تنسيق نقابي لشغيلة الصحة بطنجة أصيلة يصعّد احتجاجاته للمطالبة بصرف ملف التعويضات عن البرامج الصجية    طنجة المتوسط يعزز ريادته في البحر الأبيض المتوسط ويتخطى حاجز 10 ملايين حاوية خلال سنة 2024    ريال مدريد يُسطر انتصارا كاسحا بخماسية في شباك سالزبورج    المغرب يعزز الحضور بالأسواق الإيبرية    حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    شباب الريف الحسيمي يتعاقد رسميا مع المدرب محمد لشهابي    إجهاض محاولة تهريب الكوكايين بمعبر الكركارات    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    رفض تأجيل مناقشة "قانون الإضراب"    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    جهود استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد بإقليم العرائش    "جبهة" تنقل شكر المقاومة الفلسطينية للمغاربة وتدعو لمواصلة الإسناد ومناهضة التطبيع    وزارة الداخلية تكشف عن إحباط أزيد من 78 ألف محاولة للهجرة غير السرية خلال سنة 2024    اتخاذ إجراءات صارمة لكشف ملابسات جنحة قطع غير قانوني ل 36 شجرة صنوبر حلبي بإقليم الجديدة    رغم محاولات الإنقاذ المستمرة.. مصير 3 بحّارة مفقودين قرب الداخلة يظل مجهولًا    رسميا.. مسرح محمد الخامس يحتضن قرعة الكان 2025    توقيع اتفاقية مغربية-يابانية لتطوير قرية الصيادين بالصويرية القديمة    دولة بنما تقدم شكوى للأمم المتحدة بشأن تهديدات ترامب لها    القضاء يبرء طلبة كلية الطب من التهم المنسوبة اليهم    منتخب "U17" يواجه غينيا بيساو وديا    القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف بحق بشار الأسد    هلال يدين تواطؤ الانفصال والإرهاب    الشيخات داخل قبة البرلمان    المحكمة الدستورية تجرد بودريقة من مقعده البرلماني    اعتقال المؤثرين .. الأزمة بين فرنسا والجزائر تتأجج من جديد    غموض يكتنف عيد الأضحى وسط تحركات لاستيراد المواشي    وهبي يعرض مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد    طلبة المعهد الوطني للإحصاء يفضحون ضعف إجراءات السلامة بالإقامة الداخلية    الغموض يلف العثور على جثة رضيعة بتاهلة    بنعلي: المغرب يرفع نسبة الطاقات المتجددة إلى 45.3% من إجمالي إنتاج الكهرباء    أيوب الحومي يعود بقوة ويغني للصحراء في مهرجان الطفل    120 وفاة و25 ألف إصابة.. مسؤول: الحصبة في المغرب أصبحت وباء    الإفراط في تناول اللحوم الحمراء يزيد من مخاطر تدهور الوظائف العقلية ب16 في المائة    سناء عكرود تشوّق جمهورها بطرح فيديو ترويجي لفيلمها السينمائي الجديد "الوَصايا"    حضور جماهيري مميز وتكريم عدد من الرياضيين ببطولة الناظور للملاكمة    محكمة الحسيمة تدين متهماً بالتشهير بالسجن والغرامة    مجموع مشتركي نتفليكس يتخطى 300 مليون والمنصة ترفع أسعارها    الكويت تعلن عن اكتشاف نفطي كبير    "أزياء عنصرية" تحرج شركة رحلات بحرية في أستراليا    دراسة: أمراض اللثة تزيد مخاطر الإصابة بالزهايمر    الجفاف وسط البرازيل يهدد برفع أسعار القهوة عبر العالم    Candlelight تُقدم حفلاتها الموسيقية الفريدة في طنجة لأول مرة    جماهير جمعية سلا تطالب بتدخل عاجل لإنقاذ النادي    رئيس جهة سوس يقود حملة انتخابية لمرشح لانتخابات "الباطرونا" خلال نشاط رسمي    عادل هالا    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعقيب على مقال نقيب هيئة الدار البيضاء بشأن المادة 57 من القانون 28.08

في مقاله المنشور في العدد 3003 من جريدة الصباح، ليوم الإثنين 7 دجنبر 2009، جعل نقيب هيئة المحامين بالدار البيضاء الأستاذ عبد اللطيف بوعشرين تزامن عيد الأضحى مع تاريخ انطلاق العمل بحساب الودائع و الأداءات للمحامين كأحد الأسباب التي أدت إلى رفض مجلس هيئة المحامين بالدار البيضاء تبني مشروع النظام الداخلي لهذا الحساب المقترح من طرف جمعية هيئات المحامين بالمغرب.
