من 9 غشت، تاريخ استقالته من وزارة الداخلية وإلى اليوم قام فؤاد عالي الهمة بأشياء كثيرة وشغل صديق الملك الناس بتحركاته في كل اتجاه.. لكن أكثر من ذلك كان الهمة أينما حل وارتحل يتكلم..عن البرغماتية السياسية، و«المجتمع الحداثي»، و«صديقي الملك» و«تعديل الدستور»..ليقتنع في النهاية أنه عليه أن يكشف جميع أوراقه للمتتبعين، وهنا أيضا لم يتردد في القول «غادي نخلقو الحزب ديالنا»..إنها ملامح حزب الهمة القادم. عندما قدم فؤاد عالي الهمة استقالته إلى ملك البلاد في التاسع من غشت من العام الماضي، وغادر أعتاب البلاط في اتجاه الشارع العام، بعد أن تخلص من عباءة الوزير المنتدب في الداخلية سيقرر صديق الملك، في الدقائق الموالية لقبول الاستقالة تسليم آخر شيء في عهدته من دار المخزن إلى أصحابه، حيث سيركب سيارة المرسيدس السوداء لآخر مرة وسيحملها بأقصى سرعة إلى مكانها بوزارة الداخلية، وفي ذلك المساء سيتناول كوب قهوة مع أحد أصدقائه، حيث سيسر له بكلمات تحمل أكثر من معنى بما مضمونه: «أنا بغيت نرتاح»..«دوزت 20 عام في الداخلية عايش في التقارير»..«كنت خايف نولي بحال البصري». في الأيام الموالية لهذا الكلام سيرحل الهمة لآداء العمرة في الديار السعودية، لغسل «ذنوب» 20 سنة من التقارير والخطط بأم الوزارات، فيما تكفلت وكالة الأنباء الرسمية بالإعلان عن ترشحه للانتخابات التشريعية للسابع من شتنبر.. هل استقال الهمة أم أقاله الملك؟ كان السؤال مهما آنذاك، لكنه في أيام قليلة سيصير بدون معنى، فالرجل، تقول بعض المصادر، «حافظ جيدا على علاقته بالملك.. حتى أن علاقته بالداخلية لم تنقطع وبعض التقارير كانت تصله إلى البيت» وهو ما وضحه الملك بنفسه في رسالته إلى صديقه المخلص على إثر وفاة والده الحاج أحمد عالي الهمة: «يكفيه شهادة على تجسيده لهذه المناقب الجميلة، أن يكون أنجب أمثالك(...) لتكون من خيرة الرفاق لنا في المعهد المولوي (...) لنؤكد لك بما تحظى به لدى جنابنا من ثقة مولوية دائمة ورضى موصول وعطف سابغ»، انتهى. ليبقى سؤال واحد يطفو على السطح: «ماذا يريد أن يفعل ابن الرحامنة في السياسة؟» الجواب سيكون هذه المرة على لسان أبناء الرحامنة وسكان بن جرير «إنه مرشح سيدنا» الأمر الذي سيؤكده الهمة فيما بعد في مجلة «جون أفريك» حين أسر الهمة للمقربين منه بأنه تحدث إلى الملك حول ترشحه في بن جرير لتمثيل المنطقة في مجلس النواب، حيث فاجأه رد محمد السادس الذي أجابه بحماس: «راودتني مثلك نفس الفكرة، ماذا تنتظر؟» انتهى الأمر فقد أعطى الملك الضوء الأخضر لصديقه..شعب الرحامنة سيمنحه كل الأصوات في 7 شتنبر تحت يافطة «مرشح سيدنا»..