أرى أنّ صاحب "نكتة" صدمة طليقة اللاعب الدولي المغربي، أشرف حكيمي التونسية - الإسبانية من تسجيله كاملَ ثروتهِ باسم والدته، أخيراً، يصلحُ ليبدع سيناريو مسلسل درامي متين الحبكة في شهر "الفرحة"، عوضَ ما تمطرنا به الشاشة الصغيرة من "حماضة" بوصف الأغلبية. والشاهد، أن هذا الخبر الزائف الوارد "من أفريقيا"، ورّط كبريات المواقع الإخبارية العالمية. وهذه الواقعة، تأخذني رأساً، إلى أمّ الآفات في "الصحافة" المغربية، وهي سرقة الأخبار، وإعادة نشرها دون سند ولا تمحيص ولا تفنيد.. رغم أن قائلا قد يقول إن هذه الآفة كونية، وقد كشفت دراسات عديدة، إحداها أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا سنة 2018، أن انتشار الأخبار الكاذبة والإشاعات على وسائل التواصل الاجتماعي أسرع بكثير من الأخبار الحقيقية.. وغيرُ خافٍ، أن النحل أو الانتحال أو السرقات الأدبية (الفكرية)، موجودة منذ قرون كما أشار إليها أرسطو وغيره، وقد أسالت مداداً كثيرًا في التراث العربي، مع أسماء مثل ابن سلام الجمحي وخلف الأحمر وحماد الراوية، ثم طه حسين وآخرين.. لكن ومع الطفرة التكنولوجية والمعلوماتية الراهنة الهائلة، بات السُّرَّاق أي مقترفو هذه السرقات، يبدعون فيها أكثر فأكثر وبطرق جهنمية. وهنا ظهر مفهوم الملكية الفكرية المحمية بالقانون. فلا معنى بالمرة، أن تجد متربصين يسلخون كل يعنّ لهم، من تدوينة بسيطة على الفيسبوك، مرورا بالمقالات الإخبارية أو العلمية، وصولاً إلى الكتب والبحوث والمؤلفات دون حسيب ولا رقيب. وتنطبق حقوق الملكية الفكرية قانوناً، على كل شيء غير مادي أو محسوس، وهي مرتبطة بالإنتاج الذهني. وللدلالة على قيمة هذه الحقوق المعنوية الكبرى لدى أصحابها، يقول الموسيقار الألماني الشهير، لودجي فان بيتهوفن: "إنْ جاز لي أن أبيع عضوا من جسمي جاز لي أن أبيع أفكاري". ولا جَرَم في ذلك، فصاحب هذا الحق، يعصر ذهنه أيما عصرٍ ليصورَ ما يعتمل في صدره، وملاحظاته تجاه ما يحيط به، وما تحبوه به الطبيعة، وما يقدمه الكون الفسيح من آيات خليقة بالتأمل والتدبر والتفكر والإبداع.. وقَصصُ السراق لا تنتهي عجائبُها، منها قصة صحافي جمع بورتريهات كدّ فيها زملاء كثر ووضعها في كتاب باسمه دون موجب حق، وآخر استغل منصبه ليسطو على جهد الصحافيين العاملين بالمؤسسة التي يديرها ويخرج منه مؤلفا لم يشر فيه إلى حق أي منهم، وباحث "ألمعي" ينشر كل شهر كتاباً في دروب شتى بالسطو على مجهود زملائه من الأساتذة الباحثين بل وحتى الطلبة. وعلى ذكر الطلبة، فإن منهم سُراقاً محترفون وبالملكية الفكرية لا يعترفون.. ومن غرائب هؤلاء أن أحدهم سلخ بحث تخرجي للإجازة، إذ لم يسلم حتى إهداء البحث من انتحاله.. والمسوغ الأغرب ماذا؟! أسلوبه أعجبه وسيرة الواردةِ أسماؤُهم فيه شبيهة بسيرته! أما السرقات في عالم الصحافة عامة والإلكترونية خاصة، فحدّث ولا حرج. وهو ما يجعل من حماية حقوق الملكية الفكرية فيها من أكثر القضايا تعقيدا، لما يطرحه من إشكالات أخلاقية وقانونية، وما يخلفه من تبعات سلبية على حقوق الصحافيين والمقاولات الإعلامية مادياً ومعنوياً. فمن يسرق مقالك، كما قال لي أستاذي عبد الوهاب الرامي مرة، يسرق جهد عمر من الدراسة والتراكم والتكوين والتفكير.. لقد بتنا اليوم أمام واقع كوني مشوب بالسطو والسرقات الفكرية، يبدأ باستغلال شركات التقنية العابرة للحدود بشكل مباشر للمحتويات الصحافية، وما تجنيه بفضل من أرباح عظيمة دون أن تسدد مستحقات المقاولات الإعلامية، ولا ينتهي عند سرقات المحتويات الصحافية على المستوى الوطني، والتي ما فتئت تستشري في قطاع واسع من الصحافة الإلكترونية، حتى أصبح البعض يسميها صحافة "نسخ لصق" أو (Copier-coller). ألا يحدث مع الواحد منا وهو يتعهد نصاً كتبه بالرعاية، أن يعيد قراءته وتنقيحه مرات ومرات دون كلل ولا ملل، ذلك أنه يجد في الجهد لذة الأم الحانية على رضيعها، ثم يأتي من يغصب كل هذا بجرة قلم أو ضغطة زر في عصر الاستهلاك السريع. يقول العماد الأصفهاني: "إني رأيتُ أنه لا يكتب إنسان كتابًا في يومه إلا قال في غدِه: لو غُيِّر هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يُستحسن، ولو قُدِّم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل. وهذا من أعظم العبر..". لهذا، وغيره كثير، وبعد أن سبقه المشرع الغربي إلى ذلك منذ منتصف القرن 19، حرص المشرع المغربي (عبر القانون 2.00) على كفالة وحماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، وتعني هذه الأخيرة حقوق المؤدين مثل مغنين ونحوهم، من الاعتداء عليها بهدف ضمان سلامتها من التحريف والتشويه، وكل ما من شأنه الإضرار بها، وبالتالي ضمان حقوق أصحابها، وذلك من خلال وسائل وآليات متعددة تروم حماية هذه الحقوق. ولئن كان القانون واضحاً في اعتبار الحق الأدبي للمؤلف أحد الجوانب الفارقة في الملكية الفكرية والفنية، انطلاقاً من التركيز على حماية شخصية المؤلف بوصفه مبدعاً للمصنف، وحماية المصنف في حد ذاته، فإن الرهان الأكبر معقود على السمو بأخلاق الأفراد والمجتمع، حتى يرْبأوا بأنفسهم أن يكونوا سراقاً منبوذين، وفي نشر الأضاليل متورطين.