منارة رأس الناظوربالعرائش " El Faro de Punta Nador de Larache " صرح معماري متميز، و شاهد عيان على مرحلة الطفرة و الانطلاق إلى مصاف الحواضر العالمية، بنته الإدارة العامة للأشغال العمومية الإسبانية سنة 1914 بميزانية أولية قدرها 290208 بسيطة إسبانية، و ذلك بدل المنارة البدائية القديمة التي كانت متواجدة بنفس المكان في موقع رأس الناظور منذ سنة 1882 زمن السلطان العلوي مولاي الحسن الأول، مرت عملية البناء عبر ثلاث مراحل سنوات 1914، 1919، و 1929 الذي أخذت المنارة فيه شكلها الحالي. شيدت منارة العرائش على يد المهندس خوسي إوخينيو ريبيرا دوتاست " José Eugenio Ribera Dutaste " ، من مواليد باريس (1864-1936) واحد من الباحثين الأوائل في الخرسانة المسلحة بإسبانيا، و واحد من بين أفضل مهندسي الأشغال العمومية الكبرى في التاريخ الإسباني المعاصر، هاجر في شبابه رفقة عائلته إلى البرتغال بسبب التوجه الليبرالي لوالده، و هناك التقى بأعظم مهندسي العالم آن ذاك من خلال مشروع السكك الحديدية البرتغالية. عاد بعدها ليستقر بإسبانيا حيث أسس شركة الإنشاءات الهيدروليكية المدنية ليحترف و يتعمق أكثر في الدراسات المتعلقة بالخرسانة المسلحة، قام بجولة عبر أوروبا و أمريكا و إفريقيا ليفيد و يستفيد في هندسة الصلب و الخرسانة و الهياكل المعدنية في الجسور خاصة، حيث كانت له أبحاثه و نظرياته في علاج أو تخفيف الأكسدة، الشيء الذي تسبب في التعديلات الشاملة للتطبيقات الخراسانية في الإنشاءات الهندسية بالقرن العشرين، أكمل مسيرته المهنية كمدير و أستاذ في تخصص بناء الجسور والخرسانة المسلحة بالمدرسة الإسبانية للطرق في مدريد، و قد نشرت له العديد من أبحاثه و مقالاته بمجلة الأشغال العمومية الإسبانية.
شكل بناء هذه المنارة ثورة في هندسة المنارات على مستوى العالم آن ذاك، تطبع فيها المهندس المبدع بالعمران الإسلامي المغربي في تشييد المساجد ذات المئذنة الوحيدة، إضافة إلى أنها انفردت في عهد إنشائها بمعدات اعتبرت الأفضل و الأكثر تطورا و فعالية في عصرها. استخدمت أول مصابيحها من شعلة تعمل على الزيت، قبل أن تستقدم آليات فرنسية متطورة، شغلت في بادئ الأمر بشكل يدوي، ثم تطورت مع ظروف العصر إلى تشغيل ميكانيكي، ثم كهربائي، إلى أن أصبح تشغيلها إلكترونيا، المصباح الرئيسي للمنارة قوته 220000 وات يعمل على محول كهربائي يزوده ب 3600 فولت، إيقاعه الحركي ( ومضة على كل 27 ثانية )، يبلغ مداه 63 ميل بحري أي ما يعادل أزيد من 100 كلم، هذا و تتوفر المنارة على مصابيح احتياطية أصغر تعمل في حال تعطل المصباح الرئيسي. ترتفع المنارة بحوالي 70 م عن سطح البحر، 50 م عن سطح الأرض، طول البرج عن قاعدته 33 م يميزه وجود شرفتين، الأولى سفلية تقطع و تنهي الصومعة ذات الأضلاع الثمانية و النوافذ الثمانية أيضا البالغ طولها 20.80 م، ثم شرفة عليا حيث توجد المصابيح منهية الجزء الأعلى من الصومعة ذات الأضلاع السداسية و النوافذ الأربعة و البالغ طولها 10.40 م أي نصف طول الجزء السفلي بالضبط، و قد روعي في هندستها و مواد بناءها عنصر مقاومة الرياح القوية و العواصف و الاهتزازات الدورية. كل هذا أكسب منارة رأس الناظوربالعرائش سبقا و تميزا على قريناتها في بقية أرجاء الكوكب بشهادة المتخصصين، و هي لا تزال إلى اليوم تحظى بموقع وترتيب مهم ضمن الكاتالوغ العالمي للمنارات البحرية، إنها نموذج حي لتنوع الأشكال المعمارية ذات التميز العالمي بمدينة العرائش، كما أنها لا تزال محتفظة بكامل رونقها و عافيتها أو تكاد. لماذا إذن لا تستغل المنارة كواجهة لتسويق المدينة وطنيا و دوليا ؟ لماذا لا تصبح مزارا سياحيا ينعش حركية المدينة و بالتالي اقتصادها ؟ ألا يمكننا مثلا تحويلها إلى متحف بحري على غرار نماذج عديدة على مستوى العالم ؟