والإعلام الوطني سيتكلف بالحملة.. بقي أمر واحد «ماذا سيفعل الهمة بكل هذا؟». الحركات التسخينية شغل فؤاد عالي الهمة الناس بتحركاته في كل اتجاه.. منذ خروجه من وزارة الداخلية وإعلانه نيته الترشح في الانتخابات البرلمانية في مدينة الرحامنة. اكتسح صديق الملك الانتخابات في دائرته، بعدما خاض حملة انتخابية غير مسبوقة، وحصل على ثلاثة مقاعد، وقد حازت لائحته على أكثر من 45 ألف صوتا، وسارع إلى تشكيل فريق برلماني من سبعة أحزاب صغيرة، وأعلن دعمه للحكومة، بعدما لعب دورا من وراء الستار في إقحام عدد من مقربيه فيها. لم تمض إلا مدة قصيرة حتى أعلن تشكيل «حركة لكل الديمقراطيين»، التي زادت من غموض نواياه، وأكدت أن الرجل لم يخرج من وزارة الداخلية ليرتاح، وأنه يعد «شيئا أكبر من حزب سياسي» كما يحب هو أن يقول، وفيما ظلت رواية أصدقاء صديق الملك قريبة من كلام الهمة بما مضمونه «إن الحركة إطار للديمقراطيين للتفكير في مستقبل المغرب» اتجه خصومه إلى القول إن خروج الهمة كان وراءه مشروع سياسي يرمي إلى تشكيل «حزب القصر»، وأن حركة لكل الديمقراطيين ما هي إلا محطة يقف فيها «جرار» الهمة في طريقه نحو الحزب، الذي سيكلف بمواجهة الإسلاميين وإعادة تشكيل قطب من الأطر والتيكنوقراط مؤيد «لمشروع محمد السادس».. مشروع يقوم على انفتاح ديمقراطي متحكم فيه، وعلى اتجاه اجتماعي ليبرالي (رغم أنف الماركسيين السابقين في الحركة)، وعلى إدارة الشأن الديني تحت يافطة إمارة المؤمنين..«ما هذه الخلطة؟» «إذا كان هذا مشروعا ملكيا فالأمر مفهوم» لكن، يتساءل أحد المصادر، «واش الملك في حاجة إلى حزب ما دامت كل الصنادق الحزبية مستعدة لتقديم كل شيء»، فيما قال مصدر آخر: «هل سيلعب الهمة دور الفزاعة في مشهد سياسي بدون معنى؟ وأظن أن حزب الهمة هو مسألة وقت وفقط»، السيناريو الثالث حسب نفس المصادر هو أن «ما يحدث سينتهي في وقت معلوم».الباحث محمد الطوزي يحسم في هذه النقطة قائلا: « أظن أن هذه الحركة جاءت لتقديم إجابة عن سؤال أزمة النخب وميكانيزمات استقطابها»، ويضيف؛ «المشكل بالنسبة إلي أنا كمحلل اليوم هو أزمة النخب، والسؤال الذي أطرحه الآن هو: هل هذه الحركة ستتمكن من تقديم جواب لهذه الأزمة في حقل سياسي يعرف انتشار الانتهازية إلخ»، ويؤكد الطوزي في نفس تصريحاته ل«المساء»: «يجب ألا تبلور الحركة مرجعيات على مستوى القيم ويجب أن تتوفر على رؤية سياسية واضحة» هنا مربط الفرس والسؤال بسيط: «كيف يفكر الهمة وماذا يريد أن يصنع؟». ما قبل الدارالبيضاء من 9 غشت إلى اليوم، سيكتسح الهمة الصفحات الأولى للجرائد المغربية، وسيتحول إلى صانع الأخبار في المغرب أينما حل وارتحل. كل العدسات مصوبة باتجاهه كما ستبدأ نوايا الرجل في تأسيس حزب سياسي «شبيه بتجربة الفديك لرضى كديرة» في الظهور، خصوصا في اللقاء التواصلي الذي عقدته «حركة لكل الديمقراطيين» في مدينة الرباط، حيث سينسى الهمة ترديد جملته الشهيرة «نحن حركة ولسنا حزبا..