رفض الفلسطينيون تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن مبدأ حل الدولتين ، واعتبرتها تراجعا خطيرا في موقف واشنطن لحل الصراع ، بينما أكدت فرنسا أن تمسكها بهذا الحل بات أقوى الآن. وأكدت الرئاسة الفلسطينية تمسكها بخيار حل الدولتين والشرعية الدولية، بما يضمن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطين المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية إلى جانب إسرائيل على حدود عام 1967. كما أكدت في بيان لها استعدادها للتعامل بإيجابية مع إدارة الرئيس الأميركي، وطالبت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالاستجابة لطلب ترامب والمجتمع الدولي بوقف النشاطات الاستيطانية كافة بما يشمل القدس الشرقية المحتلة ، وأكدت في الوقت ذاته استعدادها لاستئناف عملية سلام. من جهته، ندد أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات بما وصفها ب"محاولات حثيثة وواضحة من الإسرائيليين لدفن حل الدولتين ، واعتبر أن "البديل الوحيد لحل الدولتين هو دولة ديمقراطية واحدة وحقوق متساوية للجميع، للمسلمين والمسيحيين واليهود». وأضاف عريقات أن إسرائيل تحاول تدمير حل الدولتين وتوسيع الإستيطان وفرض حل الدولة الواحدة على أساس نظام التمييز العنصري. وقال عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة أحمد المجدلاني إن عدم تأكيد ترامب التزام إدارته بحل الدولتين يشكل تراجعا خطيرا لصلح اليمين المتطرف الذي يقوده نتنياهو ويعمل على قضم الضفة الغربية وضمها إلى إسرائيل. بدورها اعتبرت حركة حماس على لسان الناطق باسمها فوزي برهوم أن الموقف الأميركي الجديد حيال ما يسمى بعملية السلام تأكيد على أنها مجرد وهم أعدته واشنطن للعالم ولمنظمة التحرير الفلسطينية على مدار أكثر من عقدين من الزمن. إسرائيليا رحبت الأوساط السياسية اليمينية في إسرائيل بتصريحات ترامب التي أدلى بها خلال المؤتمر الصحفي مع نتنياهو . ورأى اليمين الإسرائيلي أن تصريحات ترامب قضت على فكرة إقامة الدولة الفلسطينية في إطار حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ووصف نواب ووزراء من الائتلاف الحاكم ما جاء في المؤتمر الصحفي المشترك بأنه تاريخي، وسارعوا إلى تهنئة نتنياهو على خطابه ، ورأوا أن تصريحات ترامب تؤكد بداية عهد جديد. وقال زعيم حزب البيت اليهودي نفتالي بينيت إنه بعد 24 عاما تم إنزال علم فلسطين ورُفع علم إسرائيل مكانه. وعلى صعيد المواقف الدولية ، قال مندوب فرنسا الدائم لدى الأممالمتحدة السفير فرانسوا ديلاتير في مؤتمر صحفي بنيويورك الأربعاء إن "التزام فرنسا بمبدأ حل الدولتين الآن أقوى من أي وقت مضى» . وقال ديلاتير إن بلاده متمسكة بحل الدولتين ، مؤكدا أنه سبق التأكيد في مؤتمر باريس الذي عقد في 15 يناير الماضي على التزام المجتمع الدولي بذلك ، وتقديم حزمة من الحوافز الإيجابية للطرفين (الفلسطيني والإسرائيلي) من أجل تشجيعهما على السير في هذا الطريق». وقبل ذلك حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من التخلي عن حل إقامة الدولتين لإنهاء الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وقال إنه لا يوجد "حل بديل». وكان ترامب قد قال الأربعاء خلال مؤتمر صحفي مع نتنياهو إنه سيعمل على تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين ، لكن التوصل إلى اتفاق سيرجع إلى الطرفين نفسيهما في نهاية المطاف. واعتبر ترامب أن الإسرائيليين يريدون التوصل إلى اتفاق سلام ، وأن على الفلسطينيين "الكف عن الكراهية"، مضيفا في الوقت نفسه أنه يتوقع من نتنياهو وقف بناء المستوطنات لفترة. كما تحدث ترامب عما وصفها ب"مبادرة سلام جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد تتضمن الكثير من الدول"، مشيرا إلى أنه يعكف حاليا على بحث حل الدولتين وحل