واشنطن ترفض توقيف نتانياهو وغالانت    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    اعتقال موظفين ومسيري شركات للاشتباه في تورطهم بشبكة إجرامية لتزوير وثائق تسجيل سيارات مهربة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    بورصة البيضاء تنهي التداولات ب "انخفاض"    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذكرات مدعومة بالوثائق عن إنشاء الخلايا السرية الأولى وتصعيد المقاومة بعد نفي محمد الخامس
الحسن العرائشي: انطلاق المقاومة المغربية وتطورها
نشر في العلم يوم 04 - 04 - 2009

حوالي سنة 1946 التحقت بصفوف حزب الاستقلال وذلك بالانتماء إلى إحدى الخلايا بدرب الكبير على يد السيد بدري بناصر السوسي، ثم انتقلت إلى درب الاسبان حيث تعرفت على مسير جديد هو السيد جعفري الحسين السوسي، وفي أواخر سنة 1946 رشحني هذا الأخير لخلية جديدة لاعداد المسيرين للحزب، وكان من أبرز العناصر التي تعرفت عليها حينئذ السادة: أبو الشتاء الجامعي، بناصر حركات، عبد الحي التامي، الطاهر غلاب، عبد الوهاب بوزيان، وكان هؤلاء يتناوبون على تسيير تلك الخلية لاعداد المسيرين، وفي مطلع سنة 1947 قلدني الحزب مسؤولية تسيير سبع جماعات تضم كل منها مابين 40 إلى 60 فردا وكنت أحضر يوميا الاجتماعات المقررة أسبوعيا بما فيها الاجتماع الأسبوعي للمسيرين بدرب السلطان.
وفي هذه الفترة كنت أعمل بالمطابع المتحدة لصاحبها المعمر الشهير (ماس) صاحب صحيفتي، بتي مروكان ولافيجي مروكان. وكان أغلبية العمال أجانب ويهودا متعصبين إلى الصهيونية العالمية وكان حديث الجميع هو فلسطين وما يجري هناك من أحداث وتكررت اصطداماتي مع هؤلاء وكثرت تشكياتهم بي إلى صاحب المطبعة. وقد طلب منى مدير المطبعة المدعو بارون الاقلاع عن الحديث في الشؤون الفلسطينية ووعدني بتحسين حالتي المادية ان فعلت. إلا أن الجو ظل متوترا في المطبعة لأني استطعت توحيد كلمة العمال المغاربة رغم قلتهم لمواجهة الصهاينة وعناصر أخرى من مختلف الجنسيات. وفي أواخر سنة 1950 امرني (ماس) بمغادرة المطبعة بدعوى ان هؤلاء جميعا هددوا باعلان اضراب عام اذا بقيت بالمطبعة، وهكذا غادرت المطبعة وبقيت فترة أفكر في طريقة جديدة للعمل من أجل كسب العيش، وأخيرا اهتديت إلى انشاء معمل لتجليد الكتب، ولكن كيف وهذا يتطلب مالا لشراء بعض الآلات والتجهيزات الضرورية، وهذا غير موجود. فاهتديت إلى الاتصال بالسيد التهامي نعمان صاحب مكتبة الاخوان وكان هو بدوره مسيرا في حزب الاستقلال. فعرضت عليه فكرتي في انشاء مصنع لتجليد الكتب فاستحسن الفكرة
ووعدني بالتدخل لدى شريكه وصديقه السيد الطيب الخطيب. وفي أول لقاء مع هذا الأخير تم الاتفاق على انشاء هذا المصنع الذي أطلقنا عليه اسم «فن التجليد» وكان بشارع سيدي عقبة بالأحباس مقابل مكتبة الاخوان، وهنا ربطت علاقتي أكثر مع الأخ التهامي نعمان. وكان لهذا الأخير بيت يقطنه ببناية معمل النجارة للسيد الخطيب فشاركته في هذا البيت وكنا نعد الطعام بأنفسنا أو بمساعدة بعض الاخوان الذين كانوا يزوروننا في البيت المذكور للمذاكرة والتعليق على الأحداث التي تجري في الشرق العربي أو الباكستان وإندونسيا بصفة عامة وشؤون المغرب بصفة خاصة. وفي هذه الفترة بالذات تعرفت على الأخ حسين برادة وكنا نتصل يوميا بالبيت المذكور وكان الحديث يجري بشكل خاص اذا حضر كل من حسن العرائشي والتهامي نعمان والحسين برادة أما إذا حضر غير هؤلاء فيجري على طريقة أخرى رغم أن جميع زوارنا كانوا من الوطنيين ذوي الثقة.