ولانفكر في تأسيس حزب سياسي»، وسيتحدث لغة أخرى مفادها: «السياسة جزء من اهتمامات الحركة وإنه يجري وضع آليات لتصريف المضمون السياسي عبرها»، هنا بدأت قصة أخرى في طريقة عمل الهمة، وسيتطور الأمر بسرعة البرق وفي نفس الأسبوع في الحوار الذي أجراه مع مجلة «لاغازيت»، حين سيصرح بأن «الحركة تحتاج إلى ذراع سياسي، والجماعات المحلية محطة أساسية بالنسبة إلينا، وسوف نركز عملنا فيها بشكل كبير». هل كانت «حركة لكل الديمقراطيين» مجرد «محطة استراحة» ليرتاح صديق الملك قبل أن يقلع في اتجاه مطار الحزب؟ الأمر يؤكده شيء آخر مبكر حدث قبل لقاء الرباط وقبل حوار «لاغازيت»، عندما خرج الهمة بشكل مفاجئ على القناة الثانية يوم 10 شتنبر 2007 يومين بعد حمله صفة برلماني، و سيوجه صفعة إلى حزب العدالة والتنمية على الهواء مباشرة وصفها أحد المتتبعين لمسار الشخص بأنها «لم تكن خرجة إعلامية عادية لأن الهمة عندما يريد الكلام فهو من يطلب ذلك»، وأضاف نفس المصدر الذي يشتغل على سوسيولوجيا الإعلام: «لقد كانت تلك أول رسالة إلى أن الهمة يسير في طريق تأسيس قطب سياسي منافس للإسلاميين». هنا يرد الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي الموحد، بنسعيد آيت يدر: « ما يحدث اليوم هو تكرار لما وقع سابقا.. والخطأ هو أنه في وقت الانفتاح السياسي حين ينبغي إعطاء إمكانيات لأحزاب مستقلة سياسيا عن الإدارة فهذه الأخيرة تنشئ بديلا»، ويستطرد آيت يدر: «هذا ليس صحيحا وليس سليما، ولن يكون أفضل مما كان عليه الأمر في بداية الستينات وأقصد هنا تجربة الفديك» أما المقربون من الهمة آنذاك فقد اكتفوا بالقول إن «الأمر طبيعي وكلام الهمة عن الإسلاميين صحيح». هنا كان من اللازم الرجوع إلى الإسلاميين لمعرفة ما إذا كان كلام صديق الملك آنذاك قد أنبأهم بما قد يحدث في المستقبل القريب، ولم يتردد مصطفى الخلفي، الباحث في الحركات الإسلامية وعضو المجلس الوطني للعدالة والتنمية، في تصريحات أدلى بها ل«المساء» في القول: «احتمالات نجاح الهمة في تشكيل قطب سياسي منافس للإسلاميين هي احتمالات محدودة، إذا اشتغل بإمكاناته الذاتية والعادية، لكن في حال تدخل الإدارة المحلية لمصلحته كما حصل في بعض المناطق، فيمكن له أن يشكل قطبا منافسا لكن دون عمق شعبي حقيقي»، وهذا رد فعل طبيعي لكن هل حزب الهمة المناهض للإسلاميين قادم لا محالة؟ يستطرد الخلفي « هذا خطاب فيه ارتجالية وتبسيط شديدان، والحركة إلى حد الآن لم تستطع أن تبلور تصورا لعلاقاتها السياسية مع المحيط الحزبي والسياسي، ووجود تصور غير واضح هو الذي أدى بالحركة إلى أن تقع في سلسلة من الأخطاء مع هذا المحيط». إيديولوجيا الهمة «كان علينا أن نختار أفضل الطرق للدفع بالأفكار التي نؤمن بها إلى الأمام والمشاركة في الحياة المؤسساتية. لبلوغ ذلك، كان من اللازم علينا التوفر على فريق برلماني، لكننا كنا نريد بأي شكل أن نتجنب كل خلط (...) لا يمكننا أن نمارس السياسة إذا لم نكن براغماتيين»، هكذا تحدث فؤاد عالي الهمة في حواره المطول مع مجلة «لاغازيت» عما يمكن اعتباره نوعا من «البرغماتية السياسية» التي لا يعرف أي شخص من أين تأخذ مفاهيمها، الأمر الذي علق عليه أحد الأساتذة الجامعيين، رافضا الإفصاح عن اسمه، «ما كاين لا براغماتية سياسية، ولا وليام جيمس ولا كارل ماركس ولا إسلام سياسي..