وكرؤية مخالفة لوجهة النظر المضمنة في المقال المذكور، ليس من باب الدفاع عن براءة عيد الأضحى من التهمة الموجهة له، فالعيد كبير و له رب يحميه، و لكن كبيان لا يشاطر ما تم ذكره في المقال، و الذي يرمي إلى تقديم المادة 57 من القانون 28.08 ككبش أضحية في سبيل «الانتقام» من جمعية هيئات المحامين بالمغرب، دون استحضار الأسباب المبدئية التي فرضتها بكل موضوعية مصلحة المهنة لتقنين هذه المادة.
جاء في المبادئ الأساسية التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في هافانا من 27 غشت إلى 7 شتنبر 1990، بشأن دور المحامين، الفقرة التالية :
«و حيث إن الحماية الكاملة لحقوق الإنسان و الحريات الأساسية المقررة لجميع الأشخاص، اقتصادية كانت أو اجتماعية أو ثقافية أو مدنية أو سياسية، تقتضي حصول جميع الأشخاص بصفة فعلية على خدمات قانونية يقدمها مهنيون قانونيون مستقلون ؛
و حيث إن للرابطات المهنية للمحامين دورا حيويا في إعلاء معايير المهنة و آدابها وحماية أعضائها من الملاحقة القضائية و القيود و الانتهاكات التي لا موجب لها، و في توفير الخدمات القانونية لكل من يحتاج إليها، والتعاون مع المؤسسات الحكومية و غيرها في تعزيز أهداف العدالة والمصلحة العامة ».
إن المبادئ التي جاءت بها الفقرة السالفة جاءت نتيجة لكون المجتمعات الحداثية أصبحت تسعى إلى تأسيس كل ممارساتها على مقتضيات القانون كفيصل بين الناس، و لذلك فإن تكريس المصلحة العامة بترسيخ السلم الاجتماعي، اقتضى من هذه المجتمعات أن يضمن القانون للمواطنين و للمؤسسات، كيفما كانت طبيعتها القانونية، الحق في توكيل شخص متمرس و محترف يمثلهم بكل خبرة و حرفية في كل التصرفات التي تقتضي اللجوء إلى مجال عمله، أو يدافع عن حقوقهم و مصالحهم بكل جرأة وشجاعة و كفاءة، بالإضافة إلى أن ذلك يوفر للسادة القضاة محاورا مؤهلا يبحث وينقب عن كل الوسائل الواقعية و القانونية المشروعة التي تنفع موكله، و في نفس الآن تساعد هؤلاء القضاة على إيجاد الحلول القانونية للإشكالات التي تطرح عليهم.
وبهذا المنظور فإن مهمة المحامين تتطلب منهم العمل الجاد و المتواصل، و مواكبة كل التطورات الطارئة على المجتمع، و الاطلاع الدائم على نصوص القانون، و كل التعديلات التي يتم إدخالها عليه، و تتبع التأويلات التي تعطيها له المحاكم بمختلف درجاتها، و التعرف على الآراء الفقهية سواء لنصوص القانون أو لاجتهادات المحاكم، على اعتبار أن المحامي هو من يرسم خارطة طريق الملف المعروض عليه أمر تدبيره و تسييره، سواء تعلق الأمر بمسطرة قانونية أو بمخاصمة قضائية، و هو يقوم بكل هذا بكل حرية و باستقلال مطلق عن أية سلطة، بل و حتى عن تعليمات موكله في بعض الأحيان، كما سبق ذكره أعلاه، و إن كان مدينا لهذا الأخير بالولاء التام و استعمال كل السبل المشروعة لحصوله على حقه.
