درس كبير ومهم ذلك الذي تضمنه الخطاب الملكي السامي يوم أول أمس الأحد بمراكش والذي أعلن فيه جلالة الملك عن تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية كورش هيكلي كبير وتحول نوعي رائد في أنماط الحكامة الترابية ومبادرة طموحة لإصلاح مؤسسي عميق. أهم مضامين هذا الدرس نجده في التعريف الثوري الذي حدده جلالة الملك لمفهوم الجهوية الموسعة.. فهي حسب هذا التعريف السامي «ليست مجرد إجراء تقني أو إداري، بل توجها حاسما لتطوير وتحديث هياكل الدولة والنهوض بالتنمية المندمجة مع إشراك كل القوى الحية للأمة في بلورته.» وحرص جلالة الملك على انطلاقة هذا الورش الهيكلي الكبير بتنصيب اللجنة الاستشارية الجهوية التي روعي في تشكيلها صفات الغيرة الوطنية على المصلحة العامة وتنوع المشارب وتكامل الاختصاصات والخبرة الواسعة بالشأن العام وبالخصوصيات المحلية للبلد، ودعا جلالته هذه اللجنة إلى الإصغاء والتشاور مع الهيئات والفعاليات المعنية والمؤهلة حسب ما تمليه المقاربة التشاركية المعتمدة في كل الاصلاحات الكبرى.. وسيكون من مهام هذه اللجنة إعداد تصور عام لنموذج وطني لجهوية متقدمة تشمل كل جهات المملكة.. وحدد جلالته نهاية شهر يونيو القادم كأجل تقدم فيه اللجنة تصورها هذا. أهم من ذلك أنه سيكون على اللجنة حسب تأكيد جلالة الملك أن تجتهد في ايجاد نموذج مغربي مغربي للجهوية نابع من خصوصيات البلاد، وعلى رأسها كون الملكية المغربية تعد من أعرق الملكيات في العالم. وإضافة إلى المرتكزات الأربعة التي حددها جلالة الملك ليقوم عليها هذا التصور الجديد للجهوية وهي: التشبث بمقدسات الأمة وثوابتها في وحدة الدولة والوطن والتراب ، الالتزام بالتضامن، اعتماد التناسق والتوازن وانتهاج اللاتمركز الواسع فإن الهدف المتوخى من هذا الورش ينحصر في إيجاد جهات قائمة الذات وقابلة للاستمرار ثم انبثاق مجالس ديمقراطية لا مجال فيها للأبعاد الصورية والبروقراطية. ويأتي في صلب الأهداف الأساسية لهذا الورش المهم باعتباره خيارا استراتيجيا ينسف مطامح أعداء الوحد الترابية الجزائر وتابعتها البوليساريو خاصة بعد المبادرة المغربية المتمثلة في مشروع الحكم الذاتي في الصحراء المغربية الذي يلقى دعما دوليا قويا.. ويأتي ورش الجهوية الموسعة هذا ليدفع بهذه المبادرة إلى مستوى خيار استراتيجي كل جهات ومناطق المملكة «ضمن جهوية متقدمة سنتولى تفعيلها بإرادة سيادية وطنية». إنه تحدّ جديد يرفعه المغرب اليوم بقيادة جلالة الملك.. وهو يتطلب طبعا تعبئة قوية من طرف الجميع طالما أنه يأتي لتعزيز المسار الديمقراطي وصيانة الوحدة الترابية.