أمام حوالي 30 ألف شخص في وسط براغ، قدم الرئيس الامريكي باراك أوباما يوم 5 أبريل، خطابا طرح فيه تصوره للأمن والسلم في العالم، وفيما يلي نص الخطاب. (...) عندما ولدت، كان العالم مقسما، وكانت أممنا تواجه وضعية مختلفة، قليلون من كانوا يتكهنون أن يصبح شخص مثلي في يوم من الايام رئيسا لأمريكا، وقليلون من كانوا يتوقعون أن يسمح لرئيس أمريكي أن يتحدث الى جمهور مثل هذا الجمهور في براغ. وقليلون كذلك من كانوا يتصورون ان تصبح جمهورية التشيك أمة حرة وعضوا في الحلف الاطلسي، وتصبح على رأس أوربا موحدة. هذه الافكار كانت ستستبعد مثل أحلام جميلة. نحن اليوم هنا، لأنه وجد ما يكفي من الناس الذين تجاهلوا الاصوات التي كانت تقول لهم بأن العالم لا يمكن أن يتغير. ... نحن اليوم هنا لأن ربيع براغ لأن البحث البسيط والمشروع عن الحرية وآفاق المستقبل غطى بالعار أولئك الذين استندوا على سلطة الدبابات والاسلحة لسحق رغبة الشعب. نحن اليوم هنا لأنه قبل 20 سنة، نزل سكان هذه المدينة الى الشارع للمطالبة بوعد يوم جديد والحقوق الانسانية الاساسية التي منعت عنهم منذ زمن بعيد. إن ثورة ربيع براغ علمتنا أشياء كثيرة، لقد أظهرت لنا أن احتجاجا سلميا يمكن ان يهز أسس امبراطورية ويكشف غرور إيديولوجيا. لقد أثبتت لنا أن بلدانا صغيرة يمكن ان تلعب دورا محوريا في أحداث العالم وأن الشباب قادر على إظهار الطريق لتجاوز الصراعات القديمة. وأثبتت ان السلطة الاخلاقية أقوى من أي سلاح. هذا هو السبب الذي دفعني للحديث إليكم في هذه اللحظة، في قلب أوربا سلمية موحدة وحرة، لأن أناسا عاديين آمنوا بأنه بالإمكان ردم الهوة، وأن الاسوار يمكن ان تنهار وأن السلام يمكن ان ينتصر. نحن هنا اليوم لأن أمريكيين وتشيكيين آمنوا، ضد كل التوقعات، بأن اليوم ممكن. إننا نتقاسم هذا التاريخ المشترك، ولكن الآن هذا الجيل جيلنا لا يمكن ان يبقى جامدا. نحن أيضا أمام خيار. فإذا كان العالم يعرف انقسامات أقل، فإنه يعرف تقاطعات أكثر، ورأينا الاحداث تتسارع الى درجة تتجاوز قدرتنا على التحكم فيها: اقتصاد عالمي في أزمة، تغير مناخي، آثار خطيرة لنزاعات قديمة، تهديدات جديدة وانتشار أسلحة كارثية. لا أحد من هذه النزاعات يمكن حله بطريقة بسيطة وسريعة، لكن كل واحد من هذه النزاعات يتطلب منا أن ننصت لبعضنا البعض وأن نعمل مجتمعين وأن نركز على مصالحنا المشتركة وليس على اختلافاتنا الظرفية، وأن نجدد التأكيد على القيم التي نتقاسمها والتي هي أقوى من أية قوة من شأنها أن تفرقنا... ومن أجل تجديد ازدهارنا، نحن بحاجة الى عمل منسق يتجاوز الحدود، وهذا يعني استثمارات من أجل خلق مناصب شغل. هذا يعني مقاومة جدران الحمائية.... هذا يعني تغيرا في نظامنا المالي بقواعد جديدة لدرء التجاوزات والأزمات المقبلة. وعلينا واجب تجاه ازدهارنا المشترك وإنسانيتنا المشتركة، لمد اليد لهذه الاسواق الصاعدة ولهؤلاء الاشخاص الفقراء الذين يعانون أكثر، ولذلك احتفظنا خلال هذا الاسبوع بألف مليار دولار كاحتياطي بالنسبة لصندوق النقد الدولي. ومن أجل حماية كوكبنا، حان الوقت اليوم لتغيير الطريقة التي نستعمل بها الطاقة، علينا ان نواجه تغير المناخ بوضع حد لتبعية العالم للطاقات الأحفورية وباستغلال قوة موارد طاقية جديدة... وأعدكم بأنه في هذا المجهود المشترك، الولاياتالمتحدة مستعدة اليوم لإظهار الطريق. ومن أجل ضمان أمننا المشترك، علينا تقوية تحالفنا... إنها الذكرى الثانية لدخول الجمهورية التشيكية للحلف الاطلسي، وأعلم أنه في عدة