سنناقش هنا مشكلا من أعوص المشاكل الذي أهمل التفكير فيه من طرف هيآت المحامين بالمغرب. ويحضرني بهذه المناسبة مقال نشرته جريدة الأسبوع الصحفي في أواسط التسعينات، تحت عنوان: أيها المحامون إذا عجزتم عن الدفاع عن حقوقكم. فأنتم عن حقوق الناس أعجز. وإذ قلت إنني أحمل هيآت المحامين بالمغرب عدم طرح هذا المشكل على وزارة العدل. لأنه ما ثبت قطعا على ما أعلم أن قدم طلب لوزارة العدل وكان الطلب وجيها ورفضته أو رفضت مناقشته. وهذا المشكل، هو تنفيذ الإنابات القضائية المتعلقة بتنفيذ أحكام حوادث السير. إذ من المعلوم، أن مجموع شركات التأمين العاملة في المغرب توجد مقراتها بالدارالبيضاء باستثناء واحدة مقرها بالرباط وهي التعاضدية الفلاحية. وهذا يعني أن كل الأحكام الصادرة ضد شركات التأمين في المغرب تنفذ عن طريق الإنابات بواسطة قسم التنفيذ بابتدائية أنفا بالدارالبيضاء. وقد يبلغ عدد هذه الملفات كل عام حوالي أربعين ألف ملف أو أكثر، كلها مجتمعة في قسم واحد بابتدائية أنفا. إن تنفيذ هذا القدر الهائل من الملفات قد يستغرق العام أو العامين أو أكثر. وأصحاب هذه الملفات هم ضحايا حوادث السير، أغلبهم من اليتامى والأرامل ومقطوعي الأيدي والأرجل، تغيب عنهم الشمس وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون!! ومع ذلك لم يحرك أحد ساكنا، وأن هيأت المحامين تجتمع كل سنة ولم يسبق لها أن ناقشت هذه المعضلة على ما أعلم . المهم، إن شركات التأمين تقوم بواجبها وتنفذ الأحكام المحالة عليها وترسل المبالغ المنفذة بواسطة شيكات الى قسم التنفيذ بابتدائية أنفا، فيقوم هذا الأخير بإرسال هذه الشيكات الى خزينة الدارالبيضاء التي تتولى سحب هذه المبالغ من حسابات شركات التأمين، وهذه العملية تتطلب من الخزينة أياما وأسابيع. وعندما تقوم خزينة الدارالبيضاء بتحويل هذه المبالغ الى حساب ابتدائية أنفا تشعرها بأن شيكات شركات التأمين حولت مبالغها الى حسابها، ثم يقوم قسم التنفيذ بابتدائية أنفا بإعداد قوائم خاصة بكل محكمة أتت منها إنابات التنفيذ. وهذه العملية تستغرق أكثر من شهرين، ثم ترسل هذه القوائم الى المحاكم الابتدائية المعنية صحبة شيكات مسحوبة عن خزينة الدارالبيضاء. وهنا ماذا يقع؟ عوض أن تقوم هذه المحاكم بتسليم التعويضات الى أصحابها بعدما أدت شركة التأمين ما بذمتها لفائدة الضحايا ترسل هذا الشيك المرسل إليها الى الخزينة المحلية التي ترسله بدورها الى خزينة الدارالبيضاء مرة أخرى لكي تحول مبلغ هذا الشيك الى الخزينة التي تقع بدائرتها المحكمة المنفذة. وهنا نتساءل، هل يعقل أنه نضيع هذا الوقت كله في إجراءات معقدة لسنا في حاجة إليها أبدا؟ وماهو الحل؟ الحل سهل وبسيط، وهو أن تقوم كل محكمة بتنفيذ أحكامها بواسطة أعوانها الذين ترسلهم الى شركات التأمين للقيام بعملية التنفيذ بدل الاعتماد على نظام الإنابات الذي أصبح متجاوزا ولنا في ابتدائية المحمدية خير مثال على ذلك، حيث تقوم بتنفيذ أحكامها بواسطة أعوانها.