يقول علال الفاسي في إحدى قصائده: زعم القومُ أن أحمد لمّا يُنصِفِ البنت في جميع مُناها كذب الزعمُ إن أحمد أولا ها حقوقا تسمو بها في عُلاها جعل البنت والبنين سواءً في جميع الأحكام حين تلاها غير أنّا عن الحقيقة حِدْنا فظلَمنا الفتاة في ما حباها 8 مارس؛ يوم المرأة ويوم الدفاع عن حقوقها. الكل أصبح اليوم يدافع، ولكن أين هي العفوية؟ أصبحت مناسبة لرفع شعارات هي بمثابة فقاعة سياسية لجلب الأصوات ومصالح أخرى. والكل يعلم أنه من أجل الوصول إلى هذه المرحلة - التي أصبحت المرأة فيها تستطيع أن تعبر عن نفسها وتشارك في كل مرافق الحياة، سياسيا واجتماعيا ومهنيا - كان هناك كفاح صعب ومرير قام به وقاده رجال خاطروا بأنفسهم من أجل إخراج المرأة من غياهب المجتمع المظلمة إلى الفضاء الفسيح والمستنير بنور الحرية والكرامة. رجال لم تكن تحركهم مصالح ضيقة ولا جهات أو أجندات خارجية لها مصالحها الآنية وحساباتها البعيدة المدى وتخصص لذلك أموالا وامتيازات. ومن بين هؤلاء الرجال الذين آمنوا بقضية المرأة باعتبارها إنسانا مكرما في حد ذاته وجزءا أساسيا وفعالا في المجتمع، هناك الزعيم علال الفاسي الذي كرس حياته للدفاع عن الإنسان - رجلا أكان أم امرأة - وعن حرية هذا الإنسان وكرامته. كان علال يدافع عن حرية الرجل والمرأة معا، لأنه كان يعتبر أنه لا فرق بين الجنسين ولأن الوضعية التي كانت توجد عليها المرأة تجعلها أقل من العبد المملوك وقريبة من السجين وأن هذا الوضع لا يتفق مع تعاليم الدين الإسلامي أو مع الكرامة الإنسانية. إنه الوضع الذي يجعل نصف المجتمع مشلولا أو ضعيف الأداء ويحرمه بالتالي من فرص وإمكانيات التطور والنمو الذي يتطلع إليه. إن دفاعه عن المرأة وعن حقوقها - والذي صدح به في زمن كان من الصعب التجرؤ حتى على التفكير فيه - كان أمرا صعبا ومحظورا اعتبارا لما تحمله الدعوة إلى المساواة مع الرجل في الواجبات وفي الحقوق من تغيير في توزيع الأدوار داخل المجتمع ومن تقليص لسلطة الرجل. لقد كان دفاعه عن تحرير المرأة منبثقا من قناعته التامة بأن شأن المرأة ليس شأنا خاصا ومتميزا عن شأن الرجل وأنه لا يجب أن يتم التعامل معها كأنها تمثل فئة خاصة ومنفردة في حد ذاتها. فهي في نظره ذلك الجزء من المجتمع الذي لا يمكن تصور المجتمع بدونه كما لا يمكن للمجتمع أن يوجد ويتطور في غيابه أو إقصائه. وهو التصور والاعتقاد الذي يجب ويقتضي أن تتم معاملة المرأة على أساسه. إنها النظرة التي عبرت عنها فيما بعد الأديبة السورية غادة السمان بقولها: " إنني لم أطالب قط بتحرير المرأة أو بحقوقها، بل أطالب بحقوق الرجل وبتحرير الإنسان العربي امرأة ورجلا ". وتضيف أيضا: " الرجل العربي نفسه ليس جلاد المرأة بقدر ما هو ضحية الوضع الطبقي والاجتماعي الخاطئ في معظم أقطارنا ". وهي النظرة التي عبرت عنها كذلك السيدة فرانسواز جيرو (Françoise Giroud ) الوزيرة الفرنسية السابقة ( 1974) حيث قالت: " النساء يشكلن فئة في حد ذاتها، وما ينبغي الوصول إليه حقيقة هو العمل على أن يتوقف اعتبارهن كذلك " ( les femmes sont une catégorie à part et ce qu'il faut arriver à faire , justement ,c'est qu'elles cessent de l'être. ). ومن أجل البلوغ إلى هذه الغاية وإقناع المغاربة بنجاعة هذا الأمر بدأ علال الفاسي بالتعبير عنه عن طريق الشعر لأنه كان يرى أن أول فئة يجب مخاطبتها هي فئة المثقفين والعلماء الذين إذا اقتنعوا بما يدعوهم إليه فإن الجميع سيتبعهم ويحدو حدوهم. وبعد ذلك اتخذ هذا التعبير مواقف وصيغا أخرى تجلت في كتاباته وإصداراته المتنوعة. فيما يلي سنورد ما قام به في هذا الشأن حسب التسلسل التاريخي لما صدر عنه من تعبيرات شعرية وكتابات وبحوث. التعبيرات والكتابات والبحوث التي ركز فيها بشكل خاص على التربية والتعليم لما لهما من أهمية بالغة في حياة الأفراد والمجتمع وعن حث المجتمع على التخلي عن الأحكام الخاطئة عن المرأة والرؤى السطحية لوضعيتها داخل المجتمع وعن التأويل القاصر أو المنحرف لأحكام العقيدة الإسلامية ومقاصدها ومكارمها. أظن أن الانطلاقة الفعلية لدفاع علال الفاسي عن المرأة كانت من باريس سنة 1933 من خلال قصيدة نظمها بمناسبة ما أظهرته وعبرت عنه النساء الفلسطينيات وهن يطالبن بالتحرير خلال مشاركتهن في المظاهرات النسائية التي حدثت في تلك السنة. وهذا شيء طبيعي لدى علال الذي كان دائما يعتبر أن التحرير كل لا يتجزأ وأنه لا يمكن تحرير أي وطن - فلسطين أو المغرب - دون تحرير المواطن والمواطنة وبالتالي مشاركتهما بنفس المستوى والكفاءات - متمتعين بنفس الحقوق - في الواجب الوطني. وموقف السيدات الفلسطينيات أكد له أن تحرير أي وطن لا يمكن أن يتحقق بدون مشاركة نصف المجتمع وهو النصف الذي تمثله المرأة. نجد في القصيدة التي نظمها بهذه المناسبة نداءً قويا للنساء من أجل المشاركة في تحرير الوطن عن طريق تحفيزهن وتشجيعهن للرجال نظرا لما لهن من تأثير كبير عليهم بالرغم من أنهن يبحثن لذاتهن عن التحرير. إن توجه علال نحو النساء من أجل تحفيز وتشجيع الرجال على الكفاح يجعلنا نحس بما شعر به من إحباط إزاء ما ظهر لدى الرجال من فتور وقلة حماس من أجل الاستماتة في الكفاح. وهو نفس الشيء الذي نجده في ألوكة 1956 الموجهة للشبيبة الاستقلالية التي يستنهض فيها الشباب ويكلفهم برفع المشعل من أجل استكمال الوحدة الترابية حيث نقرأ بين السطور شعوره بفقد الأمل في الجيل الذي كافح واكتفى بالاستقلال غير المكتمل. يقول رحمه الله في هذه القصيدة: إيه فتاة العُرب في كل المواطن والبلاد مُدي يديك وانقدينا من مهاوي الازدراد ولتشعرينا بالكرا مة في النفوس والاعتداد قد طالما كنا نسير ونختشي كبَد الرواد ويصدُّنا فقداننا لزعامة تعطي القِياد ويردنا بعض اختلا فٍ في أساليب الجهاد فنكون من جرائها أبناء أحزاب عِداد إذ كان ينقصنا عِلا جٌ من سُليْمى أو سعاد انطلاقا من هذه المرحلة أصبح تحرير الفتاة هاجسا من الهواجس التي تؤرقه وتشغله باستمرار. وسنلاحظ أنه أصبح يعتبر التعليم ومحاربة الأمية والجهل هو الحجر الأساس لتحرير المرأة. ومن اجل بلوغ ذلك لابد من تغيير العقليات المتحجرة بكل الشجاعة المطلوبة ولو اقتضى ذلك رفع السلاح. وسنتتبع ذلك من خلال قصائده الشعرية التي اعتبرها وقال أنها حاملةٌ لرسالةٍ. وهذا ما نجده في