انتهت قمة كوبنهاغن باتفاق صوري، لأنه كان من الصعب على البلدان الكبيرة العودة إلى بلدانهم من دون نجاح شكلي . كل له أسبابه في قول إن الملك ليس عارياً، قليل من الوفود من البلدان النامية المتضرر الأكبر من تجرأ على قول ذلك، بينما قامت بلدان أخرى بتغيير مواقفها بعد ممارسة الضغوط عليها، وكذلك إغرائها بصفقات تجارة الكربون الزهيدة في مقدارها . الصورية في الاتفاق لا تتأتى من كونه لامس الحدود الدنيا مجازاً، وإنما من كونه خاضعاً لهوى البلدان، أي أنه لا يلزم البلدان بتنفيذه تحت أي طائل، اللهم بعض الحرج . فالحدود الدنيا لا تنقذ الكرة الأرضية من نتائج الانبعاثات المتواصلة، بل هي ستزداد وستقود سريعاً إلى ما توقعه الكثير من العلماء من كوارث طبيعية . لكن الكوارث الطبيعية لن تتوزع بعدالة على العالم، ذلك أن محاولة ضبط ارتفاع الحرارة عند معدل أقل من درجتين مئويتين يعني أن ارتفاعها سيكون في إفريقيا بين ثلاث إلى ثلاث درجات ونصف مئوية . وسينجم عنها إدخال خمسين مليوناً من الأفارقة في خانة الجوع، كما يقول العلماء، وكذلك حرمان أكثر من خمسمائة مليون إفريقي آخر من المياه . كما أن قدرة البلدان الغنية على تلافي الكوارث كبيرة، بينما لن يكون للبلدان الفقيرة من خيار سوى الاكتواء بنيرانها . فالنجاح الشكلي مغرٍ للدول الغنية لأنه يجعلها تنقل العبء في المديين القصير والمتوسط إلى الدول الفقيرة، حيث إنها وهي الملوث الجوهري للبيئة تحمّل البلدان الفقيرة العبء الجوهري لنتائجه . وهذا نجاح قصير النظر، لأن تراكم التلوث قد يصل بالبيئة إلى حد ينكسر فيه التوازن البيئي الذي يغرق العالم غنيه وفقيره في أتون الكوارث البيئية، حينذاك ستكون الكلفة إنسانية، أي أن هذه الكرة الأرضية برمتها ستكون في أسوأ الأحوال معرضة للدمار بشتى أنواعه، أو في أحسن الأحوال ستكون البلدان الفقيرة فيها معرضة فحسب للكوارث . وفي هذه الحال، فلن تنحصر الكوارث ضمن حدودها، لأنه سينجم عنها تخلخل سكاني وأمني سيضرب من دون ريب شواطئ البلدان الغنية . وسيكون إقامة سور حولها لحمايتها من الهجرة ومن تبعاتها أكثر كلفة من كلف منع التدهور البيئي . وكما يقول المثل الغربي إن الأفكار والعادات القديمة لا تموت بسهولة، وهذا ما يفسر السلوك الغربي الذي يستعصي عليه قبول تغيير طرز العيش التي شب عليها . وما يعجز عن تقبله رضى فهو مقبل على الإذعان له غصباً حينما تبدأ نتائج إهماله، وأحياناً إنكاره للأخطار البيئية أو المترتبة عليها تضرب في عمق بلدانه . لم يفت الوقت بعد على المراجعة، وعلى اتخاذ القرارات الجذرية المؤلمة، ولكن الضرورية .