"دور الشباب في مناصرة حقوق الإنسان" موضوع الحلقة الأولى من سلسلة حوار القيادة الشبابية        واشنطن ترفض توقيف نتانياهو وغالانت    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أمن البيضاء يوقف شخصا يشتبه في إلحاقه خسائر مادية بممتلكات خاصة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغرافيتيا بين المؤسسة و الهامش (*)
نشر في العلم يوم 07 - 07 - 2010

في مقابل دراسات علم الاجتماع التي انصبت حول قضايا السياسة و مجالات البادية كموضوعات مستهدفة باتت تشكل مباحث المرجع الكولونيالي، عرف الحقل السوسيولوجي اجتهادات ملفتة نبعت في ظل مغرب مستقل مع باحثين مثل بول باسكون P. Pscon ( 1932 ? 1985 ) الذي ركز على السوسيولوجيا القروية ( الأطلس الكبير و أحواز مراكش )، و عبد الكبير خطيبي (1938 ? 2009) الذي استغور بليغا في موضوعة الجسد، و فاطمة المرنيسي المهتمة بالمسألة النسائية (المرأة،الجنس،الحريم)،
و محمد جسوس الذي، فضلا عن طروحاته حول رهانات الفكر السوسيولوجي و المسألة الاجتماعية و الثقافة و التربية، ساهم بقدر وافر في تقعيد البحث السوسيولوجي الأكاديمي بالجامعة المغربية منذ نهاية الستينيات، استنادا إلى خبرة معرفية مشفوعة بحس نقدي. في إيقاع تقدم الدراسات السوسيولوجية، و بعد هذا الجيل المؤسس، نجد اليوم ثلة من الباحثين المغاربة الذين عملوا على تغيير وجهة العلوم الاجتماعية نحو حقول جديدة مدنية و معاصرة، تميل إلى التوصيف الجزئي، التخصصي. من بين هؤلاء، يبرز اسم الكاتب و السوسيولوجي أحمد شراك الذي سنقف ? من خلال هذه الورقة ? على بحثه القيم و الطلائعي الموسوم ب « الغرافيتيا أو الكتابة على الجدران المدرسية « (1)، ضمن ما يسميه سوسيولوجيا التفاصيل باعتبار الغرافيتيا تفصيلا « يمكن أن ينبني بكثير من الجزئيات ليساهم في مساءلة قضايا من صميم السوسيولوجيا (...) لملامسة قضايا توصف بكونها هامشية أو تسكن في الهامش « (2)، و ذلك بقناعة منه في السعي قدما إلى تطوير الإنجاز السوسيولوجي الوطني، بناء على طموح علمي يصبو إلى تناول مباحث حديثة في سياق السوسولوجيا الوطنية و العربية عامة.
ترتبط أشكال الكتابة على جذوع الأشجار و الجدران و خلفيات الأبواب كصورة من صور الكيان الاجتماعي في بعده الوجودي الذي يكشف نوازع العواطف و الانفعالات و المكبوتات و المواقف في قالب « تعبيري « متحرر، ينفلت من أية سلطة رقابية، استنادا إلى أسلوب خطابي، تواصلي، يتوسل بالرمز و العلامة و اللغة الكتابية التي تنزاح عن كل الأسناد الورقية.
إذا كانت هذه الممارسة الهامشية تشكل حقلا خصبا من حقول الحفْر في الذات الإنسانية من لدن المؤرخين و الأنتروبولوجيين و علماء النفس و الاجتماع، لكونها صاحبت التطور البشري منذ الرسومات الأولية و الخربشات و النقوش البدائية على الصخور و جنبات المغارات، فإن عمليات التحقيب و التصنيف و الترتيب المتعلقة بهذا الحقل الشائك و الشاسع و المتنوع على عدة أصعدة، صارت من قواعد تقطيع المتن و حصره، كمبحث محدّد قابل للدراسة و التحليل الدقيقين.
