كلُّ الناسِ وُلِدوا بالصُّدفةِ. وأغلبُهم تزوّجوا بالصُّدْفةِ. وفيهم مَنْ أحبَّ بالصُّدفةِ حُبًّا جَمًّا وباتَ يسهر لياليَه مُعنَّى بخيالِ محبوبِه. وهناك مَنْ بلغ أعلى مراتب الحياة الاجتماعيّة وهو لا يدري كيف وصل إليها، ولا ماذا يفعل فيها، ولا حتّى كيف يحافظ عليها. وفينا مَنْ صارَ سياسيًّا خلال ساعاتٍ، ومعارِضًا بعد ارتشافِ قهوةٍ بمقهى شعبيّةٍ، بل، وصاحبَ مشروعٍ حضاري يقضي على البطالة ويُسرِّعُ في حركةِ النموّ الاقتصادي ويعِدُ الناسَ بعيشٍ رغيدٍ رغم ضاغطات الأزمة المالية العالمية. ومِنّا مَنْ أفاق من غفوتِه الطويلة بعد ليلةٍ حمراءَ أكلتْ ما في جيبِه من نقودٍ فوجد لديه امرأةً تُدلِّلُه وتهشُّ الذُّبابَ من حولِه، وتُطعمُه بيديْها، وتَعِدُه بأنّها ستُنجِبُ له جيشًا من الأبناءِ وهو يعرِفُ حتّى يُسمّيها ليُناديها إذا احتاجَ أمرًا منها. ومِنّا مَنْ خرجَ من المرحاضِ وفي يده مجموعةٌ شعريّةٌ نزلَ عليه إلهامُها صُدفةً دون مراعاةٍ فيها لأشراطِ اللغةِ ومنطِقِها التخييليِّ. أغلبُ الأشياءِ التي تملّكَها بعضُ الناس منّا ويفتخرون بحيازتهم لها جاءتهم عن طريق الصّدفةِ، فلم يعيشوا عناءَ السهر، مثلما سهرنا جائعين ودون سجائرَ لتدفئةِ الوقتِ، ولم يعروا مثلما كنّا نعرى، ولم يصدقوا في فعلهم مثلما كنّا صادقين، ومع ذلك صاروا يتربّعون على عروشٍ من المسؤولية والأموال والشّهرةِ والنساءِ والسفراتِ والعلاقاتِ. والغريبُ في أمرِ هؤلاء أنّ صُدفَهم تخالفُ قانونَ صُدَفِنا من أوْجُهٍ عديدةٍ منها أنّ الصُّدفةَ لديهم تتكرّرُ باستمرارٍ، ومنها أنّ هؤلاءِ لا يُجيدون الحُلمَ، مثلما نحلم نحنُ صباحَ مساءَ، ومع ذلك تتكدّسُ في سِلالِ أيّامهم الصُّدفُ مليئةً بما يشتهون. كما أنّ صُدفَهم لا تجلب لهم صغائرَ المنافع مثل صُدَفِنا، بل تنهالُ عليهم بالمناصب الكبرى وبالعُملةِ الصعبةِ ما يُعْجِزُ البنوكَ عن تخزينِها. ولكنّ الثابتَ أنّ لكلِّ صُدفةٍ ميعادًا لإنهائِها لا يَعْلمُه إلاّ مَنْ خابتِ في أيّامِه الصُّدَفُ. ولعلّ قانون الصُّدفةِ يقف مشدوهًا حائرًا لا يستطيعُ فهمَ الأسبابِ التي تُطلِقُ رياحَ الله عنيفةً تُزحزحُ أصحابَ الصُّدفِ المجّانيةِ السعيدةِ من عليائهم وتُبعثرُ أموالَهم التي اكتنزوها بالصّدفةِ وعلاقاتِهم التي استثمروها في مَنعِ الصُّدفِ عن الناسِ، وتُشتِّتُ مِن حولِهم جوقاتِ التطبيلِ.