نظم، مساء الجمعة الماضي، بمدينة سلا، بمناسبة الذكرى 66 لانتفاضة 29 يناير 1944، حفل تكريم لأبو بكر القادري، أحد رجالات الأدب، والفكر والوطنية، ومن الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال. وقالت لطيفة العابدة، كاتبة الدولة المكلفة بالتعليم المدرسي، في كلمة بالمناسبة "إننا نحتفي بواحد من رجالات الفكر، والأدب، والسياسة، والوطنية الصادقة ببلادنا، ومناضل تربوي، جعل من التربية والتثقيف والتعليم منطلقا أساسيا لبلورة المواقف في المجالات السياسية والاجتماعية، وغيرها". وأبرزت العابدة أن القادري اتسم، رفقة "باقي الوطنيين الصادقين بروحه النضالية، وبالوفاء للمبادئ، وبالإصرار على بلوغ الأهداف، بالعمل من داخل رحم الحركة الوطنية ومن خلال أنشطة المقاومة، وخاض معركة المطالبة بالاستقلال، مسلحا بالتصور التنويري لدور التربية في بناء مغرب المستقبل، فكان لهؤلاء الوطنيين الفضل في زرع بذور مدرسة مغربية واعية بأدوارها الوطنية، تملك القوة المحركة لرهان الاستقلال والتقدم". وأكدت الوزيرة أن "المجاهد القادري بوأ العمل التربوي مكانة بارزة في سلم جهاده اليومي والمضني، فتآخت في أعماله السياسية والتربية، في تلاقح مثمر، وامتزجت في شخصه تلك التركيبة الساحرة بين السياسي والمربي، في تلازم وتوادد عميقين". واستحضرت اهتمام الرجل بمجال التربية والتعليم بشكل مبكر، إذ اشتغل بالتعليم، تعبيرا عن حاجة المجتمع إلى أداة فعالة للتحرر والنهوض والتنوير، فأسس مدرسة النهضة بسلا، التي كانت قلعة تجاوبت بين أحضانها أجيال من مختلف المشارب السياسية، والفئات والطبقات الاجتماعية. كما استحضرت حرصه على التفكير في إحداث الباكالوريا الأولى والثانية في شعبة الفلسفة. من جهته، تطرق مصطفى الكثيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وجيش التحرير، إلى المسار المهني والتعليمي والسياسي للقادري، مؤكدا أنه "رمز مشع، وقطب لامع، كرس حياته لراية الوطن، وخدمة الأجيال، وتأهيلها للانخراط الواعي والفعال في ملاحم العزة والكرامة، إذ انخرط في العمل الوطني وهو ابن السادسة عشرة، وتعرض للسجن مرات عدة، وظل يشتغل في التعليم، بعد حصول المغرب على الاستقلال، إضافة إلى تقلد مناصب ومهام سياسية وتربوية وإدارية"، مذكرا بإسهاماته الفكرية والثقافية، وإصداراته القيمة والغزيرة، مع الإشارة إلى اهتمامه بميدان الصحافة والإعلام، عبر تأسيسه مجلتي "الإيمان"، و"الرسالة الأسبوعية". وأشار المندوب السامي إلى أن القادري "حظي، دوما، بكل مظاهر الإجلال والإكبار، ونال وسمة رفيعة عدة، وكان وطيد الصلة بقطاع المقاومة والتحرير، ومساهما في إغناء الرصيد الفكري التدويني والتوثيقي لفصول ملحمة الاستقلال، ومبادرا لصيانة الذاكرة التاريخية، وإشاعة قيمها الوطنية الخالصة، خصوصا في صفوف الناشئة، ورواد الفضاءات التربوية، والمؤسسات التعليمية، ترسيخا لقيم الوطنية الصادقة". وجرى، على هامش هذا اللقاء، توقيع اتفاقية تعاون وشراكة بين نيابة وزارة التربية الوطنية، والمندوبية الإقليمية للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بسلا، في مجال صيانة الذاكرة الوطنية، وإشاعة ثقافة الوطنية، وقيم المواطنة في أوساط الناشئة والأجيال الصاعدة. وشهد اللقاء، الذي حضره محمد الناصري، وزير العدل، والعلمي الزبيدي، عامل عمالة سلا وعدد من الشخصيات الفكرية الثقافية والمنتخبين وفعاليات المجتمع المدني، تقديم هدايا رمزية للمحتفى بهم. ولد أبو بكر القادري سنة 1914 بسلا، وتابع دراسته الأولية بمدرسة حرة، على يد كبار العلماء بالمدينة، وتعاطى مهنة التعليم، وفتح مدرسة حرة سنة 1933 بسلا، "النهضة الإسلامية"، التي كانت تعتبر مؤسسة رائدة في للتعليم الإسلامي في فترة الحماية الفرنسية، وظلت تؤدي مهمتها تحت إدارة القادري لمدة 48 سنة، وتخلى عنها للدولة، وما زالت قائمة إلى اليوم.