أن تتصادف وكتب من هذا النوع في أوروبا، أسبانيا على وجه الخصوص، مثار استغراب وتساؤل لطالما ادركنا حجم الضغوط والممارسات اليهودية للحيلولة دون صدور كتب تمس "هيكل الوجود اليهودي في العالم"، والذي بالتالي سيدخل ضمن اعتبار المساس بالسامية اليهودية، أي العداء للسامية التي يتبجح بها يهود أوروبا والعالم ازاء أية قضية تطرح بصراحة وبصورة مكشوفة علاقات السيطرة اليهودية على العالم من خلال نفوذها الواسع والمهيمن على اقتصاد وسياسات الكرة الأرضية. ولكن المفاجأة ان تتحول بعد حين عندما تنتهي من قراءة الكتاب والتمعن بمحتوياته لتكتشف بأن العنوان ليس له علاقة بالمحتوى، اذ انه يهتم بالترويج الاعلامي لمسألة معاكسة لما يعرف علنا. لان ما يمكن ان تعتقده بأن فاتحة كتابية اولى في اسبانيا بهذه المسألة الخطيرة والمؤذية للعالم الاسباني اليوم، وهي مسألة النفوذ اليهودي في اسبانيا والدول الناطقة بالاسبانية، يصبح بشكل صريح ودون مواربة من قبل المؤلف او دار النشر ليصب في الترويج لليهودية واعادة التأكيد على الوجه الناصع للشخصية اليهودية ودورها (المهم والكبير!) +الغرض الصريح للكتاب؛ في بناء تاريخ اسبانيا المعاصر. مؤلف الكتاب، وهو صحافي وباحث كولومبي يقيم في اسبانيا وله كتب حول دور الكنيسة الكاثوليكية في اوروبا وشارك بتأليف برامج تلفزيون وسيناريوهات سينمائية، وهو على هذا ليس بالمتخصص في الموضوعية اليهودية، ولكن اخراج كتاب بهذا التوسع وتقسيم الفصول كما سنرى فيما بعد لن يحتاج لجهد كبير لطالما كان اغلب اعتماده في كتابة مادة الكتاب ترجع لكتب مؤلفين يهود، وهي في اغلب الاحيان اقتباسات تصل لعشرات الصفحات دون مناقشة منه او اية استدلالات او توضيحات معينة. عنوان الكتاب بصورة كاملة هو >اللوبي اليهودي< (سلطة واساطير يهود اسبانيا المعاصرين)، ومن العنوان الثانوي سنعتقد بأن المؤلف سيعيد خلق تاريخ السفارديم اليهود الذين اخرجوا من اسبانيا الاندلس على ايدي الملوك الكاثوليك بعد انتهاء حكم العرب المسلمين في شبه الجزيرة ولكن الحال يختلط بدراية واضحة من مؤلف الكتاب حتى تصبح عملية بناء تاريخ اسبانيا المعاصرة والمنطقة مبني على متوالية لا حياد عنها لا تشير بالادانة والترويج لذلك التاريخ غير الواضح او غير الجدير بالأهمية (هذا اذا قورن بانجازات ثمانية قرون من تاريخ مسلمي الاندلس كمثل لا غبار عليه)، بل سيصبح هو بعينه مسرح توسع وحديث المؤلف على مدى 430 صفحة كاملة تضمنتها وثائق وصور واشارات صحفية مختلفة. في التقديم والفصل الأول المطولين عبارة عن قراءة عبر اكثر من عشرة قرون لتاريخ اليهود السفارديم (اسم يطلق على يهود شبه الجزيرة الايبيرية)، وفيها اضافة الى العودة لبناء تاريخ مرحلة اخراج مسلمي الاندلس بأمر من سلطات محاكم التفتيش المعروفة، فانه يخلط عن قصد واضح سارقا العديد من شواهد تاريخ المسلمين المعروف ليضعه كمقابل لتاريخ يهود اسبانيا، متخذا من ذريعة التصالح وامتزاج اليهود بحرية في ازمنة الاندلس الاسلامية، ليناقش الأسس على اعتبار أنها من تراث وتاريخ اليهود أنفسهم، ناسيا ان التراث برمته عربي اسلامي حتى ان اغلبية النماذج الساطعة من ثقافة وتراث اليهود جاءت نتيجة لذلك التمازج مع مسلمي الاندلس اضافة الى ان مثالاً بسيطاً يوضح ذلك بأن جل نتاجات يهود اسبانيا جاء باللغة العربية ومبنيا على مسلمات تاريخية وثقافية عربية اسلامية، وهذه الآراء وغيرها جاءت بدراسات يهودية واخرى في دراسات الاستعراب الاسباني نفسه، كما ان تأكيد المجد لأقلية صغيرة ضمن فئة كبيرة صاحبة تاريخ مشرق برأي الغربيين انفسهم يعد تجاوزا على وقائع تاريخية ومسلمات معروفة مسبقا، ولكن طالما كان الحال هو التأكيد المتناقض دون أية ادلة فالكتابة تستمر دون رادع، على هذا