انضمام الزرقطوني
وحوالي الثلث الأول من سنة 1951 اقترحت على الأخوين انضمام السيد سليمان العرائشي وهو مطبعي أيضا، وكنت أعرفه منذ الصبا ولي به ثقة كاملة فبدأ يحضر اجتماعاتنا لإعداد العدة وتخطيط ما نحن مقبلون عليه من عمل لتكوين اول فرقة أطلقتنا عليها اسم «المتطوعون»، ثم من بعد حركة المقاومة المغربية. وبعد سلسلة من الاجتماعات اقترح علينا الأخ التهامي نعمان الشهيد محمد الزرقطوني وكان مسيرا لحزب الاستقلال بالمدينة القديمة وبعد بحث ودراسة وافية حول شخصية المرحوم الزرقطوني تمت الموافقة على قبوله في خليتنا الصغيرة.
ولأول مرة استعملنا لباسا أسود وقناعا اسود نحن الثلاثة»: حسن، حسين، سليمان، وكنا جالسين على طاولة بالبيت في معمل النجارة وقدمه الينا السيد التهامي. وفي جو رهيب اقسم الأخ المرحوم يمين الاخلاص فوق مصحف ومسدس كنا نملكه. وكان حتى هذه اللحظة لا يعرف شهيدنا شيئا عن هوية الملثمين الثلاثة، ودار حديث قصير بين الأعضاء الخمسة في جو رهيب، ولم يمر إلا أسبوع واحد حتى تعرف السيد الزرقطوني على شخصية رفاقه الثلاثة الملثمين وصار يتصل بالجماعة بصفة دائمة ومستمرة. وكان رحمه الله مقداما ولا يعرف المستحيل. وهكذا استمرت هذه الخلية المتركبة من ثلاثة مسيرين في حزب الاستقلال وهم: حسن العرائشي، محمد الزرقطوني، التهامي نعمان، والاخوين: حسين برادة، وسليمان العرائشي.
تعزيز الجماعة من بين انصار الحزب:
استمرت الجماعة في اجتماعاتها بصفة منتظمة ومنسجمة إلى أن تقرر في أواخر سنة 1951 وجوب اختيار عناصر من بين صفوف جماعات حزب الاستقلال لتكوينهم واعدادهم لما نحن مقدمون عليه.
وهكذا تكفل كل من الإخوان: حسن العرائشي ومحمد الزرقطوني والتهامي نعمان بمهمة هذا الاختيار وكنا نتبادل الزيارات للجماعات التي نحن مكلفون بتسييرها للاتفاق على العناصر المختارة وهكذا تم اختيار العناصر الأولى وكان من بينهم: محمد السكوري، محمد الغنيمي عبد الرحمان العسكري، محمد ابراهيم البعمراني، محمد بن موسى الخصاصي، المرحوم احمد شنطار، عبد الرحمان الصنهاجي، عبد الكبير الجزار، بوجمعة الجزار، وكان هؤلاء لا يتعرفون علي بعضهم بصفة جماعية بل لا تتعدى المجموعة ثلاثة أعضاء.
وكنت أقوم رفقة الأخ الزرقطوني بإعداد رحلات لبعض هؤلاء إلى غاية وادي نفيفيخ او شلالات (كاسكاد) لتمرينهم وتدريبهم رياضيا ونفسانيا.
جس النبض:
وفي إحدى جلساتنا تقرر تنفيذ أول عمل ينبغي القيام به لجس نبض التجار المغاربة ومدى استعدادهم لتحمل بعض التضحيات لإظهار تضامن المغاربة واتحادهم، هو توزيع منشور يحث التجار على إقفال متاجرهم يوم الجمعة فكانت الاستجابة مشجعة إلا أن بعض التجار تنطعوا كمجموعة تجار بابن جدية وبعض تجار آخرين، فتقرر إحراقهم أو اتلاف بضائعهم بالماء القاطع وهكذا تم أول عمل بنجاح قامت به الجماعة. وفي احداث سنة 1952 على اثر اغتيال الزعيم التونسي فرحات حشاد وقعت اعتقالات واسعة النطاق في صفوف حزب الاستقلال وكان اسمي من بين الإخوان الذين تقرر اعتقالهم من طرف السلطات الاستعمارية وكذا اسم الأخ الزرقطوني فتقرر الاختفاء على إثر هذه الاحداث وهذا مما ساعدنا على التفرغ بصفة دائمة ومستمرة. وهكذا تقرر كراء دار تكون مأمنا للجماعة ومقرا لاجتماعاتنا، فتم اختيار شقة فوق إسطبل للبقر الحلوب للسيد الحاج البعمراني بدرب القريعة فأقام بها المرحوم ناجي عمر وزوجته السيدة الزهرة العرائشية.