إحدى قصائده التي ألقاها بمناسبة مؤتمر شباب شمال إفريقيا المسلمين الذي انعقد في باريس في فبراير 1934. القصيدة التي تناولت موضوع الفتاة المغربية والتي يؤكد فيها أن هذه الفتاة بلغت من الوعي ما يجعلها تبحث عن التحرير والتعليم. يقول في مصدرها الأبيات التالية: نهَضتْ تمُد إلى المعالي سُلَّما وتوَدُّ كالفتيان أن تتعلما سئمَت حياة الجاهلات وهالها أن لا تنال من المعارف مغْنما نظرتْ إلى الفتيات في كل الدُّنا مزَّقن ذلكم السِّجاف المُظلما ونجده في هذه القصيدة يتوجه باللوم والتوبيخ للرجال الذين يتحملون مسؤولية قهر وإضعاف، بل وقمع نصف المجتمع الذي تمثله المرأة حيث يقول: حمَلوا عليها حمْلة جبَّارة أضحت بها لا تستطيع تظلُّما يا قوم ما هاتي الجهالة منكم إني أرى سيْل التعصب مفعما البنت مثل الطفل إن أصلحتها صلُحت وإلا كنت أنت المجرما ربوا الفتاة على المعالي إنها إن هُذَّبت تلج السبيل الأقوما ويبين كذلك أن الفتاة إنسانة مثلها مثل الفتى ولم تُخلق لتكون متعة للرجل بقوله: لا تحسبوا أن الفتاة كمُتعة خُلقت لنا كيما نلذَّ وننعما لكنها شطرُ الحياة فإن تدُم في الجهل، كانت شطرَها المتجَهِّما هيوا لتعليم الفتاة سبيلَه حتى تشارك زوجها المتعلّما وفي الأخير يعود ليؤكد أن الحل الوحيد هو محاربة الجهل فيقول: وضعوا لهذا الجهل حدا إنه أضحى به حلوُ المسرَّة علقما عارٌ علينا أن تظل فتاتُنا في الجهل غرقى لا تُطيق تقدُّما فابنوا لها أُسَّ الفلاح وجاهدوا حتى تمُدَّ إلى المعالي سُلَّما لابد أن نشير إلى أن هذا الكلام كان قد جاء في سنة 1934 وقد كان يتطلب شجاعة كبيرة وجرأة نادرة وإبحاراً ضد تيار جارف لا يستطيع الخوض فيه إلا من كان يؤمن بفكرة أساسية هي أن التحرير إما أن يشمل ويكون للجميع أو لا يكون. وهذا ما نجده في قصيدة نادرة ومتميزة نشرت في 14 مايو 1937، أي قبل أيام قليلة من نفيه وإبعاده إلى الغابون. القصيدة التي يؤكد فيها على أنه مصمم على الدفاع عن المرأة حتى تنال مكانتها الطبيعية داخل المجتمع والتي اعتبرها الكل في الكل حيث قال: هي شطر لنا، بلى هي كلُّ الكلِّ مهما دقَّقْت في معناها ما رعى قدرها الرجال ولكن ظلموها وحقروا مثواها وقال أيضا معبرا عن ثقته في المرأة وعزمه الثابت في الذود عنها: أنا لي في الفتاة مبدأ صدق أنا عنها أذود فعلَ عَداها عشت أرثي لحالها غير وانٍ في طلابي للحق من مبتغاها ما لها في البلاد صدر حنونٌ قام يحنو لطبِّها وأساها لينهي القصيدة بهذين البيتين اللذين يدعو فيهما إلى تحرير المرأة من قيود الجهل التي إن بقيت فيها لن تمنح للمجتمع سوى جيلا جاهلا مثلها حيث يقول: إن عارا بقاؤها تألف الجهل وتنشي الشباب في مستواها حرروها من القيود فعار أن تعيش الفتاة تبكي بكاها لقد كان علال الفاسي يعاند ويستميت ولا يستسلم في الدفاع عن أي قضية يؤمن بصدقها ومشروعيتها وسلامة المنطق في وجودها الطبيعي وانسجامها مع القيم الدينية والإنسانية السامية. وقضية حرية المرأة وكرامتِها التي لا تنفصل عن حرية الوطن وكرامته كانت تسكنه وترافقه في كل زمان ومكان. بل كانت لا تفارقه حتى في أشد لحظات المعاناة وألم الاغتراب