إن تجريد المحامين من المهام الأساسية التي أناطهم بها المشرع، بكل ما تكتسيه هذه المهام من رمزية رائعة و حمولة معنوية مشرفة، و تبخيس و تقزيم دورهم بحصره في مجال قبض الأموال، و الإصرار و الإلحاح بكون الأمر يتعلق بحق مكتسب لا يمكن التنازل عنه، أو كما سماه السيد نقيب هيئة الدار البيضاء بالائتمان المسحوب من المحامين من خلال منعهم من الاحتفاظ بأموال الناس، من شأن كل ذلك أن يجر المهنة إلى منزلقات خطيرة تبعدها عن النبل و القدسية ليدخلها في دائرة النقد و المال و البزنس (BUSINESS)، و هي معاملات تتقبل بطبيعتها الجدل و النقاش و الحلول الوسطية (COMPROMIS)، في حين أنه من المفروض أن يكون المحامي صادقا، و فرض المشرع أن يتم تصديقه في ما يقدمه سواء في مذكراته المكتوبة أو مرافعاته الشفوية، حتى و إن تعلق الأمر بإعلان كل إقرار أو رضى، أو رفع اليد عن كل حجز، و القيام، بصفة عامة، بكل الأعمال لفائدة موكله، و لو كانت اعترافا بحق أو تنازلا عنه، كما جاء في البند 3 من المادة 30 من القانون 28.08 .
إن المحامي، كما علمنا إياه رموز مهنتنا، يحمل سيفا من أعتى السيوف، و يتوفر على سلاح ذي ذخيرة لا تنضب، تتجلى في اعتماده على الفصول و المواد و نصوص القانون و مدوناته، يشرح مقتضياتها بكل ما ملك من معين معرفي و زاد علمي و بلاغة الكلام و أسلوب الإقناع، مستعينا في ذلك بالاجتهادات القضائية و الآراء الفقهية للوصول إلى الحق المشروع الذي يدافع عنه بكل جرأة و إقدام، و هي صورة جميلة و معبرة، إلا أنها في بعض الأحيان تتناقض بشكل مطلق مع المشاهد المروعة التي عايناها كمسؤولين مهنيين، عندما يهب الموكل، و قد تقمص دور الاتهام، واقفا يكيل الاتهامات لنفس المحامي بسبب وديعة، و هذا الأخير مُطأطأ الرأس فاقدا لجرأته و إقدامه متلعثما من جراء هول الحقيقة المؤلمة.
إن الصورة المنقولة أعلاه، و التي لا يقف مدى الضرر الناجم عنها في شخص المحامي المعني بها فقط، بل إن انعكاسات شظاياها تصيب، في كثير من الأحيان، الجسم المهني بأكمله، هي التي دفعت اجتهاد تلة خيرة من الزملاء إلى البحث عن تفادي حصول مثل هذا الأمر في المستقبل، إلا أن هذا الاجتهاد لم يسلم من الانتقادات.
ودون اعتبار لاحتجاجات بعض الجهات التي عارضت، و ما زالت تعارض تقنين المادة 57، لكون تلك المعارضة بالإضافة إلى عدم تقديمها للبديل المقنع، فإنها مؤسسة على مجرد دفاع عن مصالح مادية بحتة أو مواقع و امتيازات غير مستحقة، أغلبها دون خلفية مشروعة، فإن وجهة نظر بعض المنتقدين الحسني النية و الناجمة رؤاهم عن تحمس حقيقي و تحيز محمود للمشاعر المهنية، لا يمكن إلا أن يقدر في أصحابها غيرتهم على مهنتهم، إلا أن الأمر ينبغي ألا يأخذ من جانبه العاطفي المحض، بل بالبحث بكل هدوء و تعقل عن الصالح المهني واستبعاد كل ما من شأنه أن يشكل عائقا لممارسة المحامي لعمله دون أن يكون متأثرا بشبهات تخدش في سمعته، مع عدم التفريط في المرتكزات الأساسية التي تقوم عليها المهنة.
فبالنسبة للمحامي، فإن مهمته الأساسية تنحصر بشكل جوهري في الدفاع عن مصالح موكله و عدم إهمال أي سبب مشروع يوصل لهذه الغاية، و السعي بكل الوسائل القانونية لتوصل هذا الموكل بالحقوق التي أقرت له بها المحاكم. أما عملية قبض الأموال، فإن الأمر يتعلق بمجرد إجراء مادي، قد يكون يمثل بالملموس النتيجة النهائية للعمل و الجهد المبذولين طيلة حقبة من الزمن، إلا أن عدم القيام بعملية الأداء بين يدي المحامي فمن السذاجة اعتبار ذلك طعنا في أخلاقيات هذا الأخير أو بمثابة توجيه اتهام مسبق له بارتكاب محتمل لمخالفة مهنية.
