الصراع الفلسطيني الصهيوني ما بين حل الدولة الواحدة والدولتين * بقلم // عمر نجيب أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأربعاء 15 فبراير 2017 إحياء الجدل عن أن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قد يقوم على مبدأ الدولة الواحدة. فخلال مؤتمر صحفي مشترك عقده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في البيت الأبيض، وردا على سؤال حول ما إذا كان سيدعم حل الدولتين أساسا لاتفاق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، قال الرئيس الأمريكي: "أدرس كلا من حل الدولتين، والحل الذي ينص على وجود دولة واحدة، وسيعجبني الاتفاق الذي سيعجب كلا الطرفين" الفلسطيني والإسرائيلي. وأضاف ترامب: "أستطيع أن أعيش مع كل منهما، كنت أعتقد سابقا أن الحل يجب أن يقوم على مبدأ الدولتين، واعتبرت أنه الأسهل، لكنني سأكون سعيدا في حال سعادة إسرائيل والفلسطينيين، وأدعم الحل الذي سيعجبهم بشكل أكبر". وأعلن الرئيس الأمريكي أن الولاياتالمتحدة "ستشجع اتفاق سلام عظيم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، سنعمل على ذلك بشكل دؤوب جدا". وشدد ترامب، في الوقت ذات، على أن "على أطراف النزاع التفاوض بشكل مباشر بشأن مثل هذا الاتفاق"، مؤكدا أن "كلا الجانبين سيكون عليهما تقديم تنازلات، كما هو حال كل مفاوضات ناجحة". وأضاف: "إن إدارتنا مستعدة للعمل مع إسرائيل وحلفائنا المشتركين في المنطقة على ضمان الأمن والاستقرار وعلى إبرام اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين". وردا على سؤال حول كيفية رؤيته لاتفاق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، قال الرئيس الأمريكي: "سيعجبني الاتفاق الذي سيعجب كلا الطرفين". وأكد ترامب أن على السلطات الإسرائيلية أن تبدي مزيدا من المرونة خلال المفاوضات مع الفلسطينيين. واعتبر ترامب أن "القيام بذلك أمر صعب"، لكنه أضاف أن "على الإسرائيليين أن يظهروا أنهم يريدون التوصل إلى اتفاق"، مقترحا على نتنياهو "ضبط النفس قليلا" في مجال النشاط الاستيطاني. وشدد الرئيس الأمريكي، في الوقت ذاته، على أنه يتعين على الفلسطينيين "التخلص من الكراهية المعينة التي يبدونها" نحو إسرائيل، والاعتراف بوجودها. وفي تطرقه إلى قضية نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، قال ترامب إنه "يرغب في حدوث ذلك"، مضيفا: "نأمل كثيرا في حصول هذا الأمر". وشدد على أنه يدرس هذه المسألة ب"دقة خاصة". من جانبه، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إنه يعتبر "أن فرصة كبيرة للتوصل إلى السلام يمثلها النهج الإقليمي وإدراج شركائنا العرب في المساعي الرامية إلى إقامة سلام أوسع، بما في ذلك السلام مع الفلسطينيين". وفي رده على إشارة الرئيس ترامب إلى ضرورة إبداء السلطات الإسرائيلية مزيدا من المرونة وممارسة ضبط النفس بشأن بناء المستوطنات، أكد نتنياهو أن "قضية الاستيطان لا تمثل محور النزاع ولا القوة الدافعة له"، مضيفا أن "هذه المسألة يجب حلها في إطار مفاوضات السلام". ردود الفعل تباينت ردود الأفعال الفلسطينية والعربية والدولية على المواقف التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الحكومة الإسرائيلية. الرئاسة الفلسطينية، أعلنت تمسكها بخيار الدولتين والقانون الدولي والشرعية الدولية، بما يضمن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وأكدت الرئاسة في بيان صحفي، استعدادها للتعامل بإيجابية مع إدارة الرئيس دونالد ترامب لصناعة