عن الأهل والوطن. ففي منفاه السحيق بالغابون والظروف القاسية التي كان يعيشها آنذاك، لم ينس رسالته نحو المرأة التي اعتبرها كركن من الأركان الأساسية للمجتمع، وما تشكله حريتها وكرامتها من أهمية لبناء هذا المجتمع وإعلاء صرحه بين المجتمعات المتحررة والمتقدمة. في سنة 1937 نفي علال إلى الغابون الذي مكث فيه لمدة 9 سنوات. ورغم قساوة المنفى والابتعاد عن الوطن وانقطاع أخباره، لم ينس وعده في الدفاع عن نصف المجتمع. وربما تواجده في قرية " مويلا " - التي وُضِع فيها من طرف القوة الاستعمارية - وملاحظته لحياة النساء الأفريقيات بالقرية وظروف عيشهن والمقارنة مع بعض النساء الفرنسيات القليلات الموجودات بنفس القرية، زاد من إيمانه بضرورة تحرير المرأة ولكن عن طريق التكوين والبناء. ومن أجمل وأعمق ما كتبه في هذا الموضوع - في سنة 1943- قصيدته تحت عنوان " المرأة ". في كل بيتين من هذه القصيدة نجد تعبيرا عن أفكار سياسية بليغة. سنكتفي بتقديم بعض الأبيات منها مع أنه من المطلوب قراءتها بأكملها للإطلاع على عمقها وأبعادها والاستفادة منها. مصدر القصيدة يوحي بوضوح تام إلى ما هو مطلوب ألا وهو تعليم المرأة وتوعيتها لتكون حرة مثل الرجال. يقول علال بهذا الصدد: علِّموها واتركوها حرة مثل الرجال ليس في ذلك إلا كل خيرٍ وَ كمال وفي بيتين آخرين يكاد يقول أن كل ما حل بنا من مشاكل يرجع أساسا لتهميش المرأة وإقصائها وتركها ترزح تحت وطأة الجهل والأمية حيث يقول: إن شعبا نصفُه لا يربَّى أو يُعَلَّم لجدير بالذي نِلْنا ه من ويْل ومن هَمّ ويعود مرة أخرى ليؤكد على أهمية وضرورة تعليم البنات ويربطه بمنحها وإعطائها جميع الحريات فيقول: علموا البنت ففي تعليمها سُبُل النجاة هذبوا البنت وأعطوها جميع الحُريات كما يعتقد أنه لا يمكن أن نصبح أحرارا بدون حرية المرأة: حرروها من قيود لم تكن إلا معرَّة نحن لا نصبح أحرا راً إذا لم تغذُ حرَّة وفي الأخير لم ينس علال الفاسي ما تعاني منه المرأة من جراء النعوت الحاطة من قدرها والقاسية في حقها والماسة بكرامتها لينبري مدافعا عن عفاف البنت ويعتبر أن الحل لا يوجد في تغطية الوجه الذي يعتبر بمثابة " سجن " للمرأة بل في تغيير العقليات التي تعتبر أن الفتاة هي مشروع فاسقة لتبرير حجبها وإبعادها عن الأنظار. ما عفاف البنت في أن تستُر الوجه ببرقُعْ هذبوها وامنحوها حقَّها كَي تترفَّعْ ما بنات الناس في العالم طُرًّا فاسقات هُن كالناس، ففيهن بناتٌ وبنات في 22 نونبر من نفس سنة 1943 كتب قصيدة " المرأة المغربية " التي وجه فيها نداء للرجال من أجل تقبل الواقع ونداء للنساء من أجل كسر القيود، يقول فيها: ومَن الأحقُّ سوى الفتاة بمنحنا جيل البلاد الماهرَ المنشودَ وأرى الفتاة طموحة لتُنيلنا عهدا مليئا بالحياة جديدا لكننا نأبى عليها رغبة ونَزيدُها فيما ادَّعت تفنيدا تبغي لنا التحرير من أغلالِنا ونزيدُها التحْجيرَ والتعبيدَ لكنها أولى بكسر القيد إذ رأت المثال ونورَه الممدود خَلوا سبيلا للفتاة تريدُه ودعوا جحودا منكم وجمودا أعطوا الفتاة حقوقَها مكمولةً حتى تخَلص شعبها المنكود هذه صور ساطعة من كفاح علال الفاسي