يعتبر علال الفاسي أحد أبرز شعراء عصره وأكثرهم إبداعًا، حيث كتب في مواضيع متنوعة منها الاجتماعية، وخص جزءًا كبيرًا منها للحديث عن المرأة والشباب. كانت غايته النهوض بوضعيتهم الاجتماعية والدفاع عن حقوقهم المشروعة لتحقيق الحرية والكرامة والإنصاف والمساواة وتكافؤ الفرص. وقد انطلق في ذلك من رؤية عقلانية منسجمة مع مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها. كان ما يؤرق علال الفاسي هو وضعية الفتاة المغربية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، حيث كانت محرومة من العلم والمعرفة، ترسف في أغلال الجهل والخرافة والتقاليد البالية التي يشرعها الآخر المهيمن عليها، سواء أكان أبًا أو أخًا أو عمًا أو غيرهم، دون فهم صحيح للشريعة الإسلامية التي تمنح الفتاة حق التعلم أسوة بأخيها الرجل.
لقد شغل هذا الوضع المتردي للفتاة المغربية شاعرنا كثيرًا، وما زاد في أسفه وحسرته هو مقارنتها بنساء متعلمات أخذن حقوقهن وساهمن في تنمية مجتمعاتهن. يقول علال الفاسي في إحدى قصائده:
علت النسوة في الدنيا إلى أسمى المراتب وبقينا نحن والنسوة في شر وثاق بنتنا ترسف في القيد كأفكار ذويها كيف نرجو الفوز بالأموال والآمال فيها؟
كان علال الفاسي منخرطًا بقوة في الحركة الإصلاحية التي قادها أب الأمة محمد الخامس طيب الله ثراه، وخاصة فيما يتعلق بالمسألة النسائية في جانبها المتعلق بالإعداد والتأهيل والتمكين لتنهض بدورها كاملًا في تنمية المجتمع. وقد اعتبر أن المدخل الأساسي للتمكين يتجلى في التعليم والتهذيب لتحقيق الطموحات والأماني. يقول رحمه الله:
علموا البنت ففي تعليمها سبل النجاة هذبوا البنت وأعطوها جميع الحريات
وقال أيضًا: وإذا تعلمت الفتاة فإنها تولي البلاد صنيعها المودود
وباعتبار أن الفتاة هي أم في المستقبل، ذات مسؤولية جسيمة تتمثل في إعداد الأجيال القادمة التي يعقد عليها الآمال لخدمة المجتمع وبناء الوطن، فهي في حاجة إلى تعليم وتهذيب وتأهيل لتضطلع بدورها المنوط بها بنجاح. يقول رحمه الله: ومن الأحق سوى الفتاة بمنحنا هذا الشباب الماهر المنشود؟
انطلاقًا مما سبق، نخلص إلى أن المرأة المغربية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي كانت محط اهتمام من رواد الإصلاح، في مقدمتهم بطل التحرير محمد الخامس الذي دعا إلى فتح المدارس صونًا للهوية المغربية، بإيلاء اللغة العربية والتربية الدينية الاعتبار اللائق بها في البرنامج التعليمي. كما أشرفت الأميرة للا عائشة رحمها الله على تدشين عدة مدارس للبنات في الحواضر المغربية (فاس، سلا، مراكش، الدارالبيضاء).
ولم يشذ علال الفاسي عن هذا السياق، حيث كان في ركب المدافعين عن حرية المرأة وتعليمها، ليس من خلال شعره فحسب، بل في جميع كتاباته الأخرى. يقول رحمه الله في كتابه القيم "النقد الذاتي": "إن من حق المرأة أن تتساوى مع الرجل المساواة التي لا تتنافى مع طبائع الأشياء، ولذلك يمكنها أن تشارك في الصالح العام بالخدمة والفكر والإرشاد، ويمكنها أن تشغل مركز العمل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في الجماعة وفي الدولة."
هوامش: 1. ديوان علال الفاسي، الجزء الثالث، إعداد وتحقيق عبد الرحمن الحريشي، ص 53، قصيدة المرأة. 2. نفس المرجع، ص 54، نفس القصيدة. 3. نفس المرجع، ص 55، قصيدة المرأة المغربية. 4. نفس المرجع، ص 56، نفس القصيدة.