لم تبق إلا أيام معدودة على اكتمال خمس سنوات على تعيين حكومة سعد الدين العثماني،سنوات عجاف مرت ثقيلة على أعناق وقلوب المغاربة، ستترك في ذاكرة المواطن الكثير من زلات هذه الحكومة و قراراتها اللاشعبية التي وجدت في جيوب المغلوبين على أمرهم هدفا مباشرا بلا رحمة ولا شفقة،وجعلت أحلام العاطلين في البحث عن شغل مجرد سراب،و عوض أن تحافظ على مكانة الطبقة المتوسطة دفعت بها نحو مدارك الفقر. سنوات عجاف،يصعب معها حصر إخفاقات حكومة تنكرت للشعارات التي رفعتها،وأدارت ظهرها لوعودها التي أخذتها على نفسها،وبطبيعة الحال لن تجد في الانتخابات التشريعية القريبة جدا المشجب الذي ستعلق عليه أسباب فشلها،فلا التماسيح ستسمح لها مجددا بأن تفسد عليها سكونها و هدوءها ،ولا مجال للقول بقلة حيلة اليد،والعصا التي تفرمل العجلة، بعدما منحها الدستور الكثير من الصلاحيات التي بقيت معطلة و دون تفعيل لحاجة في نفس يعقوب.
والأكيد، أن التدخلات الملكية المتبصرة و الاستباقية دوما،والاستراتيجيات الكبرى التي يقف عليها شخصيا وتوجيهاته الآنية، ستبقى شاهدة على ملكية مواطنة تتفاعل في كل حين مع حاجيات المغاربة أينما كانوا في الداخل أو المهجر،آخرها تعميم الحماية الاجتماعية بالمغرب كمشروع وطني كبير وغير مسبوق،بعدما بينت جائحة فيروس كورونا هشاشة مجموعة من القطاعات المهنية و غير المهيكلة التي تشغل الملايين من اليد العاملة،و كذا تعليماته إلى السلطات المعنية،وكافة المتدخلين في مجال النقل، للعمل على تسهيل عودة الجالية إلى المغرب بأثمنة مناسبة،الأمر الذي استقبل بحفاوة كبيرة من قبل هذه الفئة العريضة،والتي كانت ستشكل لولا هذا الإجراء صيدا ثمينا في غابة من الأسعار الملتهبة،مستغلة أيما استغلال لهفتها و حنينها لوطن لم تطأه أقدامهم منذ إغلاق الحدود.
ولأنني لا أميل كثيرا إلى السواد،و أتسمك دوما بخيط الأمل في المستقبل،فلما لا نفكر جميعا في الحل؟هل نستسلم للأمر الواقع،ونرفع الراية البيضاء أمام مصباح لا ينير ؟أو نترك نفسنا لتلعب بنا الريح كما تلعب بالحمام كيفما تشاء ؟ وهل نجعل من مقاطعة الاستحقاقات الانتخابية سلاحا وتعبيرا عن عدم القبول بواقعنا ؟
الأكيد أن الجواب العقلاني عن الأسئلة الثلاثة، هي "لا و لا و لا" ،فهذه الاستحقاقات مصيرية و حاسمة في رسم معالم صورة مغرب الغد،مغرب التغير و الانفتاح و الحقوق و المساواة و العدل، قولا وفعلا،مغرب يتحدى الصعاب أمام خصوم الجغرافيا الذين لا هم لهم سوى محاولة النيل من مصالح بلادنا،مغرب يأخذ بيد الشباب إلى بر الأمان لا نحو أمواج المجهول،مغرب تتجسد فيه لحمة الطبقات الاجتماعية بدل تغذية الصراع فيما بينها،مغرب توزع فيه الثروات بالعدل على الأفراد و الجهات،مغرب يشعر فيه أبناء المناطق الحدودية و الجبلية و القروية بالتنمية الحقيقية.