السيد مع الملك أوصافي». تعليق الأستاذ الجامعي فيه الكثير من الصواب، فصديق الملك لم يتردد في كل لقاءاته وفي كل أحاديثه، حتى الحميمية منها، في التعبير عن اعتزازه وفخره بالعلاقة التي تجمعه بملك البلاد، وأكد ذلك بلغة واضحة في اللقاء التواصلي الذي عقدته «حركة لكل الديمقراطيين» بجهة مراكش تانسيفت حين قال في وجه الجميع: «صداقتي مع الملك عمرها 30 سنة، ومن حق أي أحد في مكاني أن يفتخر بذلك، لكن مسار أي شخص هو عمله ونتيجة هذا العمل ولاشيء غير ذلك». ظل الهمة منذ أولى خرجاته السياسية يتحدث عن ثلاث أفكار أساسية: «مجهود كبير وتقدم لا يمكن تجاهله حصل في المغرب خلال السنوات الأخيرة، لكنه لم ينعكس على المجال السياسي كما ينبغي»، الفكرة الثانية: «الاعتماد على توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وعلى تقرير الخمسينية»، والفكرة الثالثة: «النتائج الصادمة لاستحقاقات 7 شتنبر وأزمة النخب»، هكذا ظل الهمة يتحدث ويقدم الإحصاءات وبين جملة وأخرى كان يرفع الإيقاع من حين لآخر، مرة للتذكير بعلاقته بالملك، ومرة لمهاجمة الإسلاميين، ومرات أخرى للقول إن «الجدل الدائر حول إمكانية تحول حركته إلى حزب يجب أن ينتهي لأنها لن تكون حزبا في يوم من الأيام». لكن بين كلمات شعاراته المعروفة وخطابه السياسي يتحدث الهمة عن الديمقراطية ويصفها قائلا إن «المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه الديمقراطية هو تقبل الاختلاف وحمايته»، كما أن لديه وجهة نظره في الإسلاميين وعلاقة السلطة بالدين يلخصها قائلا: «على الأرض لا يوجد فقط تيار ظلامي، بل هناك تيار آخر(...) نحن لا نريد وصفات من الخارج في المجال الديني.. لأن عندنا الإسلام المغربي.. نحن نرفض أي فتنة مبنية على الدين». ويؤكد صديق الملك في غير ما مرة أن مشروعه المجتمعي والسياسي لا يمكن أن يخرج عن «مشروع جلالة الملك» ويتبلور أساسا في: «العمل على استثمار برنامج التنمية البشرية الذي وضعته الدولة ليستفيد منه السكان»، أما الدستور فبالنسبة إليه «أصبح متجاوزا.. وهناك حاجة إلى تعديله الدستور، من أجل توزيع السلط بين المركز والجهات». خطبة الدارالبيضاء يعتبر العديد من المتتبعين لمسار قادة «الجرار» أن الخطبة التي ألقاها فؤاد عالي الهمة بالدارالبيضاء «قطعت الشك باليقين.. والهمة سيؤسس حزبا سياسيا وما بقي ليس إلا مسألة وقت فقط» يقول أحد مسؤولي حزب الاتحاد الاشتراكي، وهي الكلمة التي لخص فيها صديق الملك كل شيء: «هاد الخليط والتخلاط اللي ولا عندنا ديال الأحزاب السياسية ولا كثير» يقول