* بقلم // عبد القادر الإدريسي لما تأسست جامعة الدول العربية في مثل هذا الشهر من سنة 1945، لم تكن القضية الفلسطينية قد ظهرت. وبعد ثلاث سنوات تأسست إسرائيل وقامت الحرب العربية-الإسرائيلية بقرار اتخذته جامعة الدول العربية لم يكن مدروساً، فمني العرب بالهزيمة التي هي الأولى في سلسلة الهزائم التي سيمنون بها لاحقاً. وفي سنة 1949 أبرمت اتفاقيات الهدنة بين إسرائيل وكل من مصر وسوريا في جزيرة رودس بالبحر الأبيض المتوسط. وباستثناء القمة التي عقدت في الأنشاص بالقرب من القاهرة في سنة 1946، لم يلتق القادة العرب في أي اجتماع في إطار جامعة الدول العربية حتى ظهرت أزمة تحويل نهر الأردن في سنة 1963، فكانت القمة العربية الأولى في يناير سنة 1964 التي دعا إليها الرئيس المصري جمال عبد الناصر وعقدت في قصر المنتزه بالإسكندرية في فندق فلسطين الذي بني خصيصاً لهذا الغرض. وكان الموضوع الرئيس للقمة هو تحويل نهر الأردن. وفي نهاية السنة نفسها، عقدت في القاهرة القمة العربية الثاني للنظر في الموضوع نفسه. وكان الصحافي محمد حسنين هيكل العقل الاستراتيجي للرئيس جمال عبد الناصر، هو الذي نحت هذا التعبير (مؤتمر القمة العربي)، وصار هو مخترع المفردات التي دخلت القاموس السياسي العربية، ومنها (النكسة) التي أطلقت على الهزيمة التي لحقت بمصر والأردنوسورياولبنان في حرب يونيو سنة 1967، و(لا حرب ولا سلم) التي أطلقت على الحالة التي سادت خلال السنوات 1970-1971-1972 بين مصر وإسرائيل. ومرت ثماني سنوات على الهزيمة العسكرية الأولى قبل أن يقع العدوان الفرنسي البريطاني الإسرائيلي على مصر في شهر أكتوبر سنة 1956، الذي أطلق عليه (العدوان الثلاثي)، كما أطلق صدام حسين في سنة 1992 (العدوان الثلاثيني) على حرب الخليج من أجل تحرير دولة الكويت من الاحتلال العراقي. وكان من نتائج حرب أكتوبر سنة 1956، أن احتلت إسرائيل قطاع غزةالفلسطيني الذي كان تحت الإدارة المصرية وسيناء المصرية لفترة قصيرة. وبعد إحدى عشرة سنة وقعت حرب الأيام الستة سنة 1967 التي انتهت باحتلال إسرائيل لسيناء وقطاع غزة والضفة الغربية الفلسطينية بما فيها القدس بالكامل وهضبة الجولان السورية وجنوب لبنان. وبعد ذلك توالت مؤتمرات القمة العربية التي بلغت ذروتها خلال العقدين السابع والثامن من القرن الماضي، حتى وصلت اليوم إلى القمة الثامنة والعشرين التي ستفتتح أعمالها في البحر الميت بالمملكة الأردنية الهاشمية غداً الأربعاء. وكان المغرب الذي استضاف مؤتمرات قمة عربية حاسمة (الدارالبيضاء 1965 الرباط 1974، فاس 1981-1982) قد اعتذر عن استضافة القمة السابعة والعشرين التي عقدت فيما بعد في نواكشوط. وكان ضرورياً أن يواكب التغيير في عنوان مؤتمر القمة العربي التحولات العميقة التي يعرفها العالم، فأصبح (اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة). وسبق اجتماع مجلس الجامعة على مستوى القمة هذه المرة، (اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي على المستوى الوزاري التحضيري لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة). ولعل هذا التعقيد الذي كتب به عنوان الاجتماع الوزاري العرب، وهو تعقيد ملتبس ومركب وواضح الارتباك، يعكس، بشكل من الأشكال، تعقيد الوضع العربي الراهن، ويعبر عن حالة عدم اليقين التي تهيمن على المنطقة، بل تسود العالم كله، من جراء استفحال الأزمات الناشبة التي تضاعفت بعد أن كانت القضية الفلسطينية تتصدرها. ومما يلفت النظر أن مشروع البيان الذي رفع لاجتماع وزراء الخارجية العرب تمهيداً لإقراره ورفعه إلى القمة العربية، قد نشر بالكامل في وسائل الإعلام أمس الإثنين. ومن المعلوم أن بيان القمة لن يختلف عن بيان وزراء الخارجية إلا في أمور بسيطة قد تضاف إليه. وهو الأمر الذي يعني أن القادة العرب لن يخرجوا عن الاتجاه الذي سار فيه وزراء الخارجية الذين أكدوا في المشروع المقترح (الالتزام الكامل والتمسك بمبادرة السلام العربية كما طرحت عام 2002 دون تغيير، وضرورة تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه غير القابلة للتصرف، بما فيها حق تقرير المصير، وإقامة دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة، وإطلاق جميع الأسرى من سجون الاحتلال، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، استناداً إلى القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، وقرارات القمم العربية المتعاقبة). وطالب وزراء الخارجية من المجتمع الدولي (إيجاد الآلية المناسبة لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2334 لعام 2016، الذي أكد ضمن جملة أمور أخرى، أن الاستيطان الإسرائيلي يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وعقبة في طريق السلام وطالب إسرائيل (القوة القائمة بالاحتلال) بالوقف الفوري والكامل لجميع الأنشطة الاستيطانية وفي الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، والذي أكد أن المجتمع الدولي لن يعترف بأي تغييرات في حدود الرابع من يونيو 1967، بما في ذلك ما يتعلق بالقدس، سوى التغييرات التي يتفق عليها الطرفان من خلال المفاوضات). كما طالبوا ب(الالتزام بقراري مجلس الأمن 476 و478 لعام 1980، ومبادئ القانون الدولي، التي تعتبر القانون الإسرائيلي بضم القدس لاغياً وباطلاً، وعدم إنشاء بعثات دبلوماسية فيها أو نقل السفارات إليها، واعتبار إنشاء أي بعثة دبلوماسية في القدس أو نقلها إلى المدينة، اعتداءً صريحاً على حقوق الشعب الفلسطيني وجميع المسلمين والمسيحيين، وانتهاكاً خطيراً للقانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة)، ورفضوا (ترشح إسرائيل لعضوية مجلس الأمن في مقعد غير دائم لعامي 2019-2020 باعتبارها قوة احتلال مخالفة لأحكام ميثاق الأممالمتحدة وقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي وفي ضوء استمرار سياساتها المعطلة للسلام والمستمرة ف الاستيطان غير القانوني وإجهاض حل الدولتين). وهكذا يكون مشروع البيان الختامي للقمة العربية قد كشف عنه الستار قبل انعقاد القمة، فسيجتمع القادة العرب غداً، والعالم كله يعرف ماذا سيعلنون وماذا سيخرجون به. لقد أدان مشروع القرار استمرار التدخلات الإيرانية التي تنتهك أمن واستقرار وسيادة الجمهورية اليمنية ودعوة المجتمع الدولي ممثلاً بمجلس الأمن للضغط على الجمهورية الإسلامية الإيرانية من أجل وقف نشاطها المعادي للشعب اليمني واحترام حقوق السيادة للدولة اليمنية. وأشاد بالدور الذي تؤديه دول التحالف العربي والدول العربية كافة، التي تقدم الدعم للقيادة الشرعية والشعب اليمني والمساندة لاستئناف العملية السلمية وإيقاف الحرب واستعادة الدولة اليمنية وإعادة إعمار اليمن. وهذا الموضوع بالغ الخطورة، لأن القمم العربية السابقة كانت تواجه إسرائيل بالدرجة الأولى، وتبحث القضية الفلسطينية تحديداً، أما القمة الثامنة والعشرون فأمامها تحديات كبرى أحدها التغلغل الإيراني في المنطقة الذي هو الأساس والمنطلق للأزمة في كل من سورية واليمن والعراق. فالسلام الذي هو المحور الرئيس للعمل العربي المشترك، يقرن في هذه المرحلة بالسلام الإقليمي، بعد أن كان يرتبط بإيجاد تسوية عادلة للصراع العربي-الإسرائيلي (وهذا أيضاً مصطلح من نحت هيكل)، صار اليوم يشمل السلام في سوريا والعراق واليمن وليبيا وسيناء المصرية. كما أصبح السلام مرتبطاً بالتنمية الشاملة المستدامة. فلا سلام عادلاً شاملاً مستداماً، في ظل الفقر والهشاشة ومظاهر التخلف عن العصر التي تكاد أن تعمّ العالم العربي من المحيط إلى الخليج، وإن تعددت أشكال هذا التخلف من دولة إلى أخرى. فهل ستكون القمة العربية الثامنة والعشرون قمة الإقلاع التنموي، والانطلاق الاقتصادي، والقطع مع الأوهام التي ظلت تهيمن على الفكر العربي طوال العقود السبعة الأخيرة؟. أو لنقل باختصار شديد : هل ستحيي قمة البحر الميت العملَ العربيَّ المشترك حتى يستمد قوته من زخم الشعوب العربية المتطلعة إلى الحرية والكرامة والعدالة والتنمية الشاملة المستدامة والسلام؟.