و بالمقابل و بالنسبة للموكل، فإن النتيجة الطبيعية التي يسعى إليها كل ذي حق عندما يلجأ للمحامي لمساعدته على التوصل به، هي الحصول على الحق المذكور، و عندما يتعلق الأمر بأموال فأن يحصل عليها صاحب الحق من جهاز يخلقه المشرع للتكفل بهذه المهمة، ليس من شأنه أن يدخل أي خلل في علاقة المحامي بموكله، بل إن العكس هو الصحيح لأن الإجراء المذكور يحصن هذه العلاقة، ما دام يرفع عنها كل لبس أو شبهة و يجعلها خالية من كل أسباب الإبهام و التشكيك، علما بأن المقتضيات المنظمة لحساب ودائع و أداءات المحامين تحتوي على نصوص تضمن للمحامي الحقوق التي قد تكون له على المبالغ المستحقة له في الأموال المودعة في هذا الحساب.
إن المهام المسندة للمحامين لا تتلخص في القضايا التي تنشأ عنها عملية قبض الأموال فقط، لأن الكثير منا ينوب عن موكلين يطلبون إفراغ منزل أو استرجاع سيارة، و لا أخالني سمعت محاميا نفذ حكم إفراغ منزل أو استرجاع سيارة، يطالب بحق السكن في المنزل أو استعمال السيارة لمدة 60 يوما قبل تسليمهما لمالكيهما، و إلا اعتُبر ذلك تصرف أخرق منه قد يعرضه للمساءلة التأديبية، و لا أعلم سبب الإصرار على الاحتفاظ بالأموال دون المنزل أو السيارة، مع أن الكل يعود لملكية الموكل.
إن بعض المنتقدين، و منهم السيد النقيب بوعشرين، كما أكده بشكل علني في الاجتماع المنعقد بوزارة العدل المشار إليه أعلاه، بأنه لا يمكن تغريم كافة المحامين على وزر ارتكبته فئة قليلة تكاد تحسب على رؤوس أصابع اليد الواحدة، بينما تغاضى المسؤولون المهنيون السابقون عن ذلك بصرف النظر عن مثل هذه الممارسات الشائنة، بل و حتى بالتغطية عليها أو الامتناع عن مساءلة مرتكبيها. و هو الأمر الذي لا يمكن نكران حصوله بالفعل في بعض الهيئات، لدوافع أغلبها تشكله التكتلات الفئوية الهجينة التي تنتجها الانتخابات المهنية، إلا أن الواقع يثبت كذلك أنه في أغلب الهيئات فقد تحمل النقباء و أعضاء المجالس مسؤولياتهم عند ثبوت المخالفات بإصدار العديد من العقوبات التأديبية. إلا أنه و رغم كل ذلك، و حتى إن تم القضاء الكلي على الإفلات من العقاب التأديبي، و صار كل مرتكب للمخالفة المهنية يتعرض للعقوبة المناسبة، مهما كانت وضعيته أو ارتباطاته، فإن ذلك لن يؤدي إلى إيجاد حل جذري يطمئن بمقتضاه موكلونا على أموالهم، و ينزع أسباب التشكيك، و يضع حدا للطعن في ذممنا، و نسترجع بسببه الثقة الكاملة و الإيمان المطلق للآخرين بدورنا المحوري و الضروري في مجال عملنا، للسببين التاليين :
1 - لكوننا نعمل في إطار مهنة ذات طبيعة اجتماعية، إذ كما أن البعض منا ينوب عن التجمعات التشاركية أو التروستات الكبرى أو الشركات المتعددة الجنسيات أو العابرة للقارات، فإن البعض الآخر، و هم الغالبية العظمى، يدافع عن مصالح المواطنين العاديين، و جلهم لا ينتمي إلى الطبقات الميسورة، قد تشكل نتيجة المنازعة التي يسندها البعض منهم لمحاميه الفرصة الوحيدة في الحياة لتغيير الحال للأفضل أو قضية العمر، و بالتالي فكما أننا نسعى و نُجِدُّ في البحث عن كل الوسائل المشروعة التي تجلب النفع للمحامين، فإن علينا، بل و من واجبنا، أن نراعي حقوق موكلينا و نخلق الآليات التي تصون حقوقهم و مصالحهم و تدفع عنهم أي تعد على هذه الحقوق. إذ أن ارتكاب المحامي لأية مخالفة مهنية تهدر انتظارات موكله، و معاقبته تأديبيا عليها، إن كان يؤدي إلى تحقيق الغاية من العقاب، فإنه بالمقابل لن يفيد الموكل في شيء، لأن توقيف المحامي، أو حتى التشطيب عليه، لن يرجع لهذا الموكل حقه المهدور.