السلام، وتحقيق حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية لتعيش بأمن وسلام إلى جانب دولة إسرائيل على حدود الرابع من يونيو عام 1967. وشددت على أن، "تكرار رئيس الوزراء الإسرائيلي للغة الإملاءات حول استمرار السيطرة الإسرائيلية على الحدود الشرقية من أراضي دولة فلسطينالمحتلة، وكذلك المطالبة بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، يعتبر استمرار لمحاولة فرض الوقائع على الأرض وتدمير خيار الدولتين واستبداله بمبدأ الدولة بنظامين "الابهارتايد" أي الفصل العنصري. وطالبت الرئاسة الفلسطينية رئيس الوزراء الإسرائيلي الاستجابة لطلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمجتمع الدولي بوقف النشاطات الاستيطانية كافة وبما يشمل القدس الشرقية، مؤكدة في ذات الوقت استعدادها لاستئناف عملية سلام ذات مصداقية بعيداً عن الإملاءات وفرض الحقائق على الأرض، وحل قضايا الوضع النهائي كافة دون استثناءات، استنادا لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية لعام 2002. وأوضحت أن، "إصرار الحكومة الإسرائيلية على تدمير خيار الدولتين من خلال استمرار الاستيطان وفرض الوقائع على الأرض، سيؤدي إلى المزيد من التطرف وعدم الاستقرار" من جهته أكد وليد العوض عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني، أن المؤتمر الصحفي الأمريكي الإسرائيلي، أطلق رصاصة الرحمة على جميع المساعي الرامية إلى حل الدولتين. وفي ذات السياق أكدت حركة "حماس"، انحياز الإدارة الأمريكية إلى الجانب الإسرائيلي، مشيرةً إلى أن "الإدارات الأمريكية المتعاقبة منحازة لإسرائيل، بل لم تعمل في يوم من الأيام بجدية لإعطاء الشعب الفلسطيني حقه". وقال الناطق باسم الحركة حازم قاسم، إن "الإدارة الأمريكية وفرت غطاء للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني ومصادرة أرضه"، داعياً السلطة الفلسطينية للتخلي عن ما وصفه ب"وهم الحل" عن طريق المفاوضات، وفكرة أن الولاياتالمتحدة وسيط. ولفت إلى أن "تراجع واشنطن عن مواقفها الضعيفة هو ترجمة لتصاعد الانحياز الأمريكي لإسرائيل، خاصة مع وصول الرئيس دونالد ترامب". من جانبها رأت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المواقف التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، "نقلة لا ينقصها الوضوح في مساعي تصفية القضية الفلسطينية". واعتبرت الجبهة في بيان صحفي، أن المواقف الأمريكية المعلنة خلال المؤتمر، إعادة تأكيد على الانحياز الأمريكي والداعم بشكل مطلق لإسرائيل في كل ما يتعلّق بأسس الصراع وحلّه. وأكدت الجبهة أن "تلك المواقف تمثل انقلابا على المرجعيات الدولية وقرارتها ورؤيتها لأسس حل الصراع"، مشيرة إلى أن المواقف الأمريكية توفر لإسرائيل الغطاء الكامل في سياساتها وممارساتها المناقضة للقانون الدولي والشرعية الدولية، وهو ما أكده ترامب بمعارضته للقرارات أحادية الجانب من طرف الأممالمتحدة". ودعت إلى الرد على تلك المواقف من خلال "إعلان موقف فلسطيني موحد يرفض المواقف الأمريكية والإسرائيلية، والانسحاب من اتفاقيات أوسلو وما ترتب عليها من قيود، وسحب الاعتراف بإسرائيل، بعد أن انتفت كل المبررات التي سيقت لتوقيع هذه الاتفاقيات، واستكمال اجتماعات اللجنة التحضيرية لانعقاد المجلس الوطن الفلسطيني، من أجل عقد مجلس وطني توحيدي وفق الاتفاقيات لتعود لمنظمة التحرير مكانتها". وطالبت الجبهة السلطة الفلسطينية، ب "الكفّ عن سياسات خلق الأوهام بالرهان على الإدارة الأمريكية والمفاوضات، والالتزام