وفي خضم هذه الأحداث والأخطار التي كانت محدقة بقيادة حزب الاستقلال والعرش، تقرر تعيين أعضاء للمكاتب السرية يخلفون من يقعون في أسر، وهكذا وقع اختيار تنظيم جديد وكان من بين المكلفين حسن العرائشي في درب السلطان والاخ محمد الزرقطوني في المدينة القديمة.
تأثرت الوطنية بشدة باعتقال اغلبية القادة في 1952 وظن الاستعمار أن الجو أصبح ملائما لتطبيق جو الارهاب واليأس في صفوف المغاربة فقامت جماعة «المتطوعون» وهو الاسم الأول لحركة المقاومة المغربية وفكرت في طبع منشور وتوزيعه على أوسع نطاق لاعادة الثقة الى النفوس واشعار العدو بأن الكفاح مستمر.
المنشور الأول:
وهكذا تم اقتناء جلد مقوى ونقشت الحروف على الجلد واستغرقت العملية إعداد المنشور ثلاثة أيام بالتعاون بين حسن العرائشي وسليمان العرائشي وكان مطلع ذلك المنشور الشهير:
- ان الشعب المغربي ليستنكر بكل قواه الأعمال الارهابية التي تقوم بها الادارة الاستعمارية من تقتيل وتشريد ضد شعب أعزل لاذنب له إلا المطالبة بحقه في الحرية والاستقلال الخ،،
وقد طبع هذا المنشور بمطبعة الاطلس ووزع على نطاق واسع في الدار البيضاء. أما مراكش فقد تكفل بها كل من محمد السكوري ومحمد الغليمي، وفي مدينة مكناس وكلت عملية التوزيع الى سليمان العرائشي.
وتكفل الاخ الحسين برادة بمدينة فاس، وقد سافر هؤلاء جميعا في وقت واحد على أن يوزع المنشور في وقت محدد والاتصال هاتفياً بكلمة سر لابلاغنا بانهاء المهمة نفذت على الوجه المطلوب.
وبعد عودة الاخوين السكوري والغنيمي من مراكش علمنا أن الكلاوي باشا مراكش اعتقل 17 طالبا من كلية بن يوسف واتهمهم بتوزيع المنشور وعذبوا بطريقة وحشية للاعتراف بمسؤوليتهم عن توزيع ذلك المنشور الذي لم يكن لهم به أي علم ولم يكن لهم أي اتصال على الاطلاق بجماعة «المتطوعون» الا أنه التحق فيما بعد بعض من هؤلاء بصفوف المقاومة في المرحلة الثالثة.
محاولة نسف تمثال ليوطى:
وبمناسبة ذكرى اليوم المشؤوم لعقد الحماية 30 مارس 1952 تقرر القيام بمحاولة لنسف تمثال ليوطى. فأعدت قنبلة من حجم صغير وتوجه الرفقاء الخمسة إلى المكان الموجود به التمثال بعد منتصف الليل حيث تكفل ثلاثة بالحراسة والاثنان باشعال الفتيل وبعد اتمام المهمة كان من المتفق عليه أن يعود كل واحد منا على حدة إلى شقتنا بمعمل النجارة، ولما التأم الجمع أدركنا ان الانفجار لم يحدث وذلك لان الفتيل لم يكن في حالة جيدة. فتطوع الاخ الزرقطوني باستعادة القنبلة وأعيدت الكرة في ليلة ممطرة على يد الرفقاء الخمسة انفسهم ولم يسعدنا الحظ في هذه المرة كذلك.
وتوالت الاجتماعات التي لم تكن لتنقطع لان الرفقاء الخمسة كانوا ملازمين بعضهم بعضا في أوقات الطعام والراحة والعمل، وكانت احيانا تدور مناقشة حادة حتى أن البعض قد يظن ان الجماعة في عراك ولكن دائما تنتهي الجلسات في جو من الاخوة الصادقة تحدو الجميع خدمة الصالح العام
وحوالي 14 نونبر 1952 تقرر تصعيد المقاومة في خطة جديدة لضرب أذناب الاستعمار وإيقاع الرعب بين صفوفهم، وهكذا تقرر تفجير عدة شحنات من القنابل في كل من دور جريدة العزيمة، ودار ادريس بن عبدالعالي صاحب جريدة الحرية والثالثة بصيدلية يملكها معمر بشارع فيكتور هيجو.