لعله الرهان الذي ركبه الباحث أحمد شراك، لولوج المؤسسة التعليمية المغربية بغرض استكشاف «الهامش» فيها، من خلال مساءلة أشكالها الغرافيتية، مستندا إلى مبدإ التطابق في إثارة العلاقة بين الغرافيتيا و الثقافة و إثارة علاقة المؤسسة بالهامش: طَرْحٌ للثقافة الهامشية بالثقافة المدرسية أو الثقافة المؤسسبة، حيث تبقى الغرافيتيا في الفضاء المدرسي « خطابا ينم عن نبض تلقائي و حقيقي للإنسان ككائن اجتماعي « (3)؛ خطابا مدوّنا ضمن حيوية رامزة مدمجة في استرسالية زمنية يمثل فيها البعد الرمزي جانبا رئيسا على المستوى الأنطولوجي للإنسان في امتداداته الثقافية و النفسية و الاجتماعية.
عن «الهوية الثقافية»، يؤكد الباحث على أن الهاجس القوي للمرسل، منجز الغرافيتيا، أي المتعلم، يتجلى في إثبات ذاته، بحيث ينعكس هذا الهاجس على الغرافيتيا من خلال الإعلان عن الوجود: أنطولوجيا الأنا أو أنطولوجبا الحضور، و يتضح ذلك من خلال هيمنة كتابة الاسم (العائلي و الشخصي)، باعتبار غرافيتيا الأسماء و التوقيعات ظاهرة كونية ذات قيمة دلالية، كعناوين ذاتية في التواصل الاجتماعي، و كعلامات سيمائية أولية تحيل على الهوية: « العلامات الدالة على الهوية الأكثر شيوعا و بساطة «.
في هذا الشق المتعلق بغرافيتيا الأسماء بوصفها علامات سيمائية داخل تيمات الغرافيتيا الكونية، تتعين الإشارة إلى مستويين على الأقل، ضمن سيرورة تاريخ الفن الحديث.
المستوى الأول يتعلق بكون الغرافيتي Graffiti شَكَّل تسمية لتوجه فني معاصر يعود إلى مطلع السيتينيات، من خلال كثافة حروف الأسماء التي غطت مترو نيويورك؛ الأسماء التي تهدف إلى رسم الطابع الذاتي لأصحابها، لتمسي كمحاكاة ساخرة تصدف عن الواقع، و تتفاعل كأسلوب تعبيري عفوي يترجم مفهوما اجتماعيا يرتبط بالضواحي و الهوامش. و لذلك ظل فن الغرافيتي هامشيا لا يعترف بمؤسسات الفن: المتحف، صالات العرض، السوق الفنية... كما يؤكد الباحث على ذلك.
المستوى الثاني يتعلق بكون الفن المعاصر أصبح يهتم بسير العلامات في المجتمع استنادا إلى
« السيمائيات « أو « السيميوطيقا « ( La sémiotique ) (4)، فنجد منظرين يطبقون التحليل الدلالي ( Analyse Sémiotique ) على الفنون، حيث اعتمده أمبرتو إيكو في المعمار، كما اعتمده رولان بارث في الفوتوغرافيا. و في الحين الذي تدخلت فيه السيميائيات لتشكيل العمل الفني، و بتأثير من أفكار جاك ديريدا، نجد عددا من الفنانين المفاهيميين يطبقون مبادئ الهدم لإبراز تعدد المعاني الممكنة من خلال الانزياح القائم بين المضمون الظاهر ل « النص « الذي يمكن أن يكون عملا فنيا، و نسق القرار الثقافي و المرئي أو اللساني المرتبط به. من ثمة يصبح العمل الفني عند جماعة « فن و لغة « نقطة التقاء بين عدة مناهج تواصلية، حيث تلتقي الصورة و اللغة عن طريق الكتابة كوسيلة تجعل الكلمة مرئية. هكذا، تحول الفن من « شكل اللغة إلى اللغة نفسها « (5)، مع مارسيل دوشان M.Duchamp (6). منذ أن قدم هذا الأخير عمله « النافورة « (مبولة) في نيويورك العام 1917، بدأ منح الاعتبار لعرض الأعمال « الجاهزة « الخالية من الإنجاز و التحضير، بوصفها أشياء منتقاة من السوق، لإعادة النظر في التصنيفات المطروحة مسبقا للذوق و الجمال و الوظيفة. مثل هذه الطروحات و الأسئلة التي تمس التداخلات و الترابطات القائمة بين الأحكام الجمالية والموقف الاجتماعي، تجد محاولة الإجابة عنها في كتاب
« النقد الاجتماعي لنقد الذوق « (1979) لعالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو P. Bourdieu، الذي يرى أن لكل مجموعة « طابع ثقافي « habitus خاص بها (1990) (7).