من أجل تحرير المرأة - كي تلعب دورها بجانب الرجل في تحرير المجتمع والوطن - عبر عنها بواسطة القريض الذي كان يعتبره الوسيلة الأنسب والأقرب لمخاطبة الوجدان والعقل معا في فترات كانت الأمية والجهل متفشيين بشكل كبير وواسع داخل المجتمع المغربي وكانت الخرافة والدجل منتشرين ومسيطرين على العقول. الكفاح الذي بدأه رحمه الله منذ سنة 1933. أما كفاحه من أجل نفس القضية، والذي عبر عنه من خلال كتابات وبحوث شملت تحليلات وتفسيرات مركزة ومعمقة مسنودة بتوضيحات و أدلة من معين النبع الديني الصافي أو من منطق الواقع المحسوس المتطور، فنجده في عدد من المؤلفات التي كتبها بعد رجوعه من المنفى وأهمها كتاب " النقد الذاتي ". كتاب "النقد الذاتي" لا يمكن أن نتطرق لموضوع المرأة عند علال دون الرجوع إلى كتابه المحوري الذي هو بمثابة مشروع مجتمعي ألا وهو كتاب " النقد الذاتي ". في هذا الكتاب جاء هذا العالم المتنور بعدة اجتهادات تدافع عن حقوق المرأة تفاجئ الجميع بحداثتها، لكنها في نفس الوقت مبنية على احترام العقيدة الإسلامية وحدودها، حيث يؤكد ويوضح قائلا: " إن هذا الإصلاح المحمدي يجب أن لا تظل المرأة المغربية محرومة منه، خصوصا في هذا العصر الذي وصلت فيه المرأة لدرجة الحكم الذاتي في الأمم كلها. إن كل جمود عن العمل الأول لا يؤدي إلا إلى فتنة في الأرض وفساد كبير". ونظرا لضيق المجال، فإنه لا يمكننا أن نستعرض ونتطرق لكل ما جاء في هذا الكتاب من إصلاحات لشؤون المرأة ووضعيتها المدنية والاجتماعية من جوانب ومستويات متعددة وسنكتفي فقط بالتطرق بتركيز كبير إلى ثلاث مواضيع من بين المواضيع التي أثارت وتثير الكثير من الجدل منذ العشرات من السنين هذا وهي: حق المرأة في اختيار الزوج تزويج الصغيرات تعدد الزوجات فبالنسبة لحق المرأة في اختيار زوجها، يعتبر علال الفاسي أنه لاحق للوالي أو الأب أن يرغم الفتاة بقبول زوج من اختياره. ويبني هذا الاعتبار انطلاقا من عدد من الأحداث وقعت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والتي تم فيها إلغاء الزواج لأنه تم بدون موافقة المعنية بالأمر وبطلب منها. وفي هذا الباب يطالب علال بتقنين هذا الحق قائلا: " ونحن نعتقد أن روح العصر لم تعد صالحة لتطبيق مذهب المالكية في الموضوع؛ لأن المرأة المغربية على أبواب التطور الذي لا يجعلها مستعدة لقبول هذا التحكم في مصيرها. فالوقت قد حان للعمل برأي جمهور الأئمة المسلمين من تخيير البكر والثيب على السواء فيمن تختاره ليكون قرين حياتها ". وفيما يتعلق بموضوع تزويج الصغيرات وهو الموضوع الذي لم تتخذ بصدده الإجراءات الصارمة والحاسمة المطلوبة، فإن علال الفاسي يدعو إلى وضع قوانين لردع هذا السلوك الاجتماعي المتفشي بشكل كبير في المجتمع والذي لا يمكن الحد منه فقط بالاستنكار والوعظ حيث يقول: " وإذا كنا نستنكر تزويج الصغيرات وإجبارهن فهل من المصلحة أن نكتفي في هذا الباب بمجرد الوعظ والتنبيه معتمدين على ضمائر الناس وامتثالهم، أو الأوفق أن نؤكد ذلك بتحديد قانوني يندرج تحت أصل شرعي هو مصلحة المرأة العامة ومصلحة الأسرة من حيث هي؟ " أما فيما يخص موضوع تعدد الزوجات فيرى علال الفاسي أن هناك مجموعة من العوامل والحيثيات التي تفرض وقفه ومنعه في هذا العصر إقامة للعدل وتقديرا للمرأة وحماية للإسلام. إنها العوامل المرتبطة من جهة بعجز الرجل على القيام بما يفرضه عليه واجب العدل والإنصاف بين الزوجات والأبناء وهو العجز الذي يصاحبه - في الغالب - الظلم وعدم الإنصاف ومرتبطة من جهة ثانية بتطور المجتمع وما اصبح يقتضيه ويفرضه هذا التطور من تحملات وإكراهات. فانطلاقا من قناعة ثابتة مبنية على اجتهادات في النصوص ومقارنات في الأحوال والمجتمعات وقياسات منطقية وفقهية وعلمية أعلن علال الفاسي رأيه الراسخ والسديد في مسالة تعدد الزوجات قائلا: " إنني أقرر الرأي بكامل الاطمئنان النفسي الذي يمليه علي إيماني بأن شريعة الإسلام صالحة لكل زمان ومكان، ورجائي أن يكون في هذه الاعتبارات التي أبديتها ما يحقق تطبيق مبدأ الإصلاح الإسلامي بمنع التعدد مطلقا في هذا العصر، إقامة للعدل، وتقديرا للمرأة، وحماية للإسلام ". كتاب "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها" لم يفت علال الفاسي وهو يدرس ويحلل مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها أن يخصص عنوانا تحت اسم " المرأة شقيقة الرجل " بناء على قول الرسول الكريم (النساء شقائق الرجال في الأحكام) يبين فيه كيف صححت الديانة الإسلامية الأخطاء التي ارتكبتها المعتقدات المسيحية في حق المرأة حيث ألصقت بها كل الخطايا وكل الأعمال السيئة التي كانت سائدة في المجتمعات الغربية والتي استمرت إلى ما قبل النهضة الفكرية. صححت الديانة الإسلامية الظلم الذي كان سائدا في حق المرأة خلال العصر الجاهلي داخل المجتمع العربي والذي استمرت رواسبه في الشرق العربي إلى القرن العشرين. يؤكد علال الفاسي في هذا العنوان من كتابه "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها " الصادر في يوليوز سنة 1963 ما يلي: "... فليس للرجل من حق لا تملكه المرأة أو ما يقابله؛ وليس يجب على المرأة إلا ما يجب على الرجل إذا تساوت المهمات. فالواجبات والمحظورات الشرعية يخاطب بهما الرجل والمرأة. والثواب والعقاب متساو في الجزاء إذا تساوت الأعمال. ومن هنا ابتدأ تحرر المرأة. فهي كالرجل في الكرامة وهي كالرجل في حقها في الحياة. وهي مثله في الحرية. وهي مثله في المسؤولية ". وهنا أريد أن أشير إلى وصف جاء مؤخرا على لسان الأستاذ محمد راتب النابلسي في مقارنة بين وضع الرجل ووضع المرأة في المجتمعات العربية الإسلامية حسب مقياس الإسلام ومقياس الجهل حيث قال: " في ميزان الإسلام، ما يعيب المرأة يعيب الرجل. في ميزان الجهل، الرجل لا يعيبه شيء". كتاب " رأي مواطن " في كتاب " رأي مواطن " الذي هو عبارة عن تفاعلات للزعيم علال الفاسي مع المواطنين حول عدد من القضايا التي تهم حياتهم السياسية والاجتماعية والعقائدية نجد مجموعة من الآراء والمواقف بخصوص وضعية المرأة وظروف عيشها. يرى علال الفاسي فيما يتعلق بما يجب أن ينصب عليه اهتمام المواطنين من قضايا المجتمع، أن كثيرا من الجزئيات البسيطة تتطور وراءها مسائل مهمة كما هو الأمر بالنسبة لاسم المرأة الذي