2 - إن لوائح و جداول هيئاتنا تتضخم دوريا بالمئات من المرشحين لمزاولة المهنة، و وفقا لأبجديات علم الإحصاء، فإن هذا التزايد سيؤدي بالحتم إلى تزايد حالات الخروج عن السلوك المهني القويم، و بالتالي فإن تكاثر الملفات التأديبية سيولد بالتبعية تعدد القرارات العقابية، و خلافا لما يتراءى للبعض، فإن مثل هذه القرارات لن تطمئن الموكلين، بل إن العكس هو الصحيح، لأنها ستزيد من دواعي الحذر و دوافع الاحتياط لديهم.
ومما تجدر الإشارة إليه أنه لا يجب أن نخجل أو نتستر على الخوض في مجال التأديب بشكل علني، كما دأب البعض منا على القيام به بحسن نية صونا للكرامة المهنية، بل إن الأمر المذكور ينبغي أن يكون إحدى نقاط قوتنا، على اعتبار أن شريحة المحامين، و خلافا للعديد من الشرائح المماثلة، عندما تتيقن من وجود ممارسات من شأنها أن تمس بوقار المهنة أو تضر بمصلحة مشروعة للأغيار، فإنها لا تتورع في اتخاذ القرار المناسب، إما بناء على طلب ممن يهمه الأمر أو حتى بدون هذا الطلب عن طريق الوسائل المتاحة قانونا.
في الأخير، لا بد من التأكيد على أمرين :
- إن المقتضيات التي جاءت بها المادة 57، و في حالة تطبيقها بشكل جيد، ستجعل المحامي، في أية مرحلة من مراحل السن المهني كان يوجد، بمنأى عن أموال الموكل، و ينجم عن هذا الأمر نقاء يده و نظافة ذمته، و بالتالي تمتعه بكل شجاعته و جرأته في مواجهة أي كان، للقيام بالمهمة المنوطة به بكل قوة و جدية و فعالية.
كما أن النتيجة المباشرة التي من المفترض أن تنشأ عما ذكر أعلاه، تتجلى في التخلص من الشكايات التي تنصب على الأموال و الودائع، و التي تشكل الهاجس الأكبر للمسؤولين ، سواء تعلق الأمر بالمهنيين أو الحكوميين، مما يؤدي إلى توفر النقباء و أعضاء المجالس على الوقت الكافي الذي كانوا يخصصونه لدراسة و البحث و التقرير في تلك الشكايات، قصد تصريفه في رعاية المولود الجديد و العناية به حتى يشد أزره و يمتلك عنفوانه، مما يدحض التعذر بكثرة الأشغال الذي لجأ إليه السيد نقيب هيئة الدار البيضاء كسبب لرفض إعمال مشروع النظام الداخلي لحساب ودائع و أداءات المحامين المعد من طرف جمعية هيئات المحامين بالمغرب، و كأن مجلس هيئة الدار البيضاء يتكون من النقيب وحده ليقوم «بتمثيل الهيئة وطنيا و دوليا و دراسة المراسلات الواردة والجواب عنها و دراسة الشكاوى الواردة من الموكلين أو من السيد الوكيل العام و الانشغال بمقررات تحديد الأتعاب»، بينما تم انتخاب أعضاء مجلس الهيئة 21 الآخرين للديكور و الواجهة فقط!
إن المشرع عندما حدد أعضاء المجالس بين 11 و 22 عضوا، بتدرج يتصاعد كلما تزايد عدد المحامين بالجدول، أكثر من نصف الأعضاء المنتخبين لهم تجربة كافية لممارستهم للمهنة لمدة تفوق 15 سنة، كانت غايته من وراء ذلك واضحة و بينة و هي منح الهيئات العدد الكافي من الأعضاء لكي يتحمل كل عضو منهم الاختصاصات المنوطة بالمجلس أو لتصريف الأعمال و التدخلات اليومية، أو مساعدة النقيب في مهامه سواء بتوكيل أو بدونه.
- إن التهديد المغلف الذي وجهه السيد نقيب هيئة المحامين بالدار البيضاء بالتغيب عن أشغال اجتماع مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب المقرر عقده في أواخر شهر دجنبر 2009، في ضيافة هيئة المحامين بخريبكة، هو رد فعل لا يليق بهيئة عتيدة و عتيقة من طينة هيئة المحامين بالدار البيضاء.