مناسبات خلال القرن 20 اتخذت عدة قرارات دون استشارتكم، قوى كبرى دفعتكم الى خطوات خاطئة أو قررت في مستقبلكم دون ان يتم الانصات لأصواتكم. وأنا هنا لأقول بأن الولاياتالمتحدة لن تدير أبدا ظهرها لأبناء هذه الامة. نحن مرتبطون بقيم مشتركة، تاريخ مشترك وبالوعد الدائم لتحالفنا. فالفصل 5 من ميثاق الحلف الاطلسي يعبر عن ذلك بوضوح، أي هجوم ضد واحد هو هجوم على الجميع وهذا الوعد صالح الآن والى الأبد. وسكان جمهورية التشيك التزموا بهذا الوعد عندما تعرضت أمريكا للهجوم وقتل الآلاف من الاشخاص فوق ترابنا ورد الحلف الاطلسي. ومهمة الحلف الاطسي في أفغانستان مهمة بالنسبة لأمن الشعوب على ضفتي الاطلسي، إننا نستهدف نفس إرهابيي القاعدة الذين ضربوا من نيويورك الى لندن، ونساعد الشعب الافغاني على أخذ زمام مستقبله بيده. سنظهر بأنه بإمكان الأمم الحرة أن تكون صفا واحدا باسم أمننا المشترك.... إن أي حلف لا يمكن أن يسمح لنفسه بأن يبقى جامدا، علينا ان نعمل مجتمعين كأعضاء في الحلف الاطلسي حتى نضع خططا استعجالية من أجل مواجهة تهديدات جديدة مهما كان مصدرها. علينا ان نعزز تعاون كل واحد منا تجاه الآخر... وعلينا ان نقيم علاقات بناءة مع روسيا حول قضايا تشغلنا أيضا. وإحدى هذه القضايا التي سأركز عليها اليوم مهمة بالنسبة لشعوبنا وبالنسبة للسلم والأمن في العالم: إنها قضية مستقبل الاسلحة النووية في القرن 21. إن وجود آلاف الاسلحة النووية هي أخطر إرث تركته لنا الحرب الباردة. لم تقع حرب نووية بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي، لكن أجيالا عاشت على اعتقاد انه يمكن محو عالمها في لمح بصر.... اليوم، لم تعد هناك حرب باردة، لكن هذه الاسلحة مازالت موجودة بالآلاف وبقدرة تلك التحولات الغريبة في التاريخ، تقلص شبح شعوب حرب نووية عالمية، لكن خطر وقوع هجوم نووي تزايد. والمزيد من الدول حصلت على هذه الاسلحة، وتواصلت التجارب، وهناك أسواق موازية تقوم بالتجارة في الأسرار والتجهيزات النووية، وانتشرت التكنولوجيا الضرورية لصناعة قنبلة نووية. وهناك إرهابيون على استعداد لكل شيء من أجل شرائها أو بنائها أو سرقتها، وجهودنا من أجل احتواء هذه المخاطر تركز على نظام شمولي لعدم الانتشار، ولكن إذا كان المزيد من الاشخاص والدول يخرقون القواعد، يمكن ان نصل الى نقطة لا يمكن معها للمركز أن يصمد. الجميع معني، فقنبلة نووية إذا ما انفجرت في أية مدينة كبيرة سواء تعلق الامر بنيويورك أو موسكو أو إسلام أباد أو بومباي أو طوكيو أو تل أبيب أو باريس أو براغ قد تسبب موت مئات الآلاف من الاشخاص، وأيا كان المكان فإن العواقب على أمننا ومجتمعنا وعلى اقتصادنا، وفي النهاية على حياتنا ستكون لانهائية على المستوى العالمي. ... وكما وقفنا خلال القرن 20 للدفاع عن الحرية علينا ان نقف جميعا في القرن 21 من أجل أن نعيش متحررين من أي خوف، وكقوة نووية، كقوة نووية وحيدة لجأت الى السلاح النووي تقع على الولاياتالمتحدة المسؤولية الاخلاقية للتحرك. لا يمكننا أن ننجح وحدنا في هذه المهمة ولكن يمكننا قيادتها. وهكذا أؤكد اليوم بوضوح وعن قناعة التزام أمريكا بالبحث عن السلام والامن في عالم بدون أسلحة نووية، هذا الهدم لا يمكن الوصول إليه إلا بعد مدة ربما ليس في حياتي. لابد من الصبر والإصرار. و لكن الآن علينا ان نتجاهل الاصوات التي تقول لنا بأن العالم لا يمكن ان يتغير. أولا الولاياتالمتحدة ستتخذ إجراءات ملموسة لفائدة عالم بدون أسلحة نووية. ولوضع حد لعقلية الحرب الباردة سنقلص دور الاسلحة النووية في استراتيجيتنا للأمن القومي وسنشجع الدول الأخرى على الشيء نفسه.