أصدرت مجموعة "بريد المغرب" مؤخرا طابعاً بريديا يحمل صورة منارة رأس الناظور "فارونا" بمدينة العرائش، وذلك احتفاء بهذه المعلمة التاريخية التي كانت ولا تزال مصدر إلهام للعديد من الفنانين المغاربة والأجانب. ويأتي هذا الإصدار بالتزامن مع قرار وزير الشباب والثقافة والتواصل في 2 يناير 2024، الذي قضى بإدراج المنارة البحرية لرأس الناظور ضمن الآثار الوطنية التي يجب المحافظة عليها، استجابة لطلب التقييد المقدم في هذا الشأن.
وتضمن التعريف المقتضب الذي رافق الإصدار وصفا للمنارة، باعتبارها "منارة لتوجيه الرسو، والتي دخلت في الخدمة منذ سنة 1929. بارتفاع 50 مترا عن سطح الأرض وبمدى ضوئي يبلغ 26 ميلا بحريا، كما توفر هذه المنارة إطلالة بانورامية على المنطقة ومصدر إلهام للفنانين.
وكتب الباحث محمد عزلي، ابن مدينة العرائش، منذ سنوات (2019) عن أهمية التسويق للمدينة وطنيا ودوليا باستثمار منارة رأس الناظور. وفي دراسته، وصف منارة رأس الناظوربالعرائش بأنها "صرح معماري متميز، وشاهد عيان على مرحلة الطفرة والانطلاق إلى مصاف الحواضر العالمية". وقد بُنيت المنارة من قبل الإدارة العامة للأشغال العمومية الإسبانية سنة 1914 بميزانية أولية قدرها 208 ألف و290 بسيطة إسبانية، وكانت بديلا للمنارة البدائية القديمة التي وجدت في نفس الموقع منذ سنة 1882 في عهد السلطان العلوي مولاي الحسن الأول. وقد مرت عملية البناء عبر ثلاث مراحل خلال سنوات 1914، 1919، و1929، وهي السنة التي أخذت فيها المنارة شكلها الحالي ودخلت حيز العمل.
أما عن مهندس المنارة، فقد أوضح عزلي أن الأخيرة شُيدت على يد المهندس "خوسي إوخينيو ريبيرا دوتاست"، من مواليد باريس (1864-1936)، وهو واحد من الباحثين الأوائل في الخرسانة المسلحة بإسبانيا وأحد أفضل مهندسي الأشغال العمومية الكبرى في التاريخ الإسباني المعاصر. وقد هاجر في شبابه مع عائلته إلى البرتغال لأسباب اقتصادية وإيديولوجية، وهناك التقى بأعظم مهندسي العالم آنذاك من خلال مشروع السكك الحديدية البرتغالية. ثم عاد ليستقر بإسبانيا حيث أسس شركة الإنشاءات الهيدروليكية المدنية، مما أتاح له التعمق في الدراسات المتعلقة بالخرسانة المسلحة. وجاب منشئ المنارة أوروبا وأمريكا وإفريقيا ليفيد ويستفيد في مجال هندسة الصلب والخرسانة والهياكل المعدنية للجسور، حيث كانت له أبحاث ونظريات في علاج أو تخفيف الأكسدة، مما أدى إلى تعديلات شاملة في التطبيقات الخرسانية التي شملت الإنشاءات الهندسية عالمياً خلال القرن العشرين. وأكمل خوسي إوخينيو مسيرته المهنية كمدير وأستاذ في تخصص بناء الجسور والخرسانة المسلحة بالمدرسة الإسبانية للطرق في مدريد، وقد نشرت العديد من أبحاثه ومقالاته في مجلة الأشغال العمومية الإسبانية.
وتحظى منارة العرائش الشهيرة باسم "فارونا" عند سكانها المحليين، بموقع وترتيب مهم ضمن الكتالوغ العالمي للمنارات البحرية، وتعد نموذجا حيا لتنوع الأشكال المعمارية ذات التميز العالمي بمدينة العرائش، كما أنها لا تزال تحتفظ بكامل رونقها وعافيتها.
ويبقى مطلب استثمار هذه المعلمة، لتصبح مزارا سياحيا أو متحفا بحريا أمرا مستساغا من أجل الإنعاش السياحي والاقتصادي للمنطقة.