يمر المؤلف بتاريخ مطول من انجازات ومشاركات السفارديم في بناء تاريخ وثقافة المنطقة في شتى مجالاتها ويستشهد بذلك على اسماء ونماذج حقيقية ولكنها ليست بذلك التأثير. وللأمانة اشير إلى ان المؤلف لا يقول شيئا مستحدثا، اذ ان وضع الثقافة اليهودية بنفس مرتبة الثقافة الاسلامية والكاثوليكية لاسبانيا اصبحت عملية مسلماً بها ولا يحيد عنها حتى الكتاب الموضوعين المنصفين، وهذا ببساطة ما يمثل تأثير اللوبي اليهودي على تفصيل التاريخ بما يرغبون. في الفصول التالية يصل المؤلف بشكل مباشر حتى القرن العشرين، وبالذات فترات ما بعد الحرب الأهلية الاسبانية وحكم فرانكو، ويتناول بالتفصيل اهم رموز ومؤسسات اليهود العلنية والسرية في ظل حكومة فرانكو آنذاك، مع اسقاطات واضحة تماما لعلاقة فرانكو بهتلر والنازية والمؤشرات العديدة لتعاون فرانكو مع المانيا بسد الطريق على اليهود لمنع محاولاتهم الهروب من المانيا النازية عن طريق اسبانيا ومن ثم اميركا، وهو يحدد مدى مشاركة احد مساعدي فرانكو المدعو جنرال بلانكو بمطاردة اليهود وهو المعروف عنه الكره الشديد لهم والتنكيل بهم وارجاع العديد منهم إلى المانيا. كما ان الحديث عن (ذهب النازية) المنتزع من يهود المانيا اصبح بحكم المؤكد تهريبه عن طريق حكومة فرانكو كوسيط في حسابات سرية في بنوك سويسرية. ولكن المؤلف بشكل غريب وغير مبرر منه مثل اشياء عديدة يجمع بأدلة قاطعة على ان جذور عائلة فرانكو نفسه من اصول يهودية، ويؤكدها رئيس حاخامات اسبانيا بشكل قاطع، مما يشكك بمعلوماته السابقة او يجعلها غير ذات اهمية او مرتبكة، ولكنه للطفر على هذه النقاط وغيرها، يؤكد بأن يهود اسبانيا السفارديم قد بدأوا بتشكيل قوة نافذة في المجتمع الاسباني قد تمت في منتصف الخمسينيات بتسامح من قيادات حكومة فرانكو، وكان ان بدأت اولى موجات النزوح اليهودي عبر طريقين هامين هما: الارجنتين والمغرب، لما يعرف عن هذين البلدين بأكبر تجمعات اليهود السفارديم فيهما منذ وقت طويل حتى اليوم. من ذلك الوقت بدأت الجالية اليهودية باعادة نشاطاتها عبر فتح اول معبد يهودي في مدريد لتليه معابد اخرى اهمها في مدينتي طليطلة وبرشلونة. تبدأ القائمة من اول رئيس للجمعية اليهودية المسمى ماكس مازن صاحب العلاقات المريبة بوزارات حكومة فرانكو وكذلك صداقاته لابرز رجال الاعمال والصحافة في اسبانيا، وكذلك ما سيعرف عنه لاحقا بكونه عميلا للموساد. المؤلف في فصول تالية يبدأ بسرد تفاصيل رجال اقتصاد يهود ودورهم في تمتين عودة اليهود وعلاقاتهم مع اصحاب النفوذ في اسبانيا واميركا اللاتينية، وهو يمر بأسماء اصحاب بنوك وتجار لوحات فنية واصحاب شركات عملاقة ومتعددة الجنسيات، وليعطي مثلا بارزا بذلك يتخذ من مدينة برشلونة مسرحا تحليليا للبحث عن جذور اليهود السفارديم فيها، ومن مثلين بسيطين نذكرهما هنا سنكتشف مدى تغلغل الجالية في كل شئون المجتمع البرشلوني وهو ينطبق تماما على العاصمة و مدن اخرى مثل طليطلة وسبتة ومليلة وجزر الكناري التي تعد مراكزهم المهمة: الأول هو ان زعيم القوميين الكاتلونيين سينشئ اول بنك وطني في المدينة بشراكة صديقه رئيس الجالية اليهودية في الخمسينيات من القرن العشرين، وهو نفس البنك الذي يعد اليوم من بين اكبر ثلاث بنوك، ليس في المدينة او اسبانيا، بل في منطقة دول المجموعة الأوروبية، والمثال الثاني ان زعيم كاتلونيا الحالي بوجول، الحاكم للمقاطعة منذ اكثر من عشرين عاما وحتى هذه اللحظة، يعد الصديق الشخصي المقرب ورئيس شرف الجمعية اليهودية وسبق ان أرسل أولاده الى اسرائيل للمشاركة في (الكيبوتز) لفترة طويلة. ان قائمة مؤلف هذا الكتاب طويلة لأنه سيكون مضطرا للدخول في السياسة المعاصرة. العودة الآن لعام 1992 القريب، وهو العام الذي احتفلت فيه