في سياق الغرافيتيا و الفن، يقف الباحث أحمد شراك عند العلاقات الكامنة بين العرافيتيا والموسيقى (حركة الهيب هوب، الراب Rap، الطاك Tag ) و الفن التشكيلي، معتبرا الغرافيتيا ملتقى الأبصار، لكونها تتسم بتعدد العلامات المتداخلة التي تدفع سياق المناولة الإبستمولوجبة و النظرية إلى الكشف عن وجود وحدوث مختلف العلاقات الخطابية التي تشرك الغرافيتيا بالإعلان والوشم و النسج و التجميل الحر و الحناء و الأدب، ليبقى البعد البصري أهم الخطابات التي تشكل «مرجعا» لخطاب الغرافيتيا بناء على التواصل و التقاطع. في خضم هذه التواشجات المتفاعلة و الملموسة، يوضح الباحث، « تنصب العلاقة بين المؤسسة و الهامش بصيغ أخرى و تلفيظات أخرى (...) إن خطاب الغرافيتيا، يريد أن يؤسس لنفسه موقعا، و يرسم لذاته حدودا خطابية على الصعيد الفني و الأدبي، ومختلف الخطابات الأخرى، حيث يشكل بحق، ليس ملتقى للخطابات، بل ملتقى أعم، هو ملتقى الأذن والعين اعتمادا على اللغة السمعية و لغة الإنصات، واللغة البصرية في مختلف المجالات و الفضاءات والأشكال «(8).
في فصل « الغرافيتيا و الثقافة «، يحلل الباحث مختلف الميكانيزمات التي تحكم العلائق بين الغرافيتيا
و الثقافة الشعبية، الغرافيتيا و ضد الثقافة Contre culture و الغرافيتيا و الثقافة التحتية
Sous culture التي تمثل الثقافة غير المؤسساتية والمؤسَّسِية إن على مستوى التنظيم أو على مستوى
المنظومات الفكرية و القيم السائدة. ثم الغرافيتيا والثقافة المضادة، المضادة لهذه الثقافة السائدة في
المجتمع، و للوسط ( العائلة، المدرسة، المسجد، الكنيسة، الجمعيات...)، و الغرافيتيا و الثقافة
الجماهيرية Culture de masse التي تعتمد على مختلف وسائل الاتصال المتعددة. كما تناول
الغرافيتيا و ثقافة الجماهير على صعيد التواصل خاصة، ليخلص إلى أن الغرافيتيا تحيل على هذا التعدد
في المرجعية و الوسائل والدّعامات من أجل التشكل والتبلور و الظهور.
تبقى الغرافيتيا كيانا قائما بذاته، من زاوية اعتبار الغرافيتيا ظاهرة سوسيوثقافية، حيث تنعكس علاقة
الغرافيتيا بالمجتمع من خلال البعد البصري الذي يحتل المرتبة الأولى على مستوى الانتشار في مختلف الفضاءات بالمدينة الغربية، لمنح الطابع البصري للغرافيتيا مكانة « مادية « و ثقافية في النسيج المجتمعي، فيما يؤكد الباحث على أن الغرافيتيا عندنا تتقاطع في اهتماماتها مع الغرافيتيا الغربية كظاهرة سوسيو ثقافية بالنظر إلى تشكيلاتها التي تعبر عن نبض الفئات و الجماعات في الأماكن و الفضاءات التي تتطبع عبرها، كالمؤسسات التعليمية، حيث تعيد إنتاجها، أو تشكل فيها الاستمرارية سمة نقدية اتجاه الثقافة المؤسسية، بينما تمثل أحيانا أخرى قطيعة مع الثقافة المؤسسية كتطور منفصل عنها.