بما قرّره المجلس المركزي الفلسطيني، بشأن تحديد العلاقة مع إسرائيل وعدم العودة إلى المفاوضات، واتخاذها كل الترتيبات لتغيير وظائفها في سياق الخلاص من اتفاقيات أوسلو والتزاماته". وعلى الجانب الإسرائيلي، عقب رئيس حزب البيت اليهودي نفتالي بينت على تصريحات الرئيس الأمريكي بالقول إن "هذه التصريحات تظهر انتهاء اتفاق أوسلو، وعلم فلسطين أُنزل اليوم ورفع مكانه علم إسرائيل". بدوره شدد جلعاد أردان وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي على أن، "هذا يوم هام جدا، وموقف ترامب يشير إلى فهمه أن حل الدولتين ليس الحل الوحيد، وآن الأوان لقلب المعادلة والضغط على الجانب الفلسطيني، الذي يرفض السلام". رسالة رئيس المخابرات المركزية تصريحات ترامب لم تكن مفاجئة كما تصور البعض، فقد ابلغت واشنطن بها عدة أطراف مسبقا وخاصة السلطة الفلسطينية وتركيا بواسطة رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، مايك بامبيو الذي زار أنقرة ثم رام الله. مسؤول فلسطيني ذكر يوم الثلاثاء 14 فبراير، أن الرئيس محمود عباس عندما التقى مع مايك بامبيو، أكد التمسك بخيار حل الدولتين وحذر من خطورة الممارسات الإسرائيلية على الأرض. وتابع المسؤول الفلسطيني:" جرى خلال اللقاء استعراض التطورات المحلية والإقليمية". وكان رئيس المخابرات الفلسطيني، اللواء ماجد فرج، قد اجتمع في واشنطن بداية شهر فبراير مع نظيره الأمريكي، ومسؤول في مجلس الأمن القومي الأمريكي. وكان صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية قد ذكر بدوره وقبل مؤتمر ترامب ونتنياهو، إن البديل الوحيد لمبدأ "حل الدولتين"، هو إقامة "دولة واحدة ديمقراطية، يعيش فيها اليهود والمسلمين والمسيحيين متساويين". لكنه أكد في مؤتمر صحفي، عقده في مدينة أريحا، بالضفة الغربية، على تمسك السلطة الفلسطينية بمبدأ "حل الدولتين". وأضاف عريقات في المؤتمر الصحفي:" هناك محاولات حثيثة واضحة من قبل الحكومة الإسرائيلية لدفن حل الدولتين وإلغاء اقامة الدولة الفلسطينية من خلال الاملاءات والاستيطان وسرقة الارض والموارد". "البديل الوحيد هو دولة واحدة ديمقراطية يعيش في كنفها المسلمين والمسيحيين واليهود متساوين، لكن إسرائيل غير مستعدة لذلك، تريد دولة واحدة بنظامين، ستكون دولة عنصرية". وأردف:" من يدمر حل الدولتين ويساعد في ذلك، عليه أن يتعامل مع خيار الدولة الديمقراطية الواحدة". وجدد "عريقات" تمسك السلطة الفلسطينية، بخيار حل الدولتين، "تعيشان بأمن وسلام وحسن جوار. ويطالب وزراء بارزون في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي بإنهاء خيار "حل الدولتين"، وضم غالبية أراضي الضفة الغربية لإسرائيل، ومنح الفلسطينيين حكما ذاتيا محدودا على ما يتبقى من أراضي الضفة. وكانت اللجنة الرباعية الدولية، التي تضم الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأممالمتحدة قد طرحت على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في العام 2003 خارطة الطريق التي تنص على قيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل ولذلك سمي بمبدأ "حل الدولتين". وتمسكت الإدارة الأمريكية السابقة بحل الدولتين، واعتبرت مع الشركاء الآخرين في اللجنة الرباعية إنه الحل الوحيد للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وفي سياق متصل، شدد عريقات على رفض إقامة دولة فلسطينية في غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية. وقال:" سيناء أرض مصرية كما القدس أرض