الهمة في كلمته التي ألقاها أمام قرابة 2000 شخص، والتي بدأها معبرا عن خوفه من تنظيم هذا اللقاء بمدينة الدارالبيضاء: «في الحقيقة لما كنت جاي لكازا كنت خايف، الدارالبيضاء كنت ديما كنسمع أنها مدينة كبيرة وكتخلع». لكن خوف الهمة من الدارالبيضاء سينتهي في الحال وسيطلق كلمات «محسوبة» لا تحمل معان متعددة: «اليوم أنا مستعد للمحاسبة، إذا كانت العشر سنوات التي قضيتها في خدمة بلادي وأمن بلادي سجلت تجاوزات، ومستعد للمحاسبة في حالة ثبتت في حقي مسؤولية هذه التجاوزات». ويضيف الهمة دون تردد: «لدينا رؤية وسنذهب في الطريق الصعب، وليس لنا الحق في ارتكاب الخطأ»، وبكلمات شخص يعرف ما يدور حوله جيدا يستطرد: «هم يقولون إن هذا الشخص سيستغل الدولة.. واش الملكية بهذه القوة والمشروعية غادي تحتاج لأي قران باش يحميها». دقائق قليلة قبل أن ينهي صديق الملك كلامه كان من اللازم أن يختم بإيقاعات واضحة، بعد استراحة «الجرار» في «حركة لكل الديمقراطيين» وكانت الكلمات التالية: «يجب أن نعمل في هذه الحركة وهي ماشي ديال الهمة ولا اخشيشن ولا حتى واحد.. يقولون إن مشاكل المغرب لا يمكن حلها إلا عبر حزب سياسي وهذا الإطار سيكون»، وكانت آخر كلماته: «غادي نمشيو نخلقو الحزب ديالنا وبالفور ياشيفور». حركة الهمة... أطياف مختلطة لم تمر سوى أشهر قليلة على ميلاد حركة لكل الديمقراطيين، حتى استطاعت أن تجتذب إليها العشرات من الحزبيين والسياسيين والمثقفين والفنانين والرياضيين ومن كل الأطياف، من اليمين إلى اليسار مرورا بالوسط، بل من أقصى اليسار الذي كان بالأمس يريد أن يحارب الدولة، وأن تخترق أحزابا وهيئات قائمة لتغترف منها أطرها لتبني نفسها. ومنذ أن تأسست حركة لكل الديمقراطيين تلقت، حسب مسؤوليها، مئات الطلبات للالتحاق بها من مشارب مختلفة وشخصيات من عالم المال والأعمال والفن والثقافة، ومن جهات مختلفة تمثل جميع مناطق المغرب. انطلق تراكتور الهمة بعدد من الوجوه المحسوبة على اليسار وعلى عالم رجال الأعمال، مثل مصطفى الباكوري، مدير صندوق الإيداع والتدبير الذي صار صاحب شكارة حركة الهمة، وعزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري، الذي يصفه البعض ب«امبراطور سوس»، وأحمد اخشيشن، وزير التربية والتعليم، المنحدر من قلعة السراغنة، والشيخ بيد الله، وزير الصحة السابق، الذي يمثل الأقاليم الجنوبية في الحركة، كون الرجل ينحدر من طانطان وشقيقه ما زال عضوا في جبهة البوليساريو، وصلاح الدين مزوار، وزير الاقتصاد والمالية، القادم من التجمع الوطني للأحرار الذي تجرد من حزبيته في برنامج «حوار» وأثنى على حركة الهمة ثناء منقطع النظير، وصلاح الوديع، الذي اجتاز تجربة الاعتقال السياسي في سجن القنيطرة قبل أن ينتهي داخل جبة المخزن، ليصبح شاعر الحركة، ونعيم كمال، الصحافي السابق في جريدة حزب الاستقلال»لوبينيون»، قبل أن يصبح