تيسير نفاذ الأشخاص معاقي البصر، والأشخاص العاجزين عن قراءة المطبوعات ، إلى المصنفات المحمية بحق المؤلف. وهي مبادرة ستكسر العزلة عن 314 مليونا من المكفوفين في العالم، يعيش 90 في المائة منهم في البلدان النامية. وبالرغم من الهدف الإنساني النبيل لهذه المعاهدة،فإنه كلما جرى نقاش في منتدى دولي يخص حقوق الملكية، برزمن خلاله وعي الدول الغربية بمصالح وحقوق مثقفيها، ودفاعها المستميت عن ذلك بكل السبل. واتضح فتور الدول العربية والإسلامية التي يعيش مثقفوها أوضاعا مزرية، نتيجة عدم استيفائهم حقوقهم المسلوبة، فعن أي "تيسير نفاذ" يتحدث المؤتمر، في غياب تفعيل القوانين الكفيلة بحماية مصنفات المؤلفين والناشرين من أي استغلال واستنساخ غير مشروع، وقرصنة فاضحة ؟! إن مراعاة الإستثناءات والتقييدات في استخدام المصنفات المحمية بحق المؤلف، تقتضي أولا الحرص على رعاية الأعمال الفكرية، الأدبية، العلمية، والفنية الخاصة بالمؤلفين وحمايتها، تطبيقا لمقتضيات القوانين الوطنية، والمعاهدات الدولية، والإتفاقيات العالمية الموقع عليها. فما أحوجنا في الظرف الراهن إلى عقد مؤتمر دولي لمحاربة "السرقات الأدبية" وصيانة حقوق المؤلفين من لصوص الفكر وقراصنة الإبداع. لقد كثر انتشار مختلف أساليب السطو على الجهد الفكري للمؤلفين سواء كانوا أدباء أوأكاديميين أوصحافيين، إذ لم يقف السراق عند سرقة أطروحة، أو بحث، أومقال، أوقصيدة ... بل شمل هذا السطو شتى فروع العلم والأدب والفن، عقب انفتاح الأجواء، وتعدد الوسائط. لذلك استفحلت هذه الظاهرة بشكل مثير، لتتحول إلى إشكالية معقدة، تقتضي نقاشا مجتمعيا، علميا، وقانونيا. لوضع حد لهذا الإسفاف، حيث غدا أشباه المثقفين في عداد الكتاب الكبار ! ومن فرط غباءهم تمسكوا بشهرة مزورة، واختاروا طريقا مزيفا للحضور، بانتحال أوسرقة إنتاج غيرهم، دون أن يوخز لهم ضمير،أو يرف لهم جفن، ظنا منهم أن ليس ثمة من يتابع أو يقرأ مايكتب، وسط ركام الصحف والمجلات الورقية والإلكترونية،ووقائع السرقات من هذا النوع أكثر من أن تعد و تحصى. إنني أستغرب تواتر ترديد عبارة"السرقات الأدبية" كاصطلاح شاع في أوساط المثقفين والباحثين لهذه الظاهرة المستنكرة، وهو تعبير- في رأينا- مرفوض لفظا ومعنى، بحيث يقرن بين كلمتي (الأدب والسرقة) وبينهما تنافر واضح لايستسيغ الجمع قسرا بين هاتين الكلمتين لأنهما ضدان لايجتمعان أبدا. وحتى لاتستشري هذه الظاهرة، نتساءل من يحمي حقوق المؤلفين من القراصنة ؟ يقول الدكتور عبد العزيز جسوس- من كلية آداب جامعة القاضي عياض بمراكش-:"..اختلاسات مفضوحة.. فالكتاب المغربي يتعرض لاستنساخ وقرصنة في الداخل والخارج..والمكتب المغربي لحقوق التأليف مجال تدخله بسيط جدا، لايمنح الحماية المادية، ولا الفكرية اللازمة للمؤلف، أقصى ما يعطي رقما، بعد ذلك يتركك وشانك، إلا ما فرض من بعض الأطراف... " وأشار الدكتور إدريس لكريني- باحث أكاديمي- أن الإعتداء على الملكية الفكرية يكرس ثقافة الإثراء بلا سبب، مؤكدا تنامي السرقات الأدبية مع تطور شبكة الانترنيت التي أصبحت تغري البعض بالإعتداء على الملكية الفكرية، مستغلين صعوبة كشف السرقات الأدبية في عالم الانترنيت الفسيح، ومبرزا المفارقة بين واقع تكنولوجي يتطور بسرعة، وأنظمة قانونية غير مواكبة للتحديات التي تواجه حماية حقوق الملكية. كما أوضح الدكتور لكريني أن للمؤلفين مجموعة حقوق إزاء مصنفاتهم: حق أدبي معنوي، وحق مادي... حقوق في مجملها تمنح لصاحبها الحق في مصنفه، وتتيح له إمكانية منع نشره، أو بثه، أوترجمته، أوتحويره... ومرجعية ذلك- يقول الدكتور لكريني- مصادقة المغرب على عدة اتفاقيات ذات الصلة بحقوق المؤلف، والدستور نص في بعض بنوذه على ضمانات تدعم حرية الفكر والنشر، لكن يلزمها التنزيل. تلك مقتطفات من أفكار وردت على لسان الأستاذين الفاضلين جسوس ولكريني، في معرض حديثهما عن" القراءة وحقوق المؤلف"خلال ندوة انعقدت مؤخرا في مراكش، بمناسبة احتفال وزارة الثقافة ومنظمة اليونسكو باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف. إن فتور الجهات التي نصبت للإشراف على احترام حقوق التأليف، جعل كثيرا من المواد المنتحلة لا تطالها قوانين حقوق الملكية الأدبية والفنية، ولاتمسها عقوبات رادعة، ترهب كل من سولت له نفسه خرق الحقوق الفكرية لغيره، مما يستدعي ضرورة تطوير قوانين حقوق الملكية وتفعيلها حتى تصبح أشد صرامة، وقابلية للتطبيق من أي وقت مضى. المسائية العربية / عبد المجيد أيت أباعمر