[email protected] " إذا كانت المهمة الأساسية للمدرسة هي إعداد التلاميذ للحياة،فينبغي أن يكون المنهج فيها واسعا سعة الحياة نفسها ليشمل كل النشاطات والخبرات التي يهيئها المجتمع بواسطة المدرسة". (عن إدارة التعليم بولاية مشيغان بأمريكا). إن حضور المدرسة ضمن باقي المؤسسات الاجتماعية بارز جدا، ودورها أوضح من أن ينكره أحد، على اعتبار أنها مؤسسة اجتماعية تسعى إلى تنشئة الفرد، وإعداده للحياة من الناحية المعرفية، النفسية، والاجتماعية، ويمكن تفسير حضور المدرسة بأهمية الدور الذي تسهم به،فبين أحضانها يتعلم المتعلمون أشياء تؤهلهم لاكتشاف ذواتهم، والوقوف على مواهبهم، وملامح شخصياتهم وقفات متأنية، ومتفحصة..وإذا كانت المهمة الأساسية للمدرسة هي إعداد الأطفال للحياة، فإنه يشترط في هذا الإعداد أن يكون امتدادا لما هو موجود في المجتمع/ حياة الطفل، ولتحقيق هذا الأرب على المدرسة أن تقوم على منهج واضح يقوي علاقة الفرد بالمجتمع.والسؤال الذي ينبغي أن يطرح هو : كيف ينبغي أن يكون هذا المنهج الذي تقوم به المدرسة كي يكون واسعا سعة الحياة نفسها؟ غيرُ خافٍ أن المدرسة، وهي تقوم بوظيفتها، تستند إلى منهج معين، به يندفع التلاميذ إلى استيعاب مجموعة من المعارف إن على المستوى النفسي، أو الاجتماعي.. فالطفل الذي يعيش حياته بمعزل عن المدرسة بنوع من الحرية، قد تعكر عليه هذه المؤسسة صفو هذه الحياة بما قد تقرره من برامج،ومقررات بعيدة كل البعد عن واقعه ، إذ المفروض أن تكون هذه البرامج والمقررات في خدمة المتعلمين لا سببا في نفورهم، وإدارة الظهر لأسوارها ، وكون المدرسة فضاءً يترك أثره على نفسية التلاميذ فلا يختلف عاقلان على خطورتها من هذه الناحية في حال ما إذا زاغت عن وظيفتها التربوية، ثم إن ما ينبغي أن يُقدم للطفل/ المتعلم في مدرسته، يشترط فيه أن يكون مطابقا لحياته، وواقعه المعيش، إذ لا ينبغي أن نفصل بين ما يتعلمه في المدرسة، وبين ما هو واقع معيش.. والحال أن برامجنا في واد، وواقع أطفالنا في واد آخر، وبين الواديْن طرقٌ سديمة يضيع بينها صغارنا، أما مستقبلهم ففي كف عفريت يتراءى لهم من بعيد كما السراب. وإذا استطاعت المدرسة أن تنفتح على ما يشغل بال أطفالنا فإنها ستجعل من الطفل رجلا يتأقلم مع واقع حياته دونما عقد، ولا أزمات، سيما وأن المجتمع سرعان ما يعيد صياغة الإنسان حسب المقاس، جعلِه شقيا خاصة،لذلك فالمهمة الأساسية للمدرسة هي إيلاء الأهمية القصوى لمنهج واضح ينسحب على معالم المربى..و حتما ستكون بذلك تساهم في إسعاف الطفل لحظات استقباله واقعه بثقة ، ورباطة جأش. والتعليم الصحيح الذي يجب أن يسود في المدرسة، المقصود به حسب جون ديوي"... ذلك المحصول المدرسي الذي يندفع إلى تحصيله التلاميذ من تلقاء أنفسهم..."كي يكتسبوا المهارات، ويستعدوا لاستقبال الحياة، هذه التي لا ينفع معها سوى الاقتحام، فكيف نترك أولادنا يقتحمونها وهم زغب الحوا صل مهيضو أجنحة، خاويوالوفاض، بلا معارف، ولا تجارب، ولا مواقف حياتية سوى رؤوس صغيرة محشوة بإملاءات بصلف تقدم لهم تارة، وبالتعنيف في أحايين كثيرة يُرغمون على تبني مالا صلة له بوضعيات حياتية معينة؛الحرص يجب أن ينصب لا على حشو أذهانهم بمعارف شتى ( Une tête bien faite non bien pleine)، ولكن الأساس اليوم، هو تعليمهم كيف يتوصلون إلى حل مشاكلهم الصغرى استعدادا للكبرى؛ومن هنا فالعلاقة التي ينبغي أن تكون بين المدرسة والمجتمع هي علاقة تفاعل وتبادل المهام..