تشهد الساحة السياسية المغربية تصاعدا ل"الغزل السياسي" بين حزبي "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" اليساري المشارك في الائتلاف الحاكم و"العدالة والتنمية" الإسلامي المعارض، وذلك بتلميح قيادات من الحزبين في تصريحات إعلامية مختلفة عن وجود إمكانية جدية لتحقيق نوع من التنسيق بين الحزبين في الانتخابات البلدية المقرر إجراؤها بعد شهرين، رغم تأكيدها على أن هذا الحديث ما زال أوَّليا. "" ورأى محلل سياسي مغربي في تصريحات ل"إسلام أون لاين" أن التنسيق بين الجانبين "جدي ووارد وإن كان لن يرتقي إلى مستوى التحالف"، وخاصة أن الحزبين المختلفين فكريا يتفقان على الوقوف ضد حزب الأصالة والمعاصرة برئاسة صديق الملك فؤاد عالي الهمة. ووصف إدريس لشكر، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي، التقارب الحاصل بين "العدالة والتنمية" و"الاتحاد الاشتراكي" بأنه نوع من الاتفاقات الحزبية "العفوية"، واعتبر في الوقت نفسه الحديث عن "التحالفات فيما يخص الانتخابات هو حديث سابق لأوانه. وقال لشكر في تصريح لأسبوعية "الحياة" مؤخرا: "إن هناك اتفاقا بين الحزبين بخصوص الظروف التي يجب أن تجري فيها الانتخابات المحلية، وهو ما أكده المجلسان الوطنيان لكليهما، فالحزبان معا يرفعان شعار محاربة ومقاومة المفسدين الانتخابيين، ويدعوان إلى القيام بمبادرات لوقف هذا النزيف". وتأتي هذه التصريحات من القيادي الاشتراكي قبل نحو شهرين من الانتخابات البلدية المقررة في يونيو المقبل والتي تتنافس فيها الأحزاب المغربية على 1503 جماعات (أصغر الوحدات الإدارية بالإدارة المحلية)، منها 1282 جماعة قروية و221 حضرية. ويدور الحديث عن التنسيق بين الحزبين في وقت يتوقع فيه مراقبون أن يحقق حزب الأصالة والمعاصرة بزعامة فؤاد عالي الهمة نتائج جيدة في الانتخابات استنادا إلى علاقاته الشخصية الوطيدة بالملك محمد السادس، على حد رأيهم. وكان عبد الواحد الراضي الكاتب الأول (الأمين العام) لحزب الاتحاد الاشتراكي المغربي قد تعهد عقب توليه رئاسة الحزب في أواخر 2008 في بيان بالعمل في إطار تحالف أوسع يتجاوز التيارات الاشتراكية، وهو ما رآه مراقبون إشارة ضمنية لإمكانية التحالف مع حزب العدالة والتنمية الإسلامي. تنسيق لا تحالف وقوبلت تصريحات لشكر بإيجابية من حزب العدالة والتنمية، فلم يستبعد "عبد الله باها" عضو الأمانة العامة للحزب إمكانيات التقارب في الانتخابات المقبلة وفي قضايا إصلاح الوضع السياسي في البلد. وقال "باها" في تصريحات خاصة لشبكة "إسلام أون لاين": "إن الحديث عن التعاون والتنسيق بين الحزبين هو أمر وارد وممكن، وذلك من أجل ترسيخ الديمقراطية وتفادي تدخلات المفسدين، سواء في الانتخابات أو في الوضع السياسي العام". ورأى أنه "يمكن التنسيق في لجان مشتركة لمراقبة سير العملية الانتخابية والحفاظ على طابعها التنافسي الديمقراطي من أي تدخل". أما بخصوص التنسيق في عمل المجالس المنتخبة فيأتي "الحديث عن إمكانيته من عدمها بعد ظهور النتائج وذلك نظرا لأن نمط الاقتراح يلزم كل حزب بلائحته الخاصة". أما بخصوص التنسيق في عمل المجالس المنتخبة فيأتي "الحديث عن إمكانيته من عدمها