لم يكن أحد يتوقع، بمن في ذلك فؤاد عالي الهمة مؤسس حزب الأصالة والمعاصرة، أن الهجوم الثاني عليه وعلى مشروعه السياسي سينطلق من أصدقائه في المربع الملكي الذين اشتغل معهم لمدة 10 سنوات إلى جانب الملك محمد السادس. الهجوم الأول جاء من قبل تيار في الاتحاد الاشتراكي يتزعمه إدريس لشكر، عضو المكتب السياسي للحزب، فيما عرف ب«الوافد الجديد» الذي اعتبره بيان شهير للاتحاد بمثابة ردة عن التطور الديمقراطي الذي عرفته البلاد. الهجوم الثاني جاء من العدالة والتنمية عقب حوارات عدة هاجم فيها الهمة، الذي ينعت بصديق الملك، رفاق العثماني وبنكيران، بل وحدد لنفسه وحركته مهمة «محاربتهم»، بل وصل الأمر إلى حد تهجم الهمة شخصيا على رئيس فريق العدالة والتنمية في مجلس النواب، وهو الأمر الذي دفع الرميد إلى الرد على الهمة واتهامه بالوقوف خلف دفع الحزب إلى المشاركة في تظاهرة مفبركة ضد مجلة «لوجورنال» بدعوى نشرها لرسوم تسيء إلى النبي محمد (ص)... والهجوم الثالث جاء من الحركة الشعبية، التي اعتبر زعيمها الخالد المحجوبي أحرضان أن الهمة له يد في طرد الحزب من المشاركة في حكومة عباس الفاسي. أما باقي الحروب السياسية على «الوافد الجديد»، فجاءت من أمين عام حزب التقدم والاشتراكية إسماعيل العلوي، الذي نعت الهمة وأتباعه قبل أسبوعين ب«اللقطاء»، أما الكومسير عرشان فقد اتهم الداخلية بالتواطؤ مع حزب الأصالة والمعاصرة، وحمل الهمة مسؤولية الارتباك الحاصل في المشهد السياسي وفي حركة «الترحال» التي أصابت نواب الأحزاب في اتجاه حزب الجديد... كل هذا في كفة وهجوم الأصدقاء القدامى للهمة في كفة أخرى. مصادر قريبة من الهمة قالت ل«المساء»: «للأسف الشديد، هناك بعض أعضاء محيط الملك، وخاصة في الدوائر الأمنية والمالية والإعلامية، يرون في الهمة خطرا على مواقعهم». كيف ذلك؟ يجيب ذات المصدر، مع التشديد على عدم ذكر اسمه: «إنهم يخشون من حزب الأصالة والمعاصرة وقدرته على تغيير المشهد السياسي برمته، مما يتوهمون معه أن مواقعهم ستصبح في خطر...». إنها لعبة توازن القوى إذن بين رفاق دراسة محمد السادس وبعض مستشاريه المخضرمين وبعض القيادات الأمنية التي رأت في صعود نفوذ الهمة في المشهد الحزبي، زيادة على نفوذه النابع من صداقته للملك، خطرا على مصالحها... لكن أين تدق طبول هذه الحرب الثانية ضد الهمة ومشروعه الذي يوصف مرة بكونه «فديك جديدا»، ومرة أخرى بكونه حزبا ولد وفي فمه ملعقة من ذهب؟ نفس المصدر يقول: «هناك حملة إعلامية يقودها بعض المقربين من المربع الملكي في صحيفتين يوميتين، واحدة صادرة بالرباط وأخرى في البيضاء»، ليس هذا كل شيء، حيث يضيف ذات المصدر أن «التظاهرة التي نظمت ضد الهمة في مدينة اليوسفية إبان الحملة الانتخابية للاستحقاقات الجزئية كانت تظاهرة مفبركة سهر عليها بعض رجال السلطة». أكثر من هذا -تقول مصادر أخرى- أن بعض الأسماء التي اقترحها الهمة لمواقع المسؤولية بدأت تُهمش، وأن المقاربة التي دافع عنها حول حقوق الإنسان ووظيفة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بدأت تضعف بعدما غادر موقعه في وزارة الداخلية». كل هذه الوقائع يعتبرها مصدر آخر مقرب من الضفة الأخرى غير دقيقة، ويضيف: «على الهمة أن يختار موقعه بدقة. لا يمكن أن يضع رجلا داخل السلطة وأخرى خارجها. ثم إن تحفظ وحتى رفض قطاعات واسعة من الأحزاب السياسية لمشروعه حقيقة غير قابلة للإنكار». مصدر آخر مستقل عن الطرفين يرى في صراعات أقطاب الحكم شيئا طبيعيا، خاصة وأن واحدا منهم خرج من عرين الأسد ويريد أن يظهر لزملائه أنه قادر على اللعب في أي مكان يوضع فيه. هذا حتما سيجعل الآخرين يتكتلون ضده ويستعدون لجعل عودته إلى مكانه شيئا صعبا إن لم يكن مستحيلا... يستعد الهمة لعقد مؤتمر حزبه التأسيسي مطلع السنة المقبلة. وعدة مصادر من داخل الأصالة والمعاصرة تقول إن الهمة أعلن صراحة عن عدم ترشحه للقيادة، وهذا معناه أن الهمة لم يحسم بعد في الدور الذي يريد أن يلعبه في الساحة السياسية. ربما ينتظر إشارات من فوق، من يدري.. قد يعيش مشروع الهمة ليؤدي دورا أكبر وقد يموت في المهد.