اختتمت مساء يوم السبت الماضي أنشطة الدورة التاسعة للمهرجان الوطني للفيلم التربوي بفاس المنظم من طرف الأكاديمية الجهوية للتربية و التكوين بفاس بولمان و جمعية فضاء الإبداع للسينما و المسرح بفاس، و هي دورة دامت ثلاثة أيام حافلة بالأنشطة المتنوعة و المهمة التي تمحورت حول المشاكل و القضايا التعليمية و التربوية الراهنة المعاشة في مختلف المؤسسات التعليمية بالحواضر و القرى القريبة و النائية، وعرض خلالها 14 فيلم فيديو قصير (3 وثائقية و 11 روائية) في إطار المسابقة الرسمية، و تسعة أفلام أخرى عرضت ضمن فقرة البانوراما، و هي أفلام منتمية في مجموعها إلى 13 أكاديمية جهوية للتربية و التكوين من مختلف أنحاء المغرب تم انتقاؤها من بين 90 فيلما توصلت بها اللجنة المنظمة. طرحت هذه الأفلام الروائية و الوثائقية بالصوت و الصورة بطرق مختلفة و بحرية كبيرة و جرأة ملموسة ما يشغل بال أصحابها المتمدرسين و المدرسين من قضايا و مشاكل تربوية و تعليمية اجتماعية و ثقافية ونفسية وأخلاقية و بيئية، و جعلت من هذا المهرجان مرآة للكشف سنويا عن مختلف القضايا الإيجابية و السلبية للتربية و التعليم ببلادنا. لجنة التحكيم لهذه الدورة ترأستها الإعلامية و الفنانة فاطمة الوكيلي، و شارك فيها الشاعر ياسين عدنان، الممثل هشام بهلول، الباحث التربوي محمد فريسي و كاتب هذه السطور عمر بلخمار كناقد سينمائي، وقد أشادت هذه اللجنة بالمستوى العام لأفلام المسابقة وبالجدية التي تعامل بها أصحابها مع القضايا والأسئلة التربوية المتنوعة و الملحة و المستعجلة، كما أشادت بجودة المستوى التقني لبعض الأفلام القليلة، ولكنها سجلت نواقص تخص البناء الدرامي، والتمكن من الكتابة بالصورة، وضبط الجوانب التقنية، وامتلاك الرؤية الفنية وغيرها من النواقص الملموسة في بعض الأفلام.وتشجيعا للطاقات المبدعة الواعدة في التعامل مع الموضوع التربوي نوهت اللجنة بمجهودات الإخراج في فيلمي « ألوان» للمخرجة الشابة سيرين ولوت (مجموعة مدارس الجبر للتعليم الخصوصي، نيابة فاس) و « الخاوا» للمخرج خالد خلي (مجموعة مدارس إدريس الأول، نيابة وجدة أنجاد) و نوهت كذلك بالكتابة السيناريستية المتميزة في فيلمي «ليس منا» لمحمد البوعيادي( الثانوية التأهيلية محمد الخامس، نيابة طانطان) و «همسة» لمحمد حميداش (مدرسة المستقبل للتعليم الخصوصي، نيابة فاس). الجائزة الخاصة بأحسن دور نسائي منحت للطالبة فاطمة زيطان (فيلم «دموع الليل» لمحمد سطار، نيابة شفشاون)، و جائزة أحسن دور رجالي للطفل نسيم ولوت (فيلم» ألوان» لسيرين ولوت، نيابة فاس)، و جائزة السيناريو لمحمد المنصف القادري (فيلم «النقل والعقل» ، نيابة فاس)، و جائزة الإخراج لعبد اللطيف فضيل (فيلم «هذا عودي وانا مولاه»، نيابة الحوز) و الجائزة الكبرى للشريط الوثائقي الممتع و المفيد « التراث الثقافي والتنوع البيولوجي» ليوسف الكتبي ( نيابة ورزازات).الملاحظات التي لمستها لجنة التحكيم عبر مشاهدتها لهذه الأفلام دفعت بها إلى إصدار توصيات مهمة، حيث ألحت على الاهتمام بمقومات السرد والابتعاد ما أمكن عن الخطاب التقريري البسيط و والمباشر في المقاربة الفنية. كما ألحت على توسيع مساحة عطاءات التلاميذ و أن تكون مشاركتهم أكثر فعالية في مختلف مراحل إنجاز الفيلم التربوي، و على إتاحة فرص الارتقاء بالطاقات المبدعة المتميزة بتأطيرها في ورشات تكوينية يشرف عليها مهنيون ومحترفون سواء في المهرجانات السينمائية الوطنية أو داخل المؤسسات التعليمية، و عقد شراكات بين الأكاديميات والأندية السينمائية و إدارات المهرجانات الوطنية، لتحقيق هذا الهدف. أوصت هذه اللجنة أيضا بالاستعانة بالسينمائيين المحترفين في تأطير منجزي الأفلام التربوية و بتخصيص في المؤسسات التعليمية حيز زمني لعرض الأفلام الحاصلة على جوائز وخلق نقاش حولها لتمكين التلاميذ من التشبع بثقافة الصورة، و بضرورة الانتباه إلى سلامة اللغة في كل من الجينريك والعنونة ، و بإحداث جائزة خاصة بالفيلم التربوي الوثائقي. توصيات أخرى أصدرها المشاركون في المائدة المستديرة التي نظمت بالمهرجان حول «السينما التربوية و سبل الارتقاء بها» تنص على ضرورة مناقشة أفلام المسابقة الرسمية، و ضرورة التكوين في المهن الفيلمية، و حضور الأطفال في المهرجان، و إحداث مركز للسمعي البصري بالأكاديميات. بالرغم من ضعف الغلاف المالي المخصص لهذا المهرجان التربوي السنوي الوطني ، و بالرغم من ضعف التغطية الإعلامية التي يعاني منها في كل دورة، فإنه يشكل تظاهرة فنية و تربوية مهمة و متميزة بنوعها و التي تتطور تدريجيا بصمت و ثبات بفضل مساعدة بعض المؤسسات المحلية و الوطنية، و بفضل عزيمة منظميه العاملين في الميدان النربوي و العاشقين للفن السينمائي و الذين يفكرون في تطويره أكثر و تحويله إلى مهرجان تربوي دولي إذا ما توفرت له الإمكانيات لتحقيق هذا الهدف. عرفت هذه الدورة التاسعة تنظيما محكما على مستوى الإيواء و البرمجة ،و عرفت نجاحا و إفادة و انسجاما و حميمية في أجواء تربوية و فنية مفيدة و ممتعة بحضور الفنان الكبير عبد القادر مطاع الذي حظي فيها بشرف التكريم.