والتهمة ستطال المجتمع حين يعيش أطفالنا إحباطات، وانكسارات،وبالمقابل على المدرسة أن تكون بديلا ملائما لهم بحيث يُنتظر منها أن تساهم في بلورة ميولاتهم، مع تقديم المساعدة لكل واحد منهم كلما احتاج إليها بغض النظر عن أصله ونسبه لأن الأساس هو النظر إلى الرجل الذي سيكونه غدا لا ما هو عليه الآن بمراعاة جنسه، أو وضعه الاجتماعي و" الإنسان ليس هو ما هو، إنما هو ما ليس هو" كما يقول جون بول سارتر الوجودي ،ولتتمكن المدرسة من ذلك عليها أن توفر للطفل كل ما يرغب فيه، وألاّ تفرض عليه ما لا يلائمه، وعلى مضامين المقرر أن تُكرّس لتعليمه ليس كيف يعيش ، بل كيف يصح أن يعيش،وعلى المدرس الناجح أن يفكر معه لا عنه. والمدرسة عموما المفروض فيما تقدمه ألاّ يكون " تحليلا لرغبة الطفل في المعرفة، ولكن تحليل المعرفة التي لديهم عن رغبتهم" كما يقول لرو، لأن الهدف الأول للمدرسة ليس هو البحث في استيعاب معارف معينة، ولكن انطلاقا من اهتمامات موجودة، قد نخلق علاقات وطيدة بين ما يتعلمه التلميذ في المدرسة، وبين ما يألفه في واقعه حتى لا يصطدم التلميذ بمفارقات عجيبة بين المدرسة، والمجتمع قد تعكر صفوه، وتجرح كرامته التي من المفروض أن تُصان من قبل المدرس عبر تقديم المساعدة، والتقرب له، والعمل على جعل تجاربه ،تاليا، لمساعدة من يبحث عن السؤال، لا أن تكون أجوبةً للتلاميذ عن أسئلتهم. و"السؤال" في نهاية المطاف هو فن التفكير، لا مصدر إزعاج عبر طرح وتكريس قاعدة مستهلكة : "بضاعتنا رُدت إلينا"،والغريب حقا هو أن هذه البضاعة لا ترد إلا بسؤال سخيف قد يطرح بصوت جوهري أحايين كثيرة عبر إيقاظ التغذية الراجعة لكن بأسلوب غير تربوي. وسيكون دور المدرس فعالا لو أنه استطاع أن يجعل المدرسة فضاء مُستمالا حين يغدو بديلا حقيقيا للمجتمع الذي غالبا ما يكون سببا في إحباط التلميذ، وإشعاره بالدونية والضَّعف، فإذا وجد في المدرسة ما ينسيه واقعه المتأزم، فإنه سيجد فيها متنفسا حقيقيا يفرغ فيه مكبوتاته، وعلى المدرس ، أيضا، في إطار علاقته بالتلاميذ أن يمارس معهم التربية لا التدريس و ألا يعيد إحياء تلك العلاقة العاطفية الموجودة في الأسرة كأب سلطوي مثلا، لأنه، بذلك، سيسقط في تكريس الطريقة التقليدية ولا شك. فالعلاقة إذاً التي ينبغي أن يضطلع بها المدرس مع تلامذته هي علاقة تكملة بحيث يصبح ما يقدمه لهم رهين بما هو موجود في المجتمع بدعوى أن الطفل هو محور العملية التعليمية التعلمية،وإذا عرفنا أن التلميذ يحمل بيته معه إلى المدرسة أدركنا مدى قيمة هذه المؤسسة حين تعمل على إفراغ محافظ التلاميذ من كل الشوائب العالقة به. وبعد كل هذا هل يمكن أن نجرد المجتمع من المدرسة كما قال إليتش؟ هل نجرد المجتمع من المدرسة،أم نجعل المجتمع ينفتح على المدرسة، وعلى محيطها؟ الحق أن تجريد المجتمع من المدرسة صرخة غير مدوية لا ينبغي الإصغاء لها،لأن المدرسة دعامة أساسية في المجتمع، وهي كفيلة بجعل الأفراد مؤهلين لتنظيم حياتهم المستقبلية أحسن تنظيم في إطار علاقات اجتماعية متعددة، ثم إن من فتح مدرسة فقد أغلق سجنا كما يقال، ودعونا نسأل لنتعلم: أي نوع من المدارس هذه التي نروم بحيث تؤدي وظيفتها التربوية عن جدارة واستحقاق ؟ المدرسة ،قبلا، كانت مؤسسة اجتماعية تروم خلق ما يسمى الانسجام الاجتماعي، وكان الهدف من التمدرس هو نيل حظ من الترقي الاجتماعي ليس إلاّ، وهذا مفهوم تقليدي ما دامت الأسرة لم تكن تؤثر في المدرسة، وهذه، بالمقابل، ظلت منعزلة دون أن تلح في طلب الأولى، إذ لم يكن يُنتظر من المدرسة أية أدوار مما جعل المدرس يطفو على السطح مكرسا سلطة بمعناها السلبي، و لم تكن حقيقة تراعي الطفل المتعلم كإنسان، بل الهدف كان حشو رأسه الصغيرة بمعارف شتى( في الواقع كانت أقبح من حتى) بطرق تقليدية جافة كما سلف الذكر، وهكذا نما الشعور بقوة المدرس كسلطوي في غياب تام لتدخل الأسر. أما اليوم فقد أصبحت التربية في توازٍ مع النهضة التي شملت كل مناحي الحياة، والنتيجة أن المدرسة غدت تنفتح على محيطها، وباتت تؤمن بأن التعلمات يجب أن تنطلق من المحيط، وهذا ما أشار إليه جون ديوي J.Dewey حين أكد بأن هناك علاقة بين التربية والحياة، والتربية ليست إعدادا للحياة، إنما المدرسة هي الحياة ذاتها كما يقول.. وهكذا غدت التربية تركز على الطفل كمحور للعملية التعليمية التعلمية، والحق أن ما نمّى هذه الفكرة هو بروز نظريات تربوية جديدة عدة تعتمد علم النفس التجريبي نحو ظهور : طريقة المشكلات الذكاءات المتعددة البيداغوجية الفارقة الأهداف المبنية على جوانب الشخصية. وهكذا ارتفعت أصوات عالية بضرورة انفتاح المؤسسة على محيطها، وبات الكل يدرك قيمة ذلك، أهل السياسة، رجال الفكر،ورجال التربية، جميعهم آمنوا بقيم جديدة تَسِم المدرسة الجماعية، وبأن التعلمات يجب أن تِؤخذ من البيئة. وبالنظر إلى تدني مستوى التعليم، وانتشار الهدر المدرسي، وتفشي ظاهرة العدوان على نساء، ورجال التعليم، فقد بدأت تطفو على السطح ذهنيات جديدة تنادي بضرورة الإسراع لإصلاح المنظومة التربوية،ففي المادة29 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين نقرأ دعوة تلح على ضرورة إدماج المدرسة في محيطها، وإنجاز شراكة مع الجماعات، وتحفيز العقاريين،لذلك تم تبني وتفعيل الإجراءات التالية في إطار إصلاحٍ استعجالي للمنظومة التربوية : نشر مجموعة من التشريعات ركزت على مشروع المؤسسة، وعلى تفعيل آليات الشراكة ضخ أموال طائلة لدرء الخلل على مستوى الهشاشة في البنيات التحتية خطاب صاحب الجلالة محمد السادس أكد فيه على تبني مدرسة جديدة متميزة تحرر الطاقات، وتنفتح على المحيط. تنمية الشعور بأن المدرسة هي مدرسة الجماعة المشاركة في رسم رسالة التربية والتكوين في المؤسسة إنجاز مشاريع تربوية، وعقارية لتوفير الظروف الملائمة لتمدرس البنين والبنات. تبني المفهوم الجديد للإدارة (....) أجل نحن في حاجة ماسة لمدرسة جديدة تحرر الطاقات، وتنفتح على المحيط كما قال صاحب الجلالة، والكل معني لتغيير الصورة القديمة، النمطية والسلبية للمدرسة التي سادت ولا تزال سائدة في المِخيال، والممارسة ما دام هناك شبه إجماع بأن المدرسة فاشلة، وزائغة عن مهمتها الأساسية..طيب ..وألف آمنا ..لكن دعونا نفكر معا ونحن نبحث عن أسباب هذه الصورة النمطية للمدرسة؟ لن نعدم أجوبة، وهي كالتالي في نظرنا : المدرسة ذاتها هي المنتجة لهذه الصورة أهل الدار منها لا يتعدون الناحية السلبية حين نجد أكثرهم يملأ الدنيا ضجيجا، وعجيجا( الكل يشكي، ويتباكي) الغرباء عن المدرسة/ الرقباء كلهم يرى أن المدرسة لم تعد كما كانت بحيث أصبحت، بالنسبة لهم، عنوانا للفشل،وهي لم تعد تنتج سوى الانحراف. وعلى العموم المسؤول عن هذه الصورة النمطية المتبناة مؤثرات داخلية، وخارجية. والحق أن هناك أصواتا ترتفع عاليا بضرورة تغيير هذه الصورة النمطية عن طريق : الانخراط الجماعي التطوع التضحية نكران الذات العمل بدل الصراخ وإطلاق العنان لمهاترات مجانية تستند على سفاسف الأمور الكل معني، إذ لا مفر من تحمل المسؤولية. وعلى الجميع أن يعي بأن المؤسسة التربوية أصبح لها دور تكويني، ولا سيما حين غدت تنفتح على المحيط، إذ أصبح لزاما عليها اعتماد الأسلوب المقاولاتي في التدبير، لذلك فسياسة التعاقد في التربية والتكوين تتوقع التالي: 1. الرفع من نسبة النجاح 2. الرفع من معدل النجاح 3. الاحتفاظ بالمتعلمين هذه هي المدرسة الجديدة التي نرومها، ولا أحد يماري بأن المهام شاقة، لكن ليس معناه أبدا التملص منها أو القفز على بعضها، بل لا بد من العمل على إشراك الجميع، والانخراط في التدبير الجيد للإدارة التربوية.