سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رمز فذ و قطب ألمعي كرس حياته إعلاء لراية الوطن وتربية الأجيال وتأهيلها كلمة المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير الدكتور مصطفى الكثيري في تكريم المجاهد الاستاذ أبوبكر القادري:
نظمت نيابة وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الاطر والبحث العلمي بمدينة سلا بتعاون مع المنوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير حفلا تكريميا للمجاهد الاستاذ أبو بكر القادري بمناسبة ذكرى انتفاضة 29 يناير 1944 ، وقد ألقيت بالمناسبة شهادات في حق المحتفى به أجمعت على أنه بحر امتدت أمواج نضاله وفكره الى شواطىء بعيدة واسم مرجعي في المشهد التربوي وذاكرة جماعية في الوطنية والمقاومة . ونقدم فيما يلي كلمة الدكتور مصطفى الكثيري المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بالمناسبة جريا على السنة المحمودة والتقليد الموصول نحيي في هذه الأجواء العطرة واللحظات المفعمة بأريج الإيمان وعبق الوطنية وككل سنة بهذه الحاضرة العريقة _ مدينة سلا _ ذكرى من أعز وأغلى الذكريات الوطنية إنها الذكرى السادسة والستون لانتفاضة 29 يناير 1944 المجيدة التي جسدت محطة وازنة في مسيرة العمل الوطني والكفاح التحرري الذي قاده العرش العلوي المنيف بالتحام وثيق مع الشعب المغربي الأبي من أجل نيل الحرية والاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية وتحقيق الوحدة الترابية. من المعلوم أنه بعد تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944 على يد صفوة من الوطنيين الأماجد الماهدين للعمل الوطني بقيادة أب الأمة ورائدها جلالة المغفور له محمد الخامس ، والتي أحيى الشعب المغربي وفي طليعته أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير قبل أيام قليلة ذكراها السادسة والستين، بادرت وسارعت فئات ومكونات المجتمع المغربي لتقديم عرائض التأييد والمساندة لمضمون الوثيقة التاريخية عبر من خلالها الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المجيد عن الاعتزاز بهذه المبادرة الوطنية الجريئة والموقف السياسي الوازن والمتميز. لقد انطلقت هذه الانتفاضة المباركة يوم 29 يناير 1944 من الرباطوسلا لتمتد شرارتها إلى العديد من المدن المغربية من خلال المظاهرات الشعبية الحاشدة تعبيرا من الشعب المغربي عن الاجماع الوطني حول إرادة التحرير والخلاص من ربقة الاحتلال الأجنبي ومطمح المغاربة ملكا وشعبا لنيل الاستقلال واستشراف آفاق المستقبل. فكانت نتيجة هذه المواجهات والمظاهرات ثقيلة أسفرت عن استشهاد العديد من الوطنيين الشباب قدموا أرواحهم ودماءهم في سبيل الوطن وجدير بنا ومن واجبنا أن نصون هذه الذكرى ونعتز بها ومثيلاتها من الذكريات الوطنية . ففي مدينة سلا احتشدت ساكنة المدينة بمختلف فئاتها من شرفاء ووجهاء وعلماء وتجار وحرفيين وفلاحين ومربين وشباب وغيرهم ، فشرعوا في قراءة اللطيف بعد صلاة العصر من يوم 29 يناير 1944 قبل التوجه نحو الرباط غير أن قوات الاحتلال تصدت لهم بالعنف لتفرق حشود هم ، وتم إلقاء القبض على عدد من المتظاهرين ومنهم الذين كانوا في الصفوف الأمامية وفي طليعتهم رموز وأقطاب الحركة الوطنية من الموقعين على وثيقة المطالبة بالإستقلال منهم المرحوم عبد الرحيم بوعبيد والمجاهد أبوبكر القادري شفاه الله وأطال عمره. وقد فصل في ملحمة الانتفاضة الشعبية بسلا المجاهد سيدي أبو بكر القادري في مذكراته