في غمرة تلك الاحداث كنت مارا بشارع ايت أفلمان التقيت صدفة مع الاخ عبدالسلام بناني وكان قد عاد لتوه من الخارج حيث كان يتابع . العلاج. وبعد استسفاره عن حالته الصحية طلب مني تعيين وقت للاتصال به لأمر هام فوعدته في فجر اليوم التالي. وبالفعل التقيت به فأبلغني أنه مرسول من طرف الحزب. وقد تم تحضير قائمة من أنشط العناصر في الحزب من أجل تأسيس مقاومة مسلحة وأشار الى بعد الاحداث التي كان المغرب مسرحا لها مثل: المنشور الذائع الصيت بامضاء «المتطوعون» وبعض الحرائق والقنابل وأشار أن هذه الاعمال لابد وأن تكون من صنع هذه العناصر التي أشار إليها في قائمته.
واستمرت هذه الاتصالات في بيته مباشرة بعد صلاة الفجر عدة أيام، وكنت أتناول الفطور معه في بيته وبعدما أودعه كنت أجد الاخوان الاربعة في انتظاري لابلاغهم عما يجري بيننا من حديث. وهكذا تم في الاخير قبول الاخ عبد السلام بناني في صفوفنا وكان أول اجتماع حضره مع المجموعة في بيت السيد التهامي نعمان وكان قد انتقل بعد زواجه الى بيته الجديد بعمارة السيد الغزواني فوق الكراج الملكي.
وبعد سلسلة من الاجتماعات اقترحنا على الاخ عبدالسلام بناني أن يربطنا مباشرة بالعناصر المتصلة به لانه كان معرضا للاعتقال من ساعة الأخرى بسبب ارتباطاته السياسية فاقترح علينا جماعة من الوطنيين منهم السيدان اسعيد بونعيلات، ومنصور محمد بن الحاج، وبعدهما قدم لنا السيد الدكتور عبدالكريم الخطيب ومولاي العربي، وعبد العزيز الماسي، وبهذه المجموعة الجديدة تعززت صفوف المقاومة، وكان من المبادئ الاساسية التي نحرص عليها كل الحرص عدم
تنصيب ابن عرفة
قبل اقدام فرنسا على عملها الشنيع بخلع الملك تحرك القواد وبدأوا سلسلة من الاجتماعات بزعامة الكلاوي والكتاني، وقد أنيط بي تتبع نشاط هؤلاء عن كثب. ولما بلغ علم حركة المقاومة أن الباشوات والقواد كانوا على موعد في مولاي ادريس زرهون تقرر تشكيل وفد لملاحقتهم هناك واستطلاع أخبارهم، فتقرر أن يسافر السيد محمد بن ابراهيم البعمراني في سيارة نقل المسافرين (الستيام) نظرا لعلاقته مع قريب له هناك، على أن نلتحق به.
في يوم 10 غشت 1953 سافرت رفقة مجموعة من الفدائيين في سيارة (طركسيون) وهي أول سيارة كانت في ملك المقاومة. وفي زرهون التقيت بالأخ محمد بن ابراهيم البعمراني، فأبلغني أن القوم اجتمعوا لأداء اليمين يمين الخيانة والعار وغادروا مدينة زرهون إلى حال سبيلهم.
محاولة اغتيال بن عرفة في مراكش ثم في فاس
وفي يوم 11 غشت 1953 تقرر ارسال ثلاث فرق إلى مدينة مراكش لإثارة القلاقل والحيلولة دون تسمية ابن عرفة «أميرا للمؤمنين» كما كان مقررا.
هذا وكانت الفرق الثلاث برآسة كل من السادة:
المرحوم محمد الزرقطوني
السيد عبد الرحمان الصنهاجي
السيد الحسن العرائشي
وفي نفس اليوم عقدت جلسة ثانية مع الفرقة التي كانت سترافقني إلى مراكش بمنزل الأخ محمد بن ابراهيم البعمراني الذي كان من بين أعضائها، كما كانت تضم البطل المرحوم مولاي احمد الممرض الذي مات تحت تعذيب القواد بالبيضاء، والمرحوم عبد العزيز الماسي، ومولاي العربي الشتوكي. وسافرت الفرق الثلاث إلى مراكش كل فريق بوسائله الخاصة، ولم يكن الأعضاء يعرفون حينئذ مهمة بعضهم داخل المنظمة، كما أن الاقامة بمراكش كانت منفصلة، اللهم ما كان من لقاءات تجري بين المسؤولين الثلاثة في أوقات وأماكن معينة.