الدولة الواحدة. من جانبه، قال نتنياهو إن على الفلسطينيين الاعتراف بالدولة اليهودية والكف عما وصفه بدعوات تدمير إسرائيل ، معتبرا أن "مصدر الصراع هو الرفض الفلسطيني المستمر للاعتراف بإسرائيل ضمن أي حدود» . وأضاف نتنياهو أنه يرغب في "انضمام شركاء عرب إلى مساعي السلام مع الفلسطينيين"، محذرا في الوقت نفسه من أن ما وصفه ب "الإرهاب الإسلامي المتشدد يمثل تهديدا لقيم أميركا وإسرائيل» . وإزاء المخاوف والتوجسات الفلسطينية والدولية من هذه التحولات , نفى ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلية ما سماها مزاعم الوزير أيوب قرا بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو طرح على الرئيس الأميركي دونالد ترامب مسألة توسيع قطاع غزة إلى داخل سيناء، وإقامة دولة فلسطينية هناك. وأكد الديوان في بيان أن "مزاعم" قرا - حول طرح مسألة توسيع قطاع غزة إلى داخل سيناء وإقامة دولة فلسطينية هناك وأن ثمة موافقة على ذلك من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي- لا أساس لها. وشدد البيان على أن على أن إسرائيل تعتبر مصر طرفا مهما في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن نتنياهو قوله - على هامش زيارته للبيت الأبيض- إن "هذه الفكرة لم تطرح ولم تبحث بأي شكل من الأشكال". من جهته، اعتبر أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات أمس الأربعاء أن التفكير بسيناء بديلا عن الأراضي الفلسطينية تفكير سخيف ، قائلا إن "سيناء أرض مصرية ولا نسعى لإقامة دولة فلسطين فيها ونرفض التقارير عن هذا الشأن». وكان قرا -وهو وزير إسرائيلي بدون وزارة من الطائفة الدرزية قد زعم في تغريدة عبر حسابه بموقع تويتر أن ترامب ونتنياهو سيعتمدان خطة لإقامة دولة فلسطينية في غزةوسيناء. وقالت إذاعة جيش الاحتلال -في تقرير لها- إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس رفض مقترحا مصريا لإقامة دولة فلسطينية على أجزاء من سيناء، حيث عرض السيسي مضاعفة مساحة قطاع غزة خمس مرات داخل سيناء. ويشير التقرير إلى أن الخطة صيغت على مدى أسابيع بدعم أميركي، حيث اقترح السيسي اقتطاع 1600 كيلو متر مربع من سيناء وضمها للقطاع ، وإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح تحت حكم عباس. ويفيد التقرير أيضا بأن الخطة تطرح بالمقابل على عباس التنازل عن المطلب الفلسطيني بالعودة إلى حدود ما قبل يونيو 1967. ويسود شعور عميق بالقلق لدى الفلسطينيين من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن وعلاقته بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، لأن حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة تأمل منها الحصول على ضوء أخضر صريح لبناء مزيد من المستوطنات. وقال الحقوقي الفلسطيني عمر البرغوثي في مقال له بصحيفة الأنديبندنت البريطانية إن الحكومة الإسرائيلية كانت في حالة سكر ونشوة بالسلطة والإفلات من العقاب منذ وصول ترامب إلى الرئاسة ، وسرعان ما خلعت قناعها الزائف الداعم لحل الدولتين المزعوم وراحت تتحرك بسرعة مذهلة لبناء ما أمكن من المستوطنات في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، وهو ما جعل وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت يعتبر فوز ترامب "فرصة ذهبية لإسرائيل" ليعلن أن "عصر الدولة الفلسطينية قد انتهى» . ومع ذلك استنكرت السناتورة الأمريكية ديان فاينشتاين، وهي مؤيدة قوية لإسرائيل ، القانون الإسرائيلي الذي صدر بأثر رجعي ليقنن المستوطنات التي بنيت على الأراضي الفلسطينية الخاصة المصادرة بأنه "استيلاء وحشي على الأراضي"، بينما حذر الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين من أن هذا القانون يمكن أن يجعل إسرائيل "تبدو كدولة فصل عنصري» . وأشار البرغوثي إلى أن التحديات الخطيرة