سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الرقابة العليا تساهم في ترسيخ ثقافة حسن تدبير المال العام واحترام القانون وإشاعة النزاهة والشفافية الإحاطة آلية للإشعار بحدث طارئ يستوجب اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهته
يؤكد الأستاذ محمد الأنصاري آلية الإحاطة أسيء استعمالها خلال المدة الأخيرة ، موضحا أن أطرافا بعينها داخل مجلس المستشارين أصبحت توظف هذه الآلية للمس بالمؤسسات الدستورية وبالأشخاص في حياتهم الخاصة. ويبرز رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس المستشارين وعضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، في حديث العلم ،أن مختلف أعضاء الفرقالبرلمانية ، مطالبون بالتصدي للذين يستعملون آلية الإحاطة دون موجب حق ، وعدم السماح لهم بخيانة روح النص بأي شكل من الأشكال، لأن من شأن التساهل في ذلك، أن يطعن في مصداقية المؤسسة التشريعية بشكل خاص وفي القوانين المعمول بها بشكل عام. ويتحدث الأنصاري في هذا الحوار عن الحصيلة التشريعية للبرلمان بمجلسيه، واصفا إياها بالمشجعة ، سواء على مستوى مشاريع القوانين أو مقترحات القوانين ، موضحا أنه خلال الفترة الماضية من عمر الولاية التشريعية الحالية، عرف العمل التشريعي دينامية حقيقية ساهمت فيها مختلف الفرق البرلمانية ، وتمت المصادقة على العديد من مشاريع القوانين المهيكلة.. ويبرز الأنصاري الدور المهم الذي يمكن أن يقوم به المجلس الأعلى للحسابات ،مشيرا إلى أن الرأي العام الوطني ، في السابق ، لم يكن يعرف الشيء الكثير عن هذه المؤسسة ، أما الآن فقد أصبح اسم المجلس الأعلى للحسابات متداولا بشكل كبير في وسط الإعلام والمختصين وأصحاب القرار وعموم المواطنين ، مؤكدا أن هذا الحضور يشكل سلطة اعتبارية لهذه المؤسسة ، ويساهم في تعزيز ثقافة الشفافية والمساءلة ، ويوفر المزيد من الشروط لضمان التدبير الجيد للشأن العام ، من خلال المعرفة المسبقة للمدبرين والمسيرين بإمكانية خضوعهم للمراقبة والمساءلة. ويوضح رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس المستشارين أن إنجاز تقارير حول كيفية تدبير المؤسسات العمومية لا يعني التجريم أو العقاب ، بل إنه دليل على تطور مجتمع المؤسسات والقانون ، وعلى نضج المدبرين والمسيرين ووعيهم بأهمية التصدي للعيوب والاختلالات.. في ما يلي نص الحوار : س : خلف استعمال »الإحاطة« في مجلس المستشارين، أخيرا ، ردود فعل قوية داخل المجتمع، ما هو الإطار القانوني الذي ينظم هذه الآلية؟ ج : تجب الإشارة إلى أن المستجدات المهمة التي جاء بها دستور 1996، على مستوى المؤسسة التشريعية ودخول المغرب مرة أخرى في تجربة الثنائية البرلمانية كانت تقتضي على المستوى العملي نوعا من الملاءة، وفي مقدمة ذلك توفير نظام داخلي لمجلس المستشارين، وهكذا تقرر في إطار لجنة العدل والتشريع التي كان لي شرف رئاستها في ذلك الوقت، وضع آلية جديدة للربط بين بعض الأحداث الطارئة داخل المجتمع وكيفية تبليغها إلى علم الحكومة، بطريقة استعجالية، فوقع الاختيار على تسمية هذه الآلية بالإحاطة، يتم اللجوء إليها في مستهل كل جلسة أسبوعية خاصة بالأسئلة الشفوية، ولكن على أساس تقديمها من قبل رئيس