لا يزال الشعب الجزائري الشقيق يرزح تحت حكم نظام عسكري ذي بزة مدنية؛مهيمن بقبضة حديدية على البلاد والعباد منذ أكثر من أربعة عقود ؛كلما نفّس أحد الرؤساء الوافدين عن الشعب بزرع الأمل في الديموقراطية إلا وتصدت له العسكرتارية بالعمل على اغتياله؛واستحضار البديل المطواع الخدوم لمصالحها. إن الطفرة الديموقراطية التي تشهدها الشعوب اليوم كانت السبب في اختفاء الأنظمة العسكرية؛حيث بعد أن سقطت هذه الأنظمة في البلدان الفقيرة بسرعة؛فإن ذلك قد يتطلب بعض الوقت في البلدان النفطية أو الريعية؛بفضل ما يوظفه الجيش من أموال في تسليح نفسه وتقوية عدته وعتاده حماية للذات. ويعمل النظام الجزائري جاهدا من حين لآخر على إطالة عمره بطرح من الأطروحات المغلوطة؛حيث بالإضافة إلى نهب الثروة النفطية وتوظيفها في ذلك؛كان محظوظا مرة أخرى في إطالة عمره بكونه منقذ الشعب الجزائري من «الإرهاب»؛بعد إلغائه للانتخابات التشريعية سنة 1992؛وهي أطروحة مغلوطة يبين الواقع المأساوي اليوم زيفها؛وذلك بعد فشل مشاريعه في السلم والمصالحة التي احتفل الجيش بعشريتها الأولى مؤخرا مع المسلحين في الجبال من جهة؛وانبثاق حركات اجتماعية غاضبة بشكل يومي في مختلف أرجاء التراب الجزائري من جهة ثانية. إن الواقع الجزائري اليوم هو على فوهة بركان خامد؛حيث يشخص التقرير السنوي لسنة 2009 للتنمية البشرية العربية الوضع الاجتماعي الجزائري بأنه في وضعية متردية؛وهو ما نراه يعج اليوم بانتفاضات وهزات اجتماعية قوية؛تنفيسا للشعور العام باليأس والإحباط والإقصاء والتهميش والفقر المدقع والهجرة السرية عن طريق قوارب الموت والكيل بمكيالين بين مناطق الشمال ومناطق الصحراء الجزائرية؛حيث بالإضافة إلى الإضرابات العمالية يلتحق الموظفون في الجماعات المحلية والصحة والتعليم بهذه الإضرابات؛و حراك هذه الأخيرة هو إيذان بانهيار الطبقة المتوسطة الجزائرية؛التي تضطر إلى إعداد العدة لإعلان غضبها الاجتماعي؛علما أن انتفاضة الشرائح الاجتماعية هي أكثر خطورة من المليشيات الإسلامية المسلحة؛وهو ما فيه تهديد خطير للأمن والاستقرار بالجزائر؛بصفتها رابع أكبر مصدر للغاز عالميا وثامن أكبر مصدر للنفط. إن الهيئات النقابية للعمال والموظفين في القطاعات العمومية تحذر الحكومة الحالية من تكرار سيناريو أحداث 5 أكتوبر 1988 الدامية؛بعد نهج القطاع الخاص لسياسة التسريحات العمالية؛وبعد تدهور القوة الشرائية للمواطن الجزائري عموما؛وانخفاض مستوى الأجور إلى مستوى خطير؛حيث أن دخل الموظف الجزائري هو الأضعف بالمنطقة؛إذ بعد زيادة أجور البرلمانيين ب 300 بالمائة فإن 85 بالمائة من أجور الجزائريين لا تلبي إلا 10 أيام من احتياجاتهم اليومية،في الوقت الذي كان من الممكن العيش مرتين أفضل من المغرب وتونس. ويعرف النظام الجزائري تدهورا ملحوظا على المستوى الاقتصادي حيث تؤكد تقارير المؤسسات الدولية المختصة تزايد البطالة في أوساط الشباب بنسبة 30 بالمائة تقريبا؛وارتفاع مستوى التضخم إلى حوالي 12 بالمئة في هذه السنة؛مما جعل الشركات الدولية تحزم حقائبها وتغادر الجزائر ومثال ذلك شركة «إعمار» الإماراتية؛وشركة «أكسا» للتامين الفرنسية؛وشركات نفطية أمريكية أخرى غاضبة كانت تتأهب بدورها لذلك لولا حلول مسئولين حكوميين أمريكيين من أجل معالجة المشاكل القانونية المطروحة؛والتي تتجلى أساسا في عدم التزام الحكومة بالعقود الدولية وفي تغييرها المزاجي لقوانين الاستثمار والتجارة الخارجية وفرضها نسبة 51 بالمائة في الشراكة لصالح الجزائريين وعدم دستورية القانون التكميلي المالي؛مضيفين إلى هذه الهشاشة الاقتصادية تراجع التحويلات المالية للجالية الجزائرية بالخارج بشكل ملحوظ؛حيث هي أضعف مقارنة مع تحويلات المغاربة بالمهجر؛إذ قدرت سنة 2007 ب 1,2 مليار دولار، وهو ما يمثل ثلاثة مرات أقل مما يحوله المهاجرون المغاربة( 7,6 مليار دولار)وأربعة مرات أقل مما يحوله المهاجرون المصريون (6,7 مليار دولار). إن ما يزيد من هشاشة الوضع بالجزائر اتجاه النظام العسكري الحالي بشكل قوي نحو سياسة التسلح عوض اعتماد سياسات تنموية للبلاد؛ويستغرب في ظل هذه الوضعية المتردية أن يأمر الرئيس برفع ميزانية وزارة الدفاع لسنة 2010 إلى أكثر من 421 مليار دينار بدل 383 مليار في السنة الحالية؛ويسعى جاهدا اليوم إلى تنويع مصادر تسليحه من روسيا والولايات المتحدةالأمريكية وفرنسا وانجلترا وغيرها؛والتوجه نحو إنشاء مفاعلات نووية لغاية غير سلمية؛مما يهدد السلم والأمن والاستقرار الدولي بالمنطقة المتوسطية. إن نزول المواطن الجزائري إلى الشارع بات اليوم مبررا دفاعا عن الحق في السكن وفي التعليم والصحة والعيش الكريم؛استفادة من خيرات بلاده؛بعد أن سئم من معاينة إهدار المال العام في البنوك الأجنبية والسلاح والمؤتمرات الشكلية والتهريب وتسليح بعض الميليشيات؛كمرتزقة البوليزاريو الذين يتم تحريضهم من أجل زعزعة النظام السياسي المغربي؛لن يقبل بلد المليون شهيد بالمهانة طيلة حياته في نفاق سياسي مع جنرالات مستبدين؛آخذون بالجزائر الخضراء إلى الهاوية.