دارت دوائر الزمان دورتها حتى وجدت الدبلوماسية الجزائرية نفسها مجبرة على الدفاع عن سيادتها على منطقة تندوف، التي خصصتها قبل زهاء نصف قرن لاختلاق ورعاية المشروع الانفصالي الهجين بمخيمات تندوف مأوى وقاعدة انطلاق ميليشيات ومرتزقة جبهة البوليساريو. يوم الجمعة الماضي، تدخل سفير الجزائر بباريس بعصبية وانفعال للاحتجاج على تجرئ مجلة «لوبوان» الفرنسية على وصف ولاية تندوف كمنطقة خاضعة لسيطرة جبهة البوليساريو، ناعتا التقرير الصحفي للمنبر الصحفي الفرنسي بالانزلاق الخطير.
الدبلوماسي الجزائري، نقل غضب الدوائر المسؤولة الى مدير المجلة إيتيان جارنيل كاتبا في بيان حقيقة «استغربت كثيرا لما ورد في المقال الذي نشرته النسخة الرقمية لصحيفتكم (لو بوان أفريك مع وكالة الأنباء الفرنسية) بتاريخ 19 يناير على الساعة 11:45 تحت عنوان «مناورات جزائرية في الصحراء بالقرب من الحدود مع المغرب»، الذي يستند إلى برقية لوكالة الأنباء الفرنسية». محتجا على أنه كان لازما على قسم تحرير المجلة الفرنسية التحقق من المعلومات المذكورة بالمقال قبل الخوض في «ادعاءات لا أساس لها من الصحة بخصوص الانتماء الاقليمي لولاية تندوف «محيلا على جملة في المقال الأصلي المنشور تفيد بأن تندوف (جنوب) إقليم تابع للصحراء تحت سيطرة جبهة البوليساريو ومنطقة حدودية مع المغرب». ومصححا بأن تندوف ومن باب التذكير جزء لا يتجزأ من الجزائر. غضبة الدبلوماسية الجزائرية التي أسهبت المنابر المقربة من جنرالات قصر المرادية في تفكيك وتحليل خلفياتها الى حدود اتهام مجلة لوبوان بالاصطفاف الى جنب وسائل الإعلام والصحافة والتلفزيون الفرنسية المهيمنة والمنحازة إلى الرباط ، ضمن توجه تزعم مواقع الجنرالات أنه يسعى إلى شيطنة الجزائر منذ خطوة تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل. عقلية المؤامرة ضد الجزائر دأبت الصحافة الجزائرية الموجهة على إقحامها وتسويقها بهتانا وكذبا كلما تعلق الأمر بصفعة أو كبوة تتلقاها دبلوماسية قصر المرادية وتكون السيادة والمصالح المغربية طرفا مباشرا أو غير مباشرا في سياقها.
التشنج البالغ للجزائر الرسمية من مجرد « زلة صحفية»، مقصودة أو غير مقصودة تهم مسألة السيادة الترابية في حالة تندوف وعلاقتها بمخيمات العار بتندوف التي تحتضن بذرة المشروع الانفصالي، بقدر ما يعري ما تبقى من مصداقية الخطاب والسلوك الرسمي للجارة الشرقية، فإنه يضع النزاع المفتعل في عمقه وإطاره الدولي والسياسي والقانوني الصحيح، حيث نظام المرادية ينفعل أشد الانفعال لمجرد التشكيك العارض في سيادته الترابية لولاية حدودية مع المغرب لكنه لا يرى مانعا في وضع نفس الرقعة الترابية منذ عقود تحت تصرف جماعة انفصالية مسلحة يصرف عليها سنويا قرابة نصف مليار دولار من خزينة الشعب الجزائري.
إنها الورطة الفاضحة والتجلي الصارخ لمدلول الآية القرآنية «ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله» حيث لا يعلم الغيب الا الله و لكن لنتصور أن الجماعة الانفصالية اياها وبعد فترة من اليأس والضياع والتيه قدرت أنها تمتلك بحكم الواقع وسيرورة العرف الحق التاريخي في احكام سيطرتها على المخيمات والاطار الاداري التي احتضن أجيالا من أحلامها الانفصالية. حينها هل ستحرك الجزائر جيوشها لتحرير جزء من ترابها تخلت عنه اراديا لغاية في نفس يعقوب لم تقض، أم ستجد سمعتها وقد فقدت ما تبقى من ماء الوجه للتفاوض السلمي حول نزاع افتعلته قبل عقود وتعجز في أمد قريب عن التخلص مما راكمته من تبعات وألغام متعددة الجوانب جرائه....