شذني السحيمي الى »العلم«، قبل أن أعرفه.. وحين التقيته للمرة الأولى، كان مصير علاقتي بالشخص، وبالجريدة، قد تحدد. فهذا الرمز المضيء في قلب »العلم«، صار متلبسا »العلم« ذاتها. وفي لحيته القصيرة تختفي كثير من تفاصيل عمر »العلم« الجميل والملتهب. وخلف هذه اللحية الأسطورية التي توهجت في السنوات الأخيرة بغير قليل من بياض الحكمة والسن، يكمن شباب دائم، متجدد، متمرد، متحفز، متفتح. وقيمة »العلم«، دائما، لم تتمثل في كونها صحيفة يومية، تمارس مهمة إعلامية كسائر الصحف، فحسب، ولكنها تتمثل كذلك في رموزها الأساسيين، الذين عرفوا دوما كيف يتجاوزون مهمة الإعلامي الى مهمات أعمق وأكبر في مجتمع يقاوم بشراسة واقع التخلف والظلم والظلام. والسحيمي هو واحد من أبهى رموز »العلم«. ممتلئ حد التماهي الكامل بقضية »العلم«. وهي تمتد في حياته لتصبح قضية وطن وأمة وحياة. وبذلك، فإن حماسه العميق، الصادق، تجاه حبيبة العمر الكبرى، يُعدي كل من قرأه أو جالسه أو صادقه. وهذا هو شأن المحبين الكبار دائما.. ينقلون، بسرعة، عدوى الحب الى غيرهم. فصار محبو ليلى وبثينة وعزة وجولييت وأمثالهن ممن ارتبطت أسماؤهن بمجانين الشعر والحياة يحسبون بالملايين، وأعدادهم ترتفع كلما ارتفع مد الحياة في هذا الكوكب الجميل الحزين. ولذلك كان سهلا على هذا الرمز المفتون بجريدة »العلم« أن يستقطب إليها كثيرا من رموز الكتابة والأدب والصحافة. إنه مستقطب بامتياز، لأنه محب بامتياز، لكن السحيمي، وهو يحمل في داخله روح الفنان والمناضل الثائر، يعاني كثيرا جدا في أمر هذا الحب. يجيئنا، في اجتماعات الصباح، غاضبا، يغالب آثار السهر، لينفض في وجوهنا آلام الأرق التي تسبب له فيها خطأ للتحرير أو التصوير أو الطباعة. بعض المعتدلين من هيئة التحرير يرون الخطأ أصغر من أن يؤرق رئيس التحرير، لكن روح المحب، تتعذب دوما بما يداخلها من غيرة عميقة ترتفع بالمحبوب الى درجة المقدس الذي لا يحتمل أن تخدشه الأخطاء أو الانحرافات. من هنا لذة العمل مع السحيمي وصعوبته في آن. دقيق المتابعة هو إلى درجة لا يمكن أن يحتملها معه إلا مبدع مهووس مثله بالعلم، وبقضية »العلم«. يعكف على عمله، بحماس الفنان، ودقته، وصبره. كثير التبرم بكل عمل صحافي كسول، لا إشراق فيه، ولا جدة. كثير الاهتمام بالتفاصيل الجمالية في العمل الصحفي.. يحتفي بأسلوب الكتابة، وفنية الالتقاط، فكرة أو صورة، ويعطي لصياغة العنوان قيمة كبرى، كما يجعل من مسألة الإخراج الصحفي والتقني للصفحات موضوعا شديد الحساسية والخطورة. عدو، بالطبيعة، للتراخي والعمل السهل وضيق الأفق. وبذلك تتمثل المدرسة التي يصدر عنها في العمل، والتي أصبح فيها رائدا متميزا، في كونها نحتا في صخر.