وضعية عاملات النظافة بالمغرب… خرق للقانون وسط إهمال المسؤولين نساء يتحملن ظروف العمل القاسية لكسب لقمة عيش كريمة * العلم: وفاء البغواني نشيطة هي ببذلتها، تستيقظ تارة على صوت المنبه، و تارة لا تنام بسبب التعب أو خوفا من غفوة النوم و عدم الاستيقاظ في الوقت المحدد. تتكبد عناء إعداد وجبتي الفطور و الغذاء لأسرتها قبل التوجه للعمل، و في بعض الأحيان توكل هذه المهمة لفرد آخر. تسابق الزمن بين مفترقات الطرق من وسيلة نقل لأخرى، وقد تقطع مسافات طويلة عبر أزقة قد تكون خالية وغير آمنة لتصل إلى مكان عملها. تقضي جل النهار في تنظيف مخلفات بشر مثلها أملا في راتب زهيد آخر الشهر تنفق منه وزوجها، تعود منهكة في المساء لتؤدي وظائفها الأخرى التي وجدت نفسها مجبرة عليها، تتساءل كل يوم قبل النوم هل سيتغير قدرها يوما؟ وهل سيكون بإمكانها قضاء يوم دون انحناء لالتقاط "المهملات" وتنظيف الأرضية؟ هزالة الأجور وشبح الطرد عاملات النظافة أو "ملكات النقاء"، يشكلن شريحة واسعة من النساء اللواتي لجأن اضطرارا لخدمة الغير عوض مد أياديهن، منهن الأرامل والمطلقات وحتى المتزوجات اللائي يقاسمن أزواجهن "صعوبة الزمان"، لسد نفقات العيش القاسية. هن بطلات يعملن داخل البيت وخارجه ولا يتحدثن عن معاناتهن إلا قليلا… يباشرن عملهن قبل الجميع ويشتغلن في البيوت والمدارس والمستشفيات والمكاتب وحتى الشوارع، يقمن بكل أنواع الأشغال من غسل ومسح وتجفيف وتعقيم… ويتعرضن لمختلف الأخطار في غياب الضمان والتأمين. تقول نعيمة والحزن يخالط نبرة صوتها: "رحل زوجي عن هذا العالم فوجدت نفسي مضطرة لإعالة أبنائي الأربعة لوحدي، توكلت على الله و"شمرت على دراعي" واشتغلت عاملة للنظافة في مدرسة أبنائي في البداية، دون ترسيم وبراتب غير قار(بين 400 و600 درهم) للشهر، لكنني رغم من ذلك، أمضيت هناك فترة طويلة لأن أوقات العمل مكنتني من البقاء بجانب أبنائي باستمرار، ثم اتجهت إلى شركة تنظيف بالرباط قدمت لي راتبا أعلى :1300 درهم مقابل ساعات عمل أطول، كنت أشتغل صباحا ومساء، فعندما أنتهي من تنظيف المستشفيات أمر للمكاتب وهناك كان يطلب مني بعض الموظفين أو مديري المكاتب المرور لتنظيف منازلهم مقابل أجر أضافي، لكن الشركة و بسبب أزماتها المالية لم تحترم في مناسبات عديدة شروط العقد بيننا، فتأخرت في منحنا الأجور في وقتها المناسب تارة و قلصت من رواتبنا أخرى. ولم يكن لي أمام هذه التجاوزات سوى الصبر وانتظار الفرج كما لم يكن بمقدوري الاعتراض بتاتا خوفا من تهديدات المسؤولين بالطرد". تشتكي عاملات النظافة أثناء مزاولة مهامهن من انتهاكات عديدة، فأغلبهن يعملن ساعات طويلة قد تصل إلى 12 ساعة ليلا أو نهارا حسب ما طلب منهن، وليس لديهن أي وثيقة ترسمهن إداريا وتعترف بهن قانونيا ولا يحظين أحيانا حتى باستراحة الغداء، إضافة إلى غياب التغطية الصحية والضمان الاجتماعي وعدم التعويض عن حوادث العمل، زيادة على ذلك معضلة الأجور الهزيلة التي لا تصل الحد الأدنى للأجور المعتمد، والتي لا تكفيهن لسد حاجياتهن البسيطة. كما أن غالبية عاملات النظافة معرضات للطرد التعسفي ويعانين من قسوة أرباب العمل، ما يفسر إلحاح من قدمن تصريحاتهن ل"العلم"على عدم ذكر