لم يبالغ محمد الشيخ بيد الله حين قال للذين حضروا لقاء حزبه بمدينة الداخلة إن «الأصالة والمعاصرة» جاء بعد مسار ميزه تفكير جاد وعلى أساس معرفة دقيقة بأحوال البلاد. فمؤسس الحزب الجديد.. لا يستمد نفوذه من كونه زميلا سابقا للملك محمد السادس في فصول الدراسة، وأحد أصدقائه المقربين فقط.. بل إن الهمة ظل لسنوات، يباشر مهمة التنسيق بين أجهزة الاستخبارات والاستعلامات ببلادنا منذ أن أبعد رجل إدريس البصري في الإدارة العامة لمراقبة التراب الوطني علابوش ووضع مكانه الجنرال العنيكري القادم من عالم الدرك والمخابرات العسكرية قبل أن يعتبر أن مرحلة هذا الأخير على مستوى تعرف الحاكمين على الأحوال الدقيقة للمملكة قد استنفدت مهامها.. خلال تلك الفترة، كان الجنرال العنيكري يباشر مهامه الأمنية بقبضة من حديد، لكنه في نفس الوقت كان يضع خطوطا حمراء لتحركاته تجعله بعيدا عن عالم السياسة.. وكلما صادفه ملف يحيل عليها مباشرة لم يكن يتردد في رفع سماعة الهاتف ليخبر المشرف المباشر على نشاطه.. فؤاد عالي الهمة. اليوم أصبح كاتم أسرار المملكة الأول الذي تتجمع فوق مكتبه التقارير الملخصة والمفصلة لأحوال البلاد والعباد يباشر مهمته من موقع آخر غير ذلك الذي كان يشغله من قبل.. فجميع تلك التقارير والمعطيات التي كان يتوصل بها ليتخذ أصحاب القرار موقفهم كانت لا تفي بالغرض حين لا يجد هؤلاء الأحزاب التي تكمل دورهم للدفع بالمغرب إلى حل مشاكله.. أو هكذا كان يتصور الأمور صاحب الأصالة والمعاصرة. أما أول اختبار لهذه المعرفة الدقيقة بأحوال البلاد فهو قضيتها الأولى.. الصحراء. لقد نزع الهمة قبعة الدولة عن رأسه ولبس قبعة الحزب.. والحل المقترح لنزاع الصحراء أصبح بدوره يبتعد عن مشاريع الدولة ليقترب من مشاريع الحزب.. فقريبا يمكننا أن نتوقع عودة الصحراويين الغاضبين من منفاهم الاختياري، سواء بالجزائر أو دول أخرى، ليس تلبية لنداء «الوطن غفور رحيم» وإنما لنداء حزب الهمة الأخير الذي سمي ب«نداء وادي الذهب»، الذي أطلقه من مدينة الداخلة.. فكل ما كان يطالب به الهمة من قبل، باسم الدولة أصبح يطالب به الآن باسم حزب سياسي، سرعان ما أصبح الحزب الأول من حيث عدد المنتخبين البرلمانيين. وعلى مستوى احتلاله للصفحة الرئيسية لوكالة المغرب العربي للأنباء.. وإثارة اهتمام عدسات كاميرات القنوات العمومية.. ولينجح نداء وادي الذهب في احتلال مكان «الوطن غفور رحيم»، يستند الحزب في دعوته، على ما اعتبره انتقالات عرفها المغرب في العشرية الأخيرة تحت قيادة الملك محمد السادس، والتي قادت، حسبه، إلى تدعيم خياره الديمقراطي وطي صفحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان واقتراحه لمبادرة الحكم الذاتي. لهذا فهو«يهيب بالمغاربة الصحراويين المتواجدين بدول الجوار وأوربا وأمريكا اللاتينية إلى العودة إلى الوطن الذي يتسع للجميع، ويضمن بفضل اختياراته الديمقراطية إمكانية العيش المشترك وبناء مغرب الغد». لا أتصور أن «نداء وادي الذهب» سيكون صيحة في واد.. فكما أنجح «سخاء» الدولة شعار «الوطن غفور رحيم» فيما قبل، سينجح «سخاء» الحزب في استقدام عائدين جدد.. لكن «السخاء» المقصود لن يجمع شمل العائلات التي ظلت مشتتة طوال عقود.. والبرلمانيون الأوربيون أدركوا أن أولوية أبناء أقاليمنا الجنوبية مرتبطة بالجانب الإنساني أكثر من غيره في المرحلة الراهنة.. ولنكسب قلوب الناس يجب أن نقول لهم الحقيقة أولا.. مهما كانت مرة.. فالعبرة بالنتيجة. أما الحقيقة التي يمكن للهمة أن يعرفها، فلن يجد أفضل من امبارك أرسلان - مدير المكتب الجهوي للديستي السابق- ليقولها لحزبه رغم أنه غادر مكتبه بأكادير منذ سنوات.