فلسطينية". وكان عريقات فيما يبدو، يرد على تصريحات الوزير الإسرائيلي بلا حقيبة أيوب قرا من الطائفة الدرزية، التي قال فيها إن رئيس حكومته بنيامين نتنياهو سيبحث مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تبني ما وصفها بخطة لإقامة دولة فلسطينية في غزةوسيناء. وأضاف عريقات: "مصر من أول الدول التي تتبنى حل الدولتين، لن تكون هناك دولة فلسطينية في سيناء". إتحاد كونفدرالي في نفس الوقت تقريبا الذي نشرت فيه تصريحات عريقات، دعا الرئيس الإسرائيلي رؤوبين ريفلين لفرض السيادة الكاملة على الضفة الغربية ومنح المواطنة لسكانها الفلسطينيين. وجاءت دعوة ريفلين على خلفية الحملة التي يقودها رئيس البيت اليهودي، الوزير نفتالي بينت، بهدف ضم مستوطنة معاليه ادوميم، ومن ثم فرض السيادة الإسرائيلية على المناطق"ج" في الضفة الغربية. وقال خلال مشاركته في مؤتمر القدس الذي نظمته مجموعة استيطانية إنه يؤمن بأن "صهيون كلها لنا". ويعتقد ان سيادة اسرائيل يجب ان تسري على كل موقع، بكل ما يعنيه ذلك، زاعما أن "السيادة التي تفرض على منطقة ما تمنح المواطنة لكل من يقيم فيها ولا توجد تخفيضات بمعنى لا يوجد قانون للإسرائيلي وقانون آخر لغير الإسرائيلي". وتتناقض رسالة الرئيس هذه مع رسائله السابقة التي نقلتها عنه صحيفة "هآرتس" قبل سنة ونصف السنة، اكد فيها أن اتفاقيات أوسلو باتت حقيقة واقعة. واوضح ان الاتفاق المستقبلي قد يكون عبارة عن اتحاد كونفدرالي إسرائيلي فلسطيني، واشترط وجود اتفاق على "الحدود المفتوحة" مع الفلسطينيين، وبأن يكون عدد سكان اسرائيل اليهود 14 مليون نسمة، لضمان استمرارية وجود اسرائيل كدولة يهودية. وقال ريفلين في حينه، إنه "طالما لم يكن الوضع هكذا، يجب التأكد من وجود دستور يضمن عدم قدرة ال120 نائبا في البرلمان على تغيير طابع إسرائيل كدولة يهودية، او تغيير طابعها كدولة ديمقراطية". وتابع وقتها "ايضا ان "اتفاقيات أوسلو باتت حقيقة، انا لا أوجه السياسة. سنضطر للعثور على حل للحياة المشتركة، ربما من خلال كونفدرالية. لن تكون دولتان. سنضطر الى خلق وضع يعيش فيه الشعبان في البلاد بشكل ينظمان من خلاله الحياة بينهما مع حدود مفتوحة". وخلال خطابه في مؤتمر "بشيباع" يوم الثلاثاء امتنع ريفلين عن التذكير باتفاقيات اوسلو، وقال في نهاية حديثه ان البرلمان هو من سيقرر انشاء "كونفدرالية أو دولة واحدة". لكنه اختار التوسع في الحديث عن جهود إسرائيل لفرض السيادة على القدس وهضبة الجولان المحتلتين. وقال إن فرض السيادة حدد قوانين مختلفة نظمت الأمور التي كانت بحاجة الى تنظيم، وفي كل مكان تم فيه فرض السيادة، فقد تم تطبيق المساواة على كل السكان، إسرائيليين وغير إسرائيليين، ومنحت لهم الإقامة وفرض القانون الاسرائيلي على الجميع. ويحذر عدد من المحللين من ان حل الدولتين إذا ما تم على الأساس الذي تضعه بعض مراكز صنع القرار في الولاياتالمتحدة "يقضي على الفلسطينيين من حملة الجنسية الاسرائيلية وهم يشكلون حاليا حوالي 17 في المئة من سكان الكيان الصهيوني في حدوده قبل حرب سنة 1967، بالعيش الدائم كمواطنين من الدرجة الثانية داخل وطنهم في ظل دولة عنصرية تحرمهم حقوقهم وتطبق قوانين منحازة لصالح اليهود دستوريا، وقانونيا، وسياسيا، واجتماعيا، وثقافيا، اضافة الى ان حل الدولتين يحرم اللاجئين الفلسطينيين حقهم المعترف به دوليا في العودة الى ديارهم، ويرسخ ويرسم سياسة فصل غير متساو على ارض اصبحت مندمجة جغرافيا واقتصاديا اكثر من اي وقت مضي، ولا تستطيع جميع الجهود الدولية الساعية