لقطف الثمار المرجوة وإعطاء النتائج المرضية والفوائد الجمة متعددة الجوانب وذات المصالح العامة التي تعود على الأفراد والجماعات بالخير والنفع العميم فلا بد من ترتيب الأمور بطريقة متناسقة ومنسجمة والعمل على جعل الشيء المناسب في مكانه المناسب كيفما كان هذا الشيء الصالح الذي يتوخى منه تحقيق الغايات المنشودة والأهداف المطلوبة بعد تحديدها وتعيينها ثم لابد من إعداد تصاميم بيانية منظمة تسهل أمر الشروع في مباشرة العمل لإنجاز المتوخى بالطريقة التي تتوافق مع الضوابط الخاضعة للنواميس الكونية مع مراعاة الشروط القاضية باحترام ضرورة انصرام مدة قطع المراحل الواجب قطعها في إنجاز بعض الأمور وهذا الترتيب الذي نتحدث عنه يتجاوب مع سنن الكون ويتلاءم مع الفطرة وينسجم مع متطلبات الحياة البشرية وطبيعتها وهو تدبير مأمور به ومرغب فيه لتحصيل المراد ولا شك في أن إمضاء الأمور وإنجازها بدون تنظيم ولا تسوية ولا تنسيق ولا انسجام ولا مراعاة للشروط لا يكتب له أي نجاح ولا أي استقرار ولا أي بقاء ولا تتمخض عنه أي فوائد ولا نتائج ايجابية بل يمكن أن تكون هذه النتائج سلبية أو تكون في معظم الأحيان هزيلة أو محدودة العطاء أو يكتب لها التوقف وهي في منتصف طريقها أو تصاب بالعقم وهي في مهدها أو تتحول إلى كوارث ومصائب ووبال أو خراب ودمار يأتي على الأخضر واليابس . ولذلك كان لابد من ترتيب الأمور حتى لايقع الإ صطدام والعكس وتحدث الكوارث والمصائب وتأتي المهلكات والموبقات. وكان من رحمة الله بعباده أن جعل ترتيب الأمور سهلا وميسرا يحسنه كل الناس إن أرادوا وهو موجود في العبادات والمعاملات وفي كل الأمور المهمة. وفي هذا من الأسرار والحكم والفوائد مالا يخفي على ذوي البصيرة ومنها تقوية العبد ومساعدته وتأهيله ليقوم بدوره أحسن قيام وليؤدي أعماله المطلوبة منه بسلاسة وانسياب وبطريقة جيدة تمكنه من استثمار جهود ه بكل دقة لفائدة أمته إذ ستعود عليه وعلى المجتمع برمته بالإيجاب وبالتالي يحقق نجاحا في حياته يجعله يسعد ويطمئن ويحيا حياة هادئة . وهذا الترتيب المعول عليه يجب أن يراعى في الميادين كلها لأن مراعاته في الأشياء تطوع المسخرات الكونية وتنسجم مع الفطرة الإنسانية هذا ومن يتأمل في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة يجد أن هناك لفتات بديعة ولمسات هندسية تفصيلية ولوحات فنية ساحرة تنمي في الإ نسان ملكات حس الإبداع والإبتكار وتغذي ذوقه بخواطر تثير في نفسه قوة الإرادة والعزيمة وتمتع بصره بالنظر إلى صور الجنان الدنيوية وتبرز إلى الوجود روعة التنسيق الفني والهندسي الواقع في إنشاء البساتين والحدائق عندما يتم استغلال الأرض بطريقة عقلية وكما هو مطلوب وليس هذا فقط بل إن الترتيب والتنسيق والاستغلال الجيد للأرض يجعل هذه الذلول المسخرة تعطي كل ماعندها قال تعالى في معرض استثمار الأرض واعمارها »هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور» [ الملك ].15 . ولتحديث وتجديد وتطوير شأن التنبيت والتشجير وتنشيط القطاع الفلاحي وتصويب أمر إنشاء الحدائق والبساتين والجنات على طريقة القرآن الكريم فليرجع إلى كتاب الله عز وجل مثل هذه الآية التي استشهد بها في هذا المجال غايتي من ذلك نقل هذه اللقطة الجميلة الجديرة بالمشاهدة والاطلاع لاستلهام العبر واستخلاص الدروس من أجل الإقتداء والتأسي والاقتباس وليستعين بها أخصائيو هذا المجال وعامة الناس قال تعالى:» واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا وكان له ثمر «[ الكهف]. فما أحسن هذا التنسيق والترتيب والإستغلال والتوظيف وما أجوده وما أبدعه وما أروعه ، وهي لقطة فنية لافتة جديرة بالأخذ والنقل والتقليد في إحداث وإبداع المساحات الخضراء وإنشاء الجنان والحدائق والبساتين. فعلى المهتمين بغرس الأشجار والنباتات التدبر في هذه الآية ليسترشدوا بها ويستنيروا بنورها كلما أرادوا رسم تصاميم خاصة بإحداث مساحات خضراء أو جنان أو حدائق أو بساتين أو إعداد أماكن للزراعة. فياليتهم يفعلون لأنهم لو فعلوا لحازوا فضل السبق في هذا المجال ولحققوا نجاحا فلاحيا مهما زيادة على إتحاف الناس بمناظر خلابة تسر الناظرين في المناطق التي تصلح لإظهار مثل هذا النوع الزراعي في الأراضي الفلاحية وفي الأخرى القابلة لإحداث منابت وخلق جنات من نخيل وأعناب. قال تعالى: «وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لايحب المسرفين «[الأنعام]