الفريق، وأن تكون موجهة للحكومة في مدة لا تتجاوز ثلاثة دقائق، دون إعطاء الحق للحكومة تناول الكلمة في إطار الرد، وذلك باعتبار أن الإحاطة ليست آلية من آليات المراقبة، وإنما هي آلية للإشعار والتذكير بحدث طارئ يجب الانتباه إليه عبر البرلمان لكي تتمكن الحكومة من اتخاذ جميع التدابير والإجراءات التي تراها ضرورية لمواجهة هذا الحدث الطارئ في إطار العمل الحكومي، وهكذا يظهر أن أهداف استعمال هذه الآلية تتوجه نحو المستقبل وليس العودة إلى الماضي. س: طيب كيف تم التعامل مع هذه الآلية منذ اعتمادها حتى الآن؟ ج: لقد صادق المجلس الدستوري على النظام الداخلي للمجلس المستشارين خلال شهر أبريل من سنة 1998، وبعد ذلك مباشرة دخل المقتضى القانوني المذكور حيز التنفيذ بدون مشاكل تذكر، حيث كان يستعمل في إطار الأهداف والغايات المحددة له، إلا أنه لوحظ خلال الولاية التشريعية الحالية وبالضبط في المدّة الأخيرة، اللجوء إلى توظيف آلية الإحاطة في غير الإطار الذي أعدت من أجله، وبدأت بعض الأطراف تستغلها لخدمة أغراض سياسوية شعبوية بعيدة كل البعد عن الأهداف النبيلة للمؤسسة التشريعية في مختلف الأدوار التي تقوم بها، بل إن البعض ذهب، عبر توظيفه لآلية الإحاطة، إلى حدّ المس بالمؤسسات الدستورية وبالأشخاص في حياتهم الخاصة، وهو أمر كان من المفروض مواجهته بصرامة، لأن المؤسسة التشريعية يجب أن تبقى بعيدة عن الصراعات الشخصية والنزوات الفردية. و الخطير في الأمر أن الاستعمال الخاطئ لآلية الإحاطة، تم دون تمكين الحكومة من حقها في توضيح الأمور وتقديم المعطيات المضبوطة بخصوص القضايا المطروحة. والأدهى من ذلك هو مجاراة رئاسة الجلسة، في بعض الأحيان، لهذا الانزلاق، وعدم استعمال السلطات المخولة لها لمواجهة مثل هذه الانحرافات التي تبعد المؤسسة التشريعية عن مناقشة القضايا الحقيقية التي تهم الرأي العام، وبالتالي يتم ترسيخ صورة مشوهة عن هذه المؤسسة، ويدفع المواطنين الى فقدان الثقة في العمل البرلماني والعزوف عن العمل السياسي الجاد. س: ما العمل إذن لتصحيح هذا الوضع؟ ج: بكل بساطة الالتزام بالشرعية واحترام روح النص والتطبيق السليم للمادة 128 من القانون الداخلي للمجلس، وعدم السماح لأي كان، وكيف ما كان موقعه، بالاستغلال غير المقبول لهذه المادة من أجل قضاء المآرب الخاصة والإساءة الى المؤسسات والأشخاص. وأعتقد أن السادة المستشارين من مختلف الفرق مطالبون بالتصدي للذين يستعملون آلية الإحاطة دون موجب حق وعدم السماح لهم بخيانة روح النص بأي شكل من الأشكال، لأن من شأن التساهل في ذلك، أن يطعن في مصداقية المؤسسة التشريعية بشكل خاص وفي القوانين المعمول بها بشكل عام. س : بحكم التجربة التي راكمتموها خلال أكثر من ولاية ، كيف تقيمون حصيلة أداء المؤسسة التشريعية؟ ج : لقد كانت الحصيلة التشريعية للبرلمان بمجلسيه، مشجعة ، سواء على مستوى مشاريع القوانين أو مقترحات القوانين ، فخلال الفترة الماضية من عمر الولاية التشريعية الحالية، عرف العمل التشريعي دينامية حقيقية ساهمت فيها مختلف الفرق البرلمانية ، وتمت المصادقة على العديد من مشاريع القوانين المهيكلة ، بالإضافة إلى التصريح الحكومي و مشاريع قوانين المالية . فقد بلغ عدد مشاريع النصوص القانونية المصادق عليها خلال الدورة الخريفية في مجلس النواب حوالي 21 نصا، وفي مجلس المستشارين 13 نصا. ويظهر من المعطيات المرقمة أن الأداء يتحسن من ولاية إلى أخرى ، وللتذكير فقط،أشير إلى أن عدد مقترحات القوانين التي وافق عليها البرلمان منذ بداية الولاية الحالية، وصل إلى 11 مقترح قانون همت مختلف المجالات منها8 مقترحات مصدرها فرق الأغلبية ، واثنان مصدرها جميع الفرق، ومقترح واحد للمعارضة ، في حين لم يتجاوز عدد المقترحات التي صادق عليها البرلمان خلال مجموع الولاية السابقة 5 مقترحات فقط، وهو مؤشر إيجابي على كل حال. س : هل هذا يعني أن المؤسسة التشريعية تشتغل دون إكراهات ومشاكل ؟ ج : بطبيعة الحال ، لا يمكن الادعاء بالوصول إلى الكمال ، فهناك مجموعة من الإكراهات التي يجب التغلب عليها ، ولكن للحقيقة وللتاريخ ، فأداء المؤسسة التشريعية عرف تطورا مهما، وهو أمر يجب الاعتراف به ليس لفائدة هذا الطرف أو ذاك ، وإنما للمغرب الذي استطاع أن يراكم تجربة متميزة في العمل البرلماني سواء على مستوى التشريع أو مراقبة العمل الحكومي أو الدبلوماسية البرلمانية دفاعا عن مصالح المغرب في الخارج ، وفي مقدمتها قضية وحدتنا الترابية . ويجب الانتباه إلى أمر مهم ، إن تجربة مجلس المستشارين، مثلا ، بإيجابياتها وسلبياتها إذا كانت هناك سلبيات ، لا تعكس تموقع هذا الحزب أو ذاك ، ولا مواقف أحزاب الأغلبية أو أحزاب المعارضة، إنها في الواقع تعكس مدى مصداقية هذه المؤسسة ، ومدى قدرتها على تقوية دعائم بناء المجتمع الديمقراطي وترسيخ تقاليده الديمقراطية المرتبطة بتدبير الشأن العام في بلادنا .. س : كيف يمكن إذن ، تجاوز الإكراهات المطروحة وضمان النجاعة لعمل المؤسسة التشريعية ؟ ج : لا شك أن أوراش الإصلاح مترابطة في ما بينها ، فلا يمكن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة ، في غياب مؤسسات دستورية قوية ذات مصداقية تقوم بأدوارها وفقا للقواعد والضوابط المتعاقد عليها ، وهو أمر يهم المؤسسة التشريعية بطبيعة الحال .. ولا شك أن الضرورة تستوجب ، في الوقت الراهن، توفير جميع الشروط التي تضمن عقلنة العمل البرلماني ، طبقا لتوجيهات جلالة الملك محمد السادس الواردة في خطابه السامي بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الخريفية لسنة 20072008 ، والتي أكد فيها جلالته على ضرورة التنسيق والتعاون بين مجلسي النواب والمستشارين ، في اتجاه عقلنة وترشيد عملهما باعتبارهما برلمانا واحدا، تتكامل فيه الأدوار، وليس برلمانين مختلفين . ومن هذا المنطلق يجب الإسراع بملاءمة آليات اشتغال مجلسي النواب والمستشارين ، وضمان الانسجام والتكامل في عمل اللجان البرلمانية ، في اتجاه تحقيق حكامة العمل البرلماني ، ومن المؤكد أن الانكباب على مراجعة النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان وملاءمتهما مع التطورات الحاصلة في ممارسة الشأن البرلماني ستكون من الأوراش المهمة التي يجب الانكباب عليها في الوقت الراهن من أجل الارتقاء بأساليب اشتغال المجلسين. ويجب الإنكباب أيضا على تحسين الأداء بالنسبة للجلسات الأسبوعية للأسئلة الشفوية، والتركيز على الأسئلة المحورية المرتبطة بالقضايا الكبرى أو الملفات المهمة التي تهم الرأي العام وتقتضي مناقشتها داخل البرلمان، لأن من شأن ذلك المساهمة في الرفع من مستوى المشاركة السياسية والتقليل من نسبة العزوف واللامبالاة. س : الأستاذ الأنصاري ، باعتباركم رجل قانون ، كيف تنظرون إلى مضمون التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات واختلاف المواقف بخصوصه ؟ ج : لابد من الإشارة في البداية إلى أن الرأي العام الوطني ، في السابق ، لم يكن يعرف الشيء الكثير عن هذه المؤسسة ، أما الآن فقد أصبح اسم المجلس الأعلى للحسابات متداولا بشكل كبير في وسط الإعلام والمختصين وأصحاب القرار وعموم المواطنين ، وهو جانب مهم جدا بالنسبة لمؤسسة عليا للرقابة سواء في بلادنا أو في بلد آخر، إن هذا الحضور يشكل سلطة اعتبارية لهذه المؤسسة ، لا شك أنه سيساهم في تعزيز ثقافة الشفافية والمساءلة ، وسيوفر المزيد من الشروط لضمان التدبير الجيد للشأن العام ، من خلال المعرفة المسبقة للمدبرين والمسيرين بإمكانية خضوعهم للمراقبة والمساءلة، وهذه الأخيرة لا تعني التجريم أو العقاب ، بل إنها دليل على تطور مجتمع المؤسسات والقانون ، وعلى نضج المدبرين والمسيرين ووعيهم بأهمية التصدي للعيوب والاختلالات. لابد من التذكير أيضا بأن الأحزاب الوطنية الديمقراطية ، في إطار التوافق مع المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني ، كان لها دور كبير في دسترة الرقابة العليا للمالية العامة ، حيث تم الارتقاء بالمجلس الأعلى للحسابات إلى مؤسسة دستورية ، من خلال تنصيص دستور 1996على هذا الجهاز وعلى أنه مستقل يتمتع بدور كامل في الرقابة على الأموال العامة ، إلى جانب مجالس جهوية للحسابات تتولى مراقبة حسابات الجماعات المحلية وهيئاتها في كيفية قيامها بتدبير شؤونها .. س : ولكن ماذا عن الاختلالات التي أشار إليها التقرير ، ألا يمكن أن تؤثر على صورة المغرب ؟ ج : أضيف شيئا مهما ، إن وجود المجلس الأعلى للحسابات وقيامه بالمهام الموكولة إليه طبقا للقواعد والضوابط المعمول بها ، يندرج في إطار الإصلاحات التي انخرطت فيها بلادنا منذ مدة ، وأن مثل هذه التقارير لا يمكن إلا أن يساهم في ترسيخ ثقافة حسن تدبير المال العام واحترام القانون والنزاهة والشفافية ، وهو يندرج أيضا في إطار تعزيز الآليات الهادفة إلى تنفيذ وتحقيق الالتزامات الحكومية ، وبالتالي تقوية مصداقية الإدارة والدولة .. وبخصوص الملاحظات حول الاختلالات التي أشار إليها التقرير الأخير ، لابد من قراءتها إلى جانب الردود التي قدمتها القطاعات والمؤسسات المعنية بتلك الملاحظات، ولا يمكن الوقوف عند »ويل للمصلين«، فمبدآ الإنصاف والموضوعية يقتضيان إبراز الموقفين معا وليس تغليب هذا الطرف على ذاك خدمة لمصالح آنية، بعيدا عن أهداف الرقابة العليا في تحقيق التقويم الجيد والفعالية والنجاعة ولا أعتقد أن مثل هذه التقارير سيؤثر على صورة المغرب، بل العكس هو الصحيح ، فالتقارير المسؤولة التي تبرز الاختلالات والعيوب مع تقديم التوصيات المتعلقة بتقويم هذه العيوب وتجاوزها ، تساهم في إشاعة أجواء الثقة والشفافية وتوفير الاستقرار وتحسين مناخ الأعمال ، وبالتالي تشجيع الاستثمار وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ..