وقع وزير الدفاع الروسي ، أناتولي سيرديكوف ، اتفاق تعاون عسكري، مع نظيره الإسرائيلي، ايهود باراك. ويحدد هذا الاتفاق الأطر القانونية للتعاون العسكري بين موسكو وتل أبيب، خلال السنوات الخمس المقبلة. وكان التعاون في السابق يستند إلى مذكرة تفاهم وقعها وزير الدفاع السابق، بافل غراتشوف، خلال زيارته إلى إسرائيل عام 1995. وقد حدد الاتفاق الجديد عددا من مجالات التعاون، منها تبادل المعلومات، والمسح الطبوغرافي، وإعداد وتدريب الكوادر العسكرية. إلا أن سيرديكوف اعتبر أن أهمية هذا الاتفاق تكمن في إمكانية استفادة روسيا من الخبرات الإسرائيلية في مرحلة إصلاح القوات الروسية، وأضاف أن مواقف البلدين إزاء العديد من ملفات السياسة الدولية تتجاوز مرحلة التقارب إلى التطابق. ما دفع للاعتقاد بوجود تفاهمات أو اتفاقات غير معلنة، حول اتجاهات تسويق الأسلحة والمعدات العسكرية الروسية. بعبارة أخرى؛ التوقف عن توريد الصواريخ المتطورة إلى سوريا، وعدم تسليم ايران منظومة الصواريخ الدفاعية «اس 300». فيما يخص منظومة «اس 300» ، فإن موسكو، ومنذ شهور عديدة، أعلنت أن قرار تسليم المنظومة إلى طهران لم يتخذ بعد، وأكدت أنه قرار سياسي، يرتبط بالتطورات السياسية على الساحة الدولية تجاه أزمة الملف النووي الإيراني. أما صفقة صواريخ «ياخونت»، فهي صواريخ دفاعية، ولم تخرج عن إطار المواثيق والأعراف الدولية، كما أنها لن تؤدي للإخلال بالتوازن العسكري في الشرق الأوسط. ولكن كعادة إسرائيل، لا يمكن أن تتم زيارة رسمية إلى موسكو من جانب قادتها، دون أن يطرحوا مطالب ترسم لروسيا خريطة علاقاتها وتعاونها، في نفس الوقت الذي لا تهتم إسرائيل كثيراً بمصالح روسيا، بل أكثر من ذلك تعمل ضد مصالحها، حيث تقوم بتوريد الأسلحة للقوات الجورجية، وتدرب العسكريين الجورجيين الذين يستعدون لحرب ضد روسيا على أراضيها. لذا ، لم يكن لدى العديد من المحللين والمراقبين قناعة بأن تصريحات وزير الدفاع الروسي ، سيرديكوف، بعد لقائه بنظيره الإسرائيلي باراك، تعكس بالفعل تعاونا حقيقيا واتفاقات مهمة وحيوية بين موسكو وتل أبيب، ولدى الكثيرين قناعة بأن إسرائيل لعبت دوراً في إضعاف الدور الروسي في الشرق الأوسط، وعارضت خطة مؤتمر موسكو الدولي لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، وما زالت تتجاهل المصالح الروسية في المنطقة. كل هذا يجعل من الاتفاق الروسي الإسرائيلي مجرد تفاهم على تعاون محدود في مجال التصنيع العسكري، كما أشار رئيس الحكومة بوتين، وهو ما تحتاجه روسيا لتطوير بعض منتجاتها العسكرية، ولكي تتمكن من غزو أسواق مغلقة عليها. ويمكن أن يكون هذا الاتفاق تمهيداً لبناء مصنع لإنتاج طائرات الاستطلاع من دون طيار في روسيا بالتعاون مع إسرائيل، بدلا من شرائها منها أو من غيرها، كما أنه يفتح الباب أمام المجمع الصناعي العسكري الروسي، لكي يناقش مع الإسرائيليين مشروعات تطوير طائرات «الميغ »السوفيتية التي حصلت عليها تل أبيب من دول أوروبا الشرقية، وتسويقها في عدد من الأسواق الإقليمية. وقد حدد رئيس الحكومة مشروعات تمثل أهمية بالنسبة لروسيا، منها مشروع تركيب أجهزة ليزرية لتحديد المسافات والرصد على الطائرات، واشار إلى أن هذا التعاون من شأنه أن يزيد من تسويق المنتجات الروسية. وهو من أهم أهداف حكومته. لكنه لم يتحدث عن الملفات السياسية التي كان يحملها باراك في جعبته، رغم أن وزير الحرب الإسرائيلى عرضها وأكد على أهميتها بالنسبة لتل أبيب. ويبدو واضحاً أن روسيا ، التي ليس لديها شريك استراتيجي في الشرق الأوسط، تتبنى مواقف أكثر عدالة وجدية إزاء الملفات الساحنة في المنطقة أكثر من بقية الأطراف، لكنها في نفس الوقت لها الحق في البحث عن تعاون اقتصادي تجاري مثمر. وقد كشفت تجربة التسعينات أن التعاون الروسي الإسرائيلي في التصنيع العسكري، قد حقق نتائج ليست سيئة، مما يطرح امكانية مواصلة هذا التعاون ضمن أطر محددة. إضافة لذلك ، لا بد من مراعاة أن روسيا ترسم سياساتها التجارية على أسس براغماتية، وخلافاً لما كان يحدث في العهد السوفييتي، فإن روسيا تبيع منتجاتها العسكرية ولا توزعها. لذا من الصعب ربط إيقاف بعض صفقات السلاح لبعض الدول، مثل إيران وسوريا، بضغوط خارجية أو تأثيرات سياسية، خاصة إذا كانت هذه الصفقات لا تخل بالتوازنات، ولا تتعارض مع المواثيق والأعراف الدولية. كاتب روسي