في ترابط الغرافيتيا و الكتابة،يتناول الباحث الغرافيتيا بوصفها كتابة لقيطة، ضمن المنحى الذي يجيب فيه عن كون الغرافيتيا كتابة سرية أم إسرارية؟ كتابة صامتة أم صراخية؟ مؤكدا على أن الغرافيتيا ككتابة هامشية ضد مؤسسية، ينصب فيها الهامش بشكل مناقض لخطاب المؤسسة بطريقة مزدوجة على المستوى الجينيالوجي للكتابة: بينما تظل الغرافيتيا ككتابة تعبيرية لا تخلو من شعرية و جمالية. الجمالية التي خصص لها الفصل الذي وقف عبره بالدرس و البيان عند أشكال التواصل المفارق و الخطاب الشذري و الخطاب الإيحائي و البعد الرمزي الأيقوني و الرموز و الأيقونات و الأيقونات التعبيرية والأيقونات الاستعارية أو البلاغية، و كذا البعد الكاليغرافي، ليتساءل عن علاقة الغرافيتيا بالكاليغرافيا؟ ماهي علاقة الغرافيتيا كخطاب هامشي، لا تعترف به المؤسسة و لا يمارس فعله بشكل مُمَأسس مع الكاليغرافيا كمؤسسة وكهامش؟ هل المؤسسة المدرسية تعطي الكاليغرافيا قيمتها في منطق التقويم؟ موضحا أن في هذه العلاقة بين المؤسسة و الهامش تكمن المفارقة: المؤسسة تهَمّش و الهامش يمأسس (9)، ليخلص إلى أن هذا النزوع هو نقد غير واع للمؤسسة، « و دعوة لها للالتفات إلى اهتمامات المتعلمين و إلى إشباع رغباتهم في التعاطي للفن و الجمال، و في التعاطي لموضوعات وتيمات ربما غائبة على صعيد المقررات المدرسية و من هذه الموضوعات الجنس و الجسد و الرغبة و الحب. لأن للمؤسسة منطقا أخلاقيا منغلقا بحكم تصوراتها بكثير من الدوغمائية أو ممارسة خطاب الصمت ( و المسكوت عنه) « (10).
في غياب مؤسسة إديولوجية فكرية بديلة، و في مقابل الإيديولوجيا الجنسية التي تلعب فيها الثقافة التحتية والثقافة الجماهيرية دورا ما، تبقى الهوية الثقافية و ضمنها اللغة و الدين ? كما يرى الباحث ? تشكل سؤالا أساسا في متخيل المرسل على صعيد الغرافيتيا من خلال تماثلية الهوية و تطابقها مع الانتماء الذاتي و المحلي و الوطني و العربي و الإسلامي، حيث في جميع الأحوال، « لا يمارس الشباب المغربي الهامش إلا بشكل من أشكال التعبير بعيدا عن مضمون مزعج و مشاغب لمنظومة المؤسسة و أهدافها وغاياتها « (11). من ثمة يخلص إلى أن « المؤسسة حاضرة في ذهنية التلميذ و لا شعوره الثقافي، إن على صعيد خطاباتها و إن على صعيد تمظهراتها و ممارستها الوظيفية و الفعلية مما يدل بأن تاريخ الأجيال المدرسية رغم بعض مظاهر الاختلاف، فإنه تاريخ اتصال لا تاريخ انقطاع على صعيد القيم و الثقافات « (12). في حين ? يضيف الباحث ? يظل تأثير العولمة الثقافية قائما ضمن قيم الحداثة المنفتحة المتعلقة بالجسد و الجنس خصوصا، بالرغم من الحصانة الموصولة بالهوية الثقافية و الحضارية.
