن المنظور الإصلاحي لا يمكنه أن يحقق أهدافه، وبالتالي فهو مضاعفة لتأزيم حقل بات غير واضح أمام نماذج التجارب المتطورة باستمرار، وفي واقع ثابت وقار، ولعل أفق الإصلاح التربوي لم يراع الكيف، باعتباره فعلا تنويريا من الداخل، بل هو إجراء نوعي يمكنه أن يمس كافة الشرائح التي هي رافعة المستقبل، والمدافعة عن قضايا الوطن، والمجتمع، فالإصلاح، سواء ربطناه بالمجانية أو التعميم، أو التوحيد، أو إشكال اللغة، أو المهنية، أو تكوين الأطر، أو الربط بين المدرسة والمحيط، ما هو في الأساس إلا عبارة عن عملية كفيلة بصيرورة لا بد أن تظل من محفزات التنمية المستدامة، وضمن إطار حكامة جيدة وناجعة. إن مقاربة الكيف، تحاول أن تجعل من المتعلم كمالك لزمام المبادرة داخل العملية التربوية، يؤكد اندماجه الواعي والصريح في فعل التحول، لا أن يبقى على هامش اللعبة، وإذا كانت المقاربة السلوكية لجون برودوس واتسون، قد اعتمدت التدريب الآلي أو الفعل والفعل المضاد، والمقاربة السبيريتيكية التي اهتمت بالتواصل الدائري ورد الفعل والاستشعار والقياس، ومعتبرة أن المعلم والمتعلم نظامان غير مماثلين، فإن المقاربة الإدراكية تعود إلى باطنية المتمدرس التي توليها أهمية قصوى، لأن قدرة الكائن الإنسان وكفاءته فعلان موجبان وليسا شيئا آخر، فتخطيط التعلمات في إطار بيداغوجيا الإدماج (من خلال الكفايات المهنية)، تعتمد على إعداد وضعية-معضلة، وإعداد نشاط لإدماج التعلمات وترسيخها وتهييء نشاط للإدماج، وتدبير مصوغة العلاج المتحقق إثر العملية وأخيرا تقويم تعلمات المستهدفين، وهذا لا يمكنه أن ينجز إلا إذا حصل للمتعلم الوعي بقدرته على مصوغة كفاية ما، أو مهارة، فالمطلوب منه تحديد نوع المهمة المرتقبة وظروف إنجازها، أما الشكل التقني، فيتطلب الوقوف على العناصر التالية: - تعبئة مكتسبات مدمجة ومتفاعلة - الإشارة الإحالية إلى فئة من الوضعيات محددة من خلال معاملات - محاولة تجسيد الكفاية في وضعيات ذات معنى - الحرص على ضمان إمكانية إعداد وضعية جديدة للتقويم - التأكيد على التمركز حول مسألة معقدة - القابلية لعنصر التقويم - ضمان الملاءمة للبرنامج الرسمي المتفق عليه. هكذا يصبح الإدماج مرتبطا بسؤال الكيف، الذي هو قبل كل شيء بحث في النسق التربوي عن طرائق مدمجة أصلا ضمن وضعيات واضحة ومستساغة. فتنظيم أنشطة التعلم، وكما أسلفنا، أما أن تكون عند نهاية التعلمات، وذلك من خلال مراعاة تعلم جزئي، إلى إدماج نهائي فأنشطة للتقويم. أو أن تكون إدماجا بالتدريج، بواسطة إدماج مرحلي، ثم إدماج نهائي. وأخيرا أنشطة للتقويم ولأن هذه الأخيرة مرهونة بالأهداف، فإنها تستمد مشروعيتها من وضوح الطرائق ومدى إجرائية المفاهيم المرتبطة بكفاية الوضعية _المشكلة la situation Problème والقدرة la capacité والهدف التعلمي l_objectif d_apprentissage ، فهل بإمكاننا أن ندفع بالحصة /الدرس/النشاط إلى أن يتعلق بالمعلومة، أو يصبح جزء توضيحيا وطرائقيا يستند إلى المنهج والحث على أخذ المبادرة وبعث الحيوية بين المعلم/المنشط والمتمدرسين/المستهدفين الفاعلين؟ فكراثوول يصنف الأهداف التربوية في المجال الانفعالي إلى: - مرحلة الاستقبال - لحظة الاستجابة - سلوك إعطاء القيمة - منظومة تنظيم القيم - التميز بقيمة أو نظام من القيم لذلك نلاحظ أن الإدماج في علاقته بالبيداغوجيا ما هو إلا نشاط حسي-حركي، يرتبط بوضع الإدراك في قلب العملية التربوية، وهو ما أشار إليه سمبسون حينما صنف الأهداف التربوية وربطها بداية بعنصر الإدراك، إذ يمثل الإدراك أدنى مستوى في المجال الحسي-الحركي. ويعتبر خطوة أساسية في إنجاز عمل حركي. ويهتم هذا المستوى بسيرورة الوعي بالأشياء والخاصيات أو العلاقات عن طريق استعمال الحواس، إلا أن ما يتوضح لنا بخصوص بيداغوجيا الإدماج، هو أن الآلية الأساسية تكمن في تقنية التنشيط التي من اللازم على المعلم أن يستثمر كفاءته مستغلا فضاء القسم والمؤسسة لتدبير زمن العملية التعليمية أو النشاط المدرسي، وهنا فالمستهدف لا بد أن يتعامل معه وفق النمط التحرري، بدل النمطين التنزيلي أو التوفيقي، لأن الطرائق تنجح بمدى الاشتغال على التقنيات. وكما هو متعامل به، فالمربي ملزم باختيار تقنية فيليبس 6x6، أو البانيل، أو الزوبعة الذهنية Brain Storming او تقنية المحاكاة، فدور المنشط هو تحقيق الهدف وفق خطة مدروسة بكيفية منظمة وواضحة.