وبالتالي، من العبث أن نتجاوب مع جهة تنادي إلى مقاطعة هذه الانتخابات لا لشيء سوى أن فكرها الضيق يصور لها حسابيا بأن أصوات مريديها و أتباعها ستمكنها من تحقيق فوز مضمون،أما نسبة المشاركة حتى ولو كانت جد ضعيفة فلا يهمها في شيء،وهناك أيضا فئات تعتقد بأن مقاطعتها تعبير عن رفض الواقع المعيش،في حين الوطن يحتاج لكل صوت لتصحيح ما يمكن تصحيحه،فكما يقال من لا يمارس السياسة تمارس عليه،ومن لا يصوت في الانتخابات لا حق له في الانتقاد فيما بعد.
وهنا يبرز حزب الاستقلال،كفاعل أساسي في الساحة السياسية بالمغرب،والذي جعل في هذه الفترة البرلمانية الانتدابية من المعارضة الوطنية نهجا له،ومن الترافع الدائم عن انشغالات المواطنين،و مطلب ضمان العدالة الاجتماعية و المجالية شعارا له. حزب بمسار نضالي حافل،باتت الأضواء مسلطة عليه بعدما تقلد قيادته أمين عام بصفحة بيضاء،وسياسي محنك له بعد النظر،وبتجربة سياسية ناجحة في كل المهام التي تقلدها،و بوجه مقبول لدى العامة وهي صفة ونعمة ربانية لا يحظى بها إلا القليلون.
وكمناضل استقلالي،أقول وبافتخار"نحن البديل" لأن رصيدنا السياسي شاهد على نجاحات كبيرة في تدبير الشأن الحكومي،وتكفي العودة لانجازات وزرائنا السابقين للوقوف على ذلك في مختلف القطاعات التي تحملوا مسؤوليتها،وهنا تعود بي الذاكرة إلى الأيام القليلة التي سبقت نهاية حكومة الأستاذ عباس الفاسي،عندما التقيت بأحد أصدقائي من حملة الدكتوراه،بمناسبة تظاهرة عارمة في شارع محمد الخامس وسط العاصمة الرباط،فقال لي بالحرف "هناك اقتناع كبير لدى هؤلاء المتظاهرين،مفاده أننا إذا ما لم نتمكن من تحقيق مطالبنا في عهد حكومة عباس الفاسي، فالأمر سيصبح شبه مستحيل مع أي حكومة أخرى..." .
نحن البديل لأن حزبنا له رصيد تاريخي زاخر في خدمة الوطن و المواطنين و ثوابت الأمة،برجاله ونسائه الذين أبلوا البلاء الحسن في رسم صور من التضحية و النضال من أجل الاستقلال،والإسهام في بناء وطن جديد،وفي مقدمتهم الزعيم الراحل علال الفاسي،وهو القائل "أبعد مرور الخمس عشرة ألعب.. وألهو بلذات الحياة وأطرب" بعدما وهب شبابه للكفاح المستميت،فكانت آخر كلمة نطق بها هي "مغربية الصحراء" حينما باغته الموت داخل قصر الرئيس الروماني تشاوشيسكو،حينما كان يحاول إقناعه بأن الحرب الباردة شيء، ووحدة وسيادة الدول شيء آخر لا ينبغي تجاوزها بسبب أي خلافات إيديولوجية.
نحن البديل، لأن ايديولوجية حزبنا واضحة و ثابتة منذ عقود،أيديولوجية متجددة ومُجددة حسب الظروف و التطورات،ايديولوجية تبدع في وضع الحلول الممكنة،وتجعل مصلحة الوطن فوق أي اعتبار.
نحن البديل،لأن حزب الميزان، بقيادته الجديدة التي لا تشتغل بمنطق المناسبة أو اقتناص الفرص أو الدكاكين الحزبية،بل أبوابه دوما مفتوحة لكل من طرقها،و سباقا لطرح قضايا المواطنين،و تقديم البدائل لمختلف الإشكاليات،حزب قادر على إبداع الحلول بعيدا عن جيوب المغاربة،وعلى إعادة الثقة للمواطن في مؤسساته المنتخبة،و دعم القدرة الشرائية للفقراء و الطبقة المتوسطة من خلال برنامج انتخابي ستأتي الفرصة لاستعراض مختلف فقراته.