بطبيعة الحال، تبقى هذه الورقة مقصرة بالنظر إلى غنى و تعدد المداخل التي تناولها أحمد شراك في دراسته الميدانية المثمرة، التي لا تكشف وجه الباحث السوسيولوجي المحنك فحسب، بل تكشف أيضا وجه الخبير التربوي و المثقف المتعدد الذي يغرف من مختلف المشارب العلمية و الأدبية ( الفلسفة، علم النفس، اللسانيات، تاريخ الفن و الأفكار، النقد الفني و الأدبي...). في شمولية هذه المعارف القرائية المستعارة كآليات للتفكيك و التحليل و التمفصل و التذكير، يتأسس عنده التأويل النظري المدعوم بتراتبية بنائية تترجم أبعادها من داخل نسيج لغوي موصوف بصرامة الخطاب العلمي، بالقدر الذي يتسم فيه بأناقة أدبية تفعل في تيسير القراءة السلسة، حيث يكتمل التصور و الاستنتاج من خلال عمق التأمل المنصهر في مجرى البناء العقلي. إنها الخاصية التي تمكنه من التركيب المنسجم و الاختيار الحصيف للكلمة باستكناه جوف المعنى، و تمنحه القدرة على النحت المناسب للمصطلح، و التوليف الدقيق للمفهوم.
في هذا البحث الموصول بالعبور من « النص المركزي « إلى النص الهامشي الذي أنفق فيه اثنتي عشر سنة، يتأكد لدينا انتماء أحمد شراك إلى طينة الباحث المكابر و المقاوم، طينة المثقف العضوي بالمعنى الغرامشي؛ خاصة و أنه ينتمي إلى ذلك « الجيل الذي مهد للديموقراطية بالمغرب و ضحى إلى حدّ إنكار الذاتّ، و بقى في الهامش كنوع من القوة «. في تشبثه المستديم بمبدأ الإصرار الواعي، ظل ينتصر للسؤال الثقافي الصرف، منكبا على تتبع نبض المجتمع و تحولاته المتسارعة، منشغلا بالحفر الحثيث في سوسيولوجيا الثقافة التي أَفْرد لها عدة إصدارات متكاملة: الثقافة و السياسة، مسالك القراءة، سوسيولوجيا التراكم، فسحة المثقف، الثقافة و جواراتها. بالإضافة إلى الخطاب النسائي والعمل البيبليوغرافي
( بيبليوغرافيا السوسيولوجيا المغربية، بالاشتراك مع الأستاذ عبد الفتاح الزين ).
بهذا المؤلف السوسيولوجي الجسور حول « الغرافيتيا «، التي لا يمكن الغوص فيها إلا بنفس الباحث المغامر و « المشاكس «، يدشن الدكتور أحمد شراك مبحثا فريدا و صعبا من مباحث السوسيولوجيا العربية التي تكتسي أهمية مضاعفة، لكونها تمس الشباب باعتباره الفئة الحيوية التي يقوم عليها بناء مجتمع سوي و منتج (و ليس مجتمع الخدمات كما يهندس له ساستنا) من جهة، كما تمس المؤسسة التعليمية بوصفها الوعاء المحتضن لهذه الفئة، والفاعلة في تنشئتها و تأطيرها من جهة أخرى؛ المؤسسة الجوهرية التي تحتاج باستمرار إلى مثل هذه البحوث والدراسات الرصينة التي من شأنها تنبيه القيّمين على الشأن التعليمي إلى إعادة النظر في منظومة التربية و القيم، في اتجاه تحديد أفق الاستجابة لمتطلبات المتعلمين ( الشباب ) و رغباتهم وتطلعاتهم، وفق وضعهم الراهن و المتغير بوتيرة التحولات المسترسلة لمفاهيم التواصل و الحداثة و العولمة المشروطة بالتكنولوجيات الجديدة و التحكم في أدواتها.