أسمائهن. حيث تحكي فاطمة الثلاثينية و ملامح وجهها المقطب لا تشي بشيء "حصولي على دبلوم في الخياطة لم يخول لي الحصول على عمل يستجيب لمتطلباتي ومتطلبات عائلتي، ما جعلني أمتهن التنظيف لإعالة والدي المريضين، أقوم بتنظيف سلالم الإقامات صباحا وأناوب ليلا بالمصحات، تخلت عني الشركة التي شغلتني عندما أصبت بكسر في رجلي، إثر وقوعي من السلالم بل لم تقم حتى بالتكلف بمصاريف العلاج و الترويض." و تشترك عاملات النظافة بالشارع نفس المعاناة مع أخريات، بل يعانين أكثر من غيرهن من سوء معاملة المواطنين وسلوكياتهم المسيئة. تقول إحداهن :"أكثر ما يزعجني بهذه المهنة نظرة الناس التي تستصغرني فلطالما نعتوني ب"الزبالة" رغم أن كل ما أقوم به هو التقاط أزبالهم التي يلقونها عن قصد، بل و أحيانا أثناء تنظيفي لمكان ما يقومون برمي الأزبال في الأرض أمامي وإذا ما عبرت عن استيائي مما يقومون به يقولون لي إن ذلك عملي". خرق قانوني ونقابي في هذا الصدد، يقول المحامي نوفل بوعمري: "إن وضعية عاملات النظافة في المغرب من الوضعيات التي تثير عدة إشكالات اجتماعية وقانونية، خاصة مع تزايد أعدادهن وإقبال عدة شركات فوتت الجماعات المحلية لها تدبير هذا القطاع، سيما بالنظر لوضعيتهن الهشة مما يعرضهن لاستغلال اقتصادي كبير تمليه حاجتهن للعمل خاصة وأنهن ينتمين لفئات اجتماعية هشة، أغلبها غير واعية و مفتقدة للقدرة على الدفاع عن مصالحها الاقتصادية والفئوية. ويضيف بوعمري، أن القانون المغربي المطبق على حالاتهن ووضعيتهن هو مدونة الشغل، ورغم ما تتضمن المدونة من نصوص قانونية لحماية العمال إلا أن تطبيقها على عاملات النظافة يظل جد محدود، بسبب طبيعة المهنة وبسبب طبيعة علاقتهن مع مشغلهن؛ و قد كان الأمر سابقا يطرح عدة إشكالات عندما كان قطاع النظافة تابعا للمجالس المحلية. واليوم مع تفويته للقطاع الخاص وتزايد حجم تخلي المنتخبين عن تدبيره لفائدة الشركات والمقاولات، طُرحت عدة إشكالات قانونية منها ما هو متعلق بترسيمهن، و بإدماجهن و باحتساب المدة السابقة على تفويت القطاع، حيث لا يتم احتساب أغلب الحالات مما يضيع الكثير من حقوقهن، ثم ما يتعلق بالضمان الاجتماعي… وصولا إلى تسريحهن خاصة على مستوى رغبة الشركات المفوت لها تخفيض عدد العاملات". من بين المشاكل التي تواجهها هذه الفئة عدم وجود جهة تؤطرها وتدافع عن حقوقها، فأغلب عاملات النظافة يشتغلن بشكل عشوائي، ما يجعلهن عرضة لحوادث الشغل دون أن تتدخل الإدارة المعنية لإجراء محاضر المعاينة أو يكون هناك من مساند لإجبارها على فعل ذلك، ناهيك عما يتعرضن له من إحراج و مواجهة مع المواطنين، أويعاب ذلك على غياب الوعي بمدى أهمية النقابات لهذه الفئة. يبقى شأن عاملات النظافة كشأن العديد من العمال الآخرين الذين، وعلى الرغم من ضخامة الشركات المشغلة لهم، فلازال تدبيرها لمستخدميها يبقى تايلوريا، لا يعير الجانب الإنساني للعامل أية أهمية ولا يمنحه أبسط حقوقه التي يخولها له القانون. هن عاملات يأملن في أن يسمع صوتهن من طرف الجهات المسؤولة، وأن يتم تقديم حلول عادلة ودائمة عكس تلك الحلول المؤقتة التي تطبق عند تكرار إضراباتهن. فهل من مستجيب لدعوة المظلوم في دولة الحق و القانون؟