الى تطبيق حل الدولتين ان تخفي حقيقة ان الدولة الفلسطينية غير قابلة للحياة، وان الاستقلال الفلسطيني واليهودي الاسرائيلي في دولتين منفصلتين لا يمكن ان يعالج المظالم الجذرية، التي ينبغي ان يكون الاقرار بوجودها وحلها جذريا وازالتها في صميم اية تسوية عادلة". جذور فكرة الدولة الواحدة تعود جذور فكرة الدولة الواحدة إلى عهد الانتداب البريطاني حيث تبنتها مجموعات فكرية، معظمها من الفئات غير الصهيونية مثل الحزب الشيوعي الفلسطيني والقليل منها من اليسار الماركسي الصهيوني الجناح اليساري لمنظمة هشومير هصعير التي انبثق عنها فيما بعد حزب مبام اليساري الصهيوني. والملفت للنظر أن هاتين الحركتين فشلتا في الوصول إلى المركز الفاعل والتيار المركزي في مجتمع الاستيطان اليهودي والتأثير في دفعه إلى تأييد هذه الفكرة في فترة الانتداب، علما بأنهما تخلتا عن الفكرة بعد إقامة دولة إسرائيل وتحدثنا عن فكرة "دولتين لشعبين". ومن الحركات السياسية الفلسطينية اللاحقة التي أعلنت أن الوصول إلى حل الدولة الديمقراطية الواحدة هو ضمن أجندتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، كما قدمت حركة فتح أجندة بعنوان "الدولة الديمقراطية العلمانية" في السبعينات من القرن الماضي، واعتبر الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة أحمد جبريل أن الحل المعقول هو إقامة دولة واحدة، بالإضافة إلى مجموعات وأفراد آخرين. عند الحديث عن دولة ثنائية القومية، يجب التأكيد من البداية أن هناك أكثر من سيناريو وشكل محتمل لهذه الدولة. الدولة الواحدة ثنائية القومية: هو نظام سياسي يحافظ فيه كل من الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين على الشخصية السياسية كشعبين أو قوميتين. مؤيدي هذا الطرح يرونه ضروريا لحماية الأقلية بغض النظر عن أي مجموعة ستكون الاقلية ولطمئنة كل الأطراف أن المصلحة الجماعية لكل مجموعة ستكون محمية. الدولة الواحدة الديمقراطية العلمانية: هو حل يقوم على إنشاء دولة واحدة ديمقراطية، حيث لكل مواطن صوت، ويقول مؤيدو هذا الحل بأن ثنائية القومية ستمترس الهويتين سياسيا بطريقة تعزز استمرار المزاحمة والتقسيم الاجتماعي القائم. إسراطين: هي مقترح حل قدمه الزعيم الليبي معمر القذافي الراحل في كتابه الأبيض لحل المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية بدمج الدولتين في دولة واحدة ديمقراطية من أجل التعايش السلمي. وقد أصبح هذا المقترح يحظى بتأييد كبير في بعض الاوساط الفلسطينية والإسرائيلية والعربية والعالمية وقد تشكلت العديد من الجماعات التي تؤمن بحل الدولة الديمقراطية الواحدة شريطة عودة اللاجئين واجراء الانتخابات تحت اشراف الأممالمتحدة كما تم إنشاء صفحات عبر الإنترنت تدعو لنفس الحل من مثل مركز السلام العالمي "إسراطين" الذي يدعو لتشكيل جبهة تحت مسمى جبهة انصار الدولة الديمقراطية الواحدة. ما بعد الكولونيالية جاء في بحث وضعه الكاتب والباحث الفلسطيني مهند عبد الحميد: دولة واحدة علمانية فلسطينية يعيش فيها يهود، دولة واحدة يهودية يعيش فيها فلسطينيون، دولة واحدة لكل مواطنيها يتساوى فيها الجميع، دولة ثنائية القومية… إلخ. طرحت هذه المشاريع على امتداد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بعضها استند إلى الحقوق التاريخية إلى المبادئ، والبعض الآخر استند إلى ميزان القوى والأطماع الكولونيالية. وبعضها جاء من باب ردة الفعل والمناورة الفاشلة على التعنت الإسرائيلي في المفاوضات. ما يهم هنا هو مشروع دولة