يرى أن حق المرأة يقضي بأن تحتفظ الآنسة باسمها كاملا غير منقوص بعد الزواج، ويَعتبِر أن إهمال الاسم ينطوي على التنازل عن حق كافحت المرأة من أجل الحصول عليه زمنا طويلا حتى نالته. وبالنسبة للباس المرأة الذي كان يثير الكثير من الجدل يقول علال: " فيجب أن لا نشغل أنفسنا بالجدل في الحجاب أو السفور، وإنما ينبغي أن ننصرف للعمل الصالح، ونبذل الجهد كله لتحسين أخلاق المجتمع المغربي وإشاعة روح المروءة والتدين فيه، دون إفراط ولا تفريط ". وانطلاقا من الصيغة المأثورة عنه والمنقولة عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم " النساء شقائق الرجال في الأحكام "، يقول علال فيما يتعلق بالأحكام تأكيدا لما سبق أن كتبه في مؤلفه مقاصد الشريعة.... المشار إليه أعلاه: " فأما رأي الإسلام، فهو أن النساء شقائق الرجال في الأحكام، ومعناه مساواتهما في الحقوق وفي الواجبات ". ويضيف: " الإسلام امتاز على غيره من الديانات بأن أعطى للمرأة الحق في أن تكون من العالمات الدينيات، تجتهد في الشريعة، ويعتبر قولها في الفتوى، وتقوم بكل ما يقوم به العالِم المسلم ". في الأخير، أريد أن أختتم وأؤكد بأن دفاع علال الفاسي عن حرية المرأة كجزء يشكل نصف المجتمع هو دفاع عن حرية المجتمع بكامله، لأنه لا يوجد مجتمع حر ونصفه مستعبد أو مذلول أو معطل. ودفاع علال عن حرية المرأة وكرامتها لا ينفصل عن دفاعه عن حرية الوطن وكرامته. إن دعوة علال إلى مساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات، ومنها حقها في التعلم وفي تحمل المسؤوليات وفي بناء المجتمع والإنسان دعوة انبثقت من إيمانه المبكر في قدراتها على رفع التحديات وليست دعوة من أجل مصلحة أو غاية ذاتية. لقد كان علال ماهدا وسباقا إلى المطالبة بإعطاء المرأة حقها ورفع الحظر عنها لكي تساهم إلى جانب أخيها الرجل الحر في تحرير الوطن وفي بناء المواطن الصالح. فمطالبته انطلقت منذ ثلاثينيات القرن الماضي من خلال قصائده الشعرية واستمرت بعد عودته من المنفى من خلال اجتهادات فكرية ضمنها في كتبه ومقالاته ومحاضراته. ومطالبته لم تكن ظرفية أو مرتبطة بمناسبة من المناسبات أو بحسابات خاصة أو جهات معينة كمثل ما نشهده اليوم. لقد طالب علال الفاسي بتحرير المرأة ومنحها حقوقها في فترة من الزمن كان يصعب على أي امرئ الخوض في مثل هذه المواضيع والإعلان عن رأيه فيها وخصوصا إذا كان رأيه مخالفا لرأي عامة الناس ولرأي من يسير شؤونهم من أهل العقيدة والحكم. وبهذا كان سلوك علال سلوك الوطني الحقيقي الجريء الذي لا يخشى في دفاعه عن الحق من أي شيء ولا يُساوَم في عقيدته وإيمانه وقناعاته بأي ثمن. إن ما نراه اليوم من تصريحات أو آراء أو مواقف بخصوص حقوق المرأة تندرج في أغلبها - وليست كلها - في سياقات معينة وتسعى إلى تحقيق مآرب أو ربح رهانات سياسية أو انتخابية لا تخفى على أحد، ولاسيما وأن مشاركة المرأة في الاستحقاقات الانتخابية أصبحت تتسم بالكثافة والتعبئة المرتفعة أكثر من مشاركة الرجل وانضباطه حتى كدنا نظن أنه لو اتفقت النساء على منح أصواتهن لشقيقاتهن المرشحات لكانت كل المجالس مكونة من النساء.