عضوا بالهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ويستقر في حركة الهمة كخيار سياسي، وأحمد حرزني، رئيس المجلس الملكي الاستشاري لحقوق الإنسان، الذي انطلق مع حركة «لنخدم الشعب» اليسارية في السبعينات وانتهى مع حركة الهمة، وكذلك ثريا جبران، الممثلة التي «صلع» لها المخزن رأسها في بداية التسعينات ثم عاد ليكافئها على صبرها، وإلياس العماري، الريفي الجوال الذي يتحرك كثيرا من خلف الستار والذي يقال إن الهمة يتواصل معه باستمرار، والعداء العالمي هشام الكروج، الذي يريد أن يتذوق طعم السياسة من بابها الواسع بعد أن وصل إليها راكضا على قدميه فقط. تنتمي مكونات حركة لكل الديمقراطيين إلى مختلف التيارات السياسية، ربما لأنها لا تريد أن تترك أي فراغ داخلها من حيث التمثيلية، وتسعى إلى أن تكون فعلا تجمعا «لكل الديمقراطيين»، أينما كانوا، طالما أن الديمقراطية اليوم ينادي بها الجميع، بما في ذلك المخزن نفسه، ولتعطي لنفسها طابع التعدد والشمول والجمع بين الأصالة والمعاصرة، كما هو اسم فريقها البرلماني في مجلس النواب. وقد شكلت الجولات المكوكية التي قام بها الهمة وقبيلته إلى مختلف جهات المغرب، مناسبات أخرى لاستقطاب أعيان ووجهاء تلك الجهات لتأثيث البيت الداخلي لحركة لكل الديمقراطيين، ذلك لأن التصور السياسي للهمة عن المغرب المعاصر، كما يقول ويردد المقربون منه، هو أن ينبني على جهوية موسعة، والجهوية الموسعة لا يمكن أن تبنى بغير نخبة من تلك الجهات نفسها. إنه التصور الجديد الذي جاء به الهمة، والذي لا بد أنه يحمل بعضا مما يريده القصر. محمد الطوزي: الإسلاميون يمكن أن يتقربوا من الهمة وضع مقاربة من نوع: «نجاح أو فشل الهمة في تشكيل قطب سياسي منافس للإسلاميين» هو أمر مغلوط نوعا ما، لأن منطق التقاطبات في المغرب له معايير أخرى، من قبيل معيار «المحافظة والتغيير» الذي يخترق سواء حركة لكل الديمقراطيين أو الإسلاميين، كما أن هناك مسألة أخرى، وهي أن الإسلاميين يشكلون جسما متناسقا يتحرك وفق ما يعيشونه من تغيرات وهو ما يمكن أن يقربهم من جانب من هذه الحركة، مادام أننا لم نطرح بعد الأسئلة الجوهرية التي قام على أساسها هذا التقاطب، فلايمكن أن نتكلم عن تقاطب من خلال حركتين سياسيتين في مشهد سياسي يعيش حالة «إعادة التركيب». أما هل ستنجح هذه الحركة أم لا فأنا أظن أنها جاءت لتقديم إجابة عن سؤال أزمة النخب، وميكانيزمات استقطاب النخب.. وعندما يعتبر أعضاء الحركة أن الإسلاميين ظلاميون مثلا فذلك أمر خاطئ، والمشكل بالنسبة إلي كمحلل اليوم هو أزمة النخب، والسؤال الذي أطرحه الآن هو: «هل هذه الحركة ستتمكن من تقديم جواب لهذه الأزمة» في حقل سياسي يعرف انتشار الانتهازية إلخ، بدون أن تبلور مرجعيات على مستوى القيم وبرؤية سياسية واضحة جدا يمكن أن تؤثت الحقل السياسي وأن تخلق فيه تقاطبات وليس تقاطبا واحدا.