واحدة لكل مواطنيها الذي يأتي في مواجهة المشروع الكولونيالي والعنصرية ويستند إلى نضال مشترك فلسطيني إسرائيلي، وفي سياق تحرر الشعوب العربية وشعوب المنطقة من علاقات التبعية السياسية والاقتصادية والأمنية. وهي وفق الرؤى والتصورات دولة ما بعد كولونيالية، ما بعد صهيونية وعنصرية. هذا المشروع طرحه إدوارد سعيد وإيلان بابيه ومجموعات فلسطينية وإسرائيلية وعالمية. قبل البدء بنقاش فكرة دولة واحدة ومقوماتها، ثمة حاجة لوضع خطوط فاصلة مع مشروع "الدولة الواحدة" ذات الطبيعة الكولونيالية والعنصرية التي تسوق تحت المسمى ذاته "دولة واحدة" بين النهر والبحر أو في حدود فلسطين التاريخية. معسكر اليمين الإسرائيلي يقف الآن بقوة وراء شعار "الدولة الواحدة". ويرى فيه تتويجاً لشعار "أرض إسرائيل الكاملة" التي يعيش فيها اليهود والعرب تحت "السيادة اليهودية"، كما جاء في فكر فلاديمير غابوتنسكي أوائل القرن العشرين. ومن أبرز دعاة الدولة الواحدة بالمفهوم الكولونيالي العنصري موشي آرنس وزير دفاع سابق، وأوري أليتسور الرئيس الأسبق لمجلس المستوطنات، وحنان بورات عضو الكنيست، ورؤوفين ريفلين رئيس الكنيست السابق. ويتناوب هؤلاء على طرح تصوراتهم التي تتلخص بالآتي: ضم الضفة الغربية بالكامل، وفرض القانون الإسرائيلي عليها، عدم الاعتراف بحقوق قومية للفلسطينيين في "أرض إسرائيل"، والاعتراف فقط بحقوق مدنية للأفراد كمنح الجنسية الإسرائيلية للفلسطينيين بشروط وتدريجا، والفلسطيني "المخلص" الموالي للدولة ولقوانينها يمنح مواطنة كاملة، ومن يوافق على "السيادة اليهودية" ولا ينفذ واجباته يعطى إقامة دائمة، أما الذي يريد دولة عربية من خلال "الإرهاب" فيطرد من البلاد. يضاف إلى ذلك، الحفاظ على نسبة ثابتة بين اليهود والعرب 70% يهود و30% عرب. لذا فإن قطاع غزة مستبعَد من هذه الدولة، كما أن عودة اللاجئين الفلسطينيين ممنوعة مقابل تشجيع مجيء اليهود إلى الدولة العتيدة بلا حدود. مقابل ذلك، ظهرت إلى العلن مؤخرا "الحركة الشعبية للدولة الديموقراطية الواحدة"، وهي مجموعة فلسطينية تدعو إلى إقامة "دولة واحدة لليهود والفلسطينيين". وتطرح شعارات عامة، كحق العودة، وحقوق الإنسان، وعدالة الحقوق. وتحدث ناطق باسمها منير العبوشي عن شركاء يهود. ولكن لا يعرف أي نوع من الشركاء هؤلاء. المشروع لا يستند إلى رؤية بل لخليط من المواقف غير المتجانسة. كما أن آلية تحقيق هذا الهدف الكبير غير المحدّدة المترافقة مع غموض الشركاء يجعلان من المشروع أشبه ببالون اختبار أكثر من أي شيء آخر. لماذا دولة واحدة؟ "دولة واحدة لكل مواطنيها" هي الحل الجذري والدائم للصراع والأكثر تلبية لطموحات الفلسطينيين، كما أنها تجيب عن مخاوف الإسرائيليين، وذلك بالاستناد إلى الحيثيات التالية: أولاً: استعصاء "حل الدولتين" بعد تقويض مقوّمات الدولة الفلسطينية المستقلة، عبر تعميق الاحتلال والاستيطان والسيطرة الأمنية والاقتصادية المحكمة على الأرض والمواطنين في أراضي الدولة الفلسطينية المنشودة" ضمن حدود الرابع من يونيو 1967، وعبر إقامة بنية تحتية راسخة للسيطرة الكولونيالية العنصرية الإسرائيلية. يعتمد هذا الحل على موازين القوى، حيث تتحكّم إسرائيل بمواصفات الدولة الفلسطينية، التي تعمل على أن تكون دولة منزوعة السلاح ومقطعة الأوصال وبلا سيادة على الموارد كالمياه والأرض، تابعة اقتصاديا وأمنيا، وفوق ذلك هناك اشتراطات إسرائيلية من نوع الاعتراف بيهودية الدولة وشطب قضية اللاجئين وإغلاق ملف الصراع وأية مطالبات أخرى عند التوصل إلى اتفاق