هذا وبخصوص الجماعة التي تشرفت برئاستها فقد توجهنا إلى مراكش بواسطة سيارة (طراكسيون 15) كان يقودها السيد مولاي العربي الشتوكي، ولما وصلنا إلى مراكش طلبت منه العودة إلى البيضاء لكي لا يشتبه في السيارة (هذه السيارة لازالت لحد الآن محفوظة في مرأب عند الأخ مولاي العربي).
وفي مراكش وبفضل المرحوم عبد السلام بناني تعرفت على السادة:
الصديق الغراس
ابن ابراهيم
المرحوم المقدم عمر
وهذه أول مجموعة ارتبطت بالمقاومة وقد وضعوا رهن إشارتنا منزلا، وكانوا خير معين لنا مدة الإقامة بمراكش.
وفي مسجد الكتبية حيث كان مقررا إعلان تسمية ابن عرفة أميرا للمؤمنين، وقع ما لم يكن في حسبان رجال البادية الذين حشروا في المسجد (بهراواتهم) كان معظمهم من قبيل كلاوة، ومسفيوة، وبحيلة من المرحوم محمد الزرقطوني ارتفع صوت داخل المسجد «شد، شد»، فقام الجميع يجري داخل المسجد ووقع الهلع في نفوس الجماهير المحتشدة فيه وهرعوا يطلبون النجدة، وخارج المسجد وقفت رفقة الأخ الزرقطوني نشاهد الجماهير تهرول بغير هدى.؟
ولازلت اتذكر قول أحد المراكشيين الظرفاء وهو يجيب أحد المتسائلين عن سبب هذه الفوضى فأجابه بأن سيدنا اسرافيل نفخ في المسجد.
وبعدما قضينا ثلاثة أيام بمراكش عدنا الى البيضاء بواسطة القطار.
محاولة ثانية لاغتيال ابن عرفة
ولما بلغ الى علمنا أنهم يهيئون رحلة رسمية لابن عرفة لمدينة فاس، تقرر ايفاد مجموعة من فدائيي الدار البيضاء والرباط، وكانت هذه المجموعة تضم كل من السادة: ابراهيم البعمراني الحسن العرائشي وعبد العزيز الماسي من البيضاء، وعبد القادر عسو، وعبد اللطيف السمار، ومولاي اعلي الفيلالي من الرباط، واخترت للمجموعة منزلا بسيدي حرازم للمبيت هناك وذلك بغية الابتعاد عن الشبهات، وزودتهم بالمعلومات الضرورية وبالسلاح والذخيرة (كان بعضهم يحمل السلاح لأول مرة) أما المرحوم عبد العزيز الماسي فقد رافقني للمبيت في فاس، وفي الصباح الباكر قمت بجولة رفقة المرحوم عبد العزيز الماسي في فاس وضواحيها على متن سياراتنا (طراكسيون 15) وذلك لاستطلاع الحالة عن كثب وكما فعلت الإدارة الاستعمارية في مراكش حيث ملأت جوانب المدينة بالبدو، ونفس الشيء فعله دهاقنة الاستعمار هذه المرة، حيث ملأوا مدينة فاس برجال القبائل من الحياينة، وغياتة، وبني وراين، وباقي القبائل المجاورة، كما حشدت الإدارة الفرنسية قوات كثيفة لإظهار عضلاتها، كم جيء برجال الشرطة السرية من جميع انحاء المغرب، ولهذا لم يتمكن أعضاء الفرقة من تنفيذ مأموريتهم .
الاتصال بالشمال
وكان نفي الملك إيذانا بالانطلاقة الكبرى لتصعيد المقاومة. ففي شهر سبتمبر 1953 كلفت من طرف الاخوان. وبادئ ذي بدء كنا نود أن يربط حركةالمقاومة مع الأخ أحمد بن منصور النجاعي ليسهل لنا هذا الأخير الاتصالات مع عناصر في سوق أربعاء الغرب لتسهيل مرور بعض الاخوان الذين يفتضح أمرهم لدى الشرطة لتسهيل مرور هؤلاء الى الشمال.