التي تواجه الفلسطينيين متشابكة وأن ترامب وفريقه استغلوا القوانين والسياسات التمييزية الإسرائيلية لتبرير حماسته لبناء جداره العنصري مع المكسيك ومعاداته للمهاجرين واللاجئين، والتنميط العنصري في الولاياتالمتحدة. وأكد أهمية أسلوب المقاطعة الذي يتخذه بعض الأميركيين البارزين لمعارضة أجندة ترامب العنصرية ، وأن الفلسطينيين ومؤيديهم سيواصلون استخدام هذه الأساليب للضغط على إسرائيل لإنهاء إنكارها لحقوق الشعب الفلسطيني. وختم الكاتب بدراسة استقصائية لمؤسسة بروكينغز في نهاية عام 2016 أفادت بأن 46% من الأمريكيين و60% من الديمقراطيين يؤيدون فرض عقوبات أو اتخاذ تدابير أشد ضد إسرائيل لوقف مستوطناتها غير القانونية. وينسجم اقتراح "الوطن البديل للفلسطينيينبغزةوسيناء» مع مجمل الرؤى بإسرائيل التي تستثني حل الدولتين، وتتناغم مع موقف الإدارة الأمريكيةالجديدة التي ألمحت إلى أن إحلال السلام بالشرق الأوسط ممكن حتى وإن لم يتضمن إقامة دولة فلسطينية. ويرى الباحث في الشأن الإسرائيلي عدنان أبو عامر أن الفكرة لا تزال غير ناضجة، لكنه قال إنه وإن تباينت المواقف حيال واقعية هذا الطرح، فإن ثمة من يعتقد أن توقيع اتفاق بنقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير من مصر للسعودية بموافقة إسرائيل "يلمح بجاهزية القاهرة الحليف الاستراتيجي لتل أبيب" للتعاطي مع طرح تبادل الأراضي في سيناء ومنحها للفلسطينيين. ورجح أبو عامر أنه تبعا لردود الفعل الرافضة الصادرة عن السلطة الفلسطينية، فإن ذلك يشير إلى معلومات شبه مؤكدة بأن مقترح الدولة في غزةوسيناء مدرج على جدول الدبلوماسية الإسرائيلية والأمريكية ، خاصة أنه لم يكن بمعزل عن طرح تل أبيب حين أعلن أرييل شارون الانفصال عن غزة واقتراح أن يتوسع القطاع جنوبا نحو سيناء. ولا يستبعد أستاذ العلوم السياسية إمكان تحقيق فكرة الوطن البديل للفلسطينيين، مبينا أن إسرائيل التي تتناغم بمواقفها مع إدارة ترامب تمهد لنشوء ظروف مواتية لتحقيق هذا الطرح، الذي سيقابل في أحسن الأوضاع بمعارضة عربية خجولة لحساب تعزيز علاقاتها مع البيت الأبيض في ظل الانقسام الفلسطيني. في نفس السياق، اعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح بنابلس عبد الستار قاسم أن الطرح ليس عقلانيا، بيد أنه جزم بأن هذا المقترح الذي ينسجم مع تراجع الموقف التاريخي لأميركا حيال حل الدولتين يؤسس لمرحلة جديدة بالمجتمع الدولي نحو فكرة مشروع الوطن القومي البديل للفلسطينيين. وأضاف قاسم أن الطريق الذي تسلكه السلطة الفلسطينية ستؤدي في نهاية المطاف للتنازل عن الوطن ويبقى حلم الدولة متاحا في أي بقعة أرض عدا فلسطين. ويرى أن أداء ونهج السلطة الفلسطينية يسهم في تقوية إسرائيل وإطلاق العنان لها بمواصلة فرض الوقائع على الأرض واستحالة إقامة دولة فلسطينية، وبالتالي فإن الطروحات البديلة وإن قوبلت في البداية بالرفض والاستنكار فإنها تصبح بعد سنوات مطلبا للبعض، مثلما كان الطرح الذي قبل في اتفاق أوسلو بعد أن رفض في قرار التقسيم عقب النكبة. وفي الجانب الإسرائيلي، لم يأخذ مدير معهد "ميتفيم" المتخصص بالسياسات الخارجية للشرق الأوسط وإسرائيل الدكتور نمرود جورن على محمل الجد طرح الوطن البديل، مستبعدا أن تتنازل مصر عن سيناء. لكنه أضاف أن التغير بالموقف الأميركي حيال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والانحياز التام لصالح تل أبيب سيكون مثار جدل ، لأنه يضع المجتمع الدولي والعالم العربي أمام تحديات من شأنها الدفع نحو المزيد من التنازلات لتصفية القضية الفلسطينية. ولفت جورن إلى أن الأجواء بالبيت الأبيض والظروف الإقليمية غير الحاضنة للفلسطينيين وتراجع مكانة أوروبا كلها عوامل مساعدة لنتنياهو لمواصلة نهجه، مما يحول دون تجديد المفاوضات إذا لم تمارس إدارة ترامب ضغوطا فعلية على إسرائيل.