نهائي. ولا تضيف الوساطة الأمريكية لهذه المواصفات شيئاً ذا أهمية، باستثناء عمليات التجميل للشروط الإسرائيلية ذاتها. وهذا يعنى في حالة الموافقة الفلسطينية على ذلك إقراراً فلسطينياً بنظام الابارتهايد وتصفية القضية الفلسطينية. ثانيا: وجود مصلحة مبدئية يهودية في دولة واحدة لكل مواطنيها على المديين المتوسط والبعيد، إذ يقول إيلان بابيه: إن وجود "جيب يهودي" ما بعد كولونيالي في ظل استمرار الصراع وسط محيط معاد، سيسقط بقوة السيف، والأفضل أن تتحول إسرائيل بإرادتها إلى دولة متساوية خشية من الثأر والنهايات غير السعيدة. وبهذا يضمن اليهود شرعية البقاء، بل تنتقل "الشرعية" التي تستند إلى القوة فقط إلى الشرعية الطبيعية التي تتحقق فقط من خلال اعتراف وموافقة الشعب الفلسطيني مقابل حقوق متساوية بين الطرفين ترفع الظلم عن الشعب الفلسطيني. الطرف الوحيد والحصري الذي يملك تطبيع الوجود اليهودي في فلسطين هو السكان الأصليون أي الشعب الفلسطيني. هذا التطبيع إذا ما حدث ينقل الوجود اليهودي من حالة العدوان والكولونيالية ومن حالة الغيتو والأسوار المغلقة إلى حالة التعايش السلمي الحقيقي مع الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية. ثالثا: يرى إدوارد سعيد أن دولة إسرائيلية تقام على أساس القوة الساحقة واضطهاد شعب آخر لا تملك مستقبلا. ويضيف: في الواقع لا الشعب الفلسطيني ولا الشعب الإسرائيلي يستطيع أن يخفي الواحد منهما الآخر ويطمسه. والمخرج الإنساني الوحيد والممكن هو إقامة دولة واحدة يتساوى فيها الجميع. يتشارك الطرفان بشكل متساو في المكان وفي إدارته. هذا المخرج يستدعي من وجهة نظر سعيد نقل النضال من مستوى المفاوضات إلى مستوى الواقع، والتحالف بين الفلسطينيين والإسرائيليين ممن يتشاركون في التوجهات بغية تحقيق الغاية المشتركة. رابعا: حل قضية اللاجئين ممكن مبدئيا عبر حل الدولة الواحدة المتساوية، وغير ممكن في إطار حل الدولتين. ويمكن في سياقه إذابة مختلف عناصر الصراع الأخرى، بما في ذلك القدس، وهذا من شأنه إنهاء الصراع المزمن بين الشعب الفلسطيني والإسرائيليين. خامسا: حل الدولة الواحدة ينهي تجزئة الشعب الفلسطيني والقطيعة السياسية والثقافية بين مكوناته، ويؤدي إلى إعادة اللحمة بين الخارج والداخل، بما في ذلك أبناء الشعب في مناطق 1948. فإذا كان حل الدولتين عاجزا عن حل مشكلة اللاجئين، وهناك "استحالة لحل مشاكل الفلسطينيين في مناطق 1948 في الإطار الإسرائيلي" المغرق في عنصريته، فإن حل الدولة المتساوية يقدم إجابات نظرية عن تلك المشكلات. سادسا: حل الدولة الواحدة يعني رفض مشروع الدولة الدينية اليهودية وتجاوزها، ويقطع مع المشروع الكولونيالي الصهيوني الذي أطلق عملية تأسيس فلسطين بصورة كلية كدولة يهودية ليس فيها متسع لغير اليهود. وتحصيل حاصل فإن حل الدولة الواحدة ينطوي على تجاوز "ايديولوجية المشروع الصهيوني القائلة: يوجد شعب موكل برسالة سامية تنزع حقوق شعب بلا قيمة وفي عداد الغائب". كما يتجاوز حل الدولة المتساوية "قانون حق العودة" لطرف واحد من قطبي الصراع، بما يعنيه هذا التجاوز من وضع حد لعملية إقصاء الشعب الفلسطيني واستثنائه من المكان والزمان، على صعيد الفكر والممارسة والتطبيق. سابعاً: يضع حل الدولة المتساوية نهاية لما يُسمى بالخطر الديمغرافي النابع من فكر عنصري، فالمساواة في الحقوق والواجبات لا تستدعي مساواة في الأعداد. المساواة تنطوي على احترام متبادل واحترام الخصوصيات الثقافية والدينية بصرف النظر عن أكثرية وأقلية، وتضع نهاية لمشاريع