بعنوان: مذكراتي في الحركة الوطنية المغربية، على نحو لم يرد في أي مصدر غيره. لقد أحدثت انتفاضة 29 يناير 1944 تحولا نوعيا في مسار الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال بالعودة القوية للحركة الوطنية إلى الواجهة النضالية بعدما توهمت سلطات الإقامة العامة أنها كسرت شوكة المقاومة بإشهارها لسلاح الحديد والنار. غير أن تضامن كافة مكونات الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المجيد عجل بانطلاق شرارة ملحمة ثورة الملك والشعب المباركة في 20 غشت 1953 والتي لم تتوقف إلا بعودة الشرعية والمشروعية بعودة بطل التحرير والمقاوم الأول جلالة المغفور له سيدي محمد بن يوسف والأسرة الملكية الشريفة من المنفى إلى أرض الوطن معلنا قدس الله روحه بزوغ فجر الحرية والاستقلال وانتهاء عهد الحجر والحماية. إننا وإذ نخلد هذه الذكرى المجيدة بهذه الربوع الأبية والمجاهدة، نستحضر بإكبار واعتزاز عطاءات ونضالات ساكنة هذه الحاضرة مدينة سلا، قلعة الصمود والشموخ والوطنية والجهاد، وموئل الأبطال، والعريقة في الأمجاد والملاحم والبطولات. ومدينة سلا مشهود لها بحضورها الوازن عبر التاريخ في كل المحطات النضالية، ستظل أقباسها وأنوارها المشعة تحفظها الذاكرة الوطنية تلهم الأجيال المتعاقبة، أجيال اليوم والغد تشحذ الهمم وتذكي العزائم وتقوي الروح الوطنية ومواقف المواطنة الإيجابية في مسيرات الحاضر والمستقبل لبناء وإعلاء صروح الوطن القوي والمتضامن والمتقدم. نحتفي في هذا اليوم الأغر بعلم من أعلام الوطنية الذين أنجبتهم هذه الحاضرة العريقة وهذه مكرمة ائتلف على القيام بها صفوة فعاليات سلا من أسرة التربية والتعليم وطنيين ومقاومين ومن حقول العمل الجمعوي والثقافي. إنه العلامة المجاهد ابوبكر القادري هذا الرمز الفذ والقطب الألمعي الذي كرس حياته إعلاء لراية الوطن وتربية الأجيال وتأهيلها للانخراط الواعي والجاد والمسؤول في ملاحم العزة والكرامة. رأى النور بمدينة سلا في ابريل 1914 ، تابع دراسته الأولية بمدرسة حرة ثم على كبار العلماء بسلا وغيرها أمثال الشيخ احمد الحريري والشيخ زين العابدين بن عبود والشيخ مولاي الشريف القادري والعلامة السلفي محمد بن العربي العلوي، وغيرهم من فطاحل العلم والفكر والثقافة. اختار أن يمتهن التعليم وفتح مدرسة حرة سنة 1933 بسلا مؤسسة النهضة الإسلامية التي كانت تدعى بالمكتب الإسلامي، والتي تعتبر مؤسسة رائدة للتعليم الإسلامي في فترة الحماية الفرنسية، وقد مضت تؤدي مهمتها التعليمية تحت إدارة الأستاذ ابي بكر القادري لمدة 48 سنة ولازالت تؤدي رسالتها لغاية اليوم. وكان للمدرسة ثلاثة فروع، وتخرج منها الآلاف من الطلبة والتلاميذ من خيرة الأطر ونساء ورجال الدولة. انخرط في العمل الوطني وهو ابن السادسة عشرة من عمره ، ولدى تقديم مطالب الشعب المغربي في دجنبر 1934 كان من بين الأعضاء العشرة الذين قدموها لجلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه. تعرض للسجن لأول مرة سنة 1936 من اجل فتح مدرسة حرة، ثم سجن في السنة نفسها من اجل المطالبة بالحريات العامة ، وسجن للمرة الثالثة في شهر أكتوبر 1939 بعد إلقائه خطابا بالمسجد الأعظم بسلا تلته مظاهرتان صاخبتان ودامت مدة اعتقاله القسري سنة كاملة. بعد توقيعه على وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير1944 التي اندلعت أحداث 29 يناير 1944 تأييدا ودعما لها ، القي عليه القبض يوم 30 يناير 1944 فتنقل عبر ثلاثة سجون، الرباط والعادر واغبيلة بالدارالبيضاء ودامت مدة إقامته بهذه السجون عامين. واثر أحداث 8 دجنبر 1952 بعد اغتيال الزعيم النقابي التونسي والمغاربي فرحات حشاد تم نفي المجاهد ابي بكر القادري إلى قرية '' تافنكولت'' بسوس، ثم قدم إلى المحكمة العسكرية بتهمة الإخلال بالأمن العام الداخلي والخارجي، فمكث مدة بسجن الدارالبيضاء بعد مرحلة التعذيب بكوميسارية الدار البيضاء لينقل بعدها إلى السجن المركزي بمدينة القنيطرة في انتظار المحاكمة بعد استكمال الاستنطاقات، وأفرج عنه بعد أن مكث في السجن نحو عامين. غداة حصول بلادنا على الاستقلال، ظل لصيقا بالتعليم بالإضافة إلى نشاطه في حزب الاستقلال ،كعضو في اللجنة التنفيذية ومفتش عام للحزب ثم عضو في مجلس الرئاسة للحزب، انشأ جمعية شباب النهضة الإسلامية التي كان لها نشاط ملحوظ ومحمود في الدعوة الإسلامية وتوضيح معالم الفكر الإسلامي. نشط كذلك في حقل الصحافة والكتابة والإعلام وفي طليعتها مجلة الإيمان التي دام إصدارها تحت إشرافه ست عشر سنة، وكذلك جريدة الرسالة التي دام صدورها نحو سبع سنوات، هذا علاوة على إسهاماته الفكرية والثقافية الغزيرة وإصداراته القيمة وعنايته بإثراء حقل الكتابة التاريخية وأعماله الرصينة ومواقفه الشهمة نصرة للقضايا العادلة وفي مقدمتها قضايا العرب والمسلمين وتجنده الصامد لمساندة الشعب الفلسطيني في كفاحه لنيل حقوقه السليبة بتحرير أراضيه المغتصبة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وله من الصفحات المشرقة في سجل مناصرته للأشقاء ودفاعه عن الحق والعدل والخير في كل مكان وأوان الشيء الكثير الذي لا يسمح المقام ولا يتسع الوقت للتفصيل فيها. تم تعيينه سنة 1957 من لدن جلالة المغفور له محمد الخامس عضوا في المجلس الوطني الاستشاري، كما عينه في مجلس الدستور وفي المجلس الأعلى للتربية الوطنية وكذا في مجلس التخطيط والإنعاش. كما نال شرف التعيين عضوا في مجلس الوصاية من لدن جلالة المغفور له الحسن الثاني. ساهم الأستاذ المجاهد ابوبكر القادري في عدة مؤتمرات إسلامية، وسياسية في الداخل والخارج، وكان عضوا في المجلس التنفيذي في مؤتمر العالم الإسلامي "كراتشي" وفي المؤتمر الإسلامي الافريقي الآسيوي " باندونغ " بأندونيسيا وفي المؤتمر الإسلامي الإفريقي "سيريلانكا" وشارك في المؤتمر الأول التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، كما كان من المؤسسين الأولين للجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني واشرف على تسييرها كأمين عام لها مدة عشرين سنة، كما انتخب أمينا عاما مساعدا للجبهة العربية المشاركة في الثورة الفلسطينية لدى تأسيسها في بيروت سنة 1972، كما شارك في المؤتمر الإسلامي الذي انعقد بقبرص التركية سنة 1972 وعين قنصلا شرفيا لها. وهو عضو لاتحاد كتاب المغرب واصدر عدة مؤلفات إسلامية ورحلات وتراجم وأحاديث عن شخصيات عايشها ومذكرات ، كما كتب في قضايا وطنية وعربية وفي مجالات اجتماعية وقضايا إنسانية مختلفة. حظي مكرمنا على الدوام بكل مظاهر الإكبار والإجلال ونال عدة أوسمة رفيعة منها وسام العرش من الدرجة الثالثة ووسام أكاديمية المملكة المغربية وجائزة الاستحقاق الكبرى في خدمة الثقافة المغربية "1992"، وفي يوم 11 يناير 2005 حظي بالإنعام المولوي السامي بتوشيحه من لدن صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمقر الإقامة الملكية بورزازات بوسام العرش من درجة ضابط كبير رفقة صفوة من رفاق دربه الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال وذلك بمناسبة الذكرى 61 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، ومن المعلوم أن صفوة الموقعين جميعا على هذه الوثيقة التاريخية الأموات منهم رحمة الله عليهم والأحياء أطال الله عمرهم كانوا محط هذا التكريم السني والتشريف العظيم برورا بهم وبأعمالهم وبتضحياتهم وكذا إخوانهم من شهداء 29 يناير 1944 الذين نواصل احتفاءنا بذكراهم بكل اعتزاز وافتخار لإشاعة القيم التي تحلوا بها وترسيخ الروح الوطنية التي جبلوا عليها في نفوس الناشئة والأجيال المتعاقبة. إن مكانة المجاهد الأستاذ أبي بكر القادري في نفوس أسرة المقاومة وجيش التحرير كما وفي أوساط شرائح المجتمع المغربي، مكانة مرموقة سامية ، وإننا لنعتز بأنه كان دوما وطيد الصلة بنا في قطاع المقاومة والتحرير مشاركا لنا في إحياء أمجاد تاريخنا الطافح بالملاحم ومساهما في إغناء الرصيد الفكري التدويني والتوثيقي لفصول ملحمة الاستقلال، مبادرا بأريحيته وعطاءاته لدعم الجهود الموصولة لصيانة الذاكرة التاريخية وإشاعة قيمها الوطنية الخالصة ولاسيما في صفوف وأوساط الناشئة ورواد الفضاءات التربوية والمؤسسات التعليمية ترسيخا لقيم الوطنية الصادقة وتعزيزا لمواقف المواطنة الايجابية لإنجاز المشروع المجتمعي الحداثي الديمقراطي والتنموي الذي يقوده ويرعاه بحكمة وتبصر وبعد نظر صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله. وإن من بواعث اعتزازنا وفخارنا تلكم الأواصر والوشائج التي جمعتنا وتجمعنا بمكرمنا الفاضل الذي لم ندع فرصة تمر لنلهج بالثناء والإشادة والعرفان في حق هذا الهرم الشامخ، وحسبنا أنه كان من صفوة الوطنيين الأفذاذ والمقاومين الأشاوس الذين احتفينا بسيرهم النضالية الخالدة في المهرجان الكبير الذي ترأسه السيد الوزير الأول في 20 غشت 2009 برحاب مقبرة شهداء السجن الفلاحي العادر بالجديدة، برورا بتضحيات قدماء معتقلي هذه المؤسسة التي كان من بين نزلائها المجاهد الأستاذ أبو بكر القادري أطال الله عمره ومتعه بموفور الصحة والعافية وجزاه الجزاء الأوفى عما قدم ويقدم من جلائل الأعمال خدمة لوطنه وأمته. هنيئا لنا بهذا اليوم المبارك الميمون الذي نحيي ونخلد فيه ككل سنة ذكرى 29 يناير 1944 بحاضرة سلا المكافحة والعالمة والماجدة. ويتميز إحياؤنا لهذه الذكرى في هذه السنة بتكريم رمز من رموزها ومن صناعها الأماهد. فهنيئا لنا بهذا المجد التاريخي الأثيل وهذه المكرمة التي نستحضر مناسبتها ونواصل إحياءها بهذا الربع وكل ربوع الوطن، بفاس التي سيكون موعدنا غدا فيها مع ندوة علمية حول انتفاضة 29 و30 و31 يناير 1944. وهي مناسبة كريمة لمواصلة الإشادة بطلائع الحركة الوطنية ونساء ورجال المقاومة وجيش التحرير والترحم على أرواح الشهداء الميامين شرفاء الوطن ورموزه وفي طليعتهم جلالة المغفور له محمد الخامس وجلالة المغفور له الحسن الثاني قدس الله روحيهما. وفقنا الله جميعا لما فيه خدمة الصالح العام وخير البلاد والعباد وصيانة الذاكرة التاريخية وأمجاد وروائع الكفاح الوطني تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأقر عينه بصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن وشد أزره بشقيقه الأمجد صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي رشيد وسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة والشعب المغربي قاطبة. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.