وفي اليوم المتفق عليه جئت رفقة الأخ عبد السلام بناني الى منزل الدكتور الخطيب قبل الفجر وطرقت الباب وأعلمت لمن أجابني من داخل البيت أن امرأتي حامل وهي في حالة مخاض. وهذا بناء على اقتراح الأخ الدكتور حتى لايزعج أهله. وخرج إلينا وهو في أتم نشاطه وحيويته وأمتطينا سيارته في طريقنا الى الرباط. وفي الرباط بدل سيارته ولست أدرى هل كانت السيارة له أم للأخ النجاعي وصلنا في الصباح الباكر الى سوق الثلاثاء بالغرب وكان الأخ منصور النجاعى في انتظارنا واعطيناه نظرة موجزة عن الحالة بوجه عام والدار البيضاء بوجه خاص وعرضنا عليه فكرتنا وابلغنا بوجود جماعة من الفدائيين الذين كانوا حينئذ لايتعدون بضع عشرات، وقلنا إن ما نريده من السيد النجاعي هو وقوفه بجانبنا، وكان هذا الاتصال مشجعا إذ أجابنا على الفور انه وأمواله في خدمة هذا الهدف وكل ما يوكل اليه فهو على أتم الاستعداد لتنفيذه. وبخصوص الاشخاص الذين سيوكل اليهم تسهيل الاتصال بالشمال اقترح علينا الاخ أحمد النجاعي السيد أحمد قريون الذي صار مفتشا لحزب الاستقلال بالرباط. وناحيته بعد اعلان الاستقلال، وتاجرا بسوق الأربعاء يدعى علال، وتاجرا مهربا هو السيد أجيط محمد
وزوجته، عمل بعد الاستقلال في القوات المساعدة بتازة، ومما قترحه علينا الاخ النجاعي اسم احد الضباط الذين كانوا يعملون بالجيش الفرنسي يعرفه جيدا ربما ساعدنا ببعض السلاح الا أن هذه المحاولة لم تنجح، ولم نعد لذكر هذا الاسم قط.
ومثل هذا حصل لنا مع أحد الوطنيين لم احتجنا الى آلة تور لصنع القنابل فكان جوابه انه معروف لدى الشرطة الفرنسية وليس مستعدا لهذه المغامرة انه أحميدو الوطني رحمه الله وعند عودتنا من سوق الثلاثاء اتصلنا في مدينة القنيطرة بالاخ الحسين الجديدي الذي التزم بمساعدتنا لشراء تور وتمت الصفقة ب 000 100 سنتم من عند أخيه السيد عبد الكبير الجديدي، واودعت الآلة عندالأخ بن الحاج العتابي لتكون رهن اشارة السيد بوشعيب راغب الذي كان متخصصا في صنع القنابل المحلية التي كانت تفجر بدور الخونة أو الساحات العمومية وتلقي الرعب في صفوفهم.
وفي إحدى تلك الاجتماعات التي لم تكن لتنقطع تقرر القيام بثلاثة اغتيالات، وكانت هذه أول مرة تقرر حركة المقاومة المغربية الشروع في الاغتيالات.
وبما أن الأخ عبد السلام بناني لم يكن حاضرا معنا في الاجتماع فقد كلفت بابلاغه الأمر فضربت له موعدا بمقهى مقابل السينما (ريالطو) وحضر في اللحظة المتفق عليها، وتبادلنا الرأي في كيفية تطبيق العمليات الثلاث، ولامجال لذكر اسماء من سقطوا أونجوا من تلك العملية لأن الصحف الاستعمارية والمحاكمات تكفلت باظهار الوقائع وأسماء المقاومين الذين قاموا بتلك العمليات و خططوا لتنفيذها بل وصدرت أحكام قاسية ضد بعضهم واعترفوا بشجاعة أمام المحاكم العسكرية الفرنسية أو عملية بالرصاص كانت في شهر سبتمبر 1953 سقط فيها خائن وجرح مفتش للشرطة معروف لدى الأوساط الوطنية.
وبعد هذه العملية مباشرة اعتقل الأخوان التهامي نعمان وعبد السلام بناني لأنشطتهما السياسية البارزة في حزب الاستقلال، وعلى إثر هذا الاعتقال كلفت من طرف الإخوان بالاتصال بالدكتور الخطيب من أجل تهييء اتصال مع القادة في الشمال. وكالمعتاد أجريت اتصالا مع الأخ عبد الكريم بعيادته، فنظم لي هذا الاتصال على أن أسافر الى القصر الكبير ومن هناك سيتصل أحد المسؤولين هناك في حزب الاصلاح بالمرحوم عبدالخالق الطريس
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.