التطهير العرقي الصامت التي تطبق في القدس والنقب، وكذلك مشاريع الترانسفير بالتضييق والخنق، إذ سيكون من نتيجة التطهير والترانسفير الممارسين بالاستناد لعقيدة كولونيالية عنصرية تأجيج الصراع ودفعه نحو الانفجار داخل فلسطين وفي عموم المنطقة. ثامنا: العالم صار لا يقبل نظام فصل عنصريا، وصراعا محكوما بغطرسة القوة ومفتوحا إلى ما لا نهاية، فقد سقط نظام الفصل العنصري سياسيا في جنوب افريقيا، وتوصل المتصارعون في ايرلندا إلى حل، وكذلك الحال في منطقة البلقان. ولا يمكن بقاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على حاله دون حل عادل يقبل به قطبا الصراع. ولا يمكن فرض حل زائف لا يرضى به الشعب الفلسطيني ولا ينهي الصراع. وفي الوقت عينه، فإن فرض نظام فصل عنصري بقوة السلاح، سيقود إلى عزلة وعقوبات واستقطاب عالمي يؤدي إلى هزيمته في نهاية المطاف. كل هذا يدفع الأمور باتجاه الحل الذي يلبي مصالح المجموعتين الفلسطينية والإسرائيلية. عقبات أمام حل الدولة المتساوية حل الدولة المتساوية هو حل افتراضي يستند إلى قواعد سياسية وقانونية وأخلاقية وإرادة من طرفين أي رؤية مشتركة. وهو يتطلب بناء حامل سياسي واجتماعي وثقافي مشترك، يتوج بعقد سياسي اجتماعي وبدستور ودولة. وهناك ما هو أقل من نموذج الدولة المتساوية، كالدولة ثنائية القومية، لكنها تستدعي أيضاً استعداداً متبادلاً للتخلي عن الهيمنة وإحلال الشراكة عوضا عنها، وعلاقات من الثقة المتبادلة. ومن أبرز العقبات أمام هذا الحل: افتقاده أساساً قانونياً في الهيئات الدولية التي تلتزم حل الدولتين قرار التقسيم وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة والمؤسسات المنبثقة عنها. تناقضه مع هيمنة كولونيالية إسرائيلية معززة بفكر تعصبي قومي وديني عنصري، ومدعومة بنظام الهيمنة العالمي بالاستناد لمصالح مشتركة هنا وفي عموم المنطقة. التباين الهائل بين مستويات الحياة بين المجموعتين يؤدي إلى رفض الإسرائيليين التنازل عن الامتيازات لمصلحة التكافؤ مع شعب أكثريته تحت خط الفقر. ويقول ايلان بابيه: الشعب الإسرائيلي مجتمع عنصري وانعزالي وعاجز عن فهم تاريخه وعن الاعتراف بجرائمه، لذا يصعب التأثير على الإسرائيليين من الداخل»، ما دفع بابيه للعيش في لندن. فشل معظم الدول متعددة وثناثية القوميات، وكذلك فشل تجربة الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي تحول إلى حزب فلسطيني. الانسحاب من حل الدولتين مع الافتقاد للحد الأدنى من مقومات الدولة الواحدة أو ثنائية القومية، ستستخدمه دولة الاحتلال في فرض الدولة اليهودية الواحدة "نظام ابارتهايد"، أو حل إقليمي بمشاركة دول عربية. ويؤدي ذلك إلى فقدان الشعب الفلسطيني لآليات إشراك النظام الدولي في مناهضة وعزل دولة الاحتلال. الوطن البديل مصادر رصد أوروبية ذكرت أنه في ظل الجدل الدائر بين أنصار حل الدولتين والدولة الواحدة، تتحرك قوى مختلفة من أجل أيجاد البديل الذي يضمن السيطرة الإسرائيلية ولأمد طويل وتجنب أخطار التفوق الديموغرافي الفلسطيني. والأمر يتعلق أساسا بإدخال الأردن إلى فخ الفوضى الخلاقة لتمهيد الطريق لجعله وطنا بديلا للفلسطينيين من الضفة الغربية ومن الشتات خاصة بعد توليد صراع دام بين الفلسطينيين، وتحويل جزء من شبه جزيرة سيناء المصرية إلى منطقة إمتداد لسكان قطاع غزة البالغ عددهم زهاء المليونين وتمكين الكيان الصهيوني من العودة إلى ما يبقى من سيناء وضمها كما تم مع جزء من هضبة الجولان السورية وذلك بعد زعزعة إستقرار وتماسك مصر. عمر نجيب