لا تكونوا واهمين: مادامت هذه الاسلحة موجودة سنحتفظ بترسانة قوية وفعالة لردع أي عدو وضمان الدفاع عن حلفائنا لاسيما جمهورية التشيك، لكن سنبدأ في تقليص ترسانتنا. ومن أجل تقليص الرؤوس والمخزون من الاسلحة النووية، سنتفاوض هذه السنة على معاهدة جديدة لتقليص الاسلحة الاستراتيجية مع روسيا وقد بدأت أنا والرئيس مدفيديف هذا المسلسل في لندن وسنبحث في نهاية هذه السنة اتفاقا جديدا تكون له قوة القانون،يكون جريئا بما يكفي. وهذا سيفتح الطريق أمام تخفيضات جديدة، وسنعمل على أن ندمج في هذه المبادرة جميع الدول التي تتوفر على السلاح النووي. وللوصول الى منع شامل للتجارب النووية ستركز إدارتي فورا وبقوة على التصديق من طرف مجلس الشيوخ على معاهدة المنع الشامل للتجارب النووية، وبعد أزيد من 50 سنة من المباحثات حان الوقت للحظر النهائي لتجارب الاسلحة النووية. ومن أجل إلغاء المكونات الضرورية لصنع قنبلة، ستعمل الولاياتالمتحدة على وضع معاهدة جديدة تضع حدا بصفة يمكن التحقق منها، لصنع مواد موجهة للأسلحة النووية، وإذا ما كنا نريد بجدية وقف انتشار هذه الاسلحة، علينا ان نضع حدا للإنتاج الخاص للتجهيزات ذات الطابع العسكري التي تخلقها. ثانيا، سنعزز مجتمعين معاهدة منع الانتشار النووي كأساس للتعاون. والمعادلة سهلة: الدول التي تتوفر على السلاح النووي ستلتزم بنزع السلاح ،والدول التي لا تتوفرعلى هذه الاسلحة لن تحصل عليها. وكل الدول بإمكانها الوصول الى طاقة نووية سلمية. ولتفصيل المعاهدة علينا أن نتخذ عدة مبادئ، نحن بحاجة الى مزيد من الوسائل والسلطة لتعزيز المراقبة الدولية. نطالب بعقوبات حقيقية وفورية في حق الدول التي تخرق القواعد أو التي تحاول التخلي عن المعاهدة دون سبب مقبول. سنبني إطارا جديدا من أجل تعاون نووي مدني يتضمن بنكا دوليا للتزود بالمواد النووية حتى تتمكن الدول من التوفر على قوة سلمية من دون زيادة مخاطر الانتشار. وكل دولة تتخلى عن الاسلحة النووية ولاسيما الدول النامية التي تضع برامج سلمية، يجب أن نحصل عليها. وليست هناك طريقة يمكن ان تنجح إذا ارتكزت على رفض الحقوق بالنسبة للدول التي تحترم القواعد. علينا ان نستعمل قوة الطاقة النووية باسم جهودنا من أجل مكافحة التغير المناخي ومنح الجميع آفاقا مستقبلية. علينا ألا نكون واهمين، فبعض الدول لن تحترم القواعد. ولهذا السبب علينا أن نضع آلية تضمن بأنه إذا فرقت دولة القواعد، فعليها ان تتحمل العواقب. في هذا الصباح، ذكرنا الاحداث بأنه علينا ان نتوفر على مقاربة جديدة وأكثر صرامة من أجل مواجهة هذا التهديد. إن كوريا الشمالية خرقت مرة أخرى القواعد باختبار صاروخ يمكن استخدامه كصاروخ طويل المدى. هذا الاستفزاز يطرح ضرورة التحرك ليس فقط اليوم أمام مجلس الامن الدولي، ولكن أيضا من خلال إصرارنا على منع انتشار هذه الاسلحة، فالقواعد يجب أن يكون لها طابع إلزامي والخروقات يجب زجرها. يجب أن يكون للكلمات معنى، وعلى العالم أن يتجمع من أجل منع انتشار هذه الأسلحة. لقد حان الوقت لرد دولي حازم، وعلى كوريا الشمالية ان تعلم بأن الطريق نحو الامن والاحترام لا يمر أبدا عبر التهديد والاسلحة غير المشروعة وعلى جميع الأمم أن تتوحد من أجل بناء إطار تنظيمي عالمي أكثر قوة. إيران لم تبن بعد سلاحا نوويا. وإدارتي ستبحث إقامة اتفاق مع إيران بالارتكاز على مصالح متبادلة واحترام متبادل، وسنقدم اختيارا