اسبانيا بمرور خمسة قرون على اكتشاف كولومبس لأميركا، ولكنه العام نفسه لطرد العرب الاندلسيين من اسبانيا بأمر من محاكم التفتيش، ولكن كل ذلك سيكون له تأثير وحيد في نفس الحكومة الديمقراطية الاسبانية بعد التخلص من فرانكو وعودة الحياة الى طبيعتها في اسبانيا المعاصرة. بهذا التاريخ سيعلن ملك اسبانيا الاعتذار لليهود السفارديم المطرودين من اسبانيا ويعيد لهم الاعتبار بمنح الجنسية لكل من يرغب بذلك دون تدقيق او معرفة حقيقة أصولهم، متناسين الاعتذار للاصل في الطرد والتشريد والقتل واعني بهم بالطبع مسلمي الاندلس، وهو ما ستتغافل عنه السلطات الاسبانية حتى اللحظة. في ظل الديمقراطية الاسبانية سيزداد النفوذ اليهودي بشكل حاسم ودورهم في مجالات الفنون والسينما والسيطرة على وسائل الاعلام سيكون بشكل كبير وملموس، ولكن المؤلف لا يعطي اهمية لذلك رغم انه يؤكد عليها، لانه ببساطة يعقد مقارنة لا يمكن الاخذ بها اطلاقا، وهو مدى نفوذ يهود أميركا وسيطرتهم هناك وهو ما لا يمكن الكتابة فيه لأن نسبة يهود أسبانيا (يقدرون ب 40 الف نسمة) ازاء عدد السكان يعد قليلا امام يهود أميركا بصورة عامة. ولكن اعمال يهود اسبانيا وفضائحهم وتدخلاتهم دخلت في كل المجالات واخرها الرياضية، ولذكر بعض اسماء من يتصدرون الاخبار مثل: عائلة كوبلوتس وتجارة اللوحات الفنية وامتلاك اكبر شركات المقاولات في البلد، باسات، تاجر برشلونة الاكبر والسيطرة على اكبر نوادي الرياضة فيها، جازيت وسيطرة الانترنت والاتصالات وغيرهم دون ذكر اصدقائهم من سياسيين وادباء وفنانين ابتداء بالملك مرورا برئيس الدولة وادباء معروفين مثل خوسيه ثيلا وآخرين، ولعل ذكر اسم (موخيكا) كمثل لنفوذهم الحالي، اذ يتبوأ هذا الرجل منصب (محامي الشعب) وهذا السياسي اليهودي الذي تقلب بين الشيوعية والحزب الاشتراكي ليصل الى وفاق مع حكومة اليمين، يذكر في مقابلة اخيرة معه، متذكرا خصوماته السياسية وقناعاته، اذ يقول: +الشيء المؤكد الوحيد انني انتمي وحسب لاحدى قبائل بني اسرائيل الاثنتي عشرة؛ المؤلف في فصل مخصص ليهود أميركا اللاتينية سيعرج على نماذج ديكتاتوريات المنطقة وبالذات في الارجنتين وبيرو وتشيلي وكوبا، مؤشرا لأسماء ووقائع، نضيف لها دورهم في التصفيات وأداء ادوار الوسطاء في كل حروب المنطقة، ولعل ما كشف مؤخرا عن تهريب الآلاف من اطفال الارجنتين والاكوادور الى اسرائيل ما يدخل في الحسابات المعروفة والتي لم تكشف بعد. في الصفحات الأخيرة للكتاب سيركز المؤلف على مسألة النازية الجديدة والعداء لليهود في اسبانيا، متخذا بشكل عام صورة اليهودي في وسائل الاعلام والادب والسينما والتلفزة وسياسة الدولة، كما يمر على تشكيلات اليمين المتطرف بوصفها خلايا العداء الجديد للسامية واليهود، متناسيا ان اغلب المتضررين منها هم المهاجرون والاجانب وجلهم من العرب والمسلمين. ما نذكره اخيرا ان المؤلف يضع ملحقا خاصا في نهاية الكتاب ليذكر الاسبان بمن يشك بأصوله (يهودية أم لا) بالعودة لجدول الالقاب، وهي على طرافتها وقلة موثوقيتها بالطبع، الا ان ما يثير في المسألة بأن المؤلف قد وضع ولأكثر من نصف قائمة الالقاب اسماء عربية ومسلمة مشيرا لها بكونها يهودية، ولكن كيف يمكن تمرير أسماء والقاب مثل >علي، حمزة، ابو القاسم< وغيرها الكثير بكونها يهودية!.. ولكن طالما كان البدء من نقطة ملفقة فان البحث بعد ذلك عن تبريرات لا يهم، وهو ما يؤكد عليه مؤلف الكتاب بصورة لا تقبل الشك مطلقا. عبدالهادي سعدون EL LOBBY JUDIO ALFONSO TORRES ESFERA DE LOS LIBROS MADRID 2002 P. 430 تأليف: ألفونسو توريس الناشر: أسفيرا دليبروس مدريد 2002 الصفحات: 430 صفحة من القطع الكبير جريدة البيان الإماراتية الأثنين 24 ذوالقعدة 1423ه - 27 يناير2003 -العدد 247