للإيمان حلاوة ألذّ من حلاوة العسل، وله طلاوة تظهر في استبشار المؤمن، فرحاً بوعد الله تعالى. ألا وإنّ من مصادر هذه الحلاوة الإيمانية التي تذوقها القلوب والأرواح المؤمنة، غض البصر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: »ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة ثم يغض بصره، إلا أحدث الله له عبادة يجد حلاوتها في قلبه« (رواه أحمد والطبراني إلا أنه قال: ينظر إلى امرأة أوّل رمقة أي بغير قصد، فيصرف بصره عنها). فهذه ثمرة من ثمار غضّ البصر، وهي حلاوة الإيمان التي جعل الله لها سبُلاً أخرى متكاملة، تثمرها في قلب المؤمن، وهذه السبُل هي في نفسِ الوقت علامات على وجودها وتحققها. وذلك ما جمعه الحديث النّبوي الشّريف: »ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرءَ لايحبه إلا لله، وأن يكره أن يُقذف في النار« (أخرجه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه). ووجه دلالة هذه الأسباب (الحقائق الإيمانية) وإثمارها لأزهار حلاوة الإيمان في القلب، أنّ كل واحد منها تعبيرٌ حقيقي كاملٌ عن الحبّ الإيماني الذي هو الغاية من العلم والعمل. فالعبادة التي ترادف، في التصوّر الإسلامي، المعرفة، في أسمى مقاماتها بدليل قول الله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ، أي ليعرفون، تثمر حلاوة ذوقية معنوية لها آثار حسية تستغرق كيان العابد الذّاكر. أوّل الأسباب التي ورد ذكرها في هذا الحديث الشريف أن تكون محبّة العبد للّه سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم فائقة لكل محبّة، سواء للوالدين أو الزّوجة أو الأولاد أو أيّ شخص أو شيء آخر. وهذا الحبّ الفائق يدلّ على كمال التوحيد والمعرفة في القلب، وعلى كمال التعظيم والتوقير كذلك. ومن عرف شيئا من عظمة الله سبحانه، وكمال المصطفى صلى الله عليه وسلم كان حبّه الإلهي وحبّه المحمّدي فوق كل حبّ دونما شك. وفي الحديث الشريف: »أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبّوني لحب الله وأحبوا آل بيتي لحبّي«، (رواه الترمذي) السبب الثاني أن يحب العبد إنساناً لايحبه إلا للّه، أي ابتغاء مرضاة الله، وبدافع الأخوّة الإيمانية لا طلبا لمال أو مصلحة أوجاه. وهذا الحب الإيماني المتبادل بين المسلمين هو الذي قامت عليه الحضارة الإسلامية، وتأسس على أركانه المجتمع والدولة الإسلاميين. فإذا غاب انحلت عرى المجتمع الإيماني، ودبّت دواعي الانهيار إلى أعضائه وبنيانه. السبب الثالث المثمر لحلاوة الإيمان في القلب أن يكره العبد أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النّار، وهذه الكراهية ترجمة شعورية لمدى تعلّقه بالإسلام ، وتمسّكه بالعروة الوثقى، وهذا دليل محبّته العظمى لهذا الدين الذي لا يبغي عنه بديلا لأن (الدين عند الله الإسلام ) فإذا اجتمعت هذه الأسباب في قلب مؤمن بالإضافة إلى غض البصر والإكثار من ذكر الله تعالى والصّلاة والسلام على رسوله الكريم نال من تلك الحلاوة الغالية حظا عظيما. وهذا المعنى لاتدركه إلا القلوب المتشوقة إلى مزيد الحبّ الإيماني.