واضحا،نأمل في أن تأخذ إيران مكانها المشروع في حضيرة الامم سياسيا واقتصاديا. سندعم حق إيران في امتلاك طاقة نووية سلمية في إطار مراقبة صارمة، إنه طريق يمكن ان تختاره الجمهورية الاسلامية. ويمكن للحكومة أيضا ان تختار طريق العزلة وطريق الضغط الدولي المتزايد وسباق محتمل نحو الاسلحة النووية في منطقة ستزيد من انعدام الامن بالنسبة للجميع. يجب أن تكون الأمور واضحة، النشاطات الإيرانية المرتبطة بالصواريخ الباليستية والنووية تشكل تهديدا حقيقيا، ليس فقط بالنسبة للولايات المتحدة، بل أيضا بالنسبة لجيران إيران ولحلفائنا. وجمهورية التشيك وبولونيا كانت لهما الشجاعة لقبول قوات دفاعية ضد هذه الصواريخ فوق أراضيها. ومادام التهديد الإيراني قائما، فإننا مصممون على الإبقاء على نظام دفاعي مضاد للصواريخ يكون فعالا اقتصاديا وأثبت فعاليته. وإذا ما اختفى التهديد الإيراني، سيرتكز أمننا على أسس أكثر متانة ولن تبقى الحاجة لبناء دفاع مضاد للصواريخ في أوربا قاطبة. وأخيرا، علينا ان نحرص على ألا يحصل الإرهابيون أبدا على السلاح النووي، إنه التهديد الاكثر إلحاحا بالنسبة لأمن العالم. والإرهابيون الذين يمتلكون سلاحا نوويا قد ينفذون تدميرا شاملا، والقاعدة قالت انها تبحث عن القنبلة. نعلم ان معدات نووية غير مؤمنة موجودة في العالم كله. ولحماية مواطنينا علينا ان نتحرك بحزم ودون انتظار. اليوم، أعلن عن مجهود دولي جديد من أجل تأمين جميع المعدات النووية الحساسة خلال الاربع سنوات المقبلة في العالم كله. سنحدد قواعد جديدة، نوسع تعاوننا مع روسيا، ونبحث للحصول على شراكات جديدة لوضع هذه المعدات الحساسة بعيدة المنال. علينا كذلك أن نواصل جهودنا لتفكيك الاسواق الموازية، ورصد واعتراض المعدات العابرة، واستعمال آليات مالية لتفكيك هذه التجاربة الخطيرة، وبما ان هذا التهديد سيتواصل، علينا ان نتحد من أجل تغيير إجراءات مثل مبادرة الامن ضد الانتشار، والمبادرة الشاملة لمحاربة الارهاب النووي، الى مؤسسات دولية دائمة، سنبدأ بعقد قمة عالمية حول الامن النووي التي ستعقد بالولاياتالمتحدة خلال السنة القادمة. أعلم بأن البعض سيتساءلون إن كنا قادرين على التحرك حول برنامج بهذه الشساعة. وآخرون سيشككون في إمكانية تعاون دولي حقيقي بالنظر للاختلافات الاكيدة بين الأمم... لكن لا تترددوا، نعلم الى أين يقود كل هذا. فعندما تحدد الأمم والشعوب نفسها باختلافاتها، فإن الهوية بينها تتسع. وإذا ما امتنعنا عن البحث عن السلم فإنها ستبقى دائما بعيدة المنال. فإدانة أو ترك نداء من أجل التعاون سهل وجبان. وهكذا تبدأ الحدود. وهنا تتوقف البشرية عن التقدم. علينا أن نواجه عنف وظلم عالمنا، علينا ان نواجهه ليس بالانقسام فيما بيننا ولكن بتوحدنا كأمم حرة ومواطنين أحرار. أعرف ان دعوة لحمل السلاح بدل دعوة لوضعها يمكن أن يثير البلبلة في أذهان الرجال والنساء. ولهذا السبب يجب ان ترتفع الاصوات الداعية للسلم والتقدم مجتمعة. إنها الاصوات التي مازال صداها يتردد في شوارع براغ، انهم أشباح 1968، إنها الاصداء الرائعة لثورة ربيع براغ. إنهم التشيكيون، الذين ساعدوا في إسقاط امبراطورية تتوفر على السلاح النووي، دون أن يطلقوا رصاصة واحدة. إن مصير الانسانية سيكون ما سنفعله. هنا في براغ علينا ان نحتفي بماضينا، باستهداف مستقبل أفضل، لنتجاوز خلافاتنا، لنتقدم بالاستناد الى آمالنا، ولنقبل مسؤولية ترك هذا العالم أكثر رخاء وأكثر سلما مما وجدناه. شكرا. ترجمة: م.خيرات عن لوموند عدد 7 أبريل 2009