هوامش:
(*) المداخلة التي ساهمت بها في « يوم مع كاتب ? أحمد شراك: الكتابة و الهامش «، نظمته جمعية
الباحثين الشباب في اللغة و الآداب، كلية الآداب و العلوم الإنسانية ? جامعة المولى إسماعيل
بمكناس، 07 -04 ? 2010.
(1) أحمد شراك، الكتابة على الجدران المدرسية ? مقدمات في سوسيولوجيا الشباب و الهامش و المنع و الكتابة، منشورات دار التوحدي، الرباط، ط 1، 2009
(2) Ibid، ص 434
(3) Ibid، ص 434
(4) السيمائيات/السيميوطيقا: Semiotics ? Semiotique
- معرفة العلامات (لوك 1960)
- نظرية العلامات، النظرية العامة للتمثيل ( بيرس 1914 )
- النظرية العامة للعلامات في كل صورها و تجلياتها عند الحيوان و البشر ( سواء كانو أصحاء أو مرضى )، اللغوية و غير اللغوية، الفردية أو الاجتماعية ( موريس 1938 )
- العلم الذي يدرس سائر الظواهر الثقافية بوصفها أنظمة للعلامات، قائمة على الفرضية مؤداها أن الظواهر الثقافية جميعها ماهي في الواقع سوى أنظمة من العلامات، بمعنى أن الثقافة هي في جوهرها اتصال ( إيكو )
- تتناول السيموطيقا وظيفة التواصل و وظيفة التعبير ( سيبيوك Sebeok )
سيزاقاسم ? نصر حامد أبو زيد، مدخل إلى السيموطيقا، الجزء الأول، دار قرطبة
للطباعة و النشر، البيضاء، ط2، 1986، ص 173
(5) أنظر مادة : Semitique
-Robert Atkins, Petit lexique de l?art contemporain, Traduction de l?anglais et adaptation par Jeanne Bouniort, ed Abbeville S.A.R.L, France, 1992
- ضمن تدخل الكتابة اللغوية في العمل التصويري، يمكن الإشارة أيضا الى السريالية مع
عمل ماغريت «هذا ليس غليونا»، و المايل آرت (الفن البريدي) مع راي جونسون،
والبوب آرت الذي يستلهم الفن من الثقافة الشعبية ويشتق صورها مباشرة،فيما
يستبعد لغة الفن العلمية لحساب لغة الإعلام.
(6) Marcel Duchamp (1887 ? 1968 )، تشكيلي فرنسي دادائي، أقام في الولايات
المتحدة، ساهمت أعماله في تحويل تصورات الفن الغربي الذي تأثر كثيرا بأفكاره خاصة.
(7) - أول من صاغ مصطلح هابيتوس habitus أو « الطابع الثقافي « عالم الاجتماع الفرنسي
موس M. Mauss (1872 ? 1950) ، و طوره عالم الاجتماع البريطاني نوربرت إلياس
N. Elias (1897 ? 1990). يشير المصطلح إلى الجوانب المنطقية في الثقافة التي تربط الفرد بالمجموع. و يلعب هذا المصطلح دورا رئيسا في نظرية عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو (1930 - 1990)، يعرف بورديو الهابيتوس بكونه « نسق الاستعدادات المكتسبة، وتصورات الإدراك والتقويم و الفعل التي طبعها المحيط في لحظة محددة وموقع خاص «.
نقلا عن ليلى الموسوي مترجمة: سوسيولوجيا الفن ? طرق للرؤية، تحرير: ديفيد إنغليز D.Inglis و جون هغسون J. Hughson، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة و
الفنون والآداب، الكويت، ع 341، يوليوز 2007، ص 59
(8) أحمد شراك، Op ? cit، ص 118
(9) Ibid، ص 319
(10) Ibid، ص 322
(11) Ibid، ص 359
(12) Ibid، ص 431


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.