إن سياسة المقعد الفارغ أبانت عن فشلها المطلق على كل الأصعدة، بما فيها الصعيد المهني، و انتخابات مكتب الجمعية الأخيرة التي جرت في أكادير بتاريخ 25 أبريل 2009، خير دليل يجسد بالملموس ما ذكر. إذ أن الإعلان عن الانسحاب من اجتماع مجلس الجمعية كما أبلغ به نقيب هيئة الدار البيضاء زملاءه من الهيئات الأخرى، بقدر ما أضر بتاريخ هذه الهيئة المليء بالأمجاد و الإشراقات و المواقف المشرفة، بقدر ما أضر بالجمعية نفسها بحرمانها من طاقات و كفاءات من أعضاء مجلس هيئة الدار البيضاء، و مع ذلك فإن عملية الانسحاب المذكورة لم يكن لها أي تأثير على مسار الجمعية، لأن الانتخابات تمت بكل شفافية و نزاهة و أسفرت عن الاختيارات التي عبر عنها ممثلو المحامين في مجالس الهيئات.
إن المسؤولين السابقين لهيئة المحامين بالدار البيضاء لم يعودونا في الماضي، البعيد منه أو القريب، على إقامة فرز بين الهيئات الكبرى و الهيئات الصغرى، إلا أن السيد النقيب عبد اللطيف بوعشرين ما فتئ، سواء في تدخله باجتماع وزارة العدل أو في مقاله موضوع التعقيب، يصر على إطلاق النعوت القدحية بالاعتماد على القوة العددية لاستخلاص قناعات من السهل تفنيدها، و قد قيل قديما إنه قد يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر.
إن هيئة الدار البيضاء تتوفر على كفاءات مهنية شهد لها التاريخ بما قدمته من منجزات، سواء للهيئة نفسها أو لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، و قد اعترف و أقر الزملاء على الصعيد الوطني لهذه الهيئة بهذه الفضائل، و اعترافا منهم بذلك و كرد للجميل فقد بوؤوها مركز الصدارة من حيث عدد النقباء الذين تداولوا على رئاسة الجمعية منذ النقيب المرحوم المعطي بوعبيد إلى النقيب ابراهيم السملالي، مرورا بالنقيب محمد الودغيري، فالمدة الغنية بالمنجزات المادية و المعنوية التي عرفتها الجمعية في عهد النقيب عبد العزيز بنزاكور.
إن ما بدأ يقع تداوله من طرف البعض، و بتحريض من مسؤولين مهنيين، في محاولة لخلق كيان بديل عن جمعية هيئات المحامين بالمغرب، هو نوع من تدمير الذات و الحض على الانتحار الجماعي، و يشكل استخفافا بالمصالح العليا للمحامين في كل أرجاء المملكة، بناء على مجرد نزوة عابرة لم يستسغها المحامون، أو هلوسة و هذيان يُطْْلَبُ من كل المحامين تقاسمهما مع من أصيب بهما، أو تضخم خيالي للذوات جعلت أصحابها يصابون بغرور العظمة.
إن المشرع كان حكيما عندما جعل مهام النقباء لا تقبل أي تمديد، حتى يتسنى للمحامين إصلاح الأخطاء التي قد يكونوا تسببوا فيها من جراء إسناد المهام لمن لا يستحقها، أو إذا تبين أن ممارسة هؤلاء للمسؤولية لم تقدم أية قيمة مضافة للهيئة على الصعيد الداخلي، أو أدى سوء تدبيره إلى فقدان هذه الهيئة للمكتسبات التي كانت تتوفر عليها في محيطها المهني.
إن جمعية هيئات المحامين بالمغرب هي ملك لكل المحامين، و لن يصدق أي عاقل أن البعض منهم يحاول بطريقة دونكيشوطية إعلان الحرب على هذا المكتسب الذي أسسه قدماؤنا منذ حوالي نصف قرن. إلا أن التجربة أبانت، أن كل المحاولات السابقة التي كانت لها نفس الغايات، و في عز سنوات الرصاص، قد ذابت كما تذوب كرة الثلج في صحراء قاحلة، و بقيت قافلة الجمعية تواصل السير.
نقيب سابق لهيئة المحامين بسطات نائب رئيس
جمعية هيئات المحامين بالمغرب سابقا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.