افتتح السحيمي أفقا جديدا للكتابة الصحفية والأدبية منذ طلائع الستينيات، واشترع ما يمكن أن ندعوه »حساسية« جديدة في الكتابة، متخففة ومتحررة من دالة الكتابة التقليدية وآثارها، ونازعة عن قوسها الخاصة، وهذا صنيع، لو تدرون، كبير. لم يتخرج السحيمي من كلية للإعلام أو معهد عال للصحافة، بل تخرج من مدرسته العصامية الخاصة. تخرّج من مدرسة الإبداع. لقد جاء إلى الصحافة أو تسلّل إليها من باب الإبداع. جاء من القصة القصيرة إلى الكتابة الصحفية. أو لنقل، إنه جاء إليهما سوية مسكونا بهاجس الإبداع، لا يفارقه لحظة، سواء أكتب قصة أم مقالة سياسية. وللتذكير، فالسحيمي يُعدّ من الرعيل أو الجيل الثاني المؤسّس للقصة القصيرة المغربية. وهو الجيل الذي قام بتحديث وتجنيس القصة القصيرة المغربية، وتخليصها من عوالق وآثار الولادة الأولى، وربطها بإيقاع العصر وإشكاله وحداثته. وتعتبر مجموعته القصصية الرائدة (الممكن من المستحيل)، الصادرة في 1969، والمنشورة نصوصها على امتداد الستينيات، من أبرز وأجمل المجاميع القصصية الصادرة في هذا العقد الستيني، وهي، على كلّ، مجاميع لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة إلاّ قليلا. وقد كانت مجموعة (الممكن من المستحيل)، أكثر هذه المجاميع نزوعا إلى التحديث والتجديد وإحساساً بهما. يتبدّى هذا النزوع التحديثي أو الحداثي للوهلة الأولى، منذ عنوان المجموعة الدال المفارق لكل العناوين السابقة (الممكن من المستحيل). كما يتبدّى من خلال لوحة غلاف المجموعة الصفراء التشكيلية المجهولة النسب. ويتبدّى هذا النزوع بشكل خاص وأساس، من خلال لغة وبناء النصوص القصصية وتيماتها ومتونها الناضجة من إناء المرحلة، مرحلة الستينيات. وهي تيمات ومتون تصوّر وتجلو الحيف الاجتماعي الذي بدأ ينخر الجسم المغربي، والأدواء الوبيلة التي تعيش فيه. وقلم السحيمي منذور دوما لتنطّس الأدواء والعلل الاجتماعية والسياسية والثقافية، سواء أكتب قصة أو مقالة أو خاطرة.