تحولت فكرة الردع النووي إلى عقبة لا تجتاز على الطريق غير السهل والطويل لنزع السلاح العالمي. وليس سرا وجود ثمة أعداء لعملية نزع السلاح النووي ليس فقط في الولاياتالمتحدة، بل وفي روسيا أيضا. وهناك أشخاص ليس بوسعهم التخلص من قوالب إيديولوجية الحرب الباردة. لكن ثمة عدد غير قليل من أولئك الذين يطرحون مخاوف غير خالية من المبررات والحجج بهذا الشأن. ولا يمكن تجاهل هذه الحجج ، بل يجب أخذها بعين الاعتبار بشكل جدي إذا أردنا القضاء على حواجز واقعية منصوبة على طريق تقليص الأسلحة النووية اللاحق. يظن البعض في روسيا ، على سبيل المثال، أن القدرة النووية للبلاد تعتبر عاملا رئيسيا لوضع روسيا القانوني بصفتها دولة عظمى. وفي حال نزع هذه الصفة عنها ، فان الولاياتالمتحدة وغيرها من الدول ستتخلى عن حسبان مصالح روسيا على الصعيد الخارجي. إننا مقتنعون بان الوضع القانوني لروسيا في العالم سيعتمد أساسا على مدى تطور اقتصادها وارتفاع مستوى معيشة شعبها والحقوق الاجتماعية والسياسية والحريات الممنوحة للمواطنين ومستوى العلم والثقافة. لكن روسيا مضطرة إلى الاحتفاظ بالقدرة العسكرية الكافية ، بما فيها القدرة النووية، للدفاع عن نفسها وحلفائها والذود عن مصالحها الشرعية ما دام التهديد باستخدام القوة العسكرية قائم في العالم. إذن، فان الطريق نحو نزع السلاح النووي يمر خلال ارتفاع الثقة بين الدول وتعزيز الأمن والاستقرار الدوليين. لقد أعلنت إدارة اوباما سياسة تعدد الجهود الرامية إلى ضمان الأمن الدولي وترسيخ أصوله القانونية ومؤسساته العاملة وأولوية الطرق الدبلوماسية في حل المشاكل المتنازع عليها والشراكة المتساوية في الحقوق مع روسيا. ومن المهم أن تطبق هذه المبادئ في الممارسات الخارجية للولايات المتحدة وحلفائها. ويخص هذا الأمر منظومة الدرع الصاروخية والأسلحة التقليدية وحاملات الأسلحة الإستراتيجية غير النووية وبرامج عسكرة الفضاء الكوني. وستتطلب هذه المسارات وغيرها من الاتجاهات في الوقت القريب المزيد من الجهود الرامية إلى تعزيز الثقة. فيما يتعلق بالمستقبل البعيد المدى، فإننا وصلنا إلى استنتاج مفاده أن عالما خاليا من الأسلحة النووية، ليس عالمنا المعاصر نزع عنه السلاح النووي. لأنه من الضروري تشكيل نظام دولي مبني على مبادئ ومؤسسات أخرى علما أن العالم الخالي من السلاح النووي لا يجب أن يتحول إلى عالم تندلع فيه حروب باستخدام أنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل والأسلحة التقليدية والأسلحة غير النووية الحديثة وأنظمة قائمة على مبادئ فيزيائية جديدة. المقصود هنا ليس الحروب الكبيرة فحسب، بل النزاعات الإقليمية، علما إن الدول الصغيرة تصف حاليا السلاح النووي بأنه وسيلة فعالة لتحييد التفوق الهائل الذي اكتسبته الدول الكبرى في مجال الأسلحة التقليدية. ويعتبر هذا الأمر بالذات دافعا قويا لانتشار السلاح النووي على المستوى الإقليمي مما يولد خطر الإرهاب النووي.. إن إزالة هذه المخاطر يتطلب تشكيل آليات أمنية للحل السلمي للنزاعات الدولية الكبيرة والإقليمية الصغيرة على حد سواء. لذلك فان فكرة نزع السلاح النووي، التي يجب أن تبقى هدفا استراتيجيا ، لا يمكن تطبيقها إلا في سياق عملية إعادة التنظيم الشامل للنظام العالمي كله. وسيساعد هذا الأمر دون شك في حل غيره من القضايا المحورية المطروحة أمام القرن الحادي والعشرين. ومنها قضايا الاقتصاد العالمي، والأموال العالمية ، وتأمين الطاقة والبيئة والمناخ ، والقضايا الديموغرافية، والأوبئة المعدية، والجرائم الدولية، والتطرف الديني والاثني. وفي هذا السياق، فان نزع السلاح النووي لا يعتبر هدفا بحد ذاته ، بل يعد أحد الاتجاهات والمقدمات المهمة لإعادة تنظيم الحياة الدولية على أساس أكثر تمدنا وحضارة ووفقا لمتطلبات القرن القادم. «إزفيستيا» الروسية