صدرت الترجمة العربية لكتاب » التهديد الإ سلامي خرافة أم حقيقة ؟« لجون ل.إسبوزيتو، عن دارالشروق في طبعة ثالثة. أنجزالترجمة د. قاسم عبده قاسم . والمؤلف- كما يخبرنا الناشر- من العارفين بتاريخ الإ سلام والمسلمين ، ومن أصحاب الخبرة العميقة بحركات الإسلام السياسي المعاصرة في العالم . وهو يتناول في هذا الكتاب هذه القضايا بشكل متكامل يجمع بين العرض التاريخي ، والمسح الجغرافي ، والتحليل الهيكلي لمعظم الحركات والمنظمات الإ سلامية في الشرق والغرب وفي الشمال والجنوب . ويناقش محاولات الإ صلاحيين والتجديديين . ويبدو أن مقدمة المترجم لهذا الكتاب وافية ببيان أ غراضه، وتوضيح منهج مؤ لفه ونظرته إلى الموضوع الذي بحثه في ستة فصول . الأزمة في تا ريخ المسلمين قال المترجم في بداية تقديمه » كأنما خرج الإسلام فجأة من غياهب المجهول ليعلن عن وجوده . وكأنما لم يكن الإسلام دينا وثقافة ونظاما للقيم والأخلاق عاش على مدى أكثر من ألف وأربعمائة سنة بحساب البشر . وكأنما كانت القشرة الغربية التي فرضتها سنوات الا ستعمار والتبعية هي الأصل ... إن الأمر المثير في قضية الإسلام ، هو أن المجتمعات المأزومة والتي تعاني صعوبات حاضرها ، ولا تثق في أن حاضرها يمكنه أن يقودها إلى غد تطمئن إليه ، تبدأ في البحث عن مخرج من الأزمة ، ويدفعها البحث بطريقة شبه غريزية - إلى الإ مساك بهويتها وإرساء جذورثقافتها، وإلى فحص تراثها. هذا درس التاريخ، يصدق على كل الأمم والحضارات. فلماذا يكون المسلمون استثناء ؟ إن عمر الأزمة في تاريخ المسلمين يبدأ مع حركة الا ستعمارالأوروبي في القرن التاسع عشر. صحيح أن قوة الدفع في الحضارة الإ سلامية قد خبت مع بدايات القرن العاشر الهجري/ السادس عشرالميلادي ، ولكن الدولة العثمانية حافظت على بلاد المسلمين عسكريا دون أن تستطيع فعل شئ لإعادة بعث الحضارة العربية الإسلامية ولكن الا ستعمار الأوربي لم يكن مجرد احتلال للأرض، وإنما تدخل بشكل واضح في مسألتين جوهريتين هما التعليم والقضاء. أي أن الا ستعمار استهدف قيمتين من أهم قيم المجتمع، العلم والعدل . وبدعوى الإصلاح تم تجريد التعليم من أساسه، أي تعليم الدين واللغة . وينبغي أن نلاحظ هنا أنه حينما فعل الا ستعمار هذا في البلاد الإسلامية ، كان تلاميذ المدارس في الغرب الأوربي يدرسون الكتاب المقدس واللغة اللا تينية واللغة اليونانية إلي جانب تراث أوربا الكلاسيكي . وبدعوى الأصلاح أيضا تم فصل النظام القضائي عن أسسه الشرعية التي تستهدي الشريعة وفرضت نظم ومفاهيم قانونية مستعارة من النظم القانونية الأوربية . ومرة أخرى ، ينبغي أن نلا حظ أن البلاد الأوربية المختلفة حافظت على نظم قانونية مختلفة استمد تها من تراث القانون الروماني ، أوتراث الأعراف القانونية الجرمانية في العصورالو سطى أومن كليهما . كان ماحدث في مجال التعليم والقضاء هو الأخطر بيد أنه كان هو الأقل ظهورا ووضوحا . أما ما حدث في المجال السياسي والا جتماعي والثقافي فكان الأعلى صوتا من ناحية ، والأكثر تعبيرا عن الأزمة من ناحية أخرى. وكان طبيعيا أن تظهر في كل مجتمع ابتلي بالا ستعمار طبقة تسعى لكسب رضاء السادة الجدد عن طريق تقليد أسلوب حياتهم ، وتبني المفاهيم والمثل الغربية . وشاعت أنماط الملابس والسلوك واللغة في هذه الأوساط على حين بقيت أغلبية »الأهالي« على حالهم . وتم الربط التعسفي بين التمدن واتخاذ النمط الغربي نمطا مرجعيا في كل شئ. وكان طبيعيا أيضا أن يتم التركيز في فترة الا ستعمار على النضال السياسي لتحقيق الا ستقلا ل الوطني ، وكان طبيعيا أيضا أن تدخل عناصر الهوية - متمثلة في الإسلام وفي العروبة - مكونا من مكونات الهوية وأدوات الصراع ضد الا ستعمار . كما كان طبيعيا من ناحية أخرى، أن يتخذ البعض من نما ذج الفكر والعمل السياسي الغربي وسائل للنضال ضد الا ستعمار. وكان لا بد للتطور التاريخي أن يصل إلى مداه ، وأن يكتشف الناس أن أساليب السياسة الغربية لا يمكن تطبيقها ببساطة ، أو نقلها وزرعها ، في العالم العربي أو العالم المسلم . ولأن الدول المسلمة التي نالت استقلالها السياسي عن الغرب فشلت في تحقيق استقلالها الا قتصادي بل والثقافي والتعليمي ، فإن حكومات المسلمين قد أظهرت عجزا فا د حا عن تحقيق وعودها للجماهير، بل إن معظمها تحولت إلى أدوات للقهر والظلم ضد شعوبها على حين أبدت خنوعا متزايدا أمام الغرب . وكانت نكبة فلسطين بفصولها التي اكتملت سنة ألف وتسعمائة وثمان وأربعين ، خير دليل على عجز الحكومات المسلمة . « » ومرة أخرى برز سؤال الهوية بشدة وإلحاح ، وكانت النتيجة هذه المرة مزيدا من التحول نحو الإسلام ،،، « » ومع تقلبات السياسة على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي ، حدثت مواجهات ومصادمات مع » الإ سلا ميين « هنا وهناك ، وتقلبت سياسة الغرب والحكومات والقوى السياسية المحلية ما بين الا ستغلا ل ومحاولة الا نتفاع بتيار »الإسلام السياسي « لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية أو اقتصادية ، وما بين التخويف والقتال ضد » الغول « الجديد الذي يهدد بأن يلتهم الديمقراطية والتمدين والحضارة الغربية . ومن عجب أن الذين حاولوا الا ستغلال والا نتفاع ، كانوا هم أنفسهم الذين تنادوا إلى القتال والا ستعداد لمواجهة الخطر الداهم .« الصراع تناول المؤلف في هذا الكتاب عدة قضايا مهمة عن الإسلام المعاصر . وناقش محاولات الإ صلاحيين والتجديديين لإعادة تفسيرالمبادئ الأساسية في الإسلام بحيث تقدم حلولا جديدة وعصرية للمشكلات التي يواجهها المسلمون في العصرالحديث . وهو في هذا الصدد يمر سريعا على حركات الإ صلاح بداية من الوهابية والسنوسية والمهدية حتى جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا ، ويحاول رصد جغرافية هذه الحركات من شبه الجزيرة الهندية حتى بلاد المغرب العربي. ثم يعرض بعد ذلك للإ طار التاريخي في العلاقة بين العالم المسلم والغرب الأوربي الكاثوليكي ، مبينا كيف أن الجوار الجغرافي بين المنطقة العربية - قلب العالم المسلم - وأوربا المسيحية كان سببا في الصراع ، كما كان مبررا للتعاون والا عتماد المتبادل طوال ثلا ثة عشر قرنا من الزمان أو يزيد . ينتقل المؤلف بعدها إلى رصد ما حدث بعد الثورة الصناعية في أوربا ، وما تلا ها من الرغبة في السيطرة على مناطق المواد الخام والأسواق وطرق التجارة العالمية وكلها داخل نطاق العالم القديم الذي يمثل العالم المسلم الشطر الأكبر منه . لقد نجحت أوربا في السيطرة الإمبريالية على العالم الإسلامي ، وكان طبيعيا أن تتمثل ردود الفعل في حركات التحرير الوطنية التي كان الإ سلام أهم مكوناتها . ثم يتناول المؤلف بشكل تفصيلي ، وبكثير من الدقة والموضوعية ، المنظمات الإ سلامية ، ويختتم كتابه بمناقشة قضية مهمة وهي هل العلاقة بين الإ سلام والغرب تدخل بالضرورة في إطار صدام الحضارات ؟ أم أ نه يمكن أن تقوم العلاقة بينهما على أ ساس من الفهم والا عتماد المتبادل ؟ يناقش المؤلف في سياق كتابه كله فكرة روج لها الغرب ، حكومات وأجهزة الإعلام ، وهذه الفكرة هي » الخطر الإ سلامي « خرافة أ م حقيقة ؟ وهو يؤ كد أن التفكير النمطي الا تباعي ، والركون إلى الأ نماط الفكرية الجاهزة أو المعلبة ، بدافع من الا ستسهال وعدم الرغبة في التعب والا جتهاد ، يكمن وراء خرافة » التهديد الإ سلامي « بديلا عن »التهديد الشيوعي «السابق ويقدم المؤ لف »وصفة « جيدة لصناع السياسة في الغرب ، وفي الولا يات المتحدة على نحو خاص ، للحفاظ على مصالحهم في العالم المسلم من خلال التمييز بين »المتطرفين « و«الإرهابيين « من ناحية ، وبين المنظمات الإ سلامية التي تسعى من خلال النظام السياسي وأ د واته لتحقيق وجودها السياسي من ناحية أ خرى. لكن ما يستلفت النظر في هذا الكتاب ، وهو ما يقف المؤلف ضده ويحاول تصحيحه ، هو تلك النظرة الغربية التي ترى أن كل ما يخالف الغرب في رؤاه وأ ساليبه ونظامه القيمي والأ خلاقي متخلف و»خطير« بالضرورة . هل ينبغي أن تكون الحضارة الغربية هي الحضارة المرجعية للعالم ؟ وهل يجب أن تكون الأفكار السياسية التي أفرزها تاريخ طويل من الصراع بين الكنيسة والدولة في أ وربا الكاثوليكية ،ثم صراع آخر مرير بين ملوك الحق الإلهي المقدس والقوى البورجوازية ثم الشعبية ، فرضا واجبا على كل مجتمع يريد لنفسه نظاما يدير به شؤونه وينظم العلاقات بين القوى السياسية الفاعلة فيه ؟ وهل يصح أن تكون المصالح الغربية - وهي أ طماع في حقيقة الأمر -خصما من حساب شعوب العالم العربي والإ سلامي ؟ وهل يكون انحياز الغرب ضد المسلمين ولصالح القوى الأ خرى-خاصة إسرا ئيل- نوعا من القدر الذي يجب أن نرضى به ؟ وينبه المؤلف إلى أن كتابه يناقش حيوية الإ سلام باعتباره قوة عالمية وتاريخ علاقاته مع الغرب. ودراسات الحالة من البلاد الإ سلامية والحركات الإ سلامية تكشف عن تباين في الجغرافيا ، والسياسة ، والتوجهات الإ يديولوجية والتنظيمية ، والتكتيك ، والسياسة الخارجية للنهضة الإ سلامية . ويتطرق لمناقشة الرؤية العالمية للإ حياء الإسلامي ، ويرى أن هناك اعتقادا بأن العالم الإ سلامي يعيش في حال من الا ضمحلا ل . وسبب هذا الا ضمحلا ل هو البعد عن الطريق المستقيم للإ سلام . والدواء هو العودة إلى هذا الدين الخا تم في الحياة الشخصية وفي الحياة العامة التي سوف تكفل إعادة الهوية والقيم والقوة الإ سلامية . فالإسلام هو طريق كلي وشامل للحياة كما فصله القران والسنة ، ويتمثل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وطبيعة دولة الجماعة الإ سلامية الأولى، ويتجسد في الطبيعة الشاملة للشريعة . ومن ثم فإن إعادة الحيوية للحكومات والمجتمعات الإ سلامية تستدعي إعادة تطبيق الشريعة الإ سلامية التي هي الأساس في بناء دولة ومجتمع يهديه الإسلام ويقوم على العدالة الا جتماعية . ويقول المؤلف » إن حوادث الشجارالسلبية في التاريخ المسيحي - الإ سلامي قد انعكست على صورة الإ سلام التي تبرز من ثنايا الأدب والفكر الغربي . وعلى الرغم من أنه كانت هناك لحظات من الا تصال ، والمعرفة المتبادلة ، والتبادل البناء، فإن التوسع الإ سلامي في أوربا عموما ، بداية من الفتوحات العربية مرورا بالحروب الصليبية والإ مبراطورية العثمانية ، أنتج عدم الثقة والقطيعة مع الإ سلام ، الذي كانت النظرة الأ ساسية إليه تراه خطرا يتهدد العالم المسيحي . هذا التراث ، كما لا حظ ألبرت حوراني » ما يزال هو في الحاضر وعي أوربا الغربية ، وما يزال مصدر خوف ، وما يزال محل سوء الفهم بصفة عامة « إذ إن الخوف والا زدراء الذي تزاوج مع المركزية العرقية الأوربية ، قد أنتج صورة مشوشة للإ سلام والمسلمين وحرم العلماء من الدراسة الجادة لإ سهامات الإ سلا م في الفكر الغربي «.