بعد ظهور النتائج وذلك نظرا لأن نمط الاقتراح يلزم كل حزب بلائحته الخاصة". وأرجع "باها" لجوء الحزبين المختلفين في المرجعية إلى التنسيق بينهما بقوله: "حزبا العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي يمثلان الطبقة الوسطى بمرجعيتين مختلفتين، والوضع الطبيعي هو أن يتنافسا، لكن المشكل هو غياب الديمقراطية، وبالتالي تهديد الحزبين معا، وبالتالي فالتنسيق في مثل هذه الظروف ممكن، أما التحالفات الإستراتيجية على المدى البعيد فمستبعدة". وهو نفس الاتجاه الذي ذهب إليه إدريس لشكر بقوله: "ما زلت أعتبر أننا على نقيض مع حزب العدالة والتنمية فيما يتعلق بالمرجعية.. لكننا نعتقد أن العمل السياسي تحدث فيه اتفاقات إما انتخابية أو حكومية". وذكر بحكومة التناوب التي ترأسها القيادي بالاتحاد عبد الرحمن اليوسفي عام 1998، والتي "عقدت اتفاقا مع حزب العدالة والتنمية على أساس المساندة النقدية (بالمشورة) بدون أن يتواجد في الحكومة ". أشخاص لا مؤسسات وتعليقا على الحديث المتصاعد عن إمكانيات التنسيق والتقارب بين الحزبين رأى المحلل السياسي المغربي "ميلود بلقاضي" أن التنسيق ممكن وذلك لثلاثة عوامل: "مواجهة وزارة الداخلية ورموز الفساد، ومواجهة حزب الأصالة والمعاصرة، وتنبيه الفاعلين المركزيين في النظام السياسي إلى قيمة وأهمية الحزبين في المشهد السياسي المغربي". واعتبر أستاذ تحليل الخطاب السياسي أن "الحديث عن التنسيق قائم الآن على مستوى أشخاص ولم يرق بعد إلى قرار المؤسسات، فإدريس لشكر هو من يقود هذه الرغبة من جانب الاتحاد مقابل بعض القيادات من العدالة". وأشار إلى أن تطور الاستعدادات الجارية للحزبين قبل الانتخابات "هو الكفيل بالحكم على سير هذا التنسيق أو تعطيله"، لكنه استبعد "التحالف الإستراتيجي بين الحزبين لأنهما متنافسان ولكل منهما مشروعه الفكري الخاص". يذكر أن العلاقة بين الحزبين الإسلامي والاشتراكي عرفت لحظات مد وجزر، إذ شهدت توترا شديدا إبان أحداث 16 مايو 2003 الإرهابية بالدار البيضاء حيث اتهمت قيادات من داخل "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" حزب "العدالة والتنمية" بما أسمته "المسئولية المعنوية" عن العمليات الإرهابية. غير أن هذا التوتر تراجع مؤخرا، إذ سبق لنفس القيادي في الحزب الاشتراكي "إدريس لشكر" أن دعا إلى تطبيع العلاقة والتنسيق بين الحزبين رغم اختلاف موقعهما السياسي بين الحكومة والمعارضة، كما أن بعض منتخبيهما المحليين ينسقون فيما بينهم في إطار عمل البلديات المحلي كما هو حال في مدينة فاس، حيث يعارض ممثلو الحزبين تسيير "حميد شباط" القيادي الاستقلالي للمدينة رغم ائتلاف الاتحاد والاستقلال في الحكومة. وفي المقابل شهدت علاقة الاتحاد الاشتراكي مع حلفائه في الحكومة نوعا من التراجع، خاصة مع غريمه حزب الاستقلال الذي يقود الحكومة، وذلك على خلفية مطالبة الأول - قبل تراجعه - بضرورة القيام بإصلاحات دستورية قبل الانتخابات القادمة، وهو ما عارضه حزب الاستقلال، كما كان موقف الاتحاد الاشتراكي معارضا لظهور حزب الأصالة والمعاصرة الذي أسسه صديق الملك "فؤاد علي